02-18-2011, 04:58 AM
|
رقم المشاركة : 4
|
شكراً: 1,536
تم شكره 1,377 مرة في 458 مشاركة
|
لَنْ يَخْلُقُوا
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73).
دأب العلماء في مختلف أنحاء العالم منذ قرابة القرن على استخدام مخلوق صغير لتصوير معرفتنا بعلم الوراثة. لقد درست ذبابة الفاكهة, التي يعتبرها العديد من المزارعين حشرة مضيفة, في مئات المختبرات وهي الآن تساعد في أبحاث عن أمراض متنوعة من السرطان حتى داء الزهايمر.
وتتميز ذبابة الفاكهة التي لا يتجاوز طولها بضعة ملليمترات بعينين عملاقتين حمراوين بحجم رأسها تقريباً. ولها ثلاثة أزواج من الأرجل ودرع دقيق من الكيتين (مادة قرنية) يغطي جسمها وزوج من الأجنحة الشفافة الملونة. ورغم كونها كائناً معقداً نسبياً, فإنها تعيش حياة قصيرة ومملة, تبدأ عندما تضع الأنثى بيوضها على سطح فاكهة فاسدة. وبعد يوم واحد تفقس هذه البيض منتجة يرقات بالغة الصغر تنمو بسرعة متغذية على كائنات الخميرة والفطريات التي تنمو في الفاكهة. وتطرح اليرقة إهابها لتصبح خادرة ثم يتغير جسمها جذرياً وينمو لها جناحان, وبعد ذلك تستهل الذبابة حياة هوائية وجيزة. وتكسو جسمها صفوف حساسة من الشعر الذي تستخدمه لاستكشاف أي شيء على تماس معها من تيار الهواء إلى جزيئات الخميرة. وتسعى الدروسوفيلا بكل ما أوتيت من طاقة وراء الطعام والجنس قبل أن تموت في غضون بضعة أيام فقط.
وهناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل ذبابة الفاكهة مفيدة للغاية للعلماء, أولا أنها صغيرة الحجم بحيث يمكن حفظ الآلاف منها في أنبوب واحد يوضع الغذاء في قعره وتغلق فوهته بقطعة قطن. وثانياً أنها تتكاثر بسرعة لان متوسط حياتها لا يتعدى الأسبوعين. ثالثاً أن ذبابة الفاكهة خضعت لدراسات كثيرة جداً من سنين طويلة لدرجة أن تفاصيل المعلومات المتوفرة عنها يمكن أن تملأ عدة موسوعات.
وهذا الكم الهائل من المعلومات والمعرفة يعطي العلماء انطلاقة مريحة وقوية في أي بحث جديد. ظلت ذبابة دروسوفيلا منذ أوائل القرن الماضي الاداة الرئيسية للدراسات العلمية التي تبحث في كيفية تشفير تفاصيل مظهر وشخصية كل كائن حي على وجه الخليقة داخل جيناته.
وحتى الاختلافات بين البشر وذباب الفاكهة تساعد الباحثين أيضا. فعلى سبيل المثال إن ذبابة الفاكهة ليست لها رئتان وهي تستعيض عنهما بامتصاص الأكسجين عبر ثقوب في جسمها. وقد طورت الذبابة الصغيرة نوعاً خاصاً من الهيموجلوبين غير معرض للإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب البشر. ويأمل العلماء أنهم بتحديد سبب تمتع هيموجلوبين ذبابة الفاكهة بهذه المرونة والقدرة على التكيف, قد يتوصلون إلى اكتشاف سبب انتقال اضطرابات الدم بالوراثة إلى بعض الأشخاص.
إن الأبحاث الأخيرة الجارية حول مرض السرطان تشير إلى أن التأثيرات الضارة مثل الإشعاعات وتلوث الجو، تعد من الأسباب المؤدية إلى تخريب الخلية وتشويهها مما يكون سبباً في حدوث مرض السرطان. ثم إنه لم تتم مشاهدة أي تغييرات من هذا النوع لا في الإنسان ولا في الأحياء المجهرية من العهود السابقة التي تستطيع الأبحاث العلمية الامتداد إليها وحتى الآن. وقد أجرى رجال العلم -للبرهنة على صحة هذا الزعم- تجارب على ذبابة الفاكهة "دروسوفيلا"سنوات عديدة، وحصلوا على أكثر من 400 نوع مختلف من نسلها.[1] ويعطينا البروفسور "عاطف شنكون" المعلومات الآتية حول هذه التجارب فيقول:
(ومع أننا لم نلاحظ حصول أي تغيرات جذرية في ماهيتها، إلا أنه تم حصول تغيرات عليها نتيجة تعرضها للطفرات. ولكن لم يتم الحصول على نسل جديد نتيجة تلاقحها وتناسلها)
والخلاصة أن التجارب العديدة التي أجريت على أكثر من 400 من ذبابة الفاكهة أظهرت أنه -مع حصول تغيرات طفيفة عليها- من المستحيل أن يتغير نوعها أو ماهيتها. فقد حدثت تغييرات غير ذات أهمية على ذبابات الفاكهة نتيجة تأثير الشروط والظروف البيئية عليها مثلما يحدث على الإنسان من تغييرات بسيطة من ناحية اسمرار الجلد، أو ارتفاع ضغط الدم. وعندما تمت عمليات التناسل بين هذه الذبابات المتعرضة لهذه التغيرات لم يتم الحصول على نسل جديد, أي أصبحت هذه الذبابات عقيمة، كما أن تشوهات عديدة ظهرت عليها.
لقد أعطي للإنسان حق وصلاحية التدخل في الطبيعة بمقياس معين، لأنه خليفة الله في الأرض ومكلف بعمارها واكتشاف العلوم وتطويرها استخدامها في هذا السبيل, مما يوجب عليه مثل هذا التدخل. ولكن هذا التدخل لن يستطيع تغيير الحيوانات من نوع إلى آخر. أما في النباتات فيمكن -حسب القوانين التي وضعها الله تعالى في الطبيعة- بواسطة عملية التطعيم في الأشجار الملائمة للتطعيم الحصول على نوع آخر من الأشجار. ولكن يجب التنويه بأن هذا غير ممكن في جميع الأشجار، فأي شجرة كانت ملائمة للتطعيم حسب طبيعة خلقها فيمكن تحويلها إلى نوع آخر بالتطعيم. ولكن لا يوجد في عالم الحيوان تغيير بهذا المقياس. ولكن يستطيع الإنسان بعملية التلقيح, أيْ باستخدام مني جاموس مثلاً من نوع جيد لتحسين نسل جاموسة أقل منه نوعية.
وتؤكد المعلومات الأنفة الذكر أن العلماء حاولوا جاهدين ولم يفلحوا في خلق ذبابة صغيرة
(قام العلماء بتعريض أعداد كبيرة من هذه الذبابة إلى العديد من أنواع الإشعاعات والمواد الكيماوية والحرارة الشديدة لإحداث طفرات عليها وتغير نوعها فلم يحصلوا إلا على ذبابات مشوهة وعقيمة وفاقدة لبعض أعضائها ولم يحصلوا على أي تغيير مفيد لهذا الكائن الحي)
وهذا ما تثبته الآية الكريمة (لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)
|
|
|