روايات وقصص - روايات طويلة وقصيرة روايات وجديد الـ رويات الطويلة و روايات قصيرة قصص رائعة, روايات كتابية, قصص مؤثرة, قصص محزنة, روايات |
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
|
|
إضغط على
او
لمشاركة اصدقائك! |
|
أدوات الموضوع |
5.00 من 5
عدد المصوتين: 1
|
انواع عرض الموضوع |
09-11-2013, 04:47 AM | رقم المشاركة : 11 |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
رائحة الفجر الجميلة تتنشرُ في السماء السوداء وأصوات العصافير التي خرجت من أعشاشها بدأ صوتها يعلو المكان تدريجياً لتعلن عن اقتراب موعد استيقاظ الشمس . غسلَ وجهه بقطرات الماء الباردة ليستعدَ لصبحِ جديد رغمَ أنّه لم يذق طعمَ النومِ منذُ ذلك اليوم الذي قُرر فيه أخذُ ممتلكاتِ الراحل ليبريت فقد كانَ باله مشغولاً ولم يطمئن بعد , نظرَ للمكان الذيّ هو فيه فقد كان في غرفةِ صغيرة مطلية باللون الأسود الباهت كانت الغرفة ضيقة فموقعها في الدورِ الأرضي ويوجد فيها سرير صغير بالإضافة إلى طاولة دائرية خشبية صغيرة جداً بجانبه تنهدَ رولند وقالَ بصوتِ هادئ . ـ ألم يجد سوى هذه الغرفة لتكونَ ليّ ؟! . لم يكن بداخل ذلك الشاب أنّه يريدُ غرفة واسعة أو حتى فخمة ولكن موقعها التي هيّ تحت القصر في الدور الأرضي كانت أشبه بسجن مظلم فالإضاءة فيها غيرُ جيده كما أنّه لا يوجد في ذلك الدور سوى المستودعات ولا يوجد فيه غيره وهذا ما أزعجه قليلاً فقد أخبره شيمون بأنّه لا توجد غرفة شاغرة في الدور الثاني لأن أغلبها تخضعُ للتجديد . رتبّ سريره البسيط ثمّ قامَ بحملِ ملابسِ الخدم التي وضعها له شيمون رفعها بيده ونظرَ إليها , كانت بلونِ بني اللون ويوجدُ فيها من أعلى الكتف خيوطُ سوداء وأخرى بلونِ الكاكاو تمتدُ بشكلِ جانبي حتى نهايتها من جهة اليمين بينما كانَ البنطال أسود اللون تزينه خيوطُ بنفسِ لون البذلة بدت وأنّها ثمينة , قامَ بحملها ثمّ اتجه ليستحم ويبدأ يومه بنشاطِ وحيوية رغمَ عدم علمه بما تخبئه له الساعات القادمة . ـــــــ ما إن انتهى رولند من تجهيز نفسه حتى قامَ بصعودِ الدرجات ليصل للدورِ الأول من القصر حيثُ الواجهة الأساسية التي يسكنُ فيها ميلان وأول ما حطت قدميه أعتابه حتى استقبلته أشعة الصباح , سارعَ بوضعِ ذراعه على عينيه ليخفف من ضوئها حيثُ أنّها كانت تنيرُ القصرَ بأكمله فهي تنعكسُ من زجاجات القصر الكبيرة بشكل خيالي لتنشرَ أشعتها الدافئة في المكان كله , ابتسمَ رولند وشعرَ بقليلِ من الدفء أبعد ذراعه عن عينيه وأخذَ يتأمل خيوطها الجميلة . جاء شيمون مسرعاً نحوه عندما رآه يقفُ وهو ينظرُ لحديقة القصر من خلالِ زجاجات النوافذ ولكنّه توقفَ في منتصفِ طريقه عندما رأى هيئة ذلك الشاب الذي بدى له وكأنه أحدُ النبلاء من العصور الوسطى فقد كانَ اللبسُ الجديد الذي اختاره ميلان ليعمَ جميع الخدم به كانَ مناسباً جداً بالنسبةِ له فقد أظهرَ وسامته بشكلِ مميز تقدمَ نحوه وناداه . ــ رولند . التفت رولند نحوَ من ناداه وعندما رأى أنّه شيمون حتى ابتسمَ بحيوية و قالَ له برسمية . ـ صباحُ الخير . ابتسمَ شيمون عندما رآه بذلك النشاط فقد كانَ قلقاً من أن يكونُ غاضباً أو أنّ مزاجه متعكر لأن ميلان اختار غرفته لتكونَ في الدورِ الأرضي بينما بقية الخدم هم في الدور الثاني بجناحِ خاص وواسع . ـ صباح الخير , أريدُ أن أخبركَ بأمر ما . اعتدل رولند في وقفته وقالَ له مستعداً لأي عملِ يطلبه كبير الخدم . ـ تفضل قل ما تريده . ارتبكَ شيمون ولم يعلم كيفَ يخبره بذلك فقد كان سيده معارضاً لتلكَ الفكرة فمرت عليه ذكرى الأمس سريعاً في ذهنه . كانَ ميلان مستعداً للنوم فقد جلسَ على سريره وهو بملابسِ نومه وها هو شيمون يحملُ بيده صينيه فيها كأسُ ماء ليعطيّه إياه . أخذَ الكأس من الصينية الزجاجية وشربه دفعةً واحدة فماءُ بارد قد ذابت فيه حبّة ثلج كانت كافيه بإرواء ظمئه . تحدثَ شيمون بتردد وقالَ له بابتسامة مرتبكة . ـ سيدي ما رأيك لو جعلتَ الخادم الجديد خاص بك ؟! أمسكَ ميلان الكأس بيده بقوة وقطبّ حاجبيه بغضب فلم يعجبه ما قاله له كبير خدمه مما جعله يقولُ بنبرةِ مرعبة . ـ أخبرتك أنّنّي أكره جميع الخدم !! جمعهم حثالة !!! ثمّ ماذا أريدُ بخادمِ خاص !!! لكي يعلمَ ما يحيطِ بي ثمّ يخونني ببساطة !؟ . ارتعدت اوصالَ شيمون عندما تلمسَ تلكَ النبرة الغاضبة وتلكَ الطريقة المرعبة التي قالها له وأجابه عن سؤاله . رفعَ ميلان عينيه بحدّة وكأنما انهى حديثه وأراد تحذيره من ذلك الأمر, وضعَ يده على بطانيته القطنية ذات النقوشِ الجميلة ثمَ رمى نفسه على سريره الفخم ذو الملمسَ الدافئ وأغمضَ عينيه لينام . أبعد تلكَ الذكرى وقالَ له بعزم مخلوط ببعضِ القلق . ـ أريدك أن تكونَ الخادمَ الخاص لـ سيد ميلان . تعجبَ رولند من الطريقة التي أخبره فيها شيمون فقد كانَ متردداً ومرتبكاً في كلامه وكأنّ ما سيقوله أمرُ غيرُ جيد . طأطأ شيمون رأسه وقالَ وهو يحركُ يديه بارتباك . ـ أنا آسف لأني طلبتُ منكَ ذلك ولكن ..... . صمتَ قليلاً ثمّ قالَ له وهو يشدَ قبضة يده بانزعاج . ـ إن سيدي يكره جميعَ الخدم ومهما يكن لا بد من أحدنا أن يتولى أمره لكنّه في كل مرة يرفضُ ذلك مما يجعلنا نقعُ في كثير من المتاعب ..لذا أرجوك هل يمكنك أن تتحملَ تصرفاته وأفعاله وتكونَ جديراً بذلك . لم يجد رولند أيّ مشكلة في ذلك فقالَ له بنبرةِ تدلُ على طيبة قلبه . ـ لا بأس في ذلك . شعرَ شيمون بالفرحِ الشديد عندما سمعَ جملته وأنه لا يمانع في ذلك أمسكَ بكلتا يديه وقالَ له بنبرةِ شاكرة عميقة . ـ أشكرك كثيراً ... سوفَ أخبرك بما يجبُ عليكَ القيام به . جذبه من يديه وأسرعَ في خطواته وخلفه رولند الذي أخذَ يتبعه بابتسامة بلهاء .... كانَ جوابه سريعاً لم يفكر في ذلك مطلقاً ...! فلم يكن ذلكَ غريباً فكونه جديد ولا يعلمُ شيئاً عن تصرفاتِ السيد ميلان ولا عن الحياة التي يعيشها فيها فقد وافقَ على ذلك ,, وبعدَ ثواني قليلة طغت على ملامح شيمون الجمود وهو يمسكُ بيدِ رولند بينما قلبه يعتصرُ تردداً وقلقاً فهوَ يعلمُ أنّ ذلك سيكونُ قاسياً عليه ولكن إذا فكر بالأمر بطريقةِ أخرى .. فربما يستطيعُ ميلان ان يرتاحَ لوجوده أو أن يشاركه ايّ شيء بما أنّه متقاربان في السن وكلاهما شابان صغيران . ـــــــــ وفي شقة ميدوري ... فردت ذراعيها للأعلى لتمدد وتستعيدَ نشاطها ,رفعت شعرها القصير بربطةِ صغيرة ثم نظرتْ إلى الطفلين لتجدهما لا زالا نائمين ابتسمت واقتربت منهما جلست على ركبتيها وأخذت تتأملهما , كانَ شكلهم لطيفاً فهما نائمين على بساطِ على الأرض حيثُ أن لين تضعُ يدها قرب فمها بطريقة طفولية ولير بجانبها يلامس يدها وكأنما يخبرها بأنّه سيكونُ معها دائماً سحرت لمنظرهما وأطلقت ضحكة خفيفة , وقفت على قدميها من جديد وصفقت بيدها بخّفة فعليها تجهيز مائدة الإفطار فهي ليست لوحدها اليوم , انطلقت نحو مطبخها الصغير الذي توجدُ فيه نافذة صغيرة مطلة على الشرفة , فتحت الثلاجة وأخرجت علبة حليب كانت قد اشترتها بالأمس عندما ودعت رولند وضعتها على طاولةِ بيضاء مستديرة وبدأت تصنعُ شرائح خبز محمصة مع حبة بيضِ مقلية لتناولها مع كوبِ من الحليب الدافئ , انتهت من تجهيز الفطور فوضعت شرائح الخبز في صينيه ثمّ انطلقت بها نحو غرفتها الصغيرة دخلت الباب فوجدت الصغيرين قد استيقظا من نومهما وهما الآن يقومان بفركِ أعينها بطفوليه , تذكرت كلام رولند الأمس . ـ هل يمكنك الإعتناء بهما ؟! . شعرت بالحزن عندما تذكرت ذلك فلا بدّ أنّه كانَ مجبراً على العمل في ذلك القصر بالرغم من أنّه يكره الأغنياء , حركت رأسها يميناً وشمالاً لتنفضَ تلكَ الأفكار من رأسها أعادت النظرَ للطفلين فأدخلت الهواء لرئتيها ورسمت ابتسامة واسعة لتقولَ لهما . ـ صباح الخير .. لين .. لير . رفعا رأسيهما عندما سمعا صوتَ ميدوري , نهضت لين ووقفت على قدميها , أمسكت بملابس نومها القصيرة التي تصلُ إلى منتصفِ ساقيها وقالتْ بصوتِ ناعس طفولي . ـ صباح الخير . ابتسمت ميدوري فوضعت الصينية على طاولة قصيرة بمنتصف الغرفة ثمّ جلست على الأرض بقربها فتحت علبة الحليب بابتسامة وقالت لهما وهي تسكبه في الكؤوس الصغيرة . ـ اذهبا لتمسحا وجهيكما ثمّ اجلسا لتناولُ فطوركما . أومأ برأسيهما فبدأ لير بطيّ ما نامَ عليه وساعدته لين التي حملت الوسائد ووضعتها في مكانِ ما بجانبِ سرير ميدوري وانطلقا نحو الحمام ليغسلا وجهيهما . بينما وضعت الفتاة يدها على ذقنها وأخذت تفكر وهي تنظرُ للوسائد التي وضعوها . ـ يجب عليّ أن أذهب للسوق اليوم , من الجيد أنّه كان معي غطاء للنوم . عادَ الطفلان بابتسامةِ سعيدة وسارعا بالجلوسِ بالقربِ من ميدوري حولَ الطاولة , ابتسمت ميدوري وبدأت تقربُ لكلِ واحد منهم شريحة خبز وكوبِ من الحليبِ الطازج . ــــــــ وفي قصر ميلان ... كان يقفَ أمام بابِ غرفته ذو النقوشِ الهندسية الاحترافية .. تنهد بعمق فقد أخبره شيمون بما يجبُ عليه وها قد حانَ دوره ليعملَ بما قالَ له .. ولكنّه لا زالَ يطرقَ البابَ طرقه مرةً ثمّ ثالثة ورابعة فلم يسمع الجرس الذي يتيحُ له الدخول .. لم يجد مشكلة في نفسه بأن يدخل فأدارَ مقبضَ الباب وفتحَه . أول ما رأته عيناه هو تلكَ الغرفة الواسعة الكبيرة والتي يوجد في منتصفها سجادة بلونِ أحمر داكن مزخرفة بخيوطِ ذهبية اللون .. بينما جدارها ملونُ بألوانِ زاهية وعلى الجانب سريرِ واسع ينامُ عليه لشاب بأريحية , نظرَ رولند لسيده بعينيه الجميلتين فظهرَ له وجه الشاب النائم التي تناثرت على جبينه خصلات شعره التي تحملُ لونَ الكراميل اللذيذ يتنفسُ بهدوء ويبدوا أنّه غارقُ بالنوم ولا يشعرُ بشي ء... تركه ثمّ اتجه للنافذة الزجاجية التي تغطيها ستارة بلونِ بنيّ قاتم أزاحها بيده فبدأت أشعة الشمسُ القوية تنتشرُ في الغرفة بسرعة كبيرة حتى وصلت إلى عيني الشاب النائم . بدأ رولند يعدّ كلِ شيء دخلَ الحمامِ الخاص بسيده والذي هو متصلٌ بغرفته وكأنما هيّ شقةٌ منفصلة لكبرها, قامَ بإعدادِ حوض الاستحمام ليكون جاهزاً ثمّ ذهبَ سريعاً ليخرجَ لسيده ملابسَ مناسبةً له . قطبَ ميلان حاجبيه وهو يشعرُ بأصواتِ مزعجة تتسللُ إلى أذنيه وأخرها هو ذلك الضوء الذي يؤذي عينيه وضعَ يده عليها وبدأ بفتحها تدريجياً ثمّ ما لبثَ أن استقامَ جالساً بسرعةِ كبيرة ليعلمِ سببَ هذا الإزعاج , فركَ عينيه بيده اليسرى ونظرَ حوله فوجدَ ظهرَ شاب يقومُ بعملِ شيء وكأنما يرتبُ غرفته .. لم يعجبه الوضع فقالَ بصوته الناعس الذي يخالطه الغضب . ـ كيفَ تجرأت على الدخول وأنا لم آذن لكَ !؟ . التفت رولند سريعاً عندما سمعَ صوته ورآه يجلسُ على السرير تركَ ما بيده وتقدمَ نحوه احنى رأسه ثمّ بدأ بتحيةِ الصباح بصوتِ هادئ. ـ صباح الخير . وسريعاً جثى على إحدى ركبتيه وبدأ يفتحُ أزارير سترته الخاصة بنومه والتي هي مكونه من سترة فضافة بيضاء اللون وبنطال قطني أزرق وذلك ليستعدَ لأخذِ حمامه الصباحي لم يعجبُ ميلان تصرفَ الشاب الذي أمامه فأمسكه من مقدمة ملابسه وجذبه نحوه وقالَ بنبرةِ غاضبة وهو ينظرُ إليه . ـ اسمع ... أنت !!! لا تظنّ أنّي قمتَ بجعلكَ خادمِ لي لكِ تفعلَ ما تشاء وقت ما تريد . لم يهتم رولند لكلامه بل انتهى من فتح آخر زرار وبعدها وضعَ يده على يديه التي يمسكُ بها وقالَ له بنبرةِ جامدة . ـ انتهيت ... استحم ثمّ قم بالخروجِ إلى حديقة القصر لتناولِ إفطارك فالوقتِ قد تأخر . نظرَ ميلان إلى ساعته سريعاُ عندما سمعَ آخر جملة فقد كانت بمثابةِ الماء التي صبت عليه فقد كانَ يريدُ أن ينفجرَ غضباً على تصرفِ رولند ولكنّه فضل تأجيل ذلك بما أنّ الوقت تأخر .. وضعَ قدميه الحافيتين على الأرض وأسرعَ بخلعِ سترةِ نومه رمى بها على الأرض ثمّ انطلقَ مسرعاً نحو الحمام فأمامه عملٌ مهم لا يجبُ عليه التأخر . تنهدَ رولند بعمقِ كبير وهو يراه بتلكَ الحالة .. اقتربِ من سترته وحملها بيده ثمَ وضعها في مكانها المناسب ورجعَ إلى سريره وبدأَ يرتبه ويكمل ما توقفَ العمل فيه . ـــــــــــ وبعدِ مرور وقت قصير . انتهى ميلان من تجهيز نفسه فخرجَ وهو يقومُ بتعديل ربطة عنقه الفضية التي تتناسب مع ملابسه الرسمية السوداء نظرَ لنفسه من خلال المرآه وقامَ بتمشيطِ شعره ليصبحَ شكله مرتباً نظرَ للغرفة من حوله فعبسَ بشفتيه عندما رأى أنّ ذلك الخادم الجديد قد خرجَ من الغرفة بعدَ أن أنهى تنظيف غرفته فلا بدّ أن يقومَ بتعلميه فنون التعامل مع السادة والأغنياء . خرجَ إلى حديقة القصر ليتناولَ إفطاره بينَ رائحة قطرات الندى وشذى الورود الملونة المزروعة في أماكن مختلفة من نواحي الحديقة , جلسَ على إحدى الكراسي التي يحيطُ بها طاولة دائرية الشكل مثبتة في منتصفها مظلةُ صيفية جميلة , بدأ يتناولُ إفطاره وشيمون يقفُ بجانبه يصبُ له النسكافية بالحليب . وضعَ الإبريق على الطاولة وبدأ شيمون يذكره بجدول أعماله . ـ سوفَ تذهب الآن إلى الشركة لترى كيفَ يبليّ فيها عمك وتتعلم منه وبعدَ عودتك ستبدأ بالتحضير لدروسك وواجبتك المفروضة في الجامعة و... . ـ اصمت . هذا ما قاله ميلان بانزعاج وهو يقضمُ شريحة خبز مطلية بمربى البرتقال اللذيذ احتسى شرابه ليبتلعَ تلكَ اللقمة ثمّ وضعَ يده على الطاولة وقالَ لـ شيمون بغضب . ـ لا داعي لتكرار ما تقوله دائماً , لقد سئمتُ من ذلك . وقفَ على قدميه بعدَ جملته وأزاح الطاولة بيديه أدخلَ يده في جيبِ سترته وأخرجَ نظارةً شمسية فاخرة قامَ بوضعها على شعره وانطلقَ إلى بوابة القصر الخارجية ليركب سيارته الفارهة ولكن ما إن وصل إليها حتى رأى رولند أمامه يمشيّ حاملاً معه صندوق وهو في طريقة للدخولِ للقصر عبر البوابة اغتاظ لرؤية ملامح وجهه الهادئة وحوّل سيره ليكونَ طريقه محاذياً له فهو لن يغفرَ له طريقته التي دخلَ بها غرفته وما إن تقابلاً حتى وقفَ ميلان ورمقه بنظراتِ حادة بينما كانَ رولند غارقاً في أفكاره تزين ملامح وجهه الوسيم الهدوء وكأنّ عينيه تلك لا يرى بها ما حوله حتى أنّه لم يشعر بذلك الشخص الذي مرّ بجانبه فقد كانَ يُفكر بالطفلين الصغيرين وكيفَ بدأ يومهما الأول مع ميدوري . اغتاظَ ميلان وظنّه قد تجاهله فرجع للوراء بحركةِ سريعة بقدمه وأمسكَ بملابسه من ناحية رقبته ثمّ سحبه نحوه بقوة , تفاجأ رولند واستيقظ من تفكيره التفت نحو الخلف ليرى من ذلك الشخص فلم يعطه ميلان الفرصة بل قامَ بوضعَ يده على فمِ الآخر عندما رآه يريدُ أن يلتفت , دفعه بسرعة للخلف ليصطدم جسد رولند الضعيف في لحظاتِ قليلة بالبوابة الكبيرة ويسقطُ منه الصندوق الذي كان يحمله ويتناثر ما فيه . اتسعت عيناه بشدّة وهو يرى ميلان بملامحه الغاضبة يقابله وجهاً لوجه , تسارعت دقاتُ قلبه وارتجفَ جسده فقد هلعَ تماماً لحركته المفاجئة . ضغطَ بأصابعه التي يطبقُ بها على فمه وقالَ له بنبرةِ يتضحُ فيها الغضب الشديد . ـ أيها الخادم الحقير !!! كيفَ تتجاهلني بهذه الطريقة !!! . كان في كلّ مرةِ يزيدُ من قوة أطرافَ أصابعه التي تطبقُ على فمِّ رولند بقسوة حتى شعرَ بأنّ فكه سيخلعُ بسببه أغمضَ إحدى عينيه من الألم الذي يشعرُ به .. بينما اقتربَ ميلان منه حتى لامست خصلاته وجه رولند وهمسَ في أذنيه برعب . ـ اسمع يا هذا إياك وأن تتصرفَ من تلقاء نفسك !!! وإلا في المرة القادمة فلن ترى منّي ما لا يسرك . أبعدَ يده وغادرَ بمزاجِ غاضب ليستقل سيارته ويذهب بنفسه . سقطَ رولند على الأرضَ ما إن اختفى سيده من أمامه , أخذَ يستعيدُ أنفاسه فقد أصابه الفزع الشديد وضعَ كم ملابسه على فمه حتى هدأت نبضات قلبه قليلا . نهضَ بتثاقل بينما بدت أثار أصابع ميلان قد طبعت على وجهه , بدأَ بجمعِ الأدوات المتناثرة ووضعها في الصندوق وأكمل سيره ببطء وقد طغت على ملامح وجهه الجمود حجبَ بخصلات شعره عيناه وأخذَ يتذكرُ موقفاً مشابهاً وما إن بدأت تتسللُ إلى ذاكرته تلكَ الذكرى الفظيعة حتى شعرَ فجأة بالغثيان أسقطَ الصندوق الذي يحمله وسارع بوضعَ يده على فمه اتسعت عيناه بشدّة وانطلقَ راكضاً على الرغم من أنّه لم يتناول سوى قطعة خبز صغيرة محمصة بالجبن كان قد اختارها بنفسه من بينِ جميعَ أصناف مائدة الطعام للخدم . ما إن فرغَ ما في بطنه حتى احنى ظهره , أخذَ يلتقطُ أنفاسه المتسارعة وفي كل مرة يجمعَ الماء في كفه ويبدأ يغسلٌ وجهه مرارً وتكرارً حتى ابتلت خصلات شعره .. شعرَ بالغثيان مرةً أخرى فوضعَ يده على فمه مرةً أخرى فكل ذلك حدث بسببِ تذكره فقط للماضي همسَ لنفسه بضيق وهو يحاول أن يتخلص من ذلك الشعور المزعج . ـ تباَ .. لماذا اليوم أشعرُ بالمرض !! . ـــــــــــــ وفي السوق .. أخذت ميدوري تتجولُ برفقة الطفلين وقد ارتسمت ابتسامة جميلة على شفتيها الوردية فلقد جاءت إلى هنا لشراء ما تحتاجه بالإضافة لتختار للطفلين ملابسَ مناسبة للدخول إلى رياض الأطفال بينما هما يمسكان بأيدهما وقد التمعت أعينهما وكأنهما لأول مرة يشاهدان ذلك المنظر حيثُ الأناس الكثيرين والبضائع في المحلات من كل نوع والأجواء الصاخبة التي لا تهدأ . ـــــــــــــــ أوقفَ ميلان سيارته الفارهة أمام مبنى كبير مغطى بالزجاجِ الأزرق الذي أخذَ يعكسُ جميع المباني من حوله وكأنما هو مرآه مربعة الشكل .. نزعَ نظارته ثمّ خطى بخطواته نحوَ البوابة التي فتحت ألياً ما إن تقدمَ باتجاهها . ما إن أغلقت تلكَ البوابة حتى التفتَ جميع العاملين ليروا ذلك الشاب الوسيم بهيته يدخل الشركة فوقفوا جميعهم وبدأ بألقاء التحية برسمية لرئيسِ الشركة المستقبلي ... بينما ميلان كانَ كلّ ما مرّ من أمامهم يرفعُ يده في دلالةِ منه لكِ يتابعوا عملهم فقد علمه عمّه ذلك ليكونَ جديراً لأن يكونَ الرئيسَ القادم , اتجه نحو المصعد الذي خصص للشخصيات المهمة دخله وضغط على الطابق الثالث حيثُ مكتبَ عمه الرسمي وهو يفكرُ بصباحه الذيّ تعكر مزاجه بسببِ ذلك الخادم . خرجَ من المصعد وأخذَ يسير كان الطابقُ فخماً جداً تنيره إضاءات صفراء وتملأ جنابته مزهريات كبيرة مملوءة بالوردِ الطبيعي الأحمر بينما جدار قد زيّن بلوحات تعبيرية ذات ألوان هادئة توقف أمام آخر باب من الطابق وبدأ بطرقِه بخفة , سمعَ ذلك الصوت الذي يأذنُ له فأدارَ مقبضَ الباب ودخل . ـ ميلان ..! كيفَ حالك اليوم !؟ . هذا أول ما وصلَ إلى مسامع الشاب حينما دخل , التفت إلى مصدر الصوت فوجدَ رجلاً في العقد الرابع تزين وجهه ابتسامة حنونة بينما قد بدأ يظهر على شعره آثار الكبر , كانَ رزيناً ولا يزالَ محتفظاً بوقاره تركَ ما بيده وقالَ بتعجب نحو الشاب الذي سارع بالجلوس على كرسي أمامَ مكتبِ بقربه . ـ لقد تأخرتَ اليوم !! ما لذي حدثَ لك ؟! . رفعَ ميلان خصلات شعره والتفت نحو عمه وقالَ له بنبرةِ بتضحُ فيها الغضب . ـ إنه أحدَ الخدم أفسدَ عليّ صباحي . ضحكَ ذلك الرجل وأغمضَ عينيه ثمّ قالَ بذات النبرة الحنونة . ـ يا بني ارفق بهم ... ! . قطب حاجبيه والتفت نحو عمه وقال بانفعال وهو يحاولُ المحافظة على أعصابه . ـ عمي !! أنسيت ما لذي فعلوه بي ؟! أتراني قد أنسى تلكَ الأيام التي مررتُ بها بسببِ أحدهم !!!! . صمتَ قليلاً ثمّ قالَ بحزنِ ظهرَ في عينيه وألم . ـ جميعهم متشابهون . اختفت الابتسامة من وجهه عمه ورقّ قلبه وهو يرى بعينيه شكلَ ذلك الشاب الذي يبدوا من ملامح وجهه أنه مرتعب وخائف فيبدوا أنّه لن ينسى ما حصلَ له عندما كانَ صغيراً . تنهدَ في نفسه دونَ أن يلاحظه ميلان قامَ بحملِ قلمه من جديد ثمّ رسم ابتسامة أخرى ليغير الموضوع . ـ شكراً لك ميلان فقد فرحَ ابني ألفريدو عندما سلمتُ له ذلك القصر وقد أعجبه كثيراً . تبدلت ملامح ميلان وجذبه ما قاله له عمه بينما تابع الآخر كلامه . ـ أنا مدينٌ لك , فقد أعطيتنا أحقيّة شراءه فوقَ الجميع . شعرَ ميلان ببعض الإحراج فهربَ من نظراتِ عمه وأمسكَ بأحد الملفات ليراجعها فهذا جزء من واجبه الذي يتعلمه لكِ يصبحَ رئيسَ هذه الشركة , ضحكَ هايدن على منظرِ ابنِ شقيقه وهمسَ لنفسه . ـ لقد بدأت تتعلمُ حقاً ابنَ شقيقي العزيز . ففي الحقيقة تلكَ الشركة التي يترأسها هايدن عمُ ميلان هي شركةُ ذلك الشاب وهي وتحمل اسم ماليان ولكن بما أنّه لم يبلغ السنَ القانونية لتنصيبه رئيساً كما تنصً قانونين عائلته حيثُ السن المناسبة لتوليّ القيادة هي سنُ العشرون فقد قررَ السيد هايدن عمّ ميلان أن يقومُ بإدارتها له حتى يتمكن من ان يصبحَ رئيساً فشقيقه والدُ ميلان قد مات منذُ أن كانَ ذلك الشاب صغيراً . وأقربُ الناس إلى قلبِِ ذلك الشخص هو شقيقه الذي دائماً ما كانَ يساعده في كلّ شيء لذا هو يريدُ أن يردّ الدين له عن طريقِ مساعدة ابنه . بدأ بالعملِ المتواصل ففي كلِ مرةِ يقومُ ميلان بالاطلاع على ما بيدِ عمه من الملفات وتارةً يذهبُ إلى العاملين في الشركة ويسألهم عن اوضاعها وإذا انتصفَ الوقت يشاركهم شربُ القهوة ويتبادل أراءهم وهكذا كانت حياته في شركته والتي يقومُ بالذهابَ إليها كل ما سنحت له الفرصة فلم يتبقى سوى سنةُ واحدة ويكمل عامه العشرين. ــــــــــــــــــــــــــــ غربت شمسُ ذلك اليوم وحل المساء ... أسقطت ميدوري نفسها على السرير بتعب فقد اليومُ مرهقاً ... رفعت البطاقة التي أعطاها رولند لها .. وحدّقت بها ثمّ همست . ـ إنها تحتوي على مبلغ لا بأس فيه ... ربما تكفينا لشهرِ كامل . أمالت برأسها لترى لين تفركُ عينيها الخضراء بنعاس , ضحكت في نفسها وقالت . ـ ربما هي تعبة الآن . رفعت جسدها بحركة سريعة وأخذت تمددَ ساقيها ثمّ قفزت من الكرسي لتقول لهما . ـ يجبُ أن نستعدّ للنوم ... فبعدَ يومين ستتمكنانِ من دخولِ رياضِ الأطفال .. وأنا سأحاولُ أخذَ أوراقي للدخول للجامعة مع بداية الفصل الجديد . التفت لير الذي كان يفرشُ بساطه الصغير الجديد ذو اللون الأزرق المرسوم فيه نجومُ صفراء منسقة وأومأ برأسه بحماسة بينما أسرعت لين لتركض هيّ الأخرى نحو فراشها الجديد ذو اللون الأرجواني المطبوع عليه زهور وردية اللون وتضعه بجانبِ توأمها . ارتسمت السعادة وجه ميدوري فقد كانا حقاً غير مزعجين كما قالَ رولند , وقفت على قدميها وبدأت تستعد للنوم كما يفعلُ لير ولين .. رغم أن الوقت لا زال مبكراً إلا أنها تريدُ أن تريح جسدها ... حملت منشفة الاستحمام وأخذت ملابسَ نومها وقبلَ أن تخرجَ من الغرفة همست لنفسها . ـ رولند ترى كيف كانَ أول يومِ لك ؟! . ــــــــ وفي قصرِ ماليان .. توقفت تلكَ السيارة السوداء أمام بوابة القصر لتعلنَ عن قدومِ سيدِه , خرجَ من مقعد السائق وتقدم للدخول , وأول ما رأته عيناه هوَ شيمون الذي كانَ يقفُ منتظراً إياه تجاوزه وقالَ له . ـ لقد دعاني عميّ لتناولِ العشاء لذا تأخرت إلى هذا الوقت . علمَ كبير الخدم سببَ تأخر سيده فاطمأن قلبه وصارَ يمشيّ خلفه توقفَ ذلك الشاب فجأة وهو ينظرُ بحدقةِ عينه إلى ذلك الشخص اتسعت عينُ شيمون وهو ينظرُ لنفسِ الشيء الذي كانَ ينظرُ له ميلان فارتبكَ كثيراً . ظهرت على محيا ميلان الغضب وهو يرى رولند نائماً على وضعية الجلوس فوقَ إحدى الدرجات . سارعَ شيمون بالوقفَ أمامَ سيده وقالَ له باعتذار كبير . ـ أرجوك سامحه على ذلك ...! فهو لم ينم منذُ يومين وربما أكثر . حدجه ميلان بنظراتِ ساخطة وقالَ له وهو يحتفظُ بهدوء . ـ حتى وإن يكن فكيفَ بأحدِ خدمي أن يكونُ بهذا الشكل المثير للشفقة وفي أول يوم له !! . تحدث شيمون بهدوء وهو ينظرُ لوجه ذلك الشاب النائم بتعب والذي بدا ساكناً ولم يعلم بما يجريّ نحوه . ـ لقد قلتُ له بأن يذهب ليستريح لكنّه رفض ذلك وقالَ أنّه يجبُ عليه أن ينتظر بما أنّه أصبحَ خادمك الخاص . قطبَ ميلان حاجبيه عندما سمعَ آخر كملة التفت بكاملِ جسده نحو شيمون وقالَ له بسخرية ممزوجة ببعضِ الغضب . ـ إذاً لقد قررت هذا مع أنّي رفضتُ ذلك . انتبه شيمون لجملته فوضعَ يده على فمه بعدَ أن تداركَ ما قاله . تبدلت ملامح ميلان للهدوء فجأة مما أثارَ استغراب شيمون فقد ظنّ بأنّه سيغضبُ ويثورُ من ذلك ولكن بدلاً من ذلك اتجه نحو ذلك النائم .. جلسَ على ركبتيه بالقربَ منه وأخذً ينظرُ لوجه النائم بسكينة فقد كان يستندَ بأحد شقه نحو الجدار الذي يحيطُ بدرجات القصر الصغيرة وكأنما كانَ ينتظرُ أحدهم وضعَ يده على شعرِ رولند الأسود وهمسَ لنفسه مع ابتسامة خبيثة ظهرت على شفتيه وهو يتأمل عينيه المغمضتين. ـ لما لا ! ربما سيكونُ ذلك ممتعاً , سأجعله يندم لأنّه قبل ذلك ! . انتهى الفصل الرابع .. ~● ـ هل سيكونُ ميلان جاداً في أنّه سيجعل رولند يندم لانه قبل ببساطة أن يكونَ خادمه الخاص ؟! ـ في نظركم كيفَ كان اليوم الأول بالنسبة لرولند. ـ وكيف ستمضيّ الأيام القادمة بينَ ميلان ورلند ؟!
|
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة: |
09-11-2013, 04:48 AM | رقم المشاركة : 12 |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
ارتشف من كوب القهوة التي أمامه وأخذَ ينظرُ إليهم وهم يتبادون الأحاديث ويتناولون إفطارهم كانَ هو الأصغرُ من بينهم فها هو شيمون كبيرهم يجلسُ أمام طاولةِ الإفطار وحوله مجموعة من الخدم الذين يمكنُ عدهم بالأيدي أغلبهم يتكلمون بثرثرة عن حياتهم اليومية العادية والبعض يتكلمُ بسخط عن سيدهم وآخر يتحدثُ مع زميله ويخبره بأنّه يُفكر في الاستقالة انهى قهوته الصباحية فوضعها على الطاولة معلناً بذلك انتهاء إفطاره بالرغم من أنّه آخر شخصِ جلس إلا أنّه أول من قامَ منهم .. حمل سترته الرسمية وأخذَ يلبسها فوقَ سترته البيضاء الخفيفة . لاحظه شيمون فأسرعَ نحوه وبادرَ بسؤاله. ـ هل نمتَ جيداً ؟! . التفت رولند عندما سمعَ صوتَ كبير الخدم , شعرَ بالخجل عندما تذكرَ ليلة الأمس وكيفَ أنّه نامَ ولم يشعر إلا وهو يحمله إلى غرفته فقالَ له وقد توردت وجنتيه بخفه . ـ أجل . أعتذر إن كنتُ أزعجتك في الأمس ... وشكراً لك . ـ لا بأس ... استعد فقد بدأ العمل الحقيقي اليوم . هذا ما قاله شيمون بجديّة كبيرة .. فهو لا يعلم ما لذي سيجري له خاصة بعد أن قبل ميلان بأن يكونَ خادمه الخاص . أومأ رولند بهدوء مبيناً له أنّه قد فهم ما قاله بالرغم من جهله سببَ نظراته تلك .. انتهى من لبسِ بذلته وأسرعَ بالخروج ذاهباً إلى غرفة سيده . وقفَ أمامَ باب غرفة نوم ميلان فتذكرَ ما حصل بالأمس وضعَ كمه على فمه وأخذَ يستحضرُ ذلك الموقف الذي سبب له الشعور بالمرض وبينما هو على تلكَ الحالة تحركَ مقبضَ الباب الذي أمامه من الداخل وفُتح . تقابلت نظراتهما وأخذَ كلٌ من الثاني يحدقُ بالآخر ... كان ميلان قد استيقظَ من نومه منذُ برهة فها هوَ قد لبسَ أفضلَ ما عنده وتهيأ من تلقاء نفسه ... أبعدَ رولند ذراعه عن فمه وأخذَ ينظرُ لميلان ببرود تام بينما الآخر ينظرُ إليه بابتسامة ساخرة تقدمَ نحوه ووضعَ يده على شعرِ خادمه فقد كانَ أطول مقارنة بـ رولند الذي كان أقصر منه بقليل . ـ لقد استيقظتُ باكراً .. هذا يعني أنه يجب أن تحضرَ لغرفتي قبلَ استيقاظيّ . لم يعلق رولند على كلامه بل أخذَ ينظرُ إليه فهو يعلم أنه يريدُ فعلَ ذلك ليزعجه فقط , أبعدَ يده الثقيلة من على رأسه وقالَ له مع نظرةِ تحديّ جعلها في عينيه . ـ إذاً سيكونُ صباحي جيداً بما أنّي لم أضع قدمي في غرفتك . اغتاظَ من جملته وشعرَ بنيرانِ الغضب تتسربُ إلى شرايين دمه ببطء بالرغم من أنّه هو من كان يريدُ اغاضته إلا أنّه حصل العكس , أمسكَ بيدِ خادمه عنوةً وجره نحو غرفته ثمّ رماه فيها وأغلقَ الباب خلفه كادَ رولند أن يسقط من قوة دفعِ سيده إلا أنّه استطاع موازنة نفسه في اللحظة الأخيرة . أخذَ ميلان يقومُ بدفعِ كتلة من الهواء إلى داخله ليطفأ نارَ غضبه وبعدَ أن هدأ قالَ بخبث لمن أمامه والذي بدى هادئاً أكثر مما كانَ عليه بالأمس . ـ ها أنتَ في غرفتي الآن قم بتنظيفها ولا تنسى أن تنظفَ أثار قدميك أيضاً . قالَ جملته الأخيرة بسخرية شديدة وأحذَ ينظرُ إليه ليعرفَ ردة فعله , التفت رولند وأخذَ يبعثرُ نظراته في جميعِ أنحاء غرفته فوجدتها مرتبة كما كانت آخر مرة قامَ بتنظيفها فقط كانَ السرير هو ما كانَ مُعطفاً .. لم تؤثر عليه جملة ميلان والطريقة التي أمرها به فتقدمَ نحوِ السرير وقامَ بتمديده وفي ثواني قليلة انتهى واستدارً مغادراً... كلُّ ذلك كانَ أمام ناظريّ ميلان الذي أخذَ ينظرُ له بغضب شديد فهو لم تعجبه تعابير وجهه التي تدل على بساطه ما فعله ابتسمَ من زاوية فمه وتقدمَ ليبعثر كل شيء تصله يديه حتى قلبَ الغرفة رأساً على عقب لم يترك شيئاً واقفاً إلا أسقطه ولا شيئاً مرتباً إلا رماه . وبعدَ ان انتهى من بعثرةِ كلِ شيء التفت نحو رولند الذي بقيّ واقفاً في منتصفِ الغرفة ساكناً .. تقدمَ باتجاهه بابتسامة نصر وقفَ أمامه وأمسكَ بخصلات شعره وسحبها للأعلى حتى ارتفعَ وجهه رولند ثمّ قالَ له بكلِ حقد . ـ اعلم أنّي اكره جميعَ الخدم خاصةً أمثالك .. . ابتسمَ رولند رغمَ الألم البسيط الذي يشعرُ به ونظرَ إلى عيني سيده وقالَ له بثقةِ كبيرة . ـ أشاركك نفسَ الشعور في كرهي للأغنياء . وبتلكَ الجملتين انتهى الصراعَ بينهم أفلته ميلان ورمقه باحتقار وقبلَ أن يخرج من الغرفة التفت نحوه وقالَ له بخبث . ـ أسرع بترتيبها ثمّ اخرج إلى الحديقة ... فأنتَ تحت تصرفي الشخصي منذُ هذه اللحظة . صفقَ الباب خلفه بقوة وتركَ ذلك الشاب وسطَ الفوضى عادت ملامح الهدوء لوجهه وهدأت نفسه قليلاً أغمضَ عينيه وبدأ يدخلُ الهواء لرئتيه ليشعرَ ببعضِ الراحة .. ثواني هيّ حتى بدأ برفعِ الفوضى وإعادة ترتيبها بهدوء شديد . ـــــــ وضعَ قدميه على الطاولة وأخذَ ينظرٌ بملل فقد انهى إفطاره قبلَ قليل ويريدُ أن يشعرَ ببعضِ المرح قبل أن تأتي الجامعة وتتراكم عليه انشغالات الشركة .. رأى شيمون يتقدمُ نحوه فأغمضَ عينيه في تكبر ليستمعَ لما سيقوله له . ـ سيدي ما ذا ستفعلُ اليوم ؟! . كتف ميلان بذراعيه وأخذَ يُفكر بالأمر فهو لم يخطط بعد كما هو المعتاد .. حركَ قدميه في دلالة منه على تفكيره وقال . ـ الدراسة في الجامعة لم تبدأ بعد واليوم إجازة للشركة .. وأنا لم أخطط بالأمس لشيء . تنهدَ شيمون بداخله فهذا الشابُ الذي أمامه محير .. فعندما يخطط له يومه يرفضُ ذلك وعندما لا يخطط يبقى متحيراً. طرأت في داخله فكرة فقالَ لسيده الشاب آملاً في أن يستجيبَ . ـ ما رأيك لو تذهبُ لتزور ألفريدو في قصره الجديد ؟! . فتحَ ميلان عينيه ولوى شفتيه قائلاً وهو يتذكر ذلك الشاب الذي ذكره كبير خدمه. ـ لا أريد فهو مزعج ولا أريدُ أن يتعكر مزاجي بسببه . وضعَ شيمون يده على ذقنه ليأتي بفكرة جديدة مفيدة ... بينما ميلان اخذَ يميلُ بالكرسي بواسطه قدمه وكأنما يفكرُ بأمر ما وما هي إلا ثواني حتى.. لمحَ من بعيد خادمه الخاص يتقدمُ باتجاه فتذكرَ أنّه أمره بذلك رفعَ قدميه بسرعة ووضعها على الأرض واعتدل في جلسته ابتسمَ بخبث وهو لا زالَ ينظرُ لـ رولند وأخذَ يُفكر بشيء ما يجعله يستمتع وما لبثَ أن طرأت في باله . ـ لقد وجدتها . استغرب شيمون من قراره السريع وخشيّ أن يكونَ كما المعتاد من لعبِ في الخارج وذهابِ للأسواق .. فأرادَ أن يعارضه ولكن قبلَ أن يفعل لاحظ في عيني ميلان الحماسة وهو يحدقُ في شيء ما . التفت لينظر إلى الجهة التي ينظرُ إليها فيها ففوجئ بـ رولند يتوقفَ أمامه .. أرادً الحديث معه ولكنّه بادرً قائلا لـ ميلان بنبرةِ جامدة لم يعهدها شيمون أبداً . ـ لقد فعلت ما طلبته منّي .. وها أنا أقف أمامك . استغربَ شيمون من ذلك وتمنى أن يعرفَ سببَ تغيره ولكنْ ميلان الذي وضعَ كلتا ذراعيه على الطاولة ليتكأ عليها جعله يصمت . ـ هل لديكَ رخصة قيادة ؟! . استغربَ رولند من سؤال ميلان المفاجئ فأجابه برسمية. ـ أجل . وقفَ من على الطاولة بابتسامة خبيثة وقالَ له . ـ إذاً خذني في جولة حولَ المدينة . تلمسَّ شيمون شيئاً في نبرة ميلان فهذا غريب فـ هو رغمَ غناه إلا أنّه يُفضلُ قيادة السيارة بنفسه ولا يكلفُ أحداً بقيادتها . رمى مفاتيح سيارته لـ رولند الذي التقطها بمهارة وقالَ له بدهاء ظهر في حروفه . ـ اسبقني الآن . تقدمَ رولند طوعاً ملبياً أمره ولم يعترض فتلكَ النظرة التي يحملها ميلان وابتسامته تنبئُ أنّه يريدُ الانتقام منه بأيّ طريقة . نظرَ ميلان لـ شيمون بنصر وقالَ له . ـ اجلب لي معطفي .. فسيكونُ اليومُ حافلاً . سارعَ شيمون في إحضارَ ما يريده وقد ارتسمت الفرحة بداخله ما إن شعرَ بحماسة ميلان فربما تكونُ هذه بداية جيده لكلِ منهما وخاصة لسيده الشاب فهو لم يركبُ مع أحد الخدم منذُ ان وقعت تلكَ الحادثة . ـــــــ لبسَ معطفه الفخم ذو اللون البني .. وقامَ بالجلوسِ في المقاعد الخلفية بينما كانَ رولند يقف أمامَ مقعد السائق وقد غيرَ ملابسه بعدما أمره ميلان فكانت كالتي جاء بها أول مرةِ للقصر بنطالُ اسود وسترة سكرية بسيطة .. ركبَ هو الآخر وأدارَ المفتاحَ لتنطلقَ السيارة وتبتعد عن القصر . بدى رولند هادئاً وهو يقودُ بينما ميلان أخذَ ينظرُ إليه بخبث و في رأسه تدورُ الكثير من الأشياء التي يودُ أن يفعلها . ـــــــ وفي شقة ميدوري . كانتَ ميدوري مشغولة في جمعِ أوراقها للتتهيأ للدخول إلى الجامعة رغمَ تأخرها إلا لم تجد مشكلة في أن تدرس في الفصل الثاني بينما لير ولين يلعبان معاً بصمت .. فها هي لين تقومُ بالتلوين في كتيبِ للأطفال ولير يساعدها في اختيار الألوان المناسبة انتهيا من التلوين فأخذا ينظران لإنجازهما بفرحة غامرة ... ولكنها ما لبثت أن انطفأت سعادتها عندما وضعت لين رأسها على الوسادة التي كانت تتكأ عليها لتقول للـير بحزن وهي تتذكر رولند الذي كانَ يلعبُ معهما . ـ لير إنني أفتقد أخي رولند . شعرَ هو الآخر بالحزن فقد كانً ذلك الشاب هو مصدرَ دفأهما ولكن ما من شيء ليقوله بعدما حصل . سمعت ميدوري همسهما فنهضت من سريرها واتجهت نحوهما فردت ذراعيها واحتضنتها معاً من الخلف وهمست في أذنيهما بمرح . ـ لا تقلقا لقد أخبرني أنّه سيأتي لزيارتكما في يوم إجازته . سعدا لذلك وشعرا بالفرحة الغامرة وكلاهما في شوق لذلك اليوم الذي سيأتي فيه رفعت لين رأسها لتقولَ لـ ميدوري وقد توردت وجنتيها بطفولية . ـ أختي أخبرني كيفَ تعرفتي على أخي رولند وكيفَ هوَ أول لقاء بينكما . شعرَ لير بالحماسة لسؤال أخته فرفعَ رأسه هو الآخر وقالَ لها . ـ أودُ أن أعرف أنا أيضاً. شعرت ميدوري بالفرحة الغامرة عندما رأت في عينيهما الحماسة وكيفَ أنهما يريدان أن يعرفا ذلك رفعت إصبعها بابتسامة كبيرة وفتحت فاها لتبدأ بإخبارهما .... ـ لقد كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في العاشرةِ من عمري ... وقد كان ........ بدأت جملتها بحماسه كبيرة ولكن ما لبثَ أن انخفضَ صوتها واختفت الابتسامة من شفتيها لتتوقفَ لم تعرف ما تقولُ لهما وأخذت تتذكرُ يومَ لقائها به بل يوم لقائهما به... حاولت التكلم من جديد ولكنها لم تستطع أن تنطق بعدَ فهي لا تعرف كيفَ ستخبرهما فقد شعرت بالحماسة في البداية ولكن لم تكن حماستها لأجل أن تخبرهم بسؤالهما ولكن لأنها قد التقت بالفعلِ برولند وقد كانت محظوظة بذلك . لا حظت لين معالم وجهها المتغيرة فاختفت الابتسامة من شفتيها وقالَت بقلقِ . ـ أختي ميدوري ... !! . أخذت تهزّها بقلق بينما كانَ لير متفاجأ هو الآخر من ردة فعلها , شعرت ميدوري بهزّ لين وكلماتها التي تقولها ولكن .. بدى أنّ تلكَ الفتاة قد عادت للوراء كثيراً وها هي الآن تقفُ أمامَ رولند الصغير في إطارِ رماديّ ملأه الصمت . عضت على شفتيها وهي تستحضرُ ذلك اليوم وندمت لأنها لم تفكر قبلَ أن تقبلَ بطلبهما طأطأت رأسها بحزن وتجمعت الدموع في عينيها توقفت لين بصدمة وهي ترى غيمة الحزن التي خيمت على ميدوري ... بينما اكتفى لير بالصمت فيبدوا أنّه قد حصلَ شيء جعلها تبدو بهذا الشكل . رفعت رأسها بسرعة عندما شعرت بكمية القلق التي تحيطً لها مسحت دموعها التي كانت على طرفِ عينيها بإصبعها واستطاعت رسم الابتسامة على شفتيها من جديد نظرت إليهما وقالت وقد احمرت وجنتيها بحبِ لذلك الشاب . ـ أنا آسفه لم أتمالك نفسي وأنا أتذكرُ ذلك اليوم .... اطمأن قلبُ الصغيرين عندما قالت تلكَ الجملة فقد ظنّا أنها حزينة لأنه حصل شيء في ذلك اليوم ولكن ما لبثَ أن تبدد ظنهما عندما أخذا ينظرانِ لميدوري التي ما لبثَ أن قالت لهما بنبرةِ حالمة لتبدأ سردِ الحكاية . ـ كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في رحلة مدرسية إلى حديقة جميلة وقد وجدته ينامُ تحت شجرةِ عملاقة قد تناثرت وريقاتها الصفراء عليه اقتربت منه لأرى وجهه فشعرَ بي وبدأ بفتحِ عينيه ..... وهكذا بدأت ميدوري تسردُ لهم تلكَ الحكاية الكاذبة التي ليسَ لها أصلٌ من الصحة والتي تزينها باللحظات السعيدة المزيفة وتحيكها بمعلومتها من خلالِ مشاهدتها للأفلام وقراءتها للقصص .. كلُّ ذلك لتبعدَ القلق من وجهيّ التوأمان وهذا ما كانَ بالفعل فها هي لين قد بدت متحمسة ومنصةً لها باهتمام وقد اختفت ملامح الخوف بينما لير توردت وجنتيه وهو يستمعُ للحظة لقائها الجميلة برولند . ـــــــ مضى نصفُ الوقت وميلان يتنقلُ بينَ كلِ مكان في الأسواق وبينَ المطاعم ..لم يكن هدفه أن يستمتعَ بوقته بل في الحقيقة يريدُ إغاظة من معه ويبيّنَ له منزلته مقارنةً به .. فقد تعمد الأكل من أشهى الاطعمة في أفخر المطاعم أمام رولند كما أنّه اشترى من المحلات الشهيرة ملابسَ راقية غالية الثمن وفي كلِ مرة يرمقُ فيها ذلك الشاب بنظرات ساخرة على حاله .. ولكن ما لبث أن ظهرَ على وجهه عدمِ الرضى فهو لم يحقق مراده في اغاظة رولند الذي بدى غيرَ مبالياً بما يفعله . اشترى بعضَ البوظة وقد كانت آخر محطةِ قررها ... جلسَ على إحدى الكراسي في إحدى الحدائق الجميلة وبدأ يلعقُها بلسانه ببطء ليستشعرَ حلاوتها التي تذوبُ في فمه . نظرَ بطرفِ عينه لخادمه الذي وقفَ بجانبه ينظرُ للجهة المقابلة التي تطلُ على الشارع ويبدوا غيرَ مهتم لما يفعله كما أنّه لم يتذمر لكثرة الأماكن التي زارها بل ولم ينطق بحرفِ واحد منذُ أن خرجا من القصر شعرَ بالغضب في داخله فأبعد قالب البوظة بالبسكويت وقال بصوتِ عالِ ليسمعه رولند . ـ ممل .. . نظرَ رولند له بطرفِ عينيه فقد خشيّ أن يثورَ سيده فيبدوا أنّ محاولاته كلها بائت بالفشل وها هو وصلَ إلى حده . ابتسمَ ميلان عندما أثارَ انتباه فلوحَ بقالب البوظة باتجاهه وقالَ له بسخرية وهو يرفع إحدى حاجبيه. ـ أتريدُ بعضاً منه ؟! . التفت رولند له بكاملِ جسده وقد عرفَ مقصده من سؤاله فلم يرفض كما كانَ يظنُ ميلان بل قالَ له بطرفِ ابتسامة . ـ للأسف لا أحبُ النوع الذي اخترته . سخطَ ميلان لإجابته وأخذَ يحدقُ بالذي اشتراه فقد كان بطعمِ الفانيلا المزين بخطوط من الكراميل المجمّدة نهضَ بعصبية ورماه في سلةِ المهملات التي بجانبه .. تقدمَ باتجاه خادمه وجذبه من ملابسه ليقولَ له وهو يصكُ على أسنانه. ـ.. أتريدُ إغاظتي يا هذا ... !! . ـ لقد أجبتُ عن سؤالك فقط ! . هذا ما قاله رولند بثقة وهو ينظرُ لوجهه ميلان الغاضب حل الصمتُ لبعضِ الوقت فلم يجد ميلان أيّ ردِ يجبُ قوله حتى يُغضب من أمامه فقطع أفكاره صوتُ رولند الذي قالَ له . ـ أيمكننا العودةُ الآن .. فقد مضى الكثير من الوقت وها هي الشمسُ بدأت تدنو . لاحظ ميلان التغير الذي طرأ على خادمه فقد بدى مرهقاً وقد اختفت ملامح التحدي في عينيه .. ابتسمَ بعناد وقالَ له. ـ كلا ... . ابتعدَ عنه وسبقه بخطواتِ متسارعة وهو يندبُ حظه فهو لم يرد الخروج اليوم إلا ليثيرَ شيئاً ما في نفسِ خادمه ولكنّه بدى قوياً غير مبالياً وكأنما قد خاضَ تجربة في ذلك .. شدّ قبضة يده وقالَ بعصبية . ـ لن أرجع أبداً حتى أحقق مراديّ . ظلّ يمشي في طرقات المدينة يجوبُ شارعاُ وراء شارع .. لم يلتفت خلفه بل كانَ يسيرُ بدونِ هدف حتى غربت الشمس وحلّ الظلام ... شعرَ بالتعبِ في قدميه فالتفت ليرى إن كانَ خادمه يتبعه .. فوجده كظلهِ تماماً كانَ يأمل بأن يكونَ قد تأخر قليلاً في زحمه الناس ليعاتبه ولكنه لم ينجح أبداً .... التفت للوراء وتقدمَ باتجاهه أمسكه من كتفيه بقوة ثمّ أغمضَ عينيه ليصرخَ بصوتِ عالِ في وجهه . ـ أنت بالفــــــعل ممل ..ممل .... ممــــــــــــــــــل !! . هدأ الناس وصاروا يبتعدونَ عن ذلك الذي بدأ يصرخُ في منتصفِ الطريق ليتهامسوا فيما بينهم بتعجب . ـ يبدوا أنهما تشاجرا ... ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا . هذا ما كان الناس يتكلمٌون به ليسمعَ همسهم ويصلَ إلى ميلان الذيّ لم يعجبه الوضع تماماً تقدمَ عجوزُ باتجاههما وقال لهما بصوته الضعيف الذي يظهر فيه الحكمة . ـ سوفَ تندمانِ على ذلك أيها الشابان الصغيران وستتمنيان بأنكما لم تتشاجرا . كانَ ميلان يحترقُ في داخله وكأنما ما يسمعه لا يزيدُه إلا غضباً على غضب ليقولَ بهمسِ لنفسه وهو يصكُ على أسنانه . ـ تباً .. تباً .. تباً ... هو ليسَ صديقي إنّما هو خادمي !! لماذا وصلتُ إلى هذا المكان المليء بالعجائز !!. تراجعَ رولند للخلف فتعجبَ ميلان من ذلك وانقطعَ صراعه الداخلي , أخذَ ينظرُ إلى خادمه باستغراب .. انحنى له أمامَ الناس في منتصفِ الطريق وقالَ له بنبرةِ هادئة . ـ أرجوك سامحني أنا المخطئ .... . اتسعت عيناه أثر ما قاله فقد قلبْ الموازين لصالحه وها هو الآن يعتذرُ له أمام الجميعِ معرضاً نفسه للإهانة أمامه فلم يكن له سوى أن يرسم ابتسامة ساخرة منتصرة فها هو أخيراً قد حقق مراده بطريقة غير مباشرة , بينما بقيّ رولند على حالته ينظرُ إلى الأرض بعينيه فقد كانَ يعلمُ تماماً بما كان يجولُ في خاطر سيده ولم يرد أن يخيّب ظنه ورأى أنّه من الأفضل أن يفعل ذلك . ـــــــ ركبا السيارة وحلّ الهدوء التام بينهما فلم ينطقَ كلاهما بعدما حدث في ذلك الشارع ... كانَ ميلان يشعرُ بالانتصار فقد حقق مراده الذي جاءَ لأجله وها هو يرى وجه خادمه الذي بدى عليه الإرهاق من خلالِ المرآه العاكسة فنصفُ يومِ قضاه معه في الخارج من المتوقع فيه أن يشعر بكمية من التعب , فجأة ترددت على مسامعه جملةِ أحدهم. ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا . شعرَ بالغرابة وأخذت ترنُ تلكَ الجملة في أذنيه مكونةً صدى ذاتِ رنّة غريبة... اسندَ رأسه على مقعد السيارة الخلفيّ وطغت على ملامحه معالم الهدوء ... تبدلت نظرته الحادة لأخرى حزينة وأخذَ يتذكرُ موقفاً قديماً حصل معه في ذلك الحادث .. عضِ على شفتيه وقالَ بألم . ـ ترى أينَ أنتَ الآن ! .. هل نجوت أم أنكَ لا تزال في قبضتهم ؟! . ـــــــ وفي شقة ميدوري تأكدت من نومهما فابتسمت بداخلها وهي ترى الفرحة على وجوهم النائمة فيبدوا أنّ القصة التي حكتها لهم قد صدقوها وهذا ما أرادته .... ارتدت خفها الملون وخرجت إلى الشرفة ... أسندت ذراعيها عليها وتبدلت ملامحها للحزن وما لبث أن هبت نسمه هواء باردة حركت وريقات الشجرة الضخمة التي تطلُ على شقتها لتسقطَ وريقاتها على الشارع الذي تحته وتحركُ شعرها البني القصير أرجعت بعضاً من خصلاتِ شعرها خلفَ أذنيها وبدأت تحركُ شفتيها وقد انسابت دمعة على وجنتيها . ـ رولند .. تُرى ما هو مقدار العذاب الذي كنتَ تعيشه قبل أن نلتقي بك ! هل ازداد بعدَ مجيئنا أم لا ؟! . دفنت وجهها بيدها وقد بدأت الدموع تنسابُ من عينيها لتقولَ بعتاب لنفسها . ـ ما هذا السؤال الغبي . ! بالتأكيد ازداد بعدَ مجيئنا ... دائماً ما كان يحمينا ونحن نقفُ ننظرُ إليه دونَ أن نفعلَ شيئاً . بدأت تمسحُ الدموع بكمِ قميصِ نومها لتتمالك نفسها فلو رأى ما هيّ عليه لغضبَ منها بالتأكيد .. ابتسمت من جديد فقد تعلمت فعلَ ذلك بسرعة فقد جاهدت نفسها على ذلك لأجل ذلك الشاب لكيلا يغضبَ ويحزنَ من تصرفها . استنشقت بعمق من نسيم الليل البارد فبدأت الراحة تدخلُ تدريجاً إلى نفسها ابتعدت عن الشرفة وأغلقت بابَ شقتها لتنام وتبدأ يومها القادم بحيوية . ـــــــ كانت الغرفة مظلمة لا ينيرها سوى إنارة صفراء خفيفة ولا يسمعُ فيها إلا صوتُ الهواء البارد الذي يكيفها ... قامَ بشربِ كأس الماء الذيّ امتدّ له ثمّ وضعه بعد أن صارً فارغاً احتضن وسادته ثمّ أسقط نفسه على السرير لينام ... خرجَ رولند من غرفةِ سيده وهو يحملُ كأس الماء الفارغ وأكثر ما أثارَ استغرابه هو هدوء ميلان وكأنما هناكَ ما يشغلُ فكره تنهدَ بعمق فقد كانَ ذلك جيداً فلم يصرخ عليه أو يقومُ بإلقاء كتلِ من السخرية باتجاهه . نظرَ للقصر من حوله فوجده هادئاً فيبدوا أنّ جميعَ الخدم قد خلدوا للنوم .. وصلَ إلى الدرجِ الذي يوصلِ إلى غرفته في الدور الأرضي بدأ ينزله وهو يضعَ ذراعه على الجدار فعقله مشغول بالتفكير في الغد ... وصلَ إلى غرفته الضيقة فأسقطَ نفسه على السرير ... فتحَ أزرار سترته ليشعرَ ببعضِ الهواء وما لبثَ أن ظهرت ملامح الألم على وجهه ليتكور على نفسه ويشدّ بيده على الوسادة بقوة وكأنما أرادَ أن يُفرغَ ألمه فيها .. ثواني هي حتى عادت ملامحه إلى طبيعتها واختفى ذلك الألم ... أغمضَ عينيه ومدد جسده ثمّ قامَ بوضعَ ذراعه على جبينه واستسلم للنوم سريعاً . انتهى الفصل الخامس ..
|
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة: |
09-11-2013, 04:54 AM | رقم المشاركة : 13 |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
نقلت لكم وبحمد الله تعالى الفصل الثالث و الرابع و الخامس
الفصل السادس سيكون بعد اسبوع من الان اسفة لتاخري بنقل الفصول لكن كان كنت بدرس لامتحان ان شاء الله يكون في ردود وحركة بلمنتدى لذلك الوقت
|
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة: |
09-12-2013, 02:50 PM | رقم المشاركة : 14 |
شكراً: 4,039
تم شكره 3,394 مرة في 1,199 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
بارك الله فيكِ اختي رواية جميلة وفيها الفائدة
يُرى من خلال القراءة الفرق بين الكبر والتواضع والغنا غنى الروح وليس غنى المال للأسف نرى حقا مثل هذه الشخصية في حياتنا يهين غيره لسبب الفقر والحاجة ولايدري قد يكون خير منه عند ربه بارك الله فيك اختي تابعي اظن انهم لم يكن اول لقاء لهم قد يكون هو صديقه الذي يبحث عنه وهذا مايدل عليه العنوان لن نستبق الأحداث ^^
|
|
09-13-2013, 06:04 PM | رقم المشاركة : 15 | |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
كلامك صحيح لكن السبب الفعلى هو ما حدث لميلان عندما كان صغيرا فكما ذكرت فحقده على جميع الخدم وليس لشخصهم بل بسبب ما تعرض له من قبل احدهم في صغره اما ما جعله يتعدى الحدود بمعنى الكلمة مع رولند هو انه ظن ان رولند يحاول تحديه بتصرافته الهادئة كما انه يرى انهم ادنى منه مستوى ليس بسسب المال بل لانه يحتقرهم جميعا مشكوورة على ردك وعلى ما يبدو لا يوجد تفاعل في مونمس بعد الان للاسف علعموم انا ساتابع انزال الفصول لكن الفصل القادم سيكون خلال الاسبوع القادم
|
|
|
09-15-2013, 01:24 AM | رقم المشاركة : 16 |
شكراً: 7,337
تم شكره 4,753 مرة في 1,612 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
يا هلا فيك اختي .. كيفك ان شاء الله طيبة ..!! + ما شاء الله باين عليها الرواية جميلة جدا .. لي عودة بعد قراءة جميع الاجزاء المطروحة ^_* ...
|
|
09-22-2013, 06:06 PM | رقم المشاركة : 17 |
شكراً: 494
تم شكره 181 مرة في 62 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هذه القصة الرائعة علي ان اثني على اختيارك الرائع عادة لاتستهويني القصص الطويلة وكثيرة السرد .. احب الحوارات ولاكن شيء ما اعجبني في القصة احسه تشبه انمي الخادم الاسود .. انا قريت البعض منها فيستحيل اقرأها كلها في يوم واحد بس هي حلوة جداً مع اني مشغولة هذي الايام بس تورطت وقريت القصة للاسف تقبلي مروري وواصلِ ابداعك دمتي بود
آخر تعديل Chocolate يوم 09-22-2013 في 09:54 PM.
|
|
09-27-2013, 09:38 AM | رقم المشاركة : 18 |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
عربةٌ مزينة بألوانِ جميلة وأشكالِ هندسية براقة تسرُ أنظار كل من يراها , تجرها اثنين من الخيولِ البيضاء الأصيلة وحولها تسير مجموعة من السيارات المختلفة في أحجامها والتي قد طبعت عليها شعارٌ موحدّ بألوانِ لامعة ... كان هناكَ مجموعة من الأشخاص في العربة الرئيسية والتي توجدُ بداخلها كلَ أنواعِ المرح ومختلفِ الأقنعة التي تحبها مختلفُ الأعمار .. جميعهم تبدوا عليهم الحماسة والسعادة فها هم يأكلون بعضاً من الحلوى الفرنسية المغطاة بالشكولاتة وبعضُ منها مغطى بطبقة من الفانيلا والمكسرات المتنوعة , لباسهم موحد فقد كانَ يطغى عليها اللون الأبيض المزين بخيوطِ ملونة من على أطرافها . تقدمَ أحدهم نحو شخصِ قد جلسَ في زاوية بعيدةِ عنهم ... ويختلفُ عنهم بعضَ الشيء فهو يلبسَ عباءةً زيتية مقطعة من الأطراف ويغطيّ رأسه بقبعةِ متصلةِ بتلكَ العباءة وبيده يأكلُ بعضاً من الحلوى المثلجة .... ـ ألا تريدُ البقاء معانا ! بالرغمِ من أننا لا نعرفك جيداً إلا أنك كنتَ مذهلا . رفعَ ذلك الشاب رأسه عندما سمعَ ذلك السؤال.. ابتلعَ قطعة الكعك المحلاة المجمدة وظهرت على عينيه معالمِ التصميم ليقولَ للشخصِ الذي سأله . ـ لا أستطيع البقاء .. فهناكَ شخص يجب أن التقيه . أخذَ ينهي ما بيده بسرعة وما لبثَ أن رفعَ ذراعه وقالَ لمن أمامه بمرح . ـ أريدُ المزيد .... فهذهِ الحلوى لذيذة وهي أشبه بالمثلجات .. تقدمَ بعضُ ممن في العربة باتجاهه وقد ارتسمت بداخلهم ابتسامة جميلة أعطى أحدهم لذلك الفتى بعضاً مما طلب والذي أسرعَ بأخذه منه وقد طغت على وجهه معالمُ السعادة . سقطَ الغطاء الذي على رأسه فظهر شعره الأشقر المائل للونِ غروبِ الشمس وقالَ لهم وهو يأكل الحلوى . ـ يسرني البقاء معكم ... ولكن هناكَ ما يجبُ عليّ عمله في المدينة التي ستذهبونَ إليها . ابتسمَ أحدهم وهو ينظرُ لذلك الشاب الذيّ ألحّ عليهم بأن يأخذوه معه فيبدوا أنّه علم أنهم متوجهون لمدينة أخرى وقد تسلل إلى عربتهم وعندما اكتشفوا رفضَ النزول وعرضَ عليهم بعضاً من مواهبه فقبلَ جميعهم بأن يحملوه معهم فقد بدى بارعاً وهو يحركُ الكرات الملونة بيده بخفة وانسيابيه . جلسَ بقربه وأخذً يدقق النظر إليه .. كانَ شاباً صغيراً بدى في السادسة عشر ويبدوا أنّه فقير فهيئته تدلُ على ذلك .. مدّ يده نحوَ إحدى أذنيه .. ولمسَ الحلقة الطويلة التي أشبه بخيطِ ملون وقالَ له بابتسامة . ـ ولماذا ترفضُ الانضمام معانا بالرغمِ من أنّه عرضٌ مغري ! .. سوفَ تحصلُ على الكثير من المعجبين وسوفَ تزورُ أغلبَ المدن لترى جمالها كما أنّك ستحصلُ على مرتبِ جيد يكفي لتعيشَ حياةً كريمة . توقفَ المعني به بالسؤال عن الاكل ورفعَ يده ليبعدَ من أمسك بحلقةِ أذنه عنها بلطف ثواني هي حتى ابتسمَ ابتسامة حزينة . ـ أخبرتك .. هناك شخصٌ يجبُ عليَّ أن أبقى معه . استغربَ الجميعَ من ذلك وأخذو ينظرون لذلك الشاب بغرابة ولكنّه ما لبثَ أن أبعدَ الحزن عن شفتيه ليقولَ لهم بابتسامة مرحة . ـ بالمناسبة متى سوفَ نصلُ لتلكَ المدينة ! . ضحكَ الجميعَ على شخصيته فتقدمَ أحدهم نحوه ووضعَ يده على شعره ليقولَ له بمرح ... ـ ما رأيك لو نعلمك بعضاً من الحركات الجديدة لتضيفها إليك . شعرَ الشاب بفرحة غامرة وأمأ برأسه موافقاً . فجأة مُلأ المكان ضياءً بأشعة الشمس الهادئة والتي أخذت تنسابُ من العربة التي هم فيها ... ارتسمت الفرحة بداخلِ الشاب وأسرعَ نحو الشخص الذي قامَ بإزالة الستار عن نافذة العربة .. أطلَ برأسه منها فحرّك الهواء عباءته وشعيرات رأسه ... اتسعت عيناه بسعادة عندما بدت تظهرُ له معالم المدينة بمبانيها الشاهقة .... فهمسَ لنفسه وقد بدأ قلبه يخفق . ـ وأخيراً .... وصلتُ إليها .. ابتسمَ جميعَ من في العربة فقد بدى لهم أنّ ذلك الشاب يحملُ في قلبه وعداً ثقيلاً كلفَ نفسه به جلسَ الجميعَ في أماكنهم منتظرين موعد النزول ... بينما لم يجلس ذلك الفتى من فرطِ حماسته بل أخذَ ينظرُ من النافذة متلهفاً للوصول . ـــــــ بدأ صباحٌ آخر في قصر ماليان وكما هو المعتاد فقد غادرَ ميلان إلى شركته ليساعد عمه حتى رولند لم يكن فيه فبعد أنّ أصبحَ خادمه الخاص فقد قرر ميلان بأن يكونَ هو سائقه ليذهب به إلى أيّ مكان يريده .. بينما عاد شيمون للعمل وملامح الغرابة باتت بادية على وجهه فلم يحصل أيُّ إزعاج من سيده هذا اليوم فقد كانت تطغى عليه أثار النوم وبدى أنّه لم ينم جيداً شعرَ بالقلق في داخله فيبدوا أنّه كانَ يُفكر في تلك الحادثة ولم يستطع النوم . وعند بوابة الشركة ... صفقَ ميلان باب السيارة بعصبية فيبدوا أنّه قد استعاد طبيعته بسرعة .. أسرعَ بخطواتِ غاضبه وقالَ بحرقة . ـ أودُ أن أبرحك ضرباً . وصلَ إلى بوابة الشركة فأدخلَ كمية كبيرة من الهواء إلى رئتيه ليبعد شعوره بالغضب كرر تلكَ الخطوة مراتِ عديدة حتى شعرَ بالراحة .. عدلّ من ملابسه وتسريحة شعره ثمّ دخل برزانة . بينما كانَ رولند واضعا رأسه على مقودِ السيارة وقد بانت على وجهه ملامح الإرهاق الطفيفة ليقولَ بهمس . ـ إنه أشبه بطفلِ مدلل ... لماذا يضعُ كل غضبه عليّ عندما يكونُ هو المخطئ !. رفعَ رأسه وحركَ مقود السيارة عائداً إلى القصر فقد حدثت مشاجرة من طرف واحد فقد نسي ميلان أن يلبسَ ربطة عنقه الجديدة وقد عاتبه على ذلك .. رغمَ أنّ رولند بريءٌ من ذلك فميلان هو من يختارَ لنفسه ملابسه وهو فقط يخرجها له في الصباح . ـــــــ في شقة ميدوري ... لم يعد باستطاعتهم كتم ضحكاتهم فوضعَ كلٌ منهما يده على فمِ الآخر فقد كانت السعادة ظاهراً على وجوهم مع بداية طلوعِ شمسِ اليوم .. لم يعد باستطاعة لين أن تكتم ضحكتها أكثر فأبعدت يد لير عن فمها وانفجرت بالضحك ... ثواني هيَ حتى تبعها لير ليشاركها الضحك ... فقد كانَ منظرُ ميدوريّ مضحكاً خاصة وأنّها قد تأخرت في تجهيزِ نفسها وصارت مرتبكة وهي تبحثُ عن أشيائها وتركضُ في أنحاء الغرفة فجأة سمعا صوتَ الباب ليضعها أيدهما على فمهم . دخلت ميدوري وهي تربطُ شعرها القصير لترفعه . وقد بدت أنّها مستعجلة .. انتهت من ربطِ شعرها ونظرت لطفلين لتقولَ لهما بعتاب . ـ أتنما تضحكانِ عليّ أليسَ كذلك ؟! . أومأ برأسيهما نفياً بطريقة مضحكة ... لترتسم الابتسامة على وجه ميدوري وهي تراهما بسعادة ونشاط فقالت لهما وهي تأخذُ حقيبتها الصغيرة . ـ ها قد انتهيت ... . نهضا من الأرض وأمسكا بأيدهما ليذهبا فها هو اليوم الأول الذي سيذهبا فيه إلى رياض الأطفال .. توقفا عندَ ميدوري التي ما لبثت أن وضعت إصبعها على جبينِ كل واحدِ منهما لتقولَ لهما بمرح . ـ في المرة القادمة سوفَ أستيقظُ باكراً لكيلا تضحكا عليّ . أوما برأسيهما بمرح وانطلقا خلفها .. كانت لين سعيدة فها هيّ تلبسُ ملابسَ جديدة قد اشترها لها ميدوري لتذهبَ بها إلى رياضِ الأطفال والتي كانت مطابقة تماماً لتوأمها إلا أنّه يختلف في أنّه مكوّن من بنطال وبذلة وهي أشبه بثوبِ قصير يصلُ لمنتصفِ ساقيها ...رفعت نظرها لتنظرَ لميدوري فقد كانت هي الاخرى متحمسة للذهابِ بأوراقها إلى الجامعة بحيثِ يمكنها الدراسة ... أمسكتْ جيداً بيد أخيها وهي تأمل بأن يكونَ هذا اليومُ جيداً لهم جميعاً . ـــــــ وصلَ رولند إلى القصر فوضعَ السيارة في مكانها المناسب .. أخذَ يسير حتى وصل إلى الحديقة .. توقفَ عند أحدى شجيراتها القصيرة فجلسَ تحتها ليرتاحَ قليلاً .. فليسَ لديه ما يفعله بما أنّ سيده ليسَ هنا .. رفعَ رأسه فرأى شيمون يتقدمَ نحوه أرادَ النهوض لكنّه أشارَ إليه بيده بأنّه لا بأس في ذلك فقد كانَ يحملُ بيده صينية فيها بعضٌ من الكعك بالإضافة إلى كوبين يتصاعدُ منها البخار ... جلسَ شيمون بالقرب منه ووضع الصينية على الأرض ثمّ ما لبثَ أن مددّ ذراعيه للأعلى ليقولَ بابتسامة وهو ينظرُ للمكان من حوله . ـ لقد أحسنت باختيار هذا المكان .. . ابتسمَ رولند وهو يرى عليه ملامح الراحة فبدأ شيمون بوضعَ الذيّ أعده أمامَ رولند ليقولَ له. ـ اشربه إنّ طعمه لذيذ فقد قمتُ بإعداده ... إنه حليب ساخن بطعمِ العسل كانت أمي تعده لي عندما كنتُ صغيراً . سارعَ بأخذه وارتشفَ منه انسابت إلى فمه طعمه فقالَ لـ شيمون في دلالة منه على إعجابه . ـ إنه لذيذ ... شكراً لك . ظهرت ملامح الخجل على شيمون فضحك بخفة وقالَ رولند . ـ يسعدني أنّ أعدّه لك كل يوم .. فجسدك يبدوا ضعيفاً . ما إن سمعَ رولند جملته الاخيرة حتى تغيرت ملامح وجهه وأخذَ يحدق بالبخار الذي يتصاعد من كأسه . التفت شيمون نحوه وسأله . ـ لقد سمعتُ محادثة ميلان معك وأنكَ قد اقترفتَ خطأ جعلك تعملُ عند السيد الراحل ليبريت . ارتشفَ القليل ثمَ وضعه وقالَ لـ شيمون مع ابتسامة جميلة ظهرت على شفتيه . ـ أجل .. بينما كنتُ أسير في الشارع أتلفتُ عن طريقِ الخطأ بضاعةً له . قامَ شيمون بقضمِ بعضِ الكعك وفهمَ ما كانَ يقصده ... حل الصمتُ بينهما لبعضِ الوقت فها هو شيمون ينظرُ للحديقة وهو يأكل بعضَ الكعك بينما رولند يفكر في ذلك اليوم وهو يرتشفِ من كوبه وقد بدأت تلك الذكرى تعودُ إليه . بدأ يشعرُ بألم يتمزقُ في داخله ولم يعد باستطاعته السير فمنذُ أن استيقظ وذلك الألم يلازمه تحاملَ على نفسه حتى وجدَ معطفاً ضيقاً أسرعَ بخطواتِ ثقيلة باتجاهه وما إن وصل إليه حتى سقطَ على الأرض .. أخذت أنفاسه تتصاعد وحرارة جسده ترتفع اتكأ على الجدار ورفعَ نظره للسماء الزرقاء ليقولَ بهمسِ . ـ تباً .. ألن يتوقفَ هذا الألم . بدأت له الرؤية مشوشة فوضعَ يده على جبينه وما هي إلا ثواني حتى بدأ يفقدُ وعيه تدريجياً . دارات عقاربُ الساعة ومرّ الكثير من الوقت . فتحَ عينيه بصعوبة فرأى أن الظلام قد حلّ شعرَ بالقلق يسيطر عليه فوقفَ على قدميه وأخذَ يسير ليعودَ إلى حيثُ لير ولين .. قابل شاحنة تقفٌ بالقرب من المنعطف الذي هو فيه ويبدوا أنّ أصحابها يفرغونَ الشحنة التي فيها سارَ ليخرجَ ولكنّ ما إن وصلَ إلى الشارع حتى اختلّ توازنه ليسقطَ على الجهة المقابلة لتلكَ الشاحنة , اصطدم جسده بها فاهتزت الأشياء الخفيفة التي فيها لتسقطَ جميعاً تتبعها واحدةً تلو الاخرى , أغمضَ رولند عينيه وهو يسمعُ صوتَ تكسرِ عنيف . سارعَ رجلان بفزع ما إن سمعا ذلك الصوت أسرعَ أحدهم نحو باب الشاحنة المفتوح بفزع بينما الآخر أمسكَ الفاعل من ذراعيه وأخذَ يصرخُ في وجهه المتعب . ـ أنت !!!! ألم ترى أننا كنّا ننزلُ تلكَ الشحنة هل تعمدت فعلَ ذلك . لم يعد باستطاعته أن يبقي عينيه مفتوحة وهو يشاهد ذلك الرجل الذي يصرخ عليه فقد اشتدّ الألم عليه وآخر ما سمعه قبلَ أن يفقد وعيه . ـ لنذهب به إلى السيد ليبريت حتى يرى العقاب المناسب له . عادَ رولند إلى واقعه وهمسَ لنفسه ولا زالت تلكَ الذكرى تعودُ إليه . . ـ وبذلك سمحَ لي ليبريت بالعمل عنده تعويضاً لما فعلت . أنهى شيمون الكعك بمشاركة رولند .. فنهضَ وقالَ لـ الشاب الذي أمامه . ـ هل تساعدني قليلاً ؟! . أومأ رولند برأسه موافقاً ونهضَ ملبياً طلبَ كبيرِ خدمِ القصر فقد شعرَ بالراحة لقربه وهو في شوقَ ليعلم سبب بقاءه مع سيده الشاب أرادَ سؤاله ولكنه علمَ أنّه ليسَ الوقت المناسب ليقومَ بسؤاله . ـــــــ وفي مكان آخر . نزلَ الجميعُ من تلكَ العربة التي انطفأت أنوارها بسبب طلوعِ النهار طأطأ الشاب الصغير رأسه وقالَ بابتسامةً مرحة . ـ شكراً لكم لسماحكم لي للبقاء حتى أن أصلُ إلى هنا . حزنَ أحدهم والذي بدى كقائد للفرقة من مغادرة ذلك الفتى الناشئ الذي صممّ على الرحيل ورفضَ عرضهم فقالَ له بفضول . ـ أذلك الشخص الذي تودَ مقابلته عزيزٌ عليك إلى هذه الدرجة ؟! . توقفَ الشاب للحظات عندما سمعَ ذلك السؤال ليقولَ بصوتِ حزين . ـ أجل .. إنني أعيشُ إلى هذه اللحظة بفضله .. لو لم يكن موجوداً لما كنتُ على هذه الحال .. ابتسمَ بعدَ مقولته ليلوّح بيده مودعاً بابتسامة مرحة .... رفعَ الغطاءَ المتصلَ بعباءته إلى رأسه وانطلقَ راكضاَ مبتعداً عنهم ... تداركً قائد الفرقة أمراً مهماً فصرخَ وهو يستدركُ ذلك الشيء الذيّ نسيه . ـ انتظر أيها الشاب ما اسمك ؟!؟ . لم يصلِ صوته فقد ابتعدَ ذلك الشاب بسرعةِ عالية وهو يركض بخفة ... تنهدَ بخيبة أمل وضربَ على جبينه ليقول . ـ تباً لم نقم بسؤاله لأننا انشغلنا بالمرحِ معه . أعادَ الابتسامة إلى شفتيه ما إن سمعَ صوتَ مديره يطلبُ منه الحضور ليصعدَ للعربة مرة أخرى وهو يهمس لنفسه . ـ أنا متأكد بأنها لن تكون المرة الأخيرة التي أراك فيها . انطلقَ راكضاً وكلّه أمل أن يلتقي بمن يذكره في داخله فقد سمعَ بعضَ الأخبار عنه .. لا حظَ طفلين يقفانِ أمام محلِ ما ففكرَ بأن يسألهما فلن يعرفَ ذلك المكان ما لم يعرف الحيّ ... ابطأ في سيره واتجه نحوهما . عندَ لير ولين كانا هم من يقفانِ عندَ ذلك المحل منتظرين ميدوري التي نسيت أن تأخذَ معه قلماً . ـ أنتما .. . التفتا ما إن سمعا ذلك الصوت فشاهدا شاباً يرتديّ عبائه زيتية .. ابتسمَ ذلك الشاب بمرح ليقولَ لهما . ـ هل تعلمانِ أينَ هو الحيّ الذي يقطنُ فيه أغنياء هذه المدينة .. . حدّقت لين في وجهه وأثارَ انتباهها شيء ما ... بينما تكفّل لير بالإجابة فأشارَ بيده إلى الخلفِ نحوَ شارعِ فرعي ليقولَ له . ـ إنه هناك سوفَ تجده بعدَ أن تعبره... لكنّه بعيدِ عن هنا . شعرَ الشابَ بالفرحة الغامرة فابتسمَ بحماسة ليقولَ للير وهوَ يمسكُ كلتا يديه . ـ شكراً لك . انطلقَ مسرعاً للخلفِ وهو يلوح لهما .... بينما كانَ لير راضياً فها هو قد ساعدَ أحدهم التفتَ نحو لين فرأى عليهما ملامح غريبة فقد كانت تنظرُ إلى المكان الذي ذهبَ فيه ذلك الشاب . ـ أختي هل هناكَ شيء ؟! . ـ هل لا حظتَ ذلك ؟! . استغربَ لير من سؤال أخته المفاجئ .. أمسكت لين بيدِ أخيها لتقولَ له وقد لمعت عيناها الخضراء . ـ إنه يشبه السوار الذي تلبسه أختنا ميدوري .. . أومأ لير نافياً وقالَ لها وقد استغربَ اندفاعها الغريب ليقولَ لها . ـ لم ألاحظه . خرجت ميدوري من المحل وهي تضعُ قلمها في الحقيبة ... نظرَت للطفلين فاستغربت عندما رأت لين تتجه نحوها . توقفت لين أمامَ ميدوري , أمسكت يدها ورفعت كمّ ملابسها قليلاً حتى ظهرَ سوراها فقالت للير لتنفيّ ما قاله . ـ بلى أنّه يشبه ما تحمله أختي ... لقد كانَ يضعها كحلقة في أذنه اليسرى كذلك . أصابتها الصدمة ما إن سمعت جملة لين و اتسعت عيناها لتهمسَ لنفسها بعدمِ تصديق وقد بدأت ضرباتُ قلبها بالخفقان ـ مستحيل ! .......... أيعقل أن يكونَ هوَ !! . تقدمَ لير باتجاههما وقالَ ببراءة لأخته . ـ قلت لكِ أنا لم ألاحظه . عبست بضيق فهي قد رأته بعينها ... كتفت بذراعيها وقالتَ بعدمِ رضا . ـ إذا التقيته مرةً أخرى فسوفَ أجلبه لتراه . هدأت دقات قلبها ما إن سمعت ردَ لير فقد ظنّت أنّه هوَ .. ابتسمت وأمسكت بأيدهما لتقولَ لهما بصوتِ هادئ . ـ لا تتشاجرا فأنتما توأمان .. . أومأ برأسيها وتناسيا الأمر .. تابعا المسيرَ مع ميدوري التي طغت على ملامح وجهها الحزن ... فقد تذكرت ذلك الشخص ... وأخذت تفكرُ في قرارة نفسها .. ما ذا إن كانَ هو حقاً !! ماذا إن جاء إليهم مرةً أخرى ... .! استقلت سيارة أجرة وأعلمت السائق بمبنى رياض الأطفال الذيّ سيذهبُ إليه لين و لير ... نظرت إليهما فوجدتهما متحمسين للذهاب فها هي لين تحدثُ أخاها بأنها ستكونُ لطيفة ليصبحَ لديها الكثير من الأصدقاء بينما توأمها يبتسم لها وينصت لما تقوله ... . ـــــــ ... أخذَ ينظرُ للمكانِ حوله فقد بدأت الأحياء تتغير عما مرّ عليها .. فها هي البيوتِ الفخمة تحتلُ جانباً بينما الجانب الآخر لقصورِ واسعة رخامية ... بينما أعمدة إنارة الشارع مطلية بلونِ ذهبي والرصيف بدا لا معاً نظيفاً ... كلُّ شيء في ذلك المكانِ الذي دخله يدلُ على غنى أصحابه .. بدأ يبطئ من سيره .. وهو يرى بعينه تلكَ المناظر التي أسرته ... أخرجَ من جيبِ سترته ورقةَ صغيرة فنظرَ إلى ما هوَ مكتوبٌ فيها فانعطفَ يميناً وقال . ـ إنّه هنا .. . توقفَ للحظات وأخذَ ينظرُ بحدقةِ عينيه ليرى ذلك القصر الذي توقفَ عنده ... جدارٌ رخامي وبوابة كبيرة على شكلِ سياجِ حديدي يُرى من خلاله.. ساحةٌ القصر الممتلئة بالورود والأشجار المتسلقة ..نافورة مياه تنسابِ بهدوء وجمالية متوسطةً العشبِ المخضر وأخيراً جلسةٌ صغيرة بكراسي ملونة فوقها مظلاتِ على شكلِ ورودِ حمراء .. . ارتسمت السعادة في داخله فها هو أخيراً سيجدُ من يبحثُ عنه تلفت حوله بسرعة لتقعَ أنظاره على شجرة عملاقة يصلُ طولها لأمتارِ حتى أنّ أغصانها قد أخذت حيزاً من جدارِ القصر الذي يقفُ أمامه .. انطلقَ بخفة نحوها وأخذَ يتحسسُ جذعها .. وما هي إلا ثواني حتى بدأ بتسلقها ببراعة وخفة .. وصلَ إلى أعلى الجدار وتخفى بوريقات الشجرة ... أخذَ ينظرُ بريبة للمكان .. لم يجدَ أيّ حراس فبدأ بالنزول بحذرِ شديد ليدخلَ إلى ساحة القصر ... . وفي غرفةِ جميلةِ هادئة يجلسُ شابٌ على كرسيِ بقربِ النافذة ... يقرأ كتاباً يحمله في يده اليمنى بينما في يده الأخرى قالبٌ من الشكولاتة يقضمها كل ما قلبَ صفحة من ذلك الكتاب ... شعرَ بالملل فأغلقَ الكتاب ووضعه على الطاولة التي بقربه .... أخذَ كوبَ القهوة الذي بجانبه وأخذَ يرتشفُ منه وهو ينظرُ للنافذة .... فجأة احترقَ لسانه بالقهوة ما إن رأى شيئاً فاجأه , أسرعَ بوضعِ يده على فمه وأغمضَ عينيه بألم .. ثوانيّ هيّ حتى وضعَ كوبَ القهوة على الطاولة وعادَ بسرعة إلى النافذة ... وضعَ يديه عليها وأخذَ ينظرٌ بإمعانِ لذلك الشخص الغريب الذي دخلَ قصره قافزاً بينَ الشجيرات الصغيرة بكلِّ رشاقة وفي كلِ مرة يتأكدُ من غطاءِ رأسه الذي عليه .. . شعرَ بالحماسة لذلك فأخيراً هناكَ شيء ما يثيرُ انتباه .... وضعَ قالب الشكولاتة في فمه وأسرعَ بخطواته ليرى ما لذي يريده ذلك المتسلل البارع فبدت ملامح وجهه كطفلِ يشاهد التلفاز في حماسة . أخذَ المتسلل كما أطلقَ عليه ذلك الشاب .. ينظرُ من حوله وهو يأملُ بأن يرى أحد خدمِ هذا القصر ... لا حظَ أحدهم فسارعَ بالاختباء خلفَ إحدى الشجيرات الصغيرة ... أخذَ يدققُ النظر إلى ملامح وجهه فأصابه اليأس فقد مرّ من أمامه عشرونَ خادماً ولم يرى الشخصَ الذي يريده .. . جلسَ على الأرض بتعب فقد أرهق من التنقل بتلكَ الخفة بينَ ساحة القصر الكبيرة ... فقد مضى وقتٌ طويل وهو يجوبُ المكان ... نظرَ إلى القصر فكتفَ بذراعيه وأومأ برأسه نافياً عندما طرأت له فكرة الدخول له .وأخذَ يحادث نفسه . . ـ مستحيل سوفَ يقومونَ باكتشافي إن أنا دخلت .. . وضعَ يده على ذقنه وأخذَ يُفكر بعمق وهو يغمضُ عينيه ... بينما في الجهة الأخرى .. ملّ ذلك الشاب واختفت ملامح الحماسة من وجهه فله أكثر من ربعِ ساعة وهو ينتظرُ ذلك المتسلل أن يقومَ بحركةِ ما ولكنّه بدى كمن هوَ غارقُ في التفكير .. طرأت في داخله فكرة فتلفت بحذرِ ليرى إن كانَ أحدُ خدمه بالقربِ منه .. لم يجد أحداً فأسرعَ بخطواته نحو ذلك المتسلل ليرى ما لذي جرى له , وصلَ إليه فوضعَ يده على كفته وقالَ له هامساً . ـ ما لذي جرى لك .. ! لماذا توقفت ؟! . ارتعدَ قلبه عندما شعرَ بهمسَ أحدهم ... التفت بحذر وسارَع بوضعَ يده على فمِ الشخصِ الذي خلفه ... .لكيلا يحدثَ ضجة . لم يتفاجأ ذلك الشاب بل بقيّ ساكناً حتى وهو أمامَ ذلك المتسلل الذي اقتحم قصره بل أخذَ ينظرُ إلى ملامحه ببراءة... خافَ المتسلل قليلاً ولكن ما إن رأى هيئة من أمامه وأنّه ليسَ سوى شاب .. حتى اقتربَ منه وهمسَ إليه بحذر . ـ أنت لا تقم بعملِ ضجة ... أعدك لن أفعلَ شيئاً سيئاً فقط التزم الهدوء . أومأ الشاب الذي بدى أكبر منه موافقاً فاطمأن قلبُ المتسلل وأبعدَ يده عنه ... جلسَ الشاب بالقربِ من المتسلل الذي بدى مرتبكاً بعضَ الشيء فهو لم يصرخ أو حتى يرتعب ... فكرَ قليلاً وأخذَ ينظرُ بريبة فذلك الشاب يبتسم له وكأن الحماسة تتفجرُ بداخله .. شعرَ باليأس .. فيفترضُ في موقفه ذاك أنّ يخاف أو حتى يرتجف ... .لم يأبه لذلك بل طرأ في داخله فكرة ليهمسَ لنفسه . ـ لا بد أنّه ما ساكنّي القصر ... لو طلبتُ منه أن يدخلني حتى أبحث عنه .. . شعرَ بالارتباك لتلكَ الفكرة ولكنه في كل مرة يشعرُ بالإحباط لرؤية ذلك الشاب الذي نفذَ ما يطلبه ولم ينطق بحرفِ واحد ابتلعَ رمقه وأمسكَ كلتا يديه ليقولَ له هامساً . ـ هل يمكنك أن تقومَ بإدخالي للقصر أنا أبحثُ عن أحدهم .. .! . أومأ الشاب برأسه موافقاً مما زادَ عندَ المتسلل شعورٌ بالإحباط فهو حقاً لن يعرفَ فيما يفكرُ فيه هذا الشاب الذي أمامه . دخلا للقصر بحذر وحركاتِ خفيفة خفيّة ... شعرَ الشاب بالمرح وهو يتنقلُ بكلِ انسيابه بينَ المكان بكلِ هدوء مع ذلك المتسلل حتى أنَه لم يلاحظه أحدٌ من خدمه وهذا ما زادَ الإثارة عنده ... توقفَ عندَ زاوية الدرجِ فجلسَ فيها وأخذَ يُفكر بعمق فهو لم يجدَ من يريده ... بعثر شعره بعصيبة وقالَ بضيق . [/SIZE][/FONT] ـ أينَ هو ... ؟! . سمعَ ذلك الشاب ما يهمسُ به لنفسه فقالَ للمتسلل بمرح .ـ تبحثُ عمن ؟! . اتسعت عينُ المتسلل ووضعَ يده على فمِ الشابِ بحذر ليسكته فقد مرّ أحدُ الخدم ... لم يطمأن فهمسَ لذلك الشاب بضيق. ـ أنت .. لا ترفع صوتكَ .. سيكشفنا أحدُ الخدم ثمّ يذهبُ بنا إلى سيد القصر العجوز ! . ـ مـــــــــــــاذاااا ؟! . هكذا صرخَ الشاب ما إن سمعَ جملة المتسلل ليقفَ غاضباً وهو يشيرُ إليه بانفعال . ـ ماذا قلت ..!! عجوز !!!! سيد القصر العجوز ؟!. انتبه الجميعُ لذلك الصوت الغاضب فأسرعَ الخدم باتجاه سيدهم ما إن سمعوا صوته ..... ارتبكَ المتسلل وهو يرى خروجَ ذلك الشاب عن هدوءه فابتلعَ رمقه ووضعَ يده على رأسه علّه يخفي نفسه بينما أخذَ يحدث نفسه . ـ يالي من أحمق ... لقد كشفتْ ...! . تقدمَ أحدُ الخدم نحو سيده الذي بدى منفعلاً فاقتربَ منه وأمسكَ بكتفه ليقولَ له . ـ سيدي ألفريدو ما لذي حصلَ لك ؟! . التفت ذلك الشاب والذي يدعى ألفريدو نحوَ كبيرِ خدمه ليقولَ له وقد بدت الدموع تتجمعُ في عينيه الزرقاوان . ـ بِيْن .. أخبرني هل أصبحتُ عجوزاً ؟! . تعجبَ كبيرِ خدمه من سؤالِ سيده الغريب فابتسمَ له ووضعَ يده على شعرِ سيده الأسود وكأنما هو طفلٌ صغير . ـ من الذي قالَ لك هذا! ... لا زلتَ في عزّ شبابك سيدي . التمعت عينا ألفريدو في سعادة فأبعدَ الحزن عن وجهه ورفعَ رأسه بشموخ ليقولَ بطريقة مضحكة طفولية . ـ أتسمعُ ذلك .. لا زلتُ في عزّ شبابي ؟! . ـ تباً تباً تباً ... . هذا ما كانَ يقوله الشاب الصغير الآخر وهو يرى ذلك المدعو ألفريدو يفضحه .. ولكن استغرب عندما سمعَ محادثتهم فالمعلومات التي وصلته أنّه يعملُ هنا تحت سيدِ هذا القصر وهو شخصِ كبيرِ في السنّ .. لم يكن هناكَ داعي لاختبائه بعدَ أن فُضحَ فوقفَ بابتسامة بلهاء ... . تفاجأ بِيْن من كلامِ سيده فالتفت عندما لمحَ أحدهم ... قطبّ حاجبيه عندما رأى دخيلاً في القصر فشعرَ بالغضبِ وأسرعَ نحو ذلك الشاب ليمسكَ به بعنفِ ساحباً إياه من يده . ـ أنت ما لذي تفعله في قصرِ سيدي .. ومن الذي سمحَ لكَ بالدخول ... ! . ابتلعَ الشاب رمقه وهو يرى ذلك الشخص ببنيةِ الكبيرة وجسده الضخم يجرّه بعصبيه .. فيبدوا أنّه غاضب لأنه دخلَ القصر .. . تجمعَ جميعَ الخدم إثر الفوضى التي حصلت ... فأثارَ ذلك انتباه المتسلل فأخذَ يُفكر بحلِ ما .. بينما ذلك الشاب ألفريدو بدى أنّه نسي ما حوله .. فقد بدأ يسأل خدمه بصورةِ مزعجة ما إن بدأت أثارُ الكبر تظهرُ على وجهه .. . ـ تـــــــــــوقفوا .... ! هذا ما صرخَ به ليوقفَ تلكَ الضجة التي هوَ فيها فالذي يمسكه يعاتبه على دخوله ويتوعده بالذهاب لمركز الشرطة بينما ذلك الشاب الطفولي يسأل الخدم بخوفِ إن كانَ قد أصبح عجوزاً والبقيّة يتهامسون فيما بينهم . توقفَ الجميعَ إثرَ ذلك الصوت ... وأخذو ينظرون لصاحبه بريبة .... تنبه ألفريدو لذلك ونسي ذلك الشاب الذي قامَ بأخذِ بجوله مرحة حولَ قصره متخفياً فالتفتَ هو الآخر ليسمعَ ما لذي يريده . أنصت الجميعَ له ووقفوا بدهشة ليستمعوا لما سيقوله ... هدأ ذلك الشاب فابتلعَ كتلة كبيرة من الهواء وقالَ بصوتِ عالِ . ـ أليسَ هذا قصر السيد ليبريت ؟! . ـــــــ عندَ ميدوري .. . هبّ نسيمُ قويّ من الهواء حركَ خصلاتِ شعرها فوضعت يدها عليه وبيدها الأخرى أمسكت بأوراقها جيداً .. تعجبت من ذلك والتفت نحو بوابة مبنى رياضِ الأطفال لتقولَ لنفسها بتعجب . ـ من أينَ أتت هذهِ الرياح ؟! . ابتسمت ما إن خفّ تيار الهواء لتقولَ بمرح . ـ فجأة شعرتُ بأن هناكَ شيئاً حدث . واصلت طريقها لتذهبَ نحو الجامعة ... وكلّها أمل بأن يكونَ أول يومِ لتوأمان جيد . ــــــــــــ في قصرِ ألفريدو .. خيّم عليه الحزن فطأطأ رأسه وهو يشدُّ على ملابسه . ـ إذاً أينَ ذهب الآن ؟! أيجبُ عليّ البحثُ مرةً أخرى !!! . هذا ما قاله المتسلل بعدَ أن جلسَ على كرسيّ وقد استمع للقصة بأكملها وهي أنّ السيد ليبريت الذي يبحثُ عنه قد مات .. وأنّ جميعَ خدمه قد تفرقوا ... . تغيرت ملامح وجه ألفريدو المرحة خاصة بعدَ أن رأى حزنَ ذلك الشاب المفاجئ مما جعله يجلسُ بقربه ويقولُ له باهتمام . ـ من تبحثُ عنه شابٌ كان يعملُ عند السيد ليبريت ؟! . أومأ برأسه وقد بدى محبطاً للغاية فقد جاء من مكانِ بعيد باحثاً عنه وقفَ للحظات وتبدلت ملامحه للجدية ليقولَ . ـ سوفَ أبحثُ عنه مجدداً ... . لم يرق لـ بِيْن ذلك الشاب الذي قامَ سيده باستضافته ... مما جعله يتقدمُ عند سيده ويهمسُ في أذنيه . ـ سيدي .. أأنتَ متأكد بأنك ستجعل الامر يمرّ بشكل عادي !.. تذكر أنّ هذا الشاب قام بالتسلل لقصرك !! كيفَ سيكون لو دخلَ لص أو شخصٌ يريدُ قتلك ! . ـ وجدتـــــها ... ! . هكذا صرخَ ألفريدوا بحماسة بعدَ أن تذكر شيئاً فيبدوا أنه لم يكن يستمع لكبير خدمه مما جعلَ بِيْن يتفاجأ ما هي إلا لحظات حتى عادت الابتسامة لشفتيه فسيده شخصٌ لطيف رغمَ أن طفولي ولم ينضج بعد إلا أنّه يهتمُ بالآخرين , تراجع بضعَ خطوات احتراماً له وآملاً في أن يكونَ ما وجده سيده مفيداً . تقدمَ ألفريدو باتجاه الشاب ليمسكَ بكلتا يديه ويقولَ له بحماسة . ـ ربما يكونُ عندَ ابن عمي !! فهو قد أخذَ بعضَ الخدم من هنا ... ! . ظهرَ بصيصُ أمل في نفسِ الشاب وقالَ . ـ أمتأكدٌ من ذلك ؟!؟! . ـ ربما . التفت ألفريدو نحو كبيرِ خدمه بِيْن ليقولَ له بلطف . ـ جهّز السيارة فنحنُ ذاهبون لقصرِ ماليان . أومأ بِيْن لسيده وانطلقَ لينفذَ ما طلبه ... التفت ألفريدو ونظرَ لعينيّ الشاب التي اتخذت لون جذع الشجر ليقولَ له بابتسامة لطيفة. ـ ما اسمك ؟! . توردت وجنتي الشاب ووضعَ يده على شعره المائل للونِ غروبِ الشمس ليقولَ بارتباك . ـ أدعى إيفان ... ! . انتهى الفصل السادس .. الاسئلة ـ كيفَ كان الفصل ! ^O^ ـ ما رأيكم بالشخصياتِ الجديدة ^^ ؟! . ـ وعن من يبحثُ إيفان !! وهل سيجدَ الفرصة ليجد الشخصَ الذي يبحثُ عنه ؟! . ـ وكيفَ سيكونُ اليومُ الأول للطفلين ؟! .
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة: |
09-27-2013, 09:46 AM | رقم المشاركة : 19 | |
شكراً: 421
تم شكره 628 مرة في 385 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
اسفة كتيير على التاخر بلبارت السادس وان شاء الله ما اتاخر باي بارت ثاني
البارت السابع لم يكتب بعد وانا بانتظاره لكن على ما يبد الكاتبة مشغولة علعموم احنا بايام المتعسة و الانتحارات يعني الكل مشغوول علعموم ان شاء الله تكون الرواية لي اخترتها لكم عجبتكم
اهلا فيكي شوكولاته بمونمس شكرا على ثنائك على اختياري طبعا شي طبيعي ما تنهي القصة بيوم واحد وان شاء الله تنهي قرائتها و تعطيني توقعاتك للقصة هي صحيح تشبه الخادم الاسود لكنها مختلفة وتحاكي الواقع اكثر طبعا بما انك تورطي مع القصة فراح اتوقع رد منك عما قريب
|
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ Amazing Misa على المشاركة المفيدة: |
09-27-2013, 08:42 PM | رقم المشاركة : 20 |
شكراً: 495
تم شكره 544 مرة في 246 مشاركة
|
رد: رواية خادمي كان صديقي
السلام عليكم
ماشاء الله فصه رائعه بارك الله فيك وجزاك الله خير اختي اعجبتني القصه جدا وقرأت جزئين وان شاء الله اكمل في مابعد جاري التقيم+5 ستارز+ شكر ولا تحرمينا من جديدك وبالتوفيق
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|