من حكماء العرب- فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال:
هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةَ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن
استعملتها سترت العيوب كلها، قال: ما هي: قال: حفظ اللسان.
ومن آفات اللسان الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، وإثارة النزعات العنصرية،
والقبلية، والطائفية، والعرقية، والإقليمية، التي تفرق وحدة المجتمع،
وتوهن عضد الأمة.
ومن آفاته أيضاً الكذب، والتحديث بكل يُسمع، وفي الحديث قوله صلى الله
عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم.
ومن آفاته الشماتة بالمسلم، واحتقاره، والسخرية منه، وشهادة الزور،
والمـَنُّ بالعطية.
ومن أعظم آفات اللسان عامة، وفي شهر رمضان خاصة الغيبة، وهي كما قال عليه
الصلاة والسلام: (ذكرك أخاك بما يكره)، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:
(إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه)؛ والغيبة تضر بالصيام،
وقد حُكي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الغيبة تفطر الصائم، وتوجب
عليه القضاء، وأخذ بهذا القول بعض أهل العلم، كالإمام الأوزاعي، وابن حزم.
وسواء كانت غيبة الغير في دينه أو دنياه، وفي خَلْقه أو خُلُقه، أو ماله أو ولده، أو
زوجه، أو أي شيء يمت إليه بصلة، وسواء كانت باللفظ، أو بالإشارة، أو الرمز، فكل
ذلك حرام في دين الله.
وعلى الجملة، فكل قدح في الغير مما يكرهه لا يحل، وهو من الغيبة، وهي درجات:
فبعضها أعظم من بعض، بحسب من تُكِلِّم فيه منزلة، وبحسب الدافع لها، والحامل
عليها، وبحسب المقالة التي قيلت فيه؛ فمن اغتاب إنساناً في دينه، فهذا أعظم من
القدح في لون ثوبه، أو طريقة مشيه.
والعجب أن أمر الغيبة قد هان على كثير من الناس، وخف وقعها عليهم، حتى إن
الكبير والصغير، والعالم والجاهل يعملها ويكررها، ولا يأنف، ولا يستنكف، ولا يتردد في
أمرها.