شكراً: 109
تم شكره 212 مرة في 103 مشاركة
|
رد: بني الإسلام على خمس
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله : ( حنظلة بن أبي سفيان )
هو قرشي مكي من ذرية صفوان بن أمية الجمحي , وعكرمة بن خالد هو ابن سعيد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي , وهو ثقة متفق عليه , وفي طبقته عكرمة بن خالد بن سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي , وهو ضعيف , ولم يخرج له البخاري , نبهت عليه لشدة التباسه , ويفترقان بشيوخهما , ولم يرو الضعيف عن ابن عمر . زاد مسلم في روايته عن حنظلة قال : سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا أن رجلا قال لعبد الله بن عمر : ألا تغزو ؟ فقال : إني سمعت . . . فذكر الحديث .
( فائدة ) :
اسم الرجل السائل حكيم , ذكره البيهقي .
قوله : ( على خمس )
أي : دعائم . وصرح به عبد الرزاق في روايته . وفي رواية لمسلم على خمسة أي : أركان . فإن قيل الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد ؟ أجيب بجواز ابتناء أمر على أمر ينبني على الأمرين أمر آخر . فإن قيل : المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه , أجيب : بأن المجموع غير من حيث الانفراد , عين من حيث الجمع . ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان , فما دام الأوسط قائما فمسمى البيت موجود ولو سقط مهما سقط من الأركان , فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت , فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد , وبالنظر إلى أفراده أشياء . وأيضا فبالنظر إلى أسه وأركانه , الأس أصل , والأركان تبع وتكملة .
( تنبيهات ) :
أحدها : لم يذكر الجهاد ; لأنه فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال , ولهذا جعله ابن عمر جواب السائل , وزاد في رواية عبد الرزاق في آخره : وإن الجهاد من العمل الحسن . وأغرب ابن بطال فزعم أن هذا الحديث كان أول الإسلام قبل فرض الجهاد , وفيه نظر , بل هو خطأ ; لأن فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر , وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية , وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلك والحج بعد ذلك على الصحيح .
ثانيها : قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " وما بعدها مخفوض على البدل من خمس , ويجوز الرفع على حذف الخبر , والتقدير منها شهادة أن لا إله إلا الله . أو على حذف المبتدأ , والتقدير أحدها شهادة أن لا إله إلا الله . فإن قيل : لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل عليه السلام ؟ أجيب بأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به , فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات . وقال الإسماعيلي ما محصله : هو من باب تسمية الشيء ببعضه كما تقول : قرأت الحمد وتريد جميع الفاتحة , وكذا تقول مثلا : شهدت برسالة محمد وتريد جميع ما ذكر . والله أعلم .
ثالثها : المراد بإقام الصلاة المداومة عليها أو مطلق الإتيان بها , والمراد بإيتاء الزكاة إخراج جزء من المال على وجه مخصوص .
رابعها : اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد على الرسالة , ولم يتابع , مع أنه إذا دقق فيه بان وجهه , ويزداد اتجاها إذا فرقهما , فليتأمل .
خامسها : يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن ; لأن عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر ما ذكر , ومفهومه أن من لم يباشره لا يصح منه , وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى ( والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم ) على ما تقرر في موضعه .
سادسها : وقع هنا تقديم الحج على الصوم , وعليه بنى البخاري ترتيبه , لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج , قال , فقال رجل : والحج وصيام رمضان , فقال ابن عمر : لا , صيام رمضان والحج , هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى . ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى , إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس , أو حضر ذلك ثم نسيه . ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين ونسي أحدهما عند رده على الرجل , ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي , كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج , ولأبي عوانة - من وجه آخر عن حنظلة - أنه جعل صوم رمضان قبل , فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى . ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة , أفيقال إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه ؟ هذا مستبعد . والله أعلم .
|