الموضوع
:
حكم الاصطياد
عرض مشاركة واحدة
#
1
01-25-2011, 05:00 AM
ابو عماد
عضو فعال
شكراً: 0
تم شكره 357 مرة في 117 مشاركة
حكم الاصطياد
يباح الاصطياد إذا كان القصد منه دفع الحاجة والانتفاع بلحمه ويكره إذا كان القصد منه التلهي به واللعب والمفاخرة لأنه يشغل عما هو أنفع منه من الأعمال الدينية والدنيوية ومهمة الإنسان في هذه الحياة أرفع من هذا – إنه خلق للعمل الجاد لدينه ودنياه
.
ويحرم في حالتين:
الأولى: إذا ترتب عليه ظلم للناس بالعدوان على زروعهم وبساتينهم وأموالهم [انظر الاختبارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص325]
.
الثانية: إذا كان الصيد في الحرم أو في حالة الإحرام
.
قال سبحانه في بيان الحرم: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا أمنا} [العنكبوت آية (67)] وقال ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ في حديث طويل: "ولا ينفر صيده" متفق عليه وتنفير الصيد إزعاجه عن موضعه فيستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف من باب أولى – وخص منه المؤذيات بقوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ : "خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم" متفق عليه – وقال سبحانه في تحريم الصيد في حق المحرم: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} [المائدة آية 96] وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم} [المائدة آية 95]
.
المسألة الثانية: في بيان ما اتفق عليه وما اختلف فيه من شروط إباحة ما قتل بالاصطياد من الصيد مع الاستدلال والترجيح:
سبق أن الحيوان الذي يباح أكله ينقسم إلى قسمين – مقدور عليه وغير مقدور عليه
.
فالمقدور عليه لا يباح إلا بذكاة
.
وغير المقدور عليه له بعد إصابته حالتان:
الحالة الأولى: أن يدرك وفيه حياة مستقرة ففي هذه الحالة لا يحل أكله إلا بذكاة لأنه صار مقدورا عليه فأخذ حكم الحيوان الأهلي فلا بد فيه من الذكاة المعتبرة بشروطها السابقة والمراد بالحياة المستقرة أن تكون حركته فوق حركة المذبوح وأن يتسع الوقت لتذكيته
.
ففي هذه الحالة تكون إصابته بآلة الاصطياد قائمة مقام ذكاته فيحل أكله بالشروط الآتية:
الشرط الأول: أن يكون الصائد من أهل الذكاة – بأن يتوفر فيه الشرطان اللذان يشترطان في الذابح – وهما العقل والدين – فالعقل يعني به أن يكون مميزًا غير سكران ولا مجنون ولا يكون طفلًا دون التمييز والدين يعني به أن يكون
مسلمًا
أو
كتابيًا
– فلا يحل صيد الوثني والمجوسي والمرتد لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة
.
واعتبر الصائد بمنزلة المذكي فتشترط فيه الأهلية [المغني مع الشرح الكبير ص3 ج11 والمجموع ص100 ج9] التي اشترطت في المذكي على ما سبق بيانه
.
الشرط الثاني: صلاحية الآلة للصيد – وهي نوعان:
النوع الأول: ما يرمى به الصيد من كل محدد كالرماح والسيوف والسهام وما جرى مجراها مما يجرح بحدة كرصاص البنادق المعروفة اليوم
.
وقد حدث الرمي به بحدوث البارود في وسط المائة الثامنة [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ص105 ج2] بخلاف البندق الذي هو عبارة عن طينة مدورة يرمي بها [حاشية ابن عابدين ص304 ج9]
.
واحدتها بندقة فلا يحل ما قتلته لأنها تقتله بثقلها فترضه وتكسره فهو وقيذ – وأما رصاص البنادق المعروفة اليوم فيقتل بالخرق والنفوذ وهما أقوى من السلاح
.
وأفتى بعض الحنفية بعدم حل ما قتل برمي الرصاص لأن الجرح به يحصل بالإحراق والثقل بواسطة اندفاعه العنيف إذ ليس له حد [انظر حاشية ابن عابدين ص304 ج5] ولعله يعني بذلك نوعًا من الرصاص يتكون من قطع صغيرة مدورة لا تزال يرمى بها إلى اليوم يسميها العامة (الحلبي) أما الرصاص المعروف اليوم فلا وجه لتحريم ما قتل به
.
ويشترط في المحدد هنا ما يشترط في
آلة
الذكاة من كونه يقتل بحده وكونه غير سن وظفر كما تقدم
.
فإذا رمي الصيد بمحدد وأصابه بحده فقتله حل
.
وإن رماه بما لا حد له كالحجر أو بما له حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لحديث عدي [هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي أمير صحابي من الأجواد العقلاء كان رئيس طيء في الجاهلية والإسلام له 66 حديثا عاش أكثر من 100 سنة توفي سنة 68هـ / الأعلام ص8 ج5] بن حاتم قال سألت رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ عن صيد المعراض قال: (إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل [رواه البخاري ومسلم / المجموع شرح المهذب ص111 ج9] فإنه وقيذ) والمعراض: بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء المهملة وبعد الألف ضاد معجمة: عصا رأسها محدد
.
فإن أصاب بحده أكل لأنه كالسهم وأن أصاب بعرضه لم يؤكل
.
وقد علل في الحديث بأنه وقيذ وذلك لأنه ليس في معنى السهم بل هو في معنى الحجر وغيره من المثقلات [شرح العمدة لابن دقيق العيد بحاشيته ص471ـ472 ج4] "وما قتل بالمثقل فهو وقيذ لا يحل لأن الله حرم الموقوذة وهذا منها سواء جرحهبالمثقل أم لا لأنه لا يحصل بهذا الجرح إنهار الدم
.
النوع الثاني من
آلة
الصيد: الجوارح وهي الكواسب من السباع والكلاب والطير لقوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما
أمسك
ن عليكم واذكروا اسم الله عليه} [المائدة آية 4] وهي نوعان:
النوع الأول: ما يصيد بنابه كالكلب والفهد والنوع الثاني: ما يصيد بمخلبه كالصقر والبازي
.
ويشترط في النوعين التعل
يم.
وهذا الشرط لا خلاف فيه [المغني مع الشرح الكبير ص7 ج11] لقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله}
.
وتعل
يم
النوع الأول من الجوارح وهو ما يصيد بنابه يتبين بأمور:
الأمر الأول: أن يسترسل إذا أرسله صاحبه في طلب الصيد ومعنى ذلك أنه إذا أغراه صاحبه بالصيد بصياحه به، أو أشلائه
مثلًا
هاج لذلك وانبعث لطلبه
.
الأمر الثاني: أن يزجر إذا زجر – والزجر هنا معناه الصياح بالجارح ويكون لأحد غرضين:
1 – يكون لطلب وقوفه وكفه عن العدو– وهذا يعتبر قبل إرساله أو رؤيته الصيد عند الحنابلة [الشرح الكبير مع المغني ص26 ج11] ووجه في مذهب الشافعية / والأصح عندهم يعتبر ذلك مطلقًا قبل الإرسال وبعده [المجموع شرح المهذب ص94 ج9]
.
2 – ويكون الزجر لإغراء الجارح بزيادة العدو في طلب الصيد كما إذا استرسل بنفسه فتنبه له صاحبه فزجره لذلك [المقنع بحاشيته ص554 ج3]
.
وهذان الأمران اتفقت المذاهب الأربعة على اعتبارهما [الإفصاح لابن هبيرة ص449 ج2]
.
الأمر الثالث: أن لا يأكل من الصيد إذا
أمسك
ه فإن أكل منه لم يبح وهو قول أبي حنيفة [تكملة فتح القدير على الهداية ص115 ج10] وأصح الروايتين عن أحمد [المغني مع الشرح الكبير ص8 ج11] وهو مذهب الشافعية [المجموع ص94 ج9]
.
وعند المالكية أنه يباح ما أكل منه الجارح ولو أكل جله [الشرح الكبير ص104 ج2] وهو الرواية الثانية عن أحمد [نفس المصدر]
.
أدلة الفريقين: من اشتراط عدم الأكل في تعل
يم
الكلب استدل بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ قال: (إذا أرسلت كلابك
المُعَلمة
وذكرت اسم الله فكل مما
أمسك
ن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فاني أخاف أن يكون إنما
أمسك
على نفسه) [متفق عليه / المنتقى مع شرحه ص138 ج8] فهذا الحديث يدل على تحريم أكل الصيد الذي أكل منه الكلب وقد علّل في الحديث بالخوف من أنه إنما
أمسك
على نفسه مع قول الله تعالى: {فكلوا مما
أمسك
ن عليكم} وهذا مما لم يمسك علينا بل على نفسه
.
واحتج من أباح ما أكل منه الكلب بحديث أبي ثعلبة قال: قال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ : في صيد الكلب: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه) [رواه أبوداود / المنتقى مع شرحه ص138 ج8 وقال الحافظ لا بأس بسنده / فتح الباري ص602 ج9]
.
وأجابوا عن حديث عدي بأنه محمول على كراهة التنزيه [فتح الباري ص602 ج9] جمعًا بينه وبين هذا الحديث الدال على الجواز
.
ونوقش هذا الجمع بأنه لا يتناسب مع التصريح بالتعل
يل
في الحديث بخوف الإمساك على نفسه فقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه
أمسك
لنفسه لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك [نفس المصدر]
.
الترجيح:
وبالنظر في الدليلين نجد أن دليل القائلين بالتحريم أرجح لأنه مخرج في الصحيحين متفق على صحته ودليل بالإباحة مخرج في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفه [لأن في إسناده داود بن عمر الأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد ابن عبدالله العجلي: ليس بالقوي / نيل الأوطار ص138 ج8]
.
فعلى هذا يكون القول بالتحريم أرجح لا سيما وأن رواية عدي صريحة مقرونة بالتعل
يل
المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه مت
أ
يدة بأن
الأصل
في الذبائح التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى
الأصل
كما
يتأيد
أيضًا بقوله: {فكلوا مما
أمسك
ن عليكم} والذي يأكل إنما
أمسك
لنفسه فقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه
أمسك
لنفسه لا لصاحبه – كما
يتأيد
أيضًا بالشواهد من
الأحاديث
التي جاءت بمعناه [تفسير القرطبي ص66 ج6 والإفصاح لابن هبيرة ص449]
.
هل يستثنى من الكلاب شيء لا يجوز الاصطياد به:
اتفقوا [حاشية المقنع ص551 ج3] على أنه يجوز الاصطياد بالجوارح
المُعَلمة
إلا الكلب
الأسود
البهيم وهو الذي لا بياض فيه [انظر رد المحتار بحاشية ابن عابدين ص298 ج5 والشرح الكبير ص103 ج2 والمجموع ص93 ج9] فقد اختلفوا في حكم الاصطياد به على قولين:
القول الأول: إباحة صيده وهو قول الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك والشافعي لعموم النص – فلم يستثنوا شيئًا من الكلاب ففي رد المحتار من كتب الحنفية ما نصه: "ويحل الصيد بكل ذي ناب ومخلب" ويقول في الشرح الكبير من كتب الشافعية: "وسواء في الكلب
الأسود
وغيره لا خلاف في شيء من هذا عندنا" [المغني مع الشرح الكبير ص12 ج9] واستدلوا بقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} قالوا والجوارح تطلق على السباع والطيور فالآية عامة في جميع الكلاب وكذلك
الأحاديث
تفيد جواز الاصطياد بجميع الكلاب من غير استثناء وبقياس الكلب
الأسود
على غيره من الكلاب
.
القول الثاني: تحريم ما صيد بالكلب
الأسود
البهيم وهو الصحيح من مذهب أحمد وعليه أصحابه [حاشية المقنع ص551 ج3] ووجه هذا القول:
أولًا: أنه كلب يحرم اقتناؤه فلم يبح صيده كغير المعلم
.
ثانيًا: أنه ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ أمر بقتله كما في حديث جابر: (أن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ أمر بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان) [رواه مسلم / المجموع شرح المهذب ص95 ج9]
.
فعلل الأمر بقتله بأنه شيطان
.
والسواد علامة عليه كما يقال إذا
رأيت
صاحب السلاح فاقتله فإنه مرتد فالعلة الردة [حاشية المقنع ص551 ج3] – وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعل
يم
ه فلم يبح صيده – وإباحة الصيد المقتول رخصة فلا تستباح بمحرم كسائر الرخص
.
ويجاب عما استدل به أهل القول الأول من العمومات بأنها عمومات مخصوصة بما ذكرناه [المغني ص12 ج11 مع الشرح الكبير] أجاب أهل القول الأول عما استدل به أهل القول الثاني من أن أمر الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ بقتل الكلب
الأسود
يدل على تحريم صيده بأنه لا يلزم من الأمر بقتله تحريم صيده – وبأن الأمر بالقتل منسوخ فلا يحل قتل الكلاب إلا العقور منها خاصة [المجموع ص96، 235 ج9]
.
الترجيح:
والذي يظهر لي أنه الراجح من هذين القولين هو القول الثاني وهو تحريم ما صاده الكلب
الأسود
إلا أن أدرك وهو حي وذكي لأن الأمر بقتله يستدعي المبادرة بإتلافه والتنفير منه
.
واستعماله للصيد فيه إبقاء له وتقريب وهذا ينافي المقصود من قتله
.
ودعوى نسخ الأمر بقتله يردها لفظ حديث جابر حيث يقول: (نهى عن قتلها وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان) فالحديث حدد النهي بأنه في غير
الأسود
وحث على قتل
الأسود
وعلل ذلك بأنه شيطان وهذه علة مستمرة فيه والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا
.
وما تمسكوا به من عموم النصوص في إباحة تعل
يم
الكلاب يجاب عنه بأنه عموم مخصوص ب
الأدلة
على قتل
الأسود
منها
.
والله أعلم
.
هل يعتبر في الكلب تكرار ترك الأكل:
اختلف القائلون باشتراط أن لا يأكل الكلب الجارح من الصيد – هل يعتبر تكرار ذلك منه أولًا
.
على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الحنابلة: لا يعتبر تكرر ترك الأكل منه لأنه تعلم صفة أشبه سائر الصنائع [المقنع بحاشيته ص551ـ552 ج3] – فعلى هذا يكفي تركه الأكل مرة واحدة
.
القول الثاني: في المسألة وهو مذهب الشافعية
وأحد القولين
لأبي حنيفة: أنه يشترط تكرر ترك الأكل منه بحيث يقول أهل الخبرة أنه صار معلمًا ويغلب على الظن تأدب الجارحة ومصيرها معلمة [المجموع ص94، 97، ج9 والهداية مع شرحها فتح القدير ص116 ج10] فهذا القول كما ترى يشترط التكرار من غير تقدير بمرات معينة
.
لأن التقدير لم يرد فيه دليل والمقصود معرفة انضباط التعلم وهذا يحصل بتقرير أهل الخبرة والعرف كسائر
الأمور
التي لم يرد فيها نص من الشارع
.
القول الثالث: يشترط تكرر ترك الأكل ثلاث مررات وهو رواية عن أبي حنيفة وقول صاحبيه أبي يوسف ومحمد ومشى عليه كثير من مصنفي الحنفية [الهداية مع شرحها فتح القدير ص116 ج10 وحاشية ابن عابدين ص299 ج5] وهو قول في مذهب الحنابلة نصره صاحب المغني [في ص6 ج11] – ووجه هذا القول أن ما دون الثلاث فيه احتمال فلعله ترك الأكل مرة أو مرتين شبعًا فإذا تركه ثلاثًا دل على أنه صار عادة له لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإبلاء الأعذار كما في مدة الخيار – ولأن الكثير يقع أمارة على العلم دون القليل والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها [نفس المصادر]
.
الترجيح:
الراجح في نظري من هذه الأقوال هو قول الشافعية وهو اشتراط تكرر ترك أكل الكلب من الصيد حتى يعلم أنه تركه تأثرا بالتعليم لا لاحتمال آخر لكن لا يقدر ذلك بعدد معين لأن التقدير لا دليل عليه والهدف إنما هو انضباط تعليم الكلب وهو ما يحصل بالمرتين فما زاد عليهما حسبما يغلب على الظن تحقق المقصود
.
والله أعلم
.
هل يباح الاصطياد بغير الكلاب:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
وهوقول الجمهور والائمة الأربعة [تفسير ابن كثير ص16 ج2] أنه يباح الاصطياد بجميع الجوارح
المُعَلمة
من الكلاب والطيور كالبازي والصقر والشاهين – واحتجوا بقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} والجوارح: الكواسب من سباع البهائم والطير سميت (جوارح) لاربابها وكسبها لهم من الصيد يقال جرح فلأن لاهله إذا اكسبهم خيرا – وفلأن جارحة اهله – أي كاسبهم فيكون معنى قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} ما علمتم الصيد فتعلمه من بهيمة أو طائر [تفسير ابن جرير ص543، 547 ج9]
.
القول الثاني:
وهو قول طائفة من العلماء أن الاصطياد إنما يكون بالكلاب فقط وما صاده غيرها لا يحل إلا ما ذكى منه مستدلين بقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} فقوله: {مكلبين} حال والمكلب معلم الكلاب لكيفية الاصطياد [فتح القدير للشوكاني ص12 ج2] ففي ذلك دلالة على أن المراد الكلاب دون غيرها من السباع هذا حاصل ما استدلوا به
.
الترجيح:
والراجح ما ذهب إليه الجمهور من اباحة الاصطياد بجوارح الكلاب والطير لأن قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} يعم كل جارحة كانت بالصفة التي وصف الله من طائر وسبع [تفسير ابن جرير ص550 ج9] وقوله: {مكلبين} لا يستفاد منه قصر الحكم على الكلاب لأن شرطا فيصح الصيد بغير الكلاب من انواع الجوارح [فتح الباري ص610 ج9] وخص معظم الكلاب وأن كان معلم سائر الجوارح مثله لأن الاصطياد بالكلاب هو الغالب [فتح القدير للشوكاني ص12 ج2] والله أعلم
.
وليس هناك فرق فيما يبدو من كلام الفقهاء بين تعل
يم
سباع البهائم وسباع الطير إلا في مسألة الأكل من الصيد فقد اختلف القائلون باشتراط انتفائه في الكلب ونحوه هل يشترط أيضًا انتفاؤه في حق جوارح الطير على قولين:
القول الأول:
أنه يشترط انتفاؤه في الطير فلو أكل لم يحل ما أكل منه وهذا هو الأظهر في مذهب الشافعية[المنهاج مع شرحه المغنيص275ج 4] ووجه هذا القول هو القياس على جارحة الكلاب فحيث اشترط فيها ذلك اشترط في جارحة الطير حيث لا فرق من حيث المعنى الملاحظ بين أكل جارحة الكلاب وجارحة الطير وهو أنه يخشى أنه إنما
أمسك
على نفسه حينئذ فهذا المعنى يخشى منه أيضًا في جارحة الطير
.
واستدل بعضهم بحديث عدي بن حاتم أن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ قال {ما عملت من كلاب أو باز ثم أرسلته وذكرت أسم الله فكل مما
أمسك
عليك قلت وإن قتل قال إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا فإنما
أمسك
عليك} [رواه أبو داود والبيهقي وغيراهما/المجموع للنووي ص96 ج 9] وستأتي مناقشة
.
القول الثاني:
أنه لاشترط في حل ما صاده جارح الطير أن لا يأكل منه وهذا قول الحنابلة[المقنع بحاشيتة ص553 ج 3] والحنفية [الهداية بشرحها فتح القدير ص115 ج 10] ووجه في مذهب الشافعية [مغني المحتاج ص275 ج 4] قالوا: لأن هناك فارقًا بين جوارح الكلاب وجوارح الطير
.
وذلك أن بدن البازي لا يحتمل الضرب حتى يترك الأكل وبدون الكلب يحتمله فيضرب ليتركه
.
وأيضًا علامة التعل
يم
ترك ما هو مألوفة عادة والبازي متوحش نافر فكانت الإجابة إذا دعي آية تعلمه وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعلمه ترك مألوفة وهو الأكل والاستلاب[فتح القدير نفس الموضوع] وإذا كان كذلك فلا يصح قياس الطير على الكلاب بينهما من الفرق المؤشر
.
وأما الحديث الذي استدل به بعض الشافعية على اشتراط عدم الأكل في جارحة الطير فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة وذكر البازي فيه لم يأت في رواية الحافظ وإنما أتى في رواية مجالد ابن سعيد وهو ضعيف باتفاقهم [المجموع ص96 ج 9 وقال الحافظ في التخيص: وقال البيهيقي: تفرد مجالد ذكر الباز فيه وخالف الحافظ أ
.
هـ
.
ص 136 ج 4
.
ومجالد بن سعيد بن عمير الهمذاني من تابعي التابعين واتفقوا على تضعيفه توفي سنة 144ه / تهذيب الأسماء للنووي ص82ـ 83 ج 2]
ويشترط لحل ما قتله الجارح أن يجرحه
.
فإن قتله بخنقه أو بصدمته لم يبح لأنه موقوذه أشبه ما لو قتله بحجر فلا بد أن يجرحه في أي موضع بنابه أو ظفره أو مخلبه وهذا ظاهر الرواية في مذهب الحنفية
.
والمفتى به عندهم[تنوير الأبصار بشرحه الدر المختار بحاشية ابن عابدين ص299 ج 5] وهو قول المالكية[أقرب المسالك بشرحه الصغير ص165 ج 2] والحنابلة [حاشية المقنع ص 553 ج 3]
وأحد القولين
في مذهب الشافعية [المجموع شرح المهذب ص102 ج 9]
وقيل يحل الصيد ولولم يجرحه وهو القول الثاني في مذهب الحنيفة وقول في مذهب الحنابلة وهو الأصح في مذهب الشافعية [نفس المصادر] لعموم قوله تعالى: {فكلوا مما
أمسك
ن عليكم} وعموم
الأحاديث
ولأنه لا يمكن تعل
يم
الكلب الجرح وانهار الدم فسقط اعتباره كما سقط العقر في محل الذكاة
.
الترجيح:
والذي يظهر لي ترجيحه هو القول الأول لأن الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ منع من أكل ما قتله المعراض بعرضه من الصيد كما سبق لأنه وقيذ وهذا مثله
.
وما استدل به المبيحون من العمومات يخصص بأدلة تحريم الموقوذة
.
.
والله أعلم
.
الشرط الثالث:
أن يرسل الآلة (سواء كانت جارحة أو محددة) قاصدًا للصيد
.
لقوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ فيما مر من الأحاديث: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) ففية أنه يشترط في حل ما قتله الكلب المعلم إرساله عليه ولأن الكلب أو البازي
آلة
والذبح لا يحصل بمجرد الآلة بل لا بد من الاستعمال وذلك فيهما بالإرسال مع القصد، وهكذا يشترط إرساله للسهم قاصدًا للصيد فلو رمى سهمًا إلى غرض فأصاب صيدًا أو رمى به إلى فوق رأسه فوقع على صيد فقتله لم يبح لأنه لم يقصد برميه عينًا فأشبه من نصب سكينًا فذبحت شاه
.
وهذا قول الأئمة الأربعة [حاشية المقنع ص 554 ج 2 والمجموع لنووي ص103 ج 9] وكثير من الفقهاء ويتفرع على هذا الشرط مسائل:
الأول: إذا استرسل الكلب بنفسه فقتل صيدًا لم يحل عند من ذكرنا لفقدان الشرط وهو الإرسال
.
لأن الإرسال يقوم التذكية بدليل أنها اعتبرت معه التسمية كما في قوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ 0إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) وقال جماعة[نفس المصدرين] يحل ما قتله من الصيد في هذه الحالة أن كان إخراجه للصيد لأن إخراجه للصيد إرسال له في الجملة/ والراجح القول الأول لأن قول الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ (إذا أرسلت كلبك المعلم) يدل على لأنه لابد من الإرسال وذلك أمر زائد على إخراجه للصيد
.
الثانية: إذا استرسل الكلب بنفسه على صيد فزجره صاحبه وسمى فزاد في عدوه وقتل الصيد فهل يحل؟ للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أنة يحل ما قتله من الصيد في هذه الحاله وهو مذهب الحنابلة[المغني مع الشرح الكبير ص6 ج 11 والمقنع بحاشية ص554 ج 3] والحنفية [الدر المختار بحاشية ابن عابدين ص 304 ج 5]
وأحد القولين
للمالكية[بداية المجتهد ص336 ج 1] وهو وجه في مذهب الشافعية[مغني المحتاج ص 76 ج 4] ووجه ذلك: أن زجره
أثر
في عدوه فصار كما لو أرسله لأن فعل الإنسان متى أنضاف إلى فعل غيره فالاعتبار بفعل الإنسان كما لوصال الكلب على إنسان فأغراه إنسان فالضمان على من أغراه[المغني مع الشرح الكبير ص6 ج 11]
القول الثاني: أنه لا يحل ما قتله الجارح في هذه الحالة وهو أصح الوجهين في مذهب الشافعية[المجموع للنووي ص101 ج 9] والمنصوص
.
لاجتماع الاسترسال المانع والإغراء المبيح فغلب جانب المنع[مغني المحتاج ص 276 ج 4]
الترجيع:
والراجح هو القول الأول لوجود النية والتسمية والإغراء الذي صار له
أثر
في عدو الكلب فكان كما لو أرسله ابتداء والنبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ قال(إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل) وكل هذه
الأمور
متوفرة في هذه الصورة غاية ما يلاحظ فيها عدم الإرسال ابتداء
.
وقد استدرك قبل قتل الصيد بالزجر والإغراء والله أعلم
.
المسأله الثالثة: إذا أرسل كلبًا وهو لا يرى صيدًا فاعترض صيد فقتله:
لم يحل عند الحنابلة[المغني مع الشرح الكبير ص8 ج،11] والشافعية[المهذب مع شرحه المجموع ص121ج 9] وهو قول أكثر أهل العلم[نفس المصدرين] لأنه أرسله على غير صيد فلم يحل ما صاده كما لوحل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وقيل يحل وهو وجه ضعيف في مذهب الشافعية[نفس المصدرين] وقول لبعض المالكية[بداية المجتهد ص 336 ج 1] ولعل مستند هذا القول هو التمسك بعموم قوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل) والإرسال قد حصل هنا
.
الرابعة: إذا أرسل كلبًا على صيد غيره فقتله فهل يحل؟ على قولين:
القول الأول: وهو قول الشافعية [المجموع ص 122 ج 9] والحنابلة[المقنع بحاشية ص 554 ج 3] والحنفية[الدر المختار بحاشية ابن عابدين ص304 ج 5] حله بشرط إصابته في الجهة التي أرسل فيها عند بعض الشافعية وكذلك يشترط الحنفية أن يأخذ الصيد الآخر فور الإرسال ووجه حله في الصورة المذكورة أن المعتبر أن يرسله على صيد وقد وجد ولأن التعيين ليس بشرط في الصيد لأنه لا يمكن فصار كوقوع السهم في صيدين [نفس المصدر]
القول الثاني: وهو قول المالكية لا يحل الصيد في هذه الصورة لأنه لم ينوه[الشرح الكبير ص 104 ج 2] لأنهم يشترطون تعيين المذكي في الذكاة وعقر الكلب يقوم مقام الذكاة فلا بد أن ينوي صيدًا معينًا
.
والراجح القول الأول لعموم قوله تعالى: {فكلوا مما امكسن عليكم} وقوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل) ولأنه لا يمكن تعل
يم
الجارح اصطياد واحد بعينة دون الآخر فسقط اعتباره
.
الخامسة: إذا تردد الأمر بين كون الصيد مات بتأثير الآلة المرسلة وبين كونه مات بتأثير غيرها فحكمة يختلف باختلاف الأحوال والصور
.
.
وإليك ذكر جمله منها مع بيان حكم كل منها:
الصورة الأولى:
إذا أرسل كلبه على صيد فوجد هذا الصيد ميتًا ووجد مع كلبه كلبًا آخر لا يعرف حاله ولا دري هل وجدت فيه شرائط الصيد أولًا
.
.
.
ولا يعلم أيهما قتله أو يعلم أنهما قتلاه جميعًا أو يعلم أن قاتله الكلب المجهول ففي هذه الحالة لا يباح الصيد إلا أن يدركه حيًا فيذكيه
.
هذا قول الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة[المغني مع الشرح الكبير ص14 ج 11
.
والمجموع للنووي ص103 ج 9] يدل على ذلك حديث عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ فقلت أرسلت كلبي ووجدت مع كلبي كلبًا آخر لا أدري أيهما أخذه (فقال لا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) [رواه البخاري ص 612 ج 9 مع فتح الباري] ففيه أنه لا يحل أكل ما شاركة فيه كلب آخر في اصطياده ولأن
الأصل
الحظر فغلب فيها لم تعلم كيفية اصطياده
.
الصورة الثانية:
إذا رمى الصيد أو أرسل كلبه عليه فغاب عن عينه ثم وجده ميتًا
.
واحتمل أن يكون موته بالإصابة أو بغيرها، وللعلماء في ذلك وجهات نظر على نحو التالي:
أولًا: عند الحنفية: إذا توارى عن عينه وقعد عن طلبه ثم وجده ميتًا لم يؤكل
.
فأما إذا لم يتوار عنه أو توارى لكنه لم يقعد عن الطلب حتى وجده فإنه يؤكل استحسانًا والقياس أنه لا يؤكل وجه القياس أنه يحتمل أن الصيد مات من جراحة كلبه أو من سهمه ويحتمل أنه مات بسبب آخر فلا يحل أكله بالشك ووجه الاستحسان أن الضرورة توجب ذلك لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه في الصيد فإن العادة أن السهم إذا وقع بالصيد تحامل فغاب وكذلك إذا أصابه الكلب فلواعتبرنا ذلك أدى إلى انسداد باب الصيد ووقوع الصيادين في الحرج فسقط اعتبار الغيبة التي لا يمكن التحرز عنها إذا لم يوجد من الصائد تفريط في الطب لمكان الضرورة والحرج
.
وعند قعوده عن الطلب لا ضرورة فيعمل بالقياس[من بدائع الصنائع ببعض اختصار وتصرف يسير]
ثانيًا: وأما عند المالكية ففي مختصر خليل وشحة الشرح الكبير: أنه إذا بات الصيد ثم وجده من الغد ميتًا لم يؤكل لاحتمال موته بشيء من الهوام
مثلًا
قال محشيه[الدسوقي] الغد ليس بقيد وإن كان ظاهر المصنف بل المراد أنه خفي عليه مدة من الدليل فيها طول بحيث يلتبس الحال ولا يدري هل مات من الجارح أو أعان على قتله شيء من الهوام التي تظهر فيه كالأفاعي فلورماه فغاب عنه يومًا كاملًا ثم وجده ميتًا يؤكل حيث لم يتراخ في اتباعة وهذا مفهوم قوله: (بات) والفرق بين الليل والنهار أن الصيد يمنع نفسه من الهوام في النهار دون الليل
.
فإذا غاب ليلًا احتمل مشاركة الهوام التي تظهر فيه لإصابة السهم بخلاف ما إذا غاب نهارًا فإنه لا يحتمل ذلك[الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ص105 ج 106 ج 2 وانظر بداية المجتهد ص 337 ج 1]
ثالثًا: وأما عند الشافعية فقد قال صاحب المهذب[ص 114 ج 9 مع المجموع للنووي] (وإن عقره الكلب أو السهم وغاب عنه ثم وجده ميتًا والعقر مما يجوز أن يموت منه ويجوز أن لا يموت منه فقد قال الشافعي رحمه الله: لا يحل إلا أن يكون خبر فلا رأى فمن أصحابنا من قال: فيه قولان: أحدهما يحل لما روى عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله إني أرمي الصيد فأطلبه فلا أجده إلا بعد ليله قال (إذا
رأيت
سهمك فيه ولم يأكل منه سبع فكل)[رواه البخاري/ المجموع للنووي ص114 ج 9] ولأن الظاهر أنه مات منه لأنه لم يعرف سبب سواه الثاني: أنه لا يحمل لما روي زياد بن أبي مريم [تابعي وهو زياد بن أبي مريم القرشي الأموي مولى عثمان رضي الله عنه والحديث غريب ومرسل/ نفس المصدر] (قال: جاء رجل إلى النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ فقال إني رميت صيدًا ثم تغيب فوجدته ميتًا فقال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ هوام الأرض كثير ولم يأمره بأكله) وقد رجح النووي الإباحة إذا لم يوجد فيه
أثر
آخر غير إصابه السهم أو الجارح[نفس المصدر ص117 ج 9] يتأول أدله النهي على التنزيه ومن قال بالترحيم يتأول أحاديث الإباحة على ما إذا انتهي إلى حركة المذبوح وهو تأويل ضعيف [المجموع ص 117 ج 9]
رابعًا: وأما عند الحنابلة: فالمشهور عن أحمد أنه إذا رمى صيدًا أو أرسل عليه كلبه فغاب عن عينة ثم وجده ميتًا وسهمة فيه أو معه كلبه ولا
أثر
به آخر حل أكله وعنه رواية أخرى بالتفصيل بين ما غاب نهارًا فلا بأس بأكله وما غاب ليلًا فلا يأكله كما سبق عن الملكية وعن أحمد أيضًا ما يدل على أنه أن غاب مدة طويلة لم يبح وإن كانت يسيرة أبيح وعنه أيضًا كراهته مطلقًا[المغني مع الشرح الكبير ص19ـ 20 ج 11]
الترجيح:
والراجح في هذه المسأله أنه إذا وجد سهمه فيه أو وجد أثره ولم يجد به أثرًا لغيره أنه يحل كما هو المشهور عن أحمد وكما رجحه النووي على ما ذكرنا عنه قريبًا
.
وذلك لصحة بذلك عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ كما في حديث عدي ابن حاتم عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ أنه قال: (إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا
أثر
سهمك فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل[رواه أحمد والبخاري/ المنتقى مع شرحة نيل الأوطار ص141 جت8] ولأن جرحة بسهم سبب إباحة وقد وجد يقينًا والمعارض له مشكوك فيه فلا نزول عن إل
يق
ين بالشك [المغني مع الشرح ص20 ج 11]
الصورة الثالثة:
إذا رمى الصيد فوقع في ماء يقتله مثله أو تردى من جبل ترديًا يقتله مثله فالمشهور عن أحمد [نفس المرجع ص 21ـ22] أنه لا يؤكل مطلقًا سواء كانت الجراحة قاتله أو غير قاتله لعموم قوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ في الحديث إلى مر قريبًا: (وإن وقع في الماء فلا تأكل) ولأنه يحتمل أن الماء أعان على خروج روحة فصار بمنزله ما لوكانت الجراحة غير قاتله
.
والذي عليه كثير من الحنابلة[نفس المصدر] وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعية [المجموع ص 113 ج 9] وهو قول مالك[بداية المجتهد ص 337ج 1] وقول الحنفية على ما ذكر في الدر المختار [حاشية ابن عابدين ص302، 304 ج 5 وظاهر ما في الهداية الإطلاق كالمشهور عن أحمد انظر ص 129 من الهداية مع فتح القدير ج 10] التفصيل بين ما كان جرحة قاتلًا فيحل ولووقع في الماء وبين ما جرحة غير قاتل فلا يحل وأساس هذا التفصيل أن ما كان جرحه قاتلًا فهو في حكم الميت فلا يؤثر فيه ما أصابه وما كان جرحة غير قاتل لا يتعين موته بالإصابة فيكون مشكوكًا فيه فيغلب فيه جانب التحريم، والجرح القاتل كأن بحة أو أبان حشوته
.
الترجيح:
في نظري أن الرأي الأول وهو تحريمه مطلقًا هو الراجح لعموم النهي عن أكلة في مثل هذه الحالة في قوله ص(وإن وقع في الماء فلا تأكل) ولأنه إذا كان فيه بقيه حياة كان غير الإصابة قد شارك في إماتته فيغلب جانب الحظر
.
الشرط الرابع: التسمية:
وقد قال باشتراطها الأئمة الثلاثة أبو حنيفة [بدائع الصنائع ص46ج 5] ومالك [الشرح الكبير بحاشية الدسوقي ص106 ج 2] وأحمد [المغني مع الشرح الكبيرص3 ج 11] وقال الشافعي أنها سنه مؤكدة وليست بشرط كما هي عنده في الذكاة [المجموع للنووي ص102 ج 9] وقد سبق ذكر أدلته هناك [في ص 130ـ 132]
وقد اختلف القائلون باشتراط التسمية على الصيد هل هي شرط مطلقًا على السهم والجارح وعلى الذاكر والناسي أو هي شرط على الذاكر دون الناسي عند إرسال الجارح والسهم ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أنها شرط مطلقًا على الذاكر والناسي لا تسقط بحال وفي حاله إرسال الجارح وحالة إرسال السهم وهذا مذهب أحمد وقول جماعة من أهل العلم[المغني مع الشرح الكبير ص3 ج 11] واستدلوا بعموم النصوص من الكتاب والسنة الدالة على اشتراط التسمية مطلقًا كقوله تعالى :{فكلوا مما امكسن عليكم واذكروا اسم الله عليه} وقوله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ (إذا أرسلت كلبك المعلم كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل)
القول الثاني:
أنها شرط مطلقًا على الذاكر والناسي في حاله إرسال الجارح ولا يلزم الناسي ذلك في حالة إرسال السهم ووجه ذلك أن السهم آله حقيقية وليس له اختيار فهو بمنزلة السكين بخلاف الحيوان فإنه يفعل باختياره وهذا القول رواية ثانيه عن أحمد[نفس المصدر]
القول الثالث:
أن التسمية على الصيد شرط في حال الذكر دون النسيان فتسقط سهوًا وهذا قول الحنفية والمالكية[المصدران السابقان في هذين المذهبين] واستدلوا بقول النبي ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ (أن الله قد وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه [تقدم تخريجة في ص60] ولأن إرسال الجارحة جرى مجرى التذكية فعفى عن النسيان فيه كالذكاة[هذا بناء على مذهبهم في حكم التسمية في الذكاة وقد سبق بأدلته مع مناقشتها في ص 60ـ 62]
الباب الرابع
وفيه مباحث – المبحث الأول في حكم أكل الميتة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الميتة وبيان الحكمة في تحريمها والرد على من استباحها من المشركين وغيرهم
.
المسألة الثانية: في بيان ما يستثنى من الميتة مما يجوز أكله منها مع الاستدلال
.
المسألة الثالثة: في بيان حكم ما زكى بعد قيام سبب الموت به من المنخنقة والموقوذة
.
.
الخ مع الاستدلال والترجيح
منقول من
الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح
تأليف الدكتور
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكتبة المعارف الرياض
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولي
1408 هـ ـ 1988 م
تحياتي
ابو عماد
التوقيع :
التعديل الأخير تم بواسطة ابو عماد ; 01-25-2011 الساعة
05:17 AM
ابو عماد
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات ابو عماد