تجنب الغش

السلام عليكم ورحمة الله ،،

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الغش ظاهرة خطيرة، وسلوك مشين وله صور متعددة وأشكال متنوعة، ابتداءً من غش الحاكم لرعيته، ومــروراً بعش الأب لأهل بيته، وغش الصانع والمتعلم والتاجر وانتهاء بغش الخادم في عمله.

ويعد الغش *ظاهرة سلبية تفشت في مجتمعنا حتى صارت عند بعض ضعاف النفوس مهنة في بيعة ومعاملتة، فالطالب في امتحانه يغش بالالتفات يميناً وشمالاً، ورب الأسرة بسوء تربيته أولاده، والتاجر يغش بالكذب لترويج بضاعته مع ان الغاش ممقوت عند الله وعند الناس، وممحوق *الركة في عملة وماله.

صور الغش :

اولاً: غش الراعي لرعيته، والقائد لجنوده، والرئيس لمرؤوسه، ورب الأسرة لأبنائه، والمعلم لمتعلميه.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموتُ يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنه ))

ثانياً: الغش التجاري؛ وفيه يعتدي المسلم على المال غيره، ولو كان شيئاً يسيراً ليحصل عليه بالحرام عن طريق الكذب والكتمان، او إخفاء عيوب السلع او البخس في الميزان.

عن ابي هريرة -رضي الله عنه- : ((ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّٓ على صُبرةِ طعام ، فادخل يَدَهُ فيها. فنالت أصابِعُهُ بللاً فقال: (( ما هذا يا صاحبَ الطعامِ؟)) قال : أَ بَتُهُ السماء يا رسول الله! قال -صلى الله عليه وسلم- (( أفلا جعلتَهُ فوق الطعام كي يراهُ النَّاس؟ مَن غشَّ فليسَ مِنَّي))

من هذا الـتـوجـيـه الاسـلامـي الـكـريم يتبين تحـريم الـغـش والـتـدلـيـس وتـحريم الاحتيال والخداع.

وما دام الاسلام نهى عن الغش والتدليس والاحتيال فيتعين على كل مسلم عند بيع اي سلعة ان يبين ما فيها من عيوب، وان يبرزها بالصورة التي هي عليها، اما ما يفعله بعض الباعة من جعل جيد البضاعة ظاهره واخفاء الردئ بين ثناياها فيعد غشاً وخداعاً وتدليساً.

ومن الصور الغش إيضاً تطليق الكيل والميزان وقد توعد الله المطففين بالعذاب والهلاك قال -تعالى-: (( ويل للمطففين ( 1 ) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( 2 ) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( 3 ) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ( 4 ) ليوم عظيم ( 5 ) يوم يقوم الناس لرب العالمين ( 6 ) )) •—سورة المطففين ؛ الآيات : (1-6)

والدين الاسـلامـي مع كونه عقيدة فهو تعامل، وكل من دلس او غش او خدع او طفف فايمانه ناقص، اذ لو كان إيمانه كاملاً لحماه من كل ما يضر المجتمع او يلحق الضرر بالافراده والذي يبخس الناس أشياءهم يعد من المفسدين في الارض، سواء كان بائعاً او مشترياً، وكما ان الأمانة مطلوبة من التاجر فهي مطلوبة ايضاً من المهندس والطبيب والمتعلم والمعلم وغيرهم فكما تحب ان تعامل بأمانة وصدق في كل شيء، فيجب ان تتعامل مع الاخرين بأمانة وصدق في جميع الأحوال.

ثالثاً: الغش في العلم؛ وهو كما قلت لاحد الاعضاء من اخطر اشكال الغش وابلغها اثراً وضرراً فعندما يحصل المرء على شهاده *بالغش فإنه يكتسب بها مالاً حراماً

والغش في الاختبار من اخطر الكوارث التربوية التي تتعرض لها مسيرة التربية والتعليم، فتعرقل تقدمها، وتخل موازينها، وتؤدي الى حياة الخمول والانحراف.

رابعاً: الغش في القول، كالإدلاء بالشهادات، والأقوال والمعلومات أمام القضاء، او اي جهه مسؤووله بشكل مخالف للحقيقه، لإيقاع الضرر بالناس ظلماً وزوراً.*

خامساً: الغش في الصداقة والصحبة، وهو الامر الذي يغفل عنه الكثير من شباب، بل تساهلوا فيه، حتى بلغوا درجة كبيرة من الضياع والخسران المبين.*

في ذلك قول الله -جل وعلا- ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( 27 ) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( 28 ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ( 29 ) )) •— سورة الفرقان ؛ الآيات (27-29)

فليس من أهداك سواكاً وشريطاً نافعاً كمن اعطاك سيجارة وشريطاً ماجناً، فالأول ناصح محب والآخر عدو غاش.

قال -تعالى- : (( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين (67) )) •— سورة الزخرف ( أية (67)

اسباب الغش:
من الأسباب التي تدعوا الانسان الي الغش سواء في المعاملات او الامتحان او في غيرها:*

1- ضعف الايمان، وعدم مراقبة الله -تعالى-.
2- جهل بعض الناس بحرمة الغش، وانه من خصال المنافقين.
3- عدم الإخلاص لله -تعالى- فمتى قل حظ الانسان من الإخلاص، فإنه يغش ويخدع على مرأى من الناس ومسمع.
4- الحرص على جمع المال من اي طريق، فبعض الناس اكبر همه جمع المال، وتحصيل الربح، سواء عن طريق بضاعتة مغشوشة، او شهادة مزيفة يحصل بها على وظيفة.

قال رسول -صلى الله عليه وسلم- : (( ليأتينَّ على الناس زمانُ، لا يبالي المرءُ بما اخذ المالَ أمن حلالٍ أم حرام))

5- وجود المراقب المتساهل في قاعة الامتحان، او في الاسواق العامة، فوجود مثل هذا النوع من المرقبين يتيح لضعاف النفوس استمراء الغش والتمادي فيه.
6- عدم الجدية، اذ ترى الغاش مخفق الاهتمامات أتت عليه ساعة الصفر، فطأطأ رأسه يقلب عينيه يمنة ويسرة، لعله يظفر بشىء ينجو به من الرسوب.
7- ضعف الثقة في النفس، فمتى شعر المرء بأنه لا يستطيع ان يكون مثل أقرانه المجتهدين، لجأ الى الغش ليكمل النقص في شخصيته.*
8- الاتكاليه، وعدم تحمل المسؤولية.*
9- ترك معاقبة الغاش اذ يساعد ذلك على انتشار تلك الظاهرة *وتفاقمها، لان من امن العقوبه أساء الأدب.*

حكم الغش:

الغش حرام بالكتاب والسنه، لما فيه من الفساد *والضرر، لذلك يجب على جميع المسلمين مراقبة الله -تعالى- في المعاملة، والحذر من اسباب غضب الله، وعقابه الاليم الذي توعد به كل غشاش وكذاب.

أضرار الغش:

1- اكتس اب الإثم.*
2- براءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الغاش لقوله : (( من غشنا فليس منا )).*
3- مقت الناس للغشاشين وكراهية التعامل معهم.*
4- ضيع الأمانة والفشل في كافة المجالات.*
5- محق البركة.*
6- ضعف الثقة بين المسلمين.*
7- ظلم الاخرين، بالتعدي عليهم بغير الحق.*
8- زيادة الشحناء والبغضاء بين المسلمين.*

علاج الغش:

اقصر الطرق لعلاج مشكلة الغش في المجتمع المسلم تتمثل في النقاط التالية:

1- الاقتناع التام بحرمة الغش، وأنه خيانة لله ولرسول -صلى الله عليه وسلم-
قال -تعالى-: ((يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(72) )) •—سورة الأنفال؛ أية (72).
*
2- استشعار مراقبة الله، قال الله -تعالى-: ((ان الله لايخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء (5) )) •—سورة آلِ عمران ؛ أية (5).

3- إخلاص العمل فإن الناقد بصير، ومن قل نصيبه من الإخلاص دفعته نفسه الامارة بالسوء الى الغش والتحايل.

4- الابتعاد عن الكسب الحرام القائم على الغش، مهما كانت الظروف، لان ذلك ينافي حقيقة التوكل، قال الله -تعالى-: (( ... وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11) )) •—سورة ابراهيم : أية (11).

5- مصاحبة الرفقة الصالحة.

6- تذكر اليوم الاخر، فإن اذا ذكرتها بيوم الحساب تحجم عن المعصية.

7- الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه ما حل في بلاد الا قل فيها الفساد.*

8- اتخاذ الإجراءات اللازمة والعقوبات الصارمة وتطبيقها في حق من غش لردعه وزجره، فإن الله يزع بالسلطات مالا يزع بالقران.*

9- ألهمه العاليه والثابرة في تحصيل العلم، وكسب الرزق الحلال.

المؤمن لا يغش:

وجدان المسلم المرهف الصادق لا يطيق الغش ولا يصبر عليه، بل انه ليرتجف هلعاً منه، اذ يرى في ارتكابة انخلاعاً من الانتساب للإسلام، كما يقرر ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم: ((من حَملَ علينا السلاحَ فليس مِنا، ومن غشنا فليس منا))*

القيم المستفادة:

1- الغش ظاهرة خطيرة وسلوك مشين.*
2- الغش سلوك رديء، يحاربه الاسلام.
3- الغش له صور متعدده حرمها الاسلام وعدها من الكبائر.
4- الغش حيلة الكسول وطريق الفاشلين.
5- القلوب المملوءة بالإيمان لا يمكن ان تقدم على الغش.
6- مرقبة الله -تعالى- في كل عمل تمنع الغش. *