عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-29-2011, 01:21 PM
ndem ndem غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
شكراً: 0
تم شكره 9 مرة في 4 مشاركة

ndem عضوية تخطو طريقها








Ham رزق الله مكتوب، ولا يحول بينك وبينه غلاءٌ ولا غيرُه.

 
غلاء الأسعار

د. مهران ماهر عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم
غلاء الأسعار

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فإن غلاء الأسعار من المصائب التي عمَّت بها البلوى في زماننا هذا، ولا ريب أنه من صور البلاء. وقد تعلقت به أحكام وتنبيهات شرعية أرى أن من المهم الوقوف عليها، فكانت هذه الوقفات والإشارات([1]).

الغلاء بلاء قديم:
عن أنس رضي الله عنه: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعِّر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» رواه أبو داود.

محاربة الإسلام للغلاء
مما يبين ذلك:
1. النهي عن الغش، فبالغش تباع السلعة المعيبة بأغلى من ثمنها.
2. النهي عن النجش، وهو أن يزايد في سعر السلعة بدون رغبة في الشراء.
3. تحريم الربا.
4. النهي عن تلقي الركبان.
5. النهي عن الاحتكار. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "الاحتكار المحرم هو أن يمسك ما اشتراه لوقت في الغلاء لا الرخص من القوت ونحوه مثل التمر والزبيب، بقصد أن يبيعه بأغلى مما اشتراه به عند اشتداد الحاجة إليه، ويلحق بالقوت كل ما يعين عليه كاللحم والفواكه، ومتى اختل شرط من ذلك فلا حرمة، إذ لا يكره الاحتكار مع سعة الأبواب ورخص الأسعار، وأما احتكارها مع الضيق والغلاء فمكروه ومحرم"([2]).

الغلاء ابتلاء، والمؤمن يصبر على البلاء.
قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ{ [البقرة/45]، وقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ{[البقرة/153]، وفي آخر آل عمران: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{. وأغلى ثمرة للصبر نيلُ معية الله، ومن كان الله معه فلن يضرَّه ما نزل به من بلاء كغلاء وغيره. قال تعالى: }إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{ [البقرة/ 153، والأنفال/ 46]. وقال: }والله مع الصابرين{ [البقرة/249، والأنفال/66].
ومن مجالات الصبر: الصبر على شظف العيش وضيق الحال:
قال تعالى: }وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{[البقرة/177]. البأساء: الفقر، والضراء: المرض، حين البأس: عند مجابهة العدو.

ما نزل بلاء إلا بذنب.
قال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير{[الشورى/30]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: مهما أصابكم أيُّها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم"([3]).

وما رُفع إلا بتوبة.
قيل لبعض السلف: ارتفعت الأسعار! فقال: أنزلوها بالاسغفار.
والله يخبر عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: }اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح/10، 12]

ومن أسباب الغلاء أيضاً.
1. جشع التجار. ففي كثيرٍ من الأحيان يُمسك التِّجَّار السلعة، فتَقِلّ في سوق الناس، فيرتفع سعرها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق» رواه الترمذي. وقال: «التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء» رواه الترمذي.
2. الشحُّ في الدولار. وهذا ما حدث عندنا في السودان قبيل أيام، لما خيَّم شبحُ الانفصال على الناس فزعوا، فعمد كثير من أهل الأموال إلى استبدال أموالهم بالعملة الصعبة وتحويلها خارج البلاد.
3. الاحتكار.
4. قلة السلعة وعدم الموازنة بين العرض والطلب.
5. انعدام الأمن.

من آثار الغلاء
الفقر، إثقال كواهل الناس بالديون، السرقة، الإجرام، الاحتيال، الحسد، إلى غير ذلك من الآثار السيئة.

نصائح عند الغلاء
1. ترشيد الاستهلاك.
2. عدم الإسراف.
3. القناعة بالقليل، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق بشراء ما لا يتوفر سعره.
4. الإعراض عما ارتفع سعره من المستهلكات التي يصدق فيها أن ضررها أعظم من نفعها، كالمشروبات الغازية.
5. التسعير إن اضطر الناس إليه بدون أن يتضرر التاجر أو المستهلك، وهو قول جماعة من العلماء.
6. محاربة استيراد الكماليات من الأثاثات والألعاب وغيرها.

الغلاء وحسن الظن بالله.
مما لا شك فيه أن كل مصيبة تهون إذا فوض الإنسان أمره فيها إلى الله، ولجأ إليه، وأحسن الظن به، فهذا مما يخفف من آثارها علينا، ولا تلبث أن يضمحل أمرها بذلك. قال ربنا: } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ{ [الطلاق:3].
ولما كان الفقر والعوز من آثار الغلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بعظيم أثر التوكل وحسن الظن بالله في محو ذلك، ثبت في جامع الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل». وفيه أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم كنتم توكَّلون على الله حق توكله لرُزقتم كما يُرزق الطير تغدو خِماصا وتروح بِطانا».
ومما يحمل على حسن الظن بالله عند هذه الأزمات ثلاثة أمور:
1/ أن من أحسن ظنه بالله أعطاه الله إيَّاه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي» متفق عليه.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والذي لا إله غيرُه، ما أعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيرا من حسن الظن بالله عز وجل. والذي لا إله غيره، لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأنَّ الخير في يده» رواه ابن أبي الدنيا.
ومن عجيب ما قرأت في هذا الباب قول الزبير بن العوام لابنه عبد الله رضي الله عنهما: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟. قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. رواه البخاري.
2/ أن الله وعد بالتيسير بعد التعسير، }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ [الشرح/5، 6].
3/ أنَّه لا أرحم بالعباد من رب العباد. ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي» متفق عليه.

رزق الله مكتوب، ولا يحول بينك وبينه غلاءٌ ولا غيرُه.
قال تعالى: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ [هود/6]. فكل ما يدِبُّ على وجه الأرض تعهد الله تعالى برزقه.
وقال تعالى: }وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ [العنكبوت/60]. أي: لا تدَّخر غذاءها لغد، كما يفعل ابن آدم، فالله سبحانه وتعالى يرزقها كما يرزقكم. فنحن معطوفون في الرزق على الدواب، مع أن الإنسان هو الأصل، وهو المكرّم، والعالم كله خُلِق من أجله لخدمته، ومع ذلك لم يقُلْ سبحانه: نحن نرزقكم وإياهم، لماذا؟ قالوا: لأنك تظن أنها لا تستطيع أن تحمل أو تُدبِّر رزقها، ولا تتصرف فيه، فلفت نظرك إلى أننا سنرزقها قبلَك([4]).
وقال تعالى: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{ [الذاريات/22]. والمعنى: رزقكم من عند الله الذي في السماء. قال سفيان الثوري رحمه الله: قرأ واصل الأحدب هذه الآية: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{، فقال: ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خرِبة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئاً، فلما كان اليوم الثالث إذا هو بدَوْخَلَّة رُطَبٍ([5])، وكان له أخ أحسن نية منه، فدخل معه، فصارتا دوخلَّتين، فلم يزل ذلك دأبَهما حتى فرّق الموت بينهما"([6]).
وسمعتُ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول: حدَّثني من أثق به أنه كان في صحراء مكث فيها أياماً، فرأى فيها حيَّةً عظيمة عمياء، فكانت تخرج من جحرها في ساعة معينة تفتح فاها، فينزل إليها طعامُها، وذلك في كل يوم.
ألا يكفي لتثبيت الإيمان بهذه المسألة في قلوبنا قول ربنا: }وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ الله وَاسِعًا حَكِيمًا{ [النساء/130]؟ فإن المرأة ضعيفة، وفي غالب الأمر أنها حبيسة بيتها لا تعمل إلا عملها المبارك؛ رعاية زوجها وولدها، ورزق ربها لها كان من طريق زوجها، ومع ذلك يخبر الله تعالى أن الحياة إذا استحالت بين الزوجين فلا أحد يمسك عنها رزقها الذي قدره الله لها. والله يقول: }وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [يونس/107].
قال صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس قد نفث في رُوعي([7]) أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته» رواه الطبراني والحاكم.

إعمال أسباب البركة في الرزق من سبل مدافعة الغلاء؟
فليس الشأن أن يكثر مالك، وإنما الشأن أن يُباركَ لك فيه.
وإن من سبل ذلك:
1/ صلة الرحم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه» رواه البخاري ومسلم.
2/ الدعاء بالبركة. وقد كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللهمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ» رواه البخاري ومسلم.
3/ الإنفاق. ولا يخفى دعاء الملك كل يوم يصبح فيه العباد: «اللهم أعط منفقاً خلفاً» رواه أحمد.

الوقوف بجانب المحتاجين من أسباب رفع الغلاء والبلاء
إن الغلاء –بلا ريب- سيدخل عدداً من الناس ممن كان رزقهم كفافاً في دائرة الفقر، فلابد من العناية بأمر الفقراء، وهذا من أسباب رفع البلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم»؟ رواه البخاري.

دعاء المكروبين يزيل الله به هم المهمومين.
فمما يخفِّف آثار الغلاء والبلاء الإكثار من هذه الدعوات والأذكار:
}لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين{ [الأنبياء/87].
«اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله، إلا أنت» رواه أبو داود.
«لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» متفق عليه.
ونكثر من الدعاء بأن يرخص الله أسعارنا، ويبارك لنا فيما آتانا.

التضييق على المؤمن في أمر دنياه ليس نذير شؤم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتى الإيمان إلا من أحب» رواه الطبراني.

خمسة لا يسوِّغها الغلاء:
1/ الغلاء لا يسوغ أكل الحرام.
فمهما احتاج العبد وافتقر فليس له أن يأكل الحرام، ومتى ما أدخل العبد حراماً إلى جوفه فقد قطع صلته بربه.

2/ الغلاء لا يسوغ الغفلة عن عبادة الله وإفناء العمر في طلب الرزق.
إن من العبادات السعيَ في طلب الرزق، ومن خرج في عملٍ ليعفَّ نفسه أو ولده أو والده فهو في سبيل الله كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن ليس معنى ذلك أن تكون الدنيا أكبر همنا، ونَغْفُل عن أمر آخرتنا.
ارتفعت الأسعار في عهد بعض السلف، فأُخبر بذلك، فقال: "والله لا أبالي ولو أصبحت حبة الشعير بدينار! عليَّ أن أعبده كما أمرني، وعليه أن يرزقني كما وعدني".

3/ الغلاء لا يسوغ التسخط من الحال والغفلة عن حمد الله.
فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحمد الله في كل أحواله، إذا رأى ما يحب قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كل حال» رواه ابن ماجه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا، فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا» رواه أحمد.

4/ الغلاء لا يسوغ الخروج والتظاهرات.
وماذا فعلت المظاهرات في الجزائر بسبب الغلاء([8])؟ زادت المعاناة والبؤس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر» متفق عليه. فنبذل الذي علينا، وأما ما لنا فإن ضاع في الدنيا فلن يضيع في الآخرة.
جاء إلى الحسن أناس يريدون الخروج لضيم لحق بهم، فقال لهم: "والله لو الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيكلون إليه، والله ما جاؤوا بيوم خير قط، ثم تلا: }وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ{" [الأعراف/137]([9]).

5/ الغلاء لا يسوغ أن يكون المسلم سلماً يصعد عليه أصحاب الأغراض السياسية الدنيئة من المعارضة.
إنا لنسأل الله أن يولي علينا خيارنا، ومن ظن أنَّ الخير في هذه الأحزاب العلمانية التي توعدت بإسقاط النظام بسبب الغلاء فإني أذكره بما قال الأول:
والمستجير بعمرو عندكربته --- كالمستجير من الرمضاء بالنار

مما يحمل على الصبر على شظف العيش أن يعيش المسؤولون واقع رعيتهم.
فإن الصحابة لما جاعوا وشكوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم الجوع وحسر كل منهم عن حجر حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن حجرين في بطنه! فخفف هذا آلامهم، وتناسوا مصابهم.

وفي عام الرمادة لما جاع الناس أقسم عمر أنه لن يشبع حتى يكون الرخاء، فكان الزيت طعامه، فلما كان يسمع صوت بطنه كان يقول لها: "قرقري أو لا تقرقري، فو الله لا طعام لك غيره حتى يشبع الناس".

من آداب الضيافة أن لا يذكر الغلاء عند الضيف
"قال أبو العيناء: استضف بعض العرب، وكانت سنة مجدبة، فاعتذرت إليه، وذكرت غلاء الأسعار، وأكثرت من ذلك، فرفع يده، وقال: ليس من المروءة أن يذكر غلاء الأسعار للأضياف عند حضور الطعام! فاعتذرت إليه، وناشدته الله أن يأكل، فلم يفعل، ورحل من الغد"([10]).


------------------------------
[1] / سببُ الكتابةِ موجةٌ عاتيةٌ من الغلاء اجتاحت كثيراً من بلدان العالم، وقد أقرَّ البرلمان السوداني زياداتٍ لا طاقة للناس بها في أسعارِ المحروقات والسكر يوم الأربعاء 5/1/2011م، علماً بأنَّ الناس لم يفيقوا من ضربة الموجة الأولى للغلاء والتي ارتفعت فيها أسعار كلِّ شيء قبل أيام من الزيادة البرلمانية، وقد بلغت نسبة ارتفاع بعض السلع فيها 30%، وربما فاقتها في سلع لا أذكرها، ولا ينقضي العجب من تصرُّف بعض الدستوريين الذين أخذوا في التصفيق بعد الإعلان عن الزيادات!
[2] / الزواجر من ارتكاب الكبائر لابن حجر، ص(316).
[3] / تفسير القرآن العظيم (7/207).
[4] / كلمة للعلامة الشعرواي رحمه الله.
[5] / إناء من خوص النخل يوضع فيه الرطب.
[6] / تفسير الطبري (22/421).
[7] / رَوْعي: خوفي، ورُوْعي: قلبي.
[8] / كُتب هذا المقال يوم 8/1/2011م، وقد قتل في المظاهرات الجزائرية اثنان وجرح العشرات بسبب التظاهرات إلى وقت كتابة المقال!!
[9] / الشريعة للآجري، ص (43).
[10] / آداب المواكلة، ص(7).

-:مواضيع أخرى تفيدك:-

Share

رد مع اقتباس