(( مـحـاورة طـريـفـة بـيـن ذي لـحـيـة و مـحـلـوقـهـا ))
الحمد الله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمد علية أفضل الصلاة و أتم التسليم .
أما بعد..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
(( مـحـاورة طـريـفـة بـيـن ذي لـحـيـة و مـحـلـوقـهـا ))
الـلـحـيـة تـشـكـو !!
أيـها القـوم أخـبـرونـي بـذنبـي ** لم أبلى منكم بحلق المواسي؟
أفما كنت في القرون المواضي ** لا أزول, ولو تزول الرواسي؟
أفما كنت فـوق أكـرم خلق للـه ** مذاك النبي خير الأناسي؟
أفـما حـذر الـنبـي عـن الـحـلـق ** لما فيه من بلى و انتكاس؟
**********
حدثوني عن إي ذنب حلقتوني ** فإني مجدة في المراس؟
ألأني على الرجولة عنوان ** و أني زين لدى الجلاس؟
ألأنـي خـشـونـة وتـريـدو ** مني ليوناً. تباً لكم من أناس؟!
لست أدري لكنني في يقين ** أنكم قد وقعتموا في التباس!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين على نعمائه,و الصلاة والسلام على أشرف خلقه خاتم أنبيائه. محمد صلى الله عليه و على آله وصحبه و سلم تسليماً كثيراً.
و بعد..
فقد انتشرت في هذه الازمان نوع من أنواع التخنث يدعى بـ(( حلق اللحى)) و من الصدف الطريفه, أن يضم مجلس رجلين على طرفي نقيض فأما أحدهما فقد تفضل الله عليه بلحية جميلة, و ميزة فارقة, فهو يحتفظ بها و يفتخر, و يعدها شرفاً, و أما الآخر فقد عادى تلك الميزة, و قلا ذلك الفارق، فهو يحلقها بالموس, و يود من صميم فؤاده - ولو بجدع الأنف - لو يقتلعها من أصلها شعرةً شعرة ليبقى وجهه خالياً بلقعاً من تلك الشعرات و يترك وجهه أجرد امرد كوجه الفتاة.
تقابل ذلك الرجلان اللذان يعتبر كلا منهما كضد الآخر و جهاً لوجه و جعل كل واحد منهما يدلي بحجته و ينتصر لعادته, و إلى القارىء ما جرى بينهما ملخصاً:-
ذو اللحية : ( مشيراً إلى خصمه ) : مالي أراك صباح مساء, كلفاً بإزالة تلك الشعرات كأن الله كلفك بإزلتها.. لا بل أظن لو كلفت بذلك لكسلت عنه و لعددته عملاً شاقاً, و تكليفاً جائراً..!
محلوقها :و ماذا يهمك من تلك الشعرات حلقتها أم تركتها, فهي لحيتي أتصرف فيها كيف أشاء, و يا سبحان الله !! حتى لحيتي تريد أن تسيطر عليَ فيها.. !
ذو اللحية : هون عليك يا أخي: و ما الداعي إلى هذا الاحتدام كله ؟! نحن نريد أن نبحث في جو مليء بالصفاء, مفعم بالوداد, فأدل بحجتك و أنا أدلي بحجتي و لنتباحث, و لكن يجب على كل منا أن يعقد قلبه, و يستشعر في نفسه, أن رائده الحق, و ضالته الحكمة يلتقطها حيث يجدها, ألست توافق على هذا الكلام. ؟!
محلوقها : نعم أوافقك على هذا الكلام, و لكن ماذا عسى أن تأتي به ! فأدل بما لديك من حكمة !!
ذو اللحية : إذن فلنرجع إلى الإجابة عما أدليت به, تقول : (( إنها لحيتك تتصرف فيها كيف تشاء )) نعم ! أنا أقول إنها لحيتك, و لكن.. و لكن تتصرف فيها كيف تشاء (( لا )).
محلوقها : ( يحتدم, و يولول, و يتحفز للوثوب, ويكاد أن ينفجر البركان !! ).
ذو اللحية : لا تعجل أخي و تمهل ريثما أتم جوابي ثم بعد ذلك قل ما بدالك. إن من خصائص هذه الأمة و مميزاتها أن جعلها الله أمة تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر } و يقول ولد سيد آدم محمد صلى الله علية وسلم: (( من رآى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسلنه, فإن لم يستطع فبقلبه)) فيجب علينا نحن المسلمون أن نكون كالجسد الواحد, يألم بعضنا لبعض, و ينصح بعضنا بعضا, و يكون بعضنا لبعض كالمرآة تري المرء محسانه كما تريه عيوبه, أليس كذلك ؟!
محلوقها : ( بلهجة المكره ) : " نعم "
ذو اللحية : مادمت تقر بهذا فأنا أقول لك : أن حلق اللحية من المنكر الذي أعتقد أن واجب الأخوه الدينية يحتم عليَ أن أنكره عليك. !
محلوقها : ( يقول بصوت الحنق المحس بشيء من العجز ) : ما هذه الشعرات إلا نوع من أنواع الوساخه تضم بين طياتها أنوعاً من " الميكروبات " وما إزلتها إلا نوع من النظافة التي جاء ديننا الحنيف بها, فقد قال رسول الله صلى الله علية و سلم: (( النظافة من الإيمان )).
ذو اللحية : ( بلهجة الواثق من نفسه, الموقن بالغلب ) : أنا أرضى أن أتحاكم وإياك إلى الذي قال: (( النظافة من الإيمان )) أفترضى انت بذلك ؟!
محلوقها : ( في شيء من الريب ) : نعم.
ذو اللحية : إذن فتعال بنا إلى الذي قال : (( النظافة من الإيمان )) على فرض صحة الحديث و لننظر هل كان يحلق لحيته, ويتعاهدها بالموس صباح
مساء, معتبراً ذلك من " النظافة " التي حض أمته عليها - كما تزعم - أم يتركها كما هي ويأمر بتركها.. ؟!
محلوقها : ( يجم وجوم الحائر المحس بأنه ارتكب شيئاً من الخطأ ).
ذو اللحية : إنه قد ثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم ثبوتاً لا يقبل الشك, ولا تتطرق إليه الظنون, أنه كان ذو لحية كثيرة الشعر, وأنه كان يأمر بتركها مخالفة للمشركين.
محلوقها : ( وقد عبس وجهه شأن من أحس بالانهزام, : دعنا من هذا الكلام. فذلك الزمن له أخلاقه وعادته, وهذه أمور ترجع إلى الذوق, لا دخل للدين فيها, فكل يعمل كما يشاء له ذوقه وكما يطمئن إليه ضميره... ! فدعني وذوقي ! واذهب لذوقك إني غير متبعك.. !
ذو اللحية : يا سبحان الله ! تقول: (( إن هذا الأمر يرجع إلى الذوق, ولا دخل للدين فيه )) عجب ينقضي منه العجب... ! أن تكون جاهلاً لهذا الأمر من هذه الشريعة المباركة, أريد ان أسألك فقل لي بربك: مـاهـو الـديـن ؟!
محلوقها : ( يحتار فيسكت, و ينظر إلى ذي اللحية نظر المسترشد ).
ذو اللحية : أليس الدين ما جاء في القرآن, وما صح من سنة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
محلوقها : ( يومي برأسه ) : أن " نعم "
ذو اللحية : إذن فتعال بنا, فلننظر هل ورد عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في هذا الصدد أم لا ؟!
محلوقها : نعم فانظر ثم أورد لي ما ورد في هذا الصدد عن رسول الله صلى الله علية وسلم.
ذو اللحية : حباً وكرامة. اسمح لي أن أدلي إليك بمقدمة قبل الخوض في إيارد الأدلة.
محلوقها : تفضل.
ذو اللحية : إن الإحاديث الوارده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد تكاد تبلغ حد التواتر, أو قد بلغت, وأظنك مشتاقاً إلى الحكمة التي رمى إليها الشارع صلى الله علية وسلم في نهيه عن حلق اللحية : إن الشارع يرمي إلى مخالفة المشركين في كثير من أوامر هذه الشريعة الطاهرة أتدري لماذا ؟.
محلوقها : " لا "
ذو اللحية : إن مخالفة المشركين أمر مقصود للشارع لأن مشابهتهم في الظاهر تورث وتولد مشابهتم في الباطن, ولأنه ينبغي للمسلم أن يخالف المشرك. في الجملة في كل من : دينة, وعاداته وأخلاقه, وما إلى ذلك , والآن أظنك قد اشتقت إلى سرد الأدلة الوارده عن رسول صلى الله علية وسلم في هذا الموضوع.
محلوقها : ( بصوت المتهكم ) نعم لقد نفذ صبري, واشتقت, إلى تلك الألة التي طالما قد وعدتني بها... !
ذو اللحية : إذن فإليك بعضها:-
قال رسول الله صلى الله علية وسلم: (( خالفوا المشركين, وفروا اللحى و أحفوا الشوارب )) رواه البخاري ومسلم.
و قال أيضاً: (( خالفوا المجوس, لأنهم كانوا يقصرون لحاهم, و يطولون الشوارب )) رواه مسلم.
و عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (( أمرنا بإحفاء الشوارب, وإعفاء اللحية )) رواه مسلم.
وفي صفة رسول الله صلى الله علية وسلم أنه كان (( كثير شعر اللحية )) رواه مسلم.
و الله سبحانه و تعالى يقول:{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }.
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة عن رسول صلى الله علية وسلم في هذه الصدد فأنت ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يترك لحيتة, وكان يأمر أمته بأن تخالف المشركين و المجوس, بحف الشارب, و إعفاء اللحية, لأن مخالفة المشركين والمجوس - كما قلنا - أمر مقصود للشارع, لأن مشابهتهم في الظاهر تورث مودتهم في الباطن, كما أن مودتهم في الباطن, تورث مشابهتم في الظاهر فهل اتضح لك الآن أن هذا الأمر ليس هو كما قلت من أن أمر اللحية (( أمر ذوق, لا دخل للدين فيه )) وهل عرفت الآن فساد قولك وصواب ما نذهب إليه.. ؟!!
محلوقها : ( بعد تفكير عميق ) : الآن لا يخالجني شك في صحة قولك, وصواب ما تذهب إلية, إلا إن لدي عذراً أحب إبداءه لك: أن مواطني يتهكمون بذي اللحية, ويزدرونه, ويشيرون إليه تحقيراً له, وتصغيراً لشأنه.. ! وأظنه قد بلغك ذلك البيت الشعري الوقح:-
ألا لـيـت الـلـحـى كـانـت حـشـيـشـاً *** فـنـعـلـفـهـا خـيـول الـمـسـلـمـيـنـا
الذي طالما غاظوا به ذوي اللحى, وتمثلوا به في وجوههم, فأنا الآن أعتقد أن بقاءها أحق, وتركها أولى, إلا أني لا أستطيع تطبيق ذلك عملياً !!
ذو اللحية : إن اعتقادك بأن هذا حق, مع عدم استطاعتك تطبيقه عملياً لا ينفعك, بل الذي يجهل ذلك أحسن منك, فمعرفة أن هذا الأمر حق مثلاً؛ لا تنفعك حتى تضيف إليها
" العمل به " !!
محلوقها : ما دمت أقر بأن ذلك حق, إلا أني تركت تطبيقه لسبب, وعدلت عنه لمبرر أفلا أكون مع ذلك معذوراً.. ؟!
ذو اللحية : " لا "... لست معذوراً, وأعطني يدك لألمسها صحة ما أقول وصواب ما أذهب إليه: هذا أبو طالب عم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي دافع عن الرسول بلسانه, وسنانه, وبذل في نصرته كل عزيز وغال, وهو علاوة على ذلك يقرَ أن ما أتى به ابن أخيه محمد صلى الله علة وسلم هو الحق الذي ليس بعده إلا الباطل, والهدى الذي ليس بعده إلا الظلال, ويقول في بعض قصائده :
و لـقـد عـلـمـت بـأن ديـن مـحـمـد *** مـن خـيـر أديـان الـبـريـة ديـنـا
لـولا الـمـلامـة, أو حـذار مـسـبـة *** لـو جـدتـنـي سـمـحـاً بـذاكـ مـبـيـنـا
فهو يذكر أنه لم يترك هذا الدين الذي يعتقد أنه حق, إلا لخوف الملامة وخشية المسبة - كحضرتك في حلق لحيتك - ومع ذلك كله فهو من أهل النار كما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله, ولم تنفعه معرفة الحق, حيث لم يضف (( العمل به )) إليها.. !
محلوقها : (يقوم لخصمه فيصافحه مصافحه الصديق لصديقه ويقول له بلهجه ملؤها الإخلاص والإخاء): الآن أعلم أن الحق معك؛ وقد أنشرح صدري لما قلت, وسأكون من هذا الوقت من ذوي اللحى الذين يحافظون عليها كشرف, ويبقونها كفارق, ويلاحظونها كميزة, وإني لأعد هذا الوقت الذي جمعني بك أسعد أوقاتي, وسأتخذ من كلامك سلاحاً , عل هؤلاء الذين يحاولون سلب العذارى طباعهن, والذين يخالفون الدين وهم لا يعلمون..!
ذو اللحيه : قبل أن نفترق أحب أن أدلي بنصيحة ثمينه , وحقيقه واقعه, وهي: أننا معشر المسلمين في هذه الأزمان ضعاف من جميع الجهات.
فنحن : ضعاف من جهة الدين, ضعاف من جهة الأخلاق, ضعاف من جهة المال, ضعاف من جهة الصناعات ضعاف من جهة "الأبدان"
فينبغي لنا إذا أردنا مستقبلاً مجيداً, ومجداً عالياً, وسلطاناً مديداً ينبغي لنا إذا أردنا ذلك أن نقوي أنفسنا من جميع هذه الجهات, التي من جملتها الأبدان, وتقويه البدن لا تطلب منا شيئاً مذكوراً إنما هي عدم الركون إلى الرقه , وترك الميل إلى الليونة, وملاحظه استعمال الخشونة في المطعم, والمشرب , والملبس, وما إليها, إنها من دواعي الاستياء وبواعث الخجل, أن ترى كثيراً من الرجال_إن صح هذا التعبير_يسلبون العذارى كثيراً من طباعهن: من تخنث ورقه وليونه وتكسر و...! حتى لو هبت الريح على بعضهم بشيء من السموم للزم الفــراش أيامــاً...! نسأل الله تعالى أن يرشدهم إلى صراطه المستقيم !
محلوقها : يشكر لخصمه العنيد, الذي استحال صديقاً ودوداً, ويعاهده على أن يكون من أنصار اللحيه, الذين يغضبون لحلقها, ويعملون ما استطاعوا لإبقائها وقد خرجا من هذه " المحاورة " بهذه الحقائق التاليه:
اللحيه زينه الرجل, اللحيه شرف الرجل, اللحيه ميزة الرجل, اللحيه هي الفارق بين الرجل والمرأة.!
|