(( ملوية سامراء في تاريخ العراق ))
في منتصف القرن الثامن الميلادي ( 850 م ) أنتهى الصراع بين الأمويين والعباسيين بانتصار العباسيين و القضاء على الدولة الأموية و قتل آخر الخلفاء الأمويين ( مروان بن محمد ) ، و تم قتله في مصر أثناء محاولة هربه ، و لم ينجو من الأمويين سوى عبد الرحمن الذي فرٌ إلى الأندلس ليقيم هناك دولة أموية جديدة .
بعد انتصار العباسيين قرر أبو العباس أول الخلفاء العباسيين نقل العاصمة إلى الكوفة ، فلم يكن من الممكن أن تكون دمشق معقل الأمويين مقرا لحكم العباسيين .
و بعد وفاة أبو العباس و تولي الخليفة المنصور الحكم ، قرر المنصور بناء عاصمة جديدة و هي ( بغداد ) ، و جمع لها العمال من جميع أنحاء البلاد ، و حسب وصف المؤرخين .. أن مدينة بغداد التي بناها المنصور كانت مدينة دائرية ، أي مسقطها الأفقي دائري ، يتوسطها قصر الخلافة و يحيط بها خندق و سور مزدوج و لها أربعة أبواب أطلق على كلا منها اسم المكان الذي يؤدي إليه، (باب الكوفة - باب البصرة - باب الشام - باب خرسان ) . و يقال أن محيط أسوار المدينة كان حوالي ( 16 ألف ) ذراع و الطرق كلها إشعاعية تتجه إلى مركز المدينة ( القصر ) و كانت المداخل للمدينة منكسرة ( Bentranses ) .
كان لانتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد تأثير قوي على تطور العمارة والفنون في هذه الفترة ، يقارنه البعض بتأثير انتقال عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطا، الأمر الذي يعني مزيد من التأثيرات الشرقية خاصة أن الدولة العباسية قامت على أكتاف الفرس فهم أصحاب الإسهام الأكبر في قيام الدولة العباسية .
ومن أهم الآثار التي وصلت إلينا من عصر الدولة العباسية مدينة ( سامراء ) حيث أصل الاسم ( سُرٌ من رأى ) و التي بناها الخليفة المعتصم بالقرب من بغداد حوالي سنة ( 836 م ) .
سامراء لم تدم أكثر من ( 150 عام ) و حكم بها ثمانية خلفاء من العباسيين وهم ( المعتصم بالله - المنتصر بالله - الواثق بالله - المتوكل على الله - المستعين بالله - و المعتز بالله و المهتدي بالله و المعتمد . و هجرها المعتمد على الله حوالي سنة ( 889 م ) ، فهي مدينة نمت بسرعة هائلة و انتهت بسرعة هائلة أيضا .
و من أهم ما وصلنا من سامراء ( جامع سامراء الكبير ) و قد بناه الخليفة المتوكل حوالي سنة ( 849 م ) ، جامع سامراء من أكبر المساجد مساحًة حيث تبلغ مساحته حوالي ( 156 × 200 م ) و هذا بدون الزيادة المحيطة ، المسجد مبني من الطوب ، و السقف خشبي مستوي يرتكز على أكتاف من الطوب في أركانها أعمدة ملتصقة ، و الزخارف جصية ( من الجبس ) و له مسقط أفقي تقليدي ، و للمسجد فناء مكشوف تحيط به ثلاث أروقة أعمقها رواق القبلة .
أشهر ما في هذا المسجد هي المئذنة الملوية ، و هي مئذنة مقامة على قاعدة مربعة ضلعها ( 33 م ) و ارتفاعها ( 3 م ) يعلوها جزء اسطواني يحيط به من الخارج درج حلزوني يلتف حول بدن المئذنة من الخارج و ارتفاع الجزء الدائري حوالي ( 50 متر ) .
أيضا في سامراء مسجد آخر مشابه لجامع سامرا الكبير و هو معروف باسم (مسجد أبي دلف ) أبعاده حوالي ( 135 × 215 م ) أيضا الفناء الداخلي مكشوف تحيط به الأروقة و أعمقها رواق القبلة، و أيضا المئذنة في الجهة الشمالية خارج بناء المسجد و هي أيضا مشابهة لمئذنة جامع سامرا الكبير ، و إن كانت أصغر منها ، فطول ضلع القاعدة المقامة عليها حوالي ( 11 م ) وارتفاعها حوالي ( 2.5 م ) بينما ارتفاع الجزء الدائري حوالي ( 16 م ) .
مدينة سامرا نمت بسرعة هائلة كما انتهت بعد ذلك بسرعة أيضا ، و من أجل الإسراع في عمليات البناء استخدم أسلوب جديد لعمل الزخارف التي تكسو حوائط المباني و هي زخارف جصية يتم عملها بواسطة قوالب خشبية يتم الضغط بها على البياض قبل أن يجف للحصول على الزخارف المطلوبة .
و يقسم مؤرخو الفنون زخارف سامرا إلى ثلاثة طرز :-
(1) الطراز الأول : زخارف ذات أشكال قريبة من الطبيعة .
(2) الطراز الثاني : زخارف محورة .
(3) الطراز الثالث : زخارف محورة ذات طابع تجريدي .
أيضا من آثار هذه الفترة بقايا قبة من المرجح أنها بنيت ليدفن فيها الخليفة المنتصر بالله ، و بنيت سنة ( 862 م ) و يقال أن مدفون بها ثلاثة من الخلفاء العباسيين ( المنتصر - المعتز - المهتدي ) . المبنى مكون من مثمن خارجي منتظم بداخله مثمن آخر داخله مربع يحمل القبة و مناطق الانتقال عبارة عن ما يسمى ( بالطاقات الركنية ) ، القبة قطرها حوالي ( 18 قدم ) ، و مادة البناء خليط من الطين و كسر ( الكوارتز ) مصنوعة على شكل قوالب أبعادها حوالي
(33 × 33 × 10 سم ) و هذا أقدم ما وصلنا من الأضرحة ذات القباب في العمارة الإسلامية .
أيضا من الآثار التي ترجع إلى هذه الفترة خزان للمياه أو صهريج للمياه في منطقة الرملة في فلسطين ، معروف باسم خزان الرملة مبني حوالي سنة (789 م ) ، وظيفته تخزين المياه تحت الأرض ، مبني من الحجر ، و المسقط الأفقي شبه منحرف مقسم إلى أجزاء بواسطة أكتاف تحمل عقودا في الاتجاهين ، هذه العقود المدببة تحمل أقبية مستمرة و هذه الأكتاف تقسم المساحة إلى ( 24 قسما ) بمنتصف كل قسم توجد فتحة في الصهريج يمكن منها الحصول على المياه .
في حوالي سنة ( 780 م ) قام الخليفة المهدي بتجديد المسجد الأقصى في القدس فقام بعمل المبنى على شكل مستطيل مقسم بواسطة صفوف من العقود عمودية على جدار القبلة و أمام المحراب قبة صغيرة ، و على محور القبلة المسافة بين العقود أكبر و أمام العقود قبة صغيرة ، و لا يوجد بداخله فناء مكشوف وذلك لوجود الساحة الخارجية للحرم عوضا عنه.