روايات وقصص - روايات طويلة وقصيرة روايات وجديد الـ رويات الطويلة و روايات قصيرة قصص رائعة, روايات كتابية, قصص مؤثرة, قصص محزنة, روايات |
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
|
|
إضغط على
او
لمشاركة اصدقائك! |
|
أدوات الموضوع |
من 5
عدد المصوتين: 0
|
انواع عرض الموضوع |
12-15-2011, 06:14 AM | رقم المشاركة : 21 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
الغزال في المصيدة
نزلت " سنية " من الترام تحمل صغيرها على صدرها .. وكانت شمس يوليو حامية والحر يلفح الوجوه .. وصعدت في الشارع الطويل المؤدى إلى المستشفى وهى تحس بالتعب الشديد وبوخز الإبر في عظامها ولحمها .. فقد أرهقها مرض ابنها ومزق أعصابها .. عالجته بكل الوصفات المعروفة دون نتيجة .. وأخيرا ذهبت به إلى " المستوصف " القريب من بيتها فأخبرها الطبيب بأنه مريض بالحمى ويجب نقله إلى المستشفى فورا ، وإلا ضاع بين يديها .. سمعـت هذا وطار قلبها شعاعا .. وحملته إلى المستشفى وهى تحبس عبراتها .. ولأنه وحيـد وقطعة من كبدها وجاءت به بعد موت اثنين من ابنائها .. فقد تجمعت كالقوقعة واحتضنته وحرصت على أن يبقى لها .. ولا يموت كما مات من قبله .. وأن تزود عنه عاديات الأيام .. وكل الأعاصير التى تهب فجأة فى وجه الفقير .. وأن تكافح لتمرضه بكل ذات نفسها وكل ذرة فى جسمها .. وكانت الشمس تتوسط كبد السماء ، ولم تجد " سنية " مكانا للظل فى الشارع ، وكان هناك صف من العربات التى تجرها الخيل واقفة فى بداية الشارع ، تنتظر النازلين من الترام ، لتهون عليهم مشقة الطريق إلى المستشفى ، أو إلى أى مكان آخــر فى هـذا الجـــو الشـديد الحـرارة ، ولكن " سنية " لم تكن ممن يركبن العربات ، فسارت وحدها فى الطريق الصاعد ، ولمحت عن بعد نسوة يتقدمنها فى ملاءات سوداء .. نساء يلبسن نفس زيها .. وفى مثل فقرها وبأيديهن الصرر ، ووراءهن أطفال يتدحرجون فى الشارع الساكن .. وعندما مالت فى الطريق الرملى إلى اليسار ، سألت عن المستشفى بعد أن اختفى أثر النسوة .. فقد خشيت أن تتوه بعد أن تكشفت أمامها رمال الصحراء .. وتعددت البنايات الكبيرة .. وعرفت المستشفى من عربات الطعام والفاكهة الواقفة بجانب السور والتى يحط عليها الذباب بكثرة .. ورأت سيارة من سيارات نقل الموتى قريبة من الباب الواسع .. ونساء فى سواد يولولون .. فانقبض قلبها لمنظر السيارة وحال النسوة .. وكان الباب مفتوحا على مصراعيه لأنه يوم زيارة عامة .. فدخلت " سنية " مع الداخلين .. ودلوها على غرفة الاستقبال .. وكشف الطبيب على الصبى .. وحملوه عنها إلى عنبر فيه غيره من الأطفال المرضى .. وكانوا فى حالة تعيسة .. وجوه شاحبة وعيون تبدو واسعة بعد أن هزل اللحم وبرزت العظام .. وقذارة فى الفراش وفى الأرض .. وأصاب " سنية " الذعر ولكن ماذا تفعل .. أرقدوا ابنها على حشية عليها مــلاءة قذرة تغير لونها من فرط ما سكب عليها وكان الذباب يتكاثر فى العنبر والجو خانقــا .. وبقيت " سنية " جالسة على الأسفلت بجانب ابنها ملتصقة بالسرير ودافنة رأسها فى الملاءة القذرة التى تغطى الحشية .. كان الصبى جامد النظرات ، ساكن الجوارح .. ولكن على وجهه الرضا لأنه يحس بوجود أمه عن قرب .. ووقفت ممرضة على رأس " سنية " وقالت لها : ـ تعال يا ست .. ـ إلى أين ..؟ ـ ستأخذين حقنة .. ومشت وراء الممرضة فى الطرقات الطويلة .. وفى بناية فى حديقة المستشفى حقنها طبيب بحقنة ضد التيفود .. وخرجت من البناية لتعود إلى ابنها .. ورأت بابا مفتوحا فى غرفة قليلة الضوء .. غرفة ساكنة باردة فى هذا الحر .. فدخلت من الباب تنظر .. رأت جسم صبى ملقى فى حوض كأحواض السمك وعليه قطع الثلج .. وتقدمت لتنظر وقد أقشعر بدنها .. وأدركت أن الصبى ميت وهذه هى الثلاجة .. وحاولت أن تصرخ ولكن خانها صوتها .. وخرجت مهرولة إلى عنبر ابنها .. وهناك احتضنته .. ودفنت رأسها فى صدره .. واستغرقت " سنية " فى وضعها ونسيت نفسها ثم استفاقت على صوت التمرجى يقول لها بغلظة : ـ ميعاد الزيارة انتهى .. اتفضلى .. روحى .. وسألته : ـ أروح .. واترك الولد ..؟ ـ نعم .. هذا مستشفى .. وليس بيتا .. وأحست بحرقة ، أحست بمن يخنقها ، تتركه لهم ليضعوه فى حوض وعليه الثلج كالذبيحة .. أبدا .. أبدا ولو قطعوها إلى قطعتين .. تتركه هكذا وهو بين الموت والحياة .. أبدا .. أخرجوها من العنبر بالقوة .. ومن باب المستشفى .. ولكنها ظلت لاصقة بالسور .. *** وعندما خيم الظلام على الصحراء وشمل السكون المنطقة .. اقتربت من الباب ودفعت خمسة قروش للبواب ودخلت متسللة كاللصة .. كانت تعرف مكانه رغم تعدد العنابر وكثرة الطرقات .. ودخلت العنبر وهرولت إلى سرير ابنها وهى تدير عينيها فى الضوء الباهت بذعر ورجفة .. لم يكن هناك ممرض ولا ممرضة .. وكانت تسمع بكاء الأطفال فى العنبر فيرتجف قلبها .. واحتضنت ابنها وأحست بالحرارة الشديدة فى جسمه .. وكان الصبى يهذى وجسمه الصغير يرتعش وألصقت قلبها بقلبه .. وخيل اليها أنها لاتسمع ضربات القلب الصغير .. وألصقت خذها بخده وأخذت تبكى .. ابنها يموت .. وخرجت من العنبر مهرولة تبحث عن طبيب لينقذ ابنها .. وظهر رجل فى رداء مصفر فى نهاية الطرقة .. فلما رآها أسرع نحوها وأمسك بها وقال بخشونة : ـ كيف دخلت المستشفى فى مثل هذه الساعة ..؟ ـ ابنى يموت .. ـ وما الذى جاء بك فى الليل .. وكيف دخلت ..؟ ـ من الباب .. ابنى يموت .. ـ من الباب .. مستحيل .. تعالى .. نسأل البواب .. وليلته سوداء إن كان قد أدخلك .. وأمسك بها من يدها بعنف وجرها إلى البواب .. وأنكر هذا أنه رأى حتى ظلها .. وقال التمرجى وهو يحد النظر إلى وجهها : ـ إذن فقد تسلقت السور لتسرقى .. ولا بد من تسليمك للبوليس .. ـ سرقت ..!؟ ـ أجـل .. والعنبر ملآن بأشياء الحـكومة .. والمخزن مفتوح .. وكل ليلة تسرق أغطية وبطاطين وآلات طهى .. ولا نعرف السارق .. وأخيرا وقعت .. وأخذت تتوسل .. ورأى لأول مرة جمالها الباهر وصباها .. وعينيها والثوب الأسـود والمنديل الأزرق يغطى الرأس ويزيد وجهها نضارة وتألقا .. وبكت .. ـ اعمل معروف .. أنا مسكينة والولد بيموت .. أليس عندك أولاد .. ـ عندى ولكنى لا أتسلق السور فى الليل .. ـ البواب .. كذاب .. حلفه .. لقد دخلت من الباب .. ـ طيب .. تعـالى .. وفى الصباح سنسلمك للمعاون وهو يتصرف .. وسحبها إلى غرفة فى حديقة المستشفى .. ـ نامى هنا إلى الصباح .. وأغلق عليها الباب .. ظلـت متيقظة فى الظلام تنظر إلى السقف .. وهى ترتعش من الخـوف .. كانت قـد فوجئت بهـذا الاتهام الذى شل حركتها وإرادتها تماما .. ورقدت خائفة .. وبعد ساعة أحست به يدخل عليها ويرقد بجوارها .. وقاومت بكل شبابها وأنشبت أظافرها فى لحمه .. ولكنه لم يتراجع واغتصبها وهو يسيل عرقا من فرط مقاومتها العنيفة .. وفى الصباح لم يسلمها للمعاون وتركها تذهب إلى العنبر الذى فيه ولدها .. ومضت أيام وهى فى داخل المستشفى بجانب ابنها .. وجعلوها تغسـل بلاط العنـبر وطـرقات المستشـفى وتحـمل التراب والنفايات .. جعلوها تفعل كل هذه الأشياء لكى تبقى بجانب ابنها .. ومادام ليس معها نقود .. فقد كانت تدفع عرقها .. كان كل همها أن يعيش الصبى .. ومادامت بجانبه ترعاه سيعيش .. *** وظلت عشرين يوما فى المستشفى .. وكانت تذهب إلى البيت خطفا ثم تعود جريا إلى المستشفى .. ونسيت زوجها الفران .. كان عمله كله فى الليل ، فإذا جاء فى الصباح عرف أنها فى المستشفى ونام .. كان يحب الولد وكان مطمئنا عليه مادامت أمه بجانبه .. ظلت تكنس وتمسح البلاط وترضخ لكل ما تطلبه منها الممرضات وهى فى كل يوم خائفة أن يقدمها ذلك الرجل للبوليس كسارقة .. ومن السهل على مثله أن يلفق لها تهمة كبيرة .. كانت تخاف منه وكان هو يخاف منها أن تحدث الناس بفعلته .. تحكى القصة لطبيبة أو لممرضة وهذه تأخذها إلى مدير المستشفى ثم يصل الأمر إلى النيابة فى الحال ، كان يخاف منها أكثر مما تخاف منه .. وفى كل يوم كان يحب أن تبقى فى المستشفى وأن يراها بعينيه لأنها لو خرجت ستتحدث .. ولو تحدثت بما جرى لها سيحرضها الناس على إبلاغ البوليس .. كان وجودها تحت سمعه وبصره يطمئنه .. كما أنها كانت تطمئن عنــدمـا تراه فى طـرقات المستشـفى ســاكنا جامــدا .. فتــدرك أنه نسى أمرها .. وفى ظل هذا الخوف الرهيب المتبادل قضيا معا عشرين يوما يطوقهما سور المستشفى الكبير وهما فى عداء باطنى خفى قاتل .. كان يكرهها وكانت تكرهه .. كانت تكرهه لأنه سبب لها كل هذا الرعب .. وكان يكرهها لأنها قد تكون السبب فى فصله من عمله وتشريده فى الطرقات .. *** فى الظهر .. مـر الطبيب وكشف على الطفل .. وسمح له بالخروج .. وخرجت به " سنية " من باب المستشفى فى مثل الساعة التى دخلت فيها منذ ثلاثة أسابيع .. وكانت الشمس حامية والحرارة أشد ضراوة .. ومشت فى نفس الطريق الذى جاءت منه من قبل .. كانت فى هـذه المـرة تنزل ولم تكن تصعد ، وكان المشى أكثر سهولة .. ولكنها كانت تشعر بالانقباض .. كان الصبى قد شفى تماما واسترد كامل صحته .. ولكن عافيته لم تشعرها قط بالفرحة .. كان هذا الصبى هو السبب فيما حل بها من بلاء ، لو كان معها نقود لمرضته فى البيت ونجت من هذا الوغد .. مرضته فى البيت بعيدا عن العيون .. ودون أن تخبر أحدا بنوع مرضه .. ولكنه مرض بحمى معدية .. ولا بد أن يشيع الخبر ويتسرب من أى شخص .. وكتمانه من المستحيل .. وسينقلونه إلى المستشفى رغم أنفها .. إن ما حدث كان مقدرا لها والمحنة التى مرت بها لن تغفر لها خطيئتها قط .. كان يجب أن تستقتل ولو مزقها إربا وقطع أنفاسها .. وقبل أن تخرج من الشارع الرئيسى مرت بجانبها سيارة صغيرة وأطل رأس رجل فى قميص مفتوح وأوقف السيارة وقال برقة : ـ تعالى أوصلك .. يا سنية .. وجفلت .. كيف عرف اسمها .. ثم تذكرت هذا الوجه .. أنها رأته فى المستشفى .. وكان دائما بشوشا طلق المحيا كما هو الآن .. فى أى عنبر رأته وفى أى مكان ..؟ لم تكن تدرى .. وردت " سنية " بضعف : ـ كتر خيرك .. قربنا من الترام .. ـ اركبى من أجل الصغير .. الشمس حامية .. ونظر إليها مرة أخرى نظرة كلها حنان .. فقالت لنفسها : ـ وماذا يضير .. وما الذى بقى لى بعد الذى جرى ..؟ وركبت فى المقعد الخلفى صامتة والغلام فى حجرها .. وقال الطبيب وهو يسير بالسيارة متمهلا : ـ ابنك .. استرد عافيته .. فهمست : ـ ليته .. مات .. ولم يسمعها .. وقال وهو ينظر إلى الطريق دون أن يدير رأسه إلى الخلف : ـ لقد حقنتك حقنة التيفود .. بعد أن وضعنا الصبى فى العنبر .. وكنت لا تريدين أن تشمرى عن ذراعك .. أتذكرين ما حدث ..؟ وضحك .. وابتسمت .. ـ أنا جاهلة .. يا بيه .. وهذه أول حقنة فى حياتى وكيف أشمر عن ذراعى أمام رجل ..؟ وتذكرت كل شىء لقد حقنها حقا .. وكان رقيقا مهذبا وإنسانا ولكنها كانت فى دوامة ، ومر هذا سريعا .. مرت هذه اللمحة الإنسانية سريعا وبقى الأثر المدمر .. الذى محا كل عاطفة أخرى تأتى من إنسان .. لقد جرجروها ومزقوها بغلظتهم لأنها فقيرة .. واستغل الرجل النذل جمالها ليلطخه بالوحل .. النذل أرهبها ليوقعها فى الشرك .. نصب لها المصيدة الجبان .. النذل .. وسمعت الطبيب الشاب يسألها : ـ ساكنة فى أى جهة ..؟ وخجلت أن تقول فى الدراسة قريبا من المقابر .. وقالت : ـ قريبا من الحسين .. ونظر إلى عينيها وكان يود أن يقول لها : ـ أنت جميلة يا " سنية " ولم أر مثل جمالك قط فى أنثى .. وأنا سعيد بركوبك معى .. سعيد سعادة ليس لها من حدود .. وقالت بعد أن اقتربت العربة من شريط الترام : ـ سأنزل .. ـ لا .. سأوصلك إلى بيتك .. وصمتت وكانت الدموع فى عينيها وهى تحدق فيه .. وهمست : ـ أخيرا .. يجىء إنسان .. وسألته وهى نازلة .. تضع طرف طرحتها على جسم الصبى .. ـ ألا تريد شيئا .. يا دكتور ..؟ ـ أبدا .. شكرا .. ـ أنظف لك البيت .. وأغسل ملابسك .. ـ شكرا .. تسلم يدك .. وظلت واقفة في مكانها شاردة حتى بعد أن تحركت العربة واختفت عن نظرها ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:16 AM | رقم المشاركة : 22 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
الرجل الصامت أحمد إبراهيم ولم يكن هذا اسمه المدون فى شهادة الميلاد .. ولكنه كان اسمه الذى اشتهر به وأصبح لايسمع سواه ولا ينادى بغيره .. حتى نسى على توالى الأيام اسمه الحقيقى .. وعندما التقيت به لأول مرة استرعى انتباهى بهندامه الغريب وملامح وجهه الفريدة ، كان رأسه كبيرا .. وجبهته عريضة .. وأهدابه غزيرة كثة وعيناه ضيقتين تلتمعان بحدة .. وأنفه قصيرا .. وشعر رأسه أسود خشنا كفروة الخروف .. وكان يعمل طاهيا فى بيت ضابط النقطة وفى بيتى ، وفى بيوت كثيرة فى الحى .. وما كنا جميعا ندرى كيف تتاح له كل هذه المقدرة .. ولكنه فى الواقع لم يكن طاهيا بالمعنى الدقيق لصاحب هذه الصفة .. بل كان لايعرف إلا صنفا واحدا من الطعام يطهوه فى كل البيوت .. وكنت أجد الكفاية فى أن يجىء إلى شقتى يومين فى الأسبوع يطهو فيهما وينظف البيت .. وأحسب ضابط النقطة كان يفعل مثلى .. ويترك ما بقى من الخدمات للعساكر .. ولا أدرى كيف وقع عليه الضابط .. أما أنا فقد وقعت عليه فى عصر يوم وأنا راجع من الجامعة ونازل من الترام فى دوران فم الخليج .. وكان معى كراسة المحاضرات فى يد .. وفى يدى الثانية بطيخة اشتريتها بقرشين من الميدان .. فأشفق على منظرى وحمل عنى البطيخة إلى البيت ، ومن وقتها لازمنى .. وكان يرتدى بدلة عسكرى كاملة .. السترة سترة ضابط والبنطلون بنطلون رجل من رجال السوارى .. ضيق محبوك .. والسترة واسعة مهلهلة .. مفككة الأزرار منفوخة الجيوب .. فكان منظره مضحكا لكل من يشاهده ، ولكن ما من شخص كان يجرؤ على الضحك عليه ، لأنه كان مرهوبا من الحى كله لمجرد التصاقه بالنقطة ولأنه يخدم الضابط .. ولم يكن الضابط الشاب مكروها ، بل كان محبوبا طيب المعشر .. ولم يكن من طباعه أن يحتجز أحدا من الناس فى النقطة إلا فى حالات الضرورة التى يتطلبـها الموقف .. بل كان يتصرف بالحسنى والمرونة والكياسة فى غالبية الحالات العارضة .. وظل هذا الطبـع الخـير يلازمه فى أثنـاء المظاهرات التى كانت كثيرة فى هذه الحقبة من حياتنا .. والتى كانـت تأتى حشوده من الجيزة ، مركز تجمع الطلبة ، وتعبر كوبرى عباس .. إلى كوبرى الملك الصالح .. وعنـد دوران فم الخليج ، كان الضابط يفرقها بالكلمة الطيبة والجلد على مغالبة الموقف .. قبل أن تصـل إلى مدرسة الطب فى شارع القصر العينى .. وكان دائما يبعد الكونستبلات الإنجليز عن الاحتكاك بالطلبة وإثارتهم .. ويتصرف بلباقة .. وبجانبه يقف إبراهيم فى بدلته العسكرية ، طويلا صامتا ، كأنه الجنرال الذى يكتفى بإصدار الأوامر مرة واحدة .. ثم يطبق بعدها فمه إلى نهاية الجولة .. وما أظن إلا أن حدة الطلبة كانت تتكسر على طلعته وزيه الغريب .. وتخبو مرة واحدة .. وفى غمضة عين تصبح النار المشتعلة رمادا وهشيما .. وكان إبراهيم يستريح من عناء كل الأعمال بعد الغروب ، ويتبختر مزهوا فى المنطقة بين كوبرى الملك الصالح ودوران فم الخليج .. ويفرض أتاوته على المعدية .. وعلى الباعة الجائلين .. وإذا أرخى الظلام رواقه ، أصبح شاطىء الترعة الذى يخيم عليه الشجر الضخم الملتف رهيب الوحشة فى الليل .. شديد الظلام مرعبا .. حتى لاترى موضع قدميك بعد ثلاثة أقدام .. لأن هذه المنطقة لاتضاء بالمصابيح اطلاقا ، كما لاتوجد حوانيت فى الواجهة المقابلة تخفف من وطأة الظلام .. بل كانت هذه الرقعة الكثيفة الأشجار خالية تماما من الدكاكين .. وحتى المنازل المتناثرة هنا وهناك كانت صامتة رمادية شهباء خرساء .. تضفى ظلا كئيبا موحشا على الشارع كله .. ويحدث أن يصدم الترام ، أو تدهس سيارة عابر سبيل وتلقيه تحت الشجر ، أو يطعن شخص غريمه فى هذه الظلمة الرهيبة .. وعندما يبلغ الحادث للنقطة يكون ابراهيم فى خطف البرق قد نفض جيوب المصاب .. قبل أن يأتى المحقق أو تصل عربة الاسعاف .. وكان يلتذ من هذه العملية حتى وإن لم يجد فى الجيوب غير بضعة قروش قليلة .. ويعد هذا العمل مغامراته الكبرى .. ويترقب الحوادث ويشتمها من بعيد بلذة عارمة .. وكان يحكى لى كل ما يجرى ويعترف بعملية السطو الليلية هذه وهو هادىء الملامح تماما .. كأنه يقوم بعمل مشروع .. ولما أبديت له سخطى ونفورى من فعله .. قال فى سخرية : ـ إذا لم أسرقهم أنا سيسرقهم غيرى .. قبل أن يصلوا إلى المستشفى .. أو إلى المشرحة فى زينهم .. هل تتصور أنه يمكن أن توجد أمانة فى هذا الجو ..؟ ـ لماذا لا ..؟ ـ ان هذا مستحيل تماما .. الحياة غير الذى تقرؤه فى الكتب يا عبد الحميد أفندى .. عندما تنام عين الإنسان يتحرك الشيطان .. ويتحرك بكل ضراوة .. وسم هذه خسة .. ولكنى أفعلها .. وسأظل أفعلها .. وقد عجبت لهذه الأفكار السوداء فى رأس إبراهيم .. وقدرت أن طفولته كانت قاسية ومرة .. حتى جعلته هكذا .. ورغم هذه النزوة التى كان يندفع إليها فى الليل ، وهو مسلوب الإرادة تماما .. فإنه كان فى منتهى الأمانة فى كل ما يتسوقه لى من أشياء .. ولا يزيد مليما واحدا ، بل كان يتحمل المشقة ويذهب إلى حي السيدة .. ليشترى لى الأجود والأرخص ويوفر بضعة قروش فى كل مرة .. ومن البيوت التى كان يخدمها .. شقة فى الدور الرابع فى نفس العمارة التى كنت أقيم فيها .. وكانت تسكنها سيدة ومعها بناتها الثلاث وكن جميعا يلبسن السواد فى الليل والنهار .. ووجوههن شاحبة حزينة .. وكانت هذه الأسرة ضحية لرجل اشتعلت فى رأسه الوطنية ـ منذ الصبا ــ وأخذ يكافح الاستعمار الإنجليزى بكل الوسائل .. وحدث أن وقعت حادثة اغتيال لبعض كبار الإنجليز فى مدينة القاهرة فاتهم فيها .. وأعدم .. ونسى الناس الأرملة وبناتها نسوهن تماما .. وعشن بعد عائلهم فى فقر وحزن .. وعرفت من إبراهيم أنهن يعشن من دخل ضئيل ولولا هذا لمتن من الجوع .. وكنت كلما شاهدتهن أشعر بشىء ثقيل يحط على قلبى ويكاد يسحقه .. ويضاعف من ألمى أننى كطالب فقير لا أستطيع أن أفعل لهن شيئا.. وكنت أتساءل كيف نسيهم الناس ونسيتهم الأحزاب .. ثم أدركت السبب .. كان الخوف من بطش الإنجليز وإرهابهم يبعد الناس عنهم .. لقد أمات الإرهاب كل مروءة وشهامة فى طباع البشر .. وقتل الخوف كل خير فى الإنسان .. وإلى جانب هذه الأسرة التاعسة التى نسيها الناس .. يعيش فى القاهرة نفسها المهرجون والخونة والمتجرون فى الوطنية .. يعيشون فى القصور ويكنزون الأموال .. وكان إبراهيم الذى لا يعبأ بالطعام ، ولا بالشراب ، ينام كيفما اتفق فى مدخل العمارة .. أو على البسطة التى أمام شقة الأرملة وبناتها .. يفرش حصيرا ويتمدد .. وكثيرا ما كانت تنتابه حالة اكتئاب حادة تجعلنى فى حيرة من أمره .. وفى أثناء هذه الحالة يكون طعامه رديئا .. وطباعه متغيرة .. وكان يتقاضى منى جنيها واحدا فى الشهر نظير خدمته .. ولا يطلبه إلا إذا أعطيته له .. فلم يكن فى حاجة لنقود لطعامه ، أو ملابسه لأنه يأكل فى البيوت التى يشتغل فيها ويرتدى الملابس القديمة .. ويوما طلب منى هذا الجنيه وهو يبدى أسفه ، وعلى وجهه الخجل ، فأعطيته له ولم أسأله عن السبب .. فتناوله وخرج فى الحال .. وقد جعلنى هذا أراقبه من النافذة .. ورأيته بعد ساعة يدور فى الميدان ، وبجواره طبيب الحى ممسكا بحقيبته .. ثم وجدته يصعد به إلى شقة الأرملة .. وحدث ما جعله يدخل قفص النقطة .. وهو الذى كان يتفرج على المحجوزين فيه ويسخر منهم .. ذلك أنه شاهد شابا خليعا يلاحق كبرى بنات الأرملة .. تحت الشجر .. ويمسكها من معصمها فى غبش الظلمة .. فصرخت الفتاة وكان إبراهيم يعس كعادته فى هذه الجهة .. فجرى على صوتها وأمسك بتلابيب الشاب .. وكان مع هذا نصل حاد أراد أن يطعن به إبراهيم .. فانتزعه منه إبراهيم ، وهو فى ثورة غضبه على الفتاة ، وطعنه بقوة وسقط الشاب .. وتجمع الناس فى الظلمة .. وقد روعهم المشهد الدامى .. ولكن إبراهيم تقدم وحده دون أن يمسك به إنسان .. ودخل النقطة .. وروت الأرملة كل شىء عنه بعد ذلك .. وكيف أنه كان يعطيهم كل ما كان معه من نقود ، ويحرم نفسه من كل الأشياء .. وأدركت أنا ، بعد اعترافها هذا ، أنه كان يعطيهم حتى النقود التى كان يجمعها من جيوب المصابين فى الحوادث ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:17 AM | رقم المشاركة : 23 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
قصة هل أيقنت أن الله هو الرزاق
زاد التقى أخذ ذلك الرضيع يصيح في الشارع .... ويتعالى ذلك الصوت بالصراخ ...فلا مغيث ولا مجيب .... ثم ما هي إلا لحظات فتسمع الأم الحنون ذلك النداء ... هرعت مسرعة ملبية النداء ...أخذت تشمه ,,تقلبه ..فهو صغير... ترددت في أخذه فهو ليس إبنها ...ولكنه زاد في الصراخ ... حنت عليه ...وحملته إلى منزلها حيث تسكن ... بدأت تقلبه ...تداعبه ...وما يزيد إلا صراخاً ...فهو جائع جلست وأخذ يرضع و استقرت نفسه حينها وهدأت روعته .. فهو الآن بين يدي أم حنون تهتم به وترعاه وترضعه مع صغارها الكبار... هذا ما حدث للقط الصغير وللقطة الأم ... قامت أمي برمي القط الصغير خارج المنزل ... و و الله ذهبت القطة الأم لإحضاره في الحال وكأنها تقول مسكين لعلي أرضعه مع صغاري ... أدهشني المنظر وأخذت أتأملُ ساعة .. فسبحانه الخالق الرازق ... وقلتُ " سبحان من بيده ملكوت كل شي وهو يجير ولا يجار عليه " " وما من دآبه إلا على الله رزقها " أختي الكريمة أخي الكريم : لو تأملنا في هذه الحادثة آلا تزداد يقيناً بقدرته سبحانه فمن أوحى لها بأخذه ؟؟؟ ومن أوحى لها بإرضاعه ؟؟؟ ومن أوحى لها برعايته وكأنه صغير لها ؟؟ أنه الله جل جلاله
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:20 AM | رقم المشاركة : 24 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
العـاصـفـة!!
أسرع مما توقعت.. بدأ العد التنازلي لموعد زواجي...! كلما قرب الموعد.. كبرت المسئولية.. وتضاعف الجهد.. الهواجس والأفكار... لا تفارقني..!! كان ترتيبي .. أن ما بقى الآن شهر او يزيد.. سأنتهي من كل شيء... الأمر بسيط ولا يحتاج إلى وقتٍ طويل.. اكتشفت متأخراً.. إنني أضعت اسبوعاً كاملاً في المفروشات!! وآخر في تجهيز .. المطبخ.. الآن هناك متسع.. بقي اسبوع.. تنفست الصعداء... الأحلام الورديه تطاردني.. والفرحه تلاحقني.. تركت خيالي يسري.. ولاينام.. بدأت التردد بكثرة على منزلي.. استمتع بالجلسة.. وبهدوء المكان أقرب الشاي.. أمد قدمي.. استرخاء تام.. وحلمٌ مبكر.. أتصفح الجرائد وأقرأ المجلات.. كل موضوع له علاقة بالزواج والأبناء دخل ضمن أهتماماتي.. عنوان جذاب.. اقرأ قبل أن تتزوج.. قلت بهدوء.. كلُ يخاطبني هذا الأسبوع.. ابتداء من الأطفال.. حتى الصحف والمجلات!!! استرسلت في القراءة.. نصائح كثيرة.. ومتتالية.. الفحص الطبي قبل الزواج.. أعدت القراءة مرة آخرى.. فوائده.. وأخيراً ضرورته.. لازمتني الفكرة خلال اليومين.. سيطرت على ذهني.. ورأيت أن أفعل..!! الخطوة الأولى أجراء فحص أولي.. ثم بدأت إعطاء التحاليل للمختبر.. مراجعة الطبيب بعد ثلاثة أيام.. رحلت مع أحلامي.. وعندما جاء الموعد تثاقلت.. ما الفائدة من الفحص؟؟!.. الجميع تزوجوا بدون ذلك.. وعندما تذكرت أنني قد دفعت لهم كامل المبلغ.. نهضت.. ورغم ذلك وصلت متأخراً.. انتظرت مدة تزيد على نصف ساعة.. وعندما حان دخولي على الطبيب.. مشيت بخطوات بطيئة.. أخرج أوراق التحاليل.. وبدأ يقرأ .. قلب الأوراق مرة أخرى .. استرق النظر إلى أكثر من مرة!! وعندما سألته.. هل هناك شيء؟؟ وضع الأوراق على طاولته.. بدون مقدمات.. يوجد اشتباه بسرطان الدم.. لم أصدق ما سمعت!!!! هول الصدمة جعلني لا أنطق.. وأنا أنظر إليه..تحدثت العيون وسألت كيف؟؟! لا تخَف مجرد اشتباه.. دعني أفحصك مرة أخرى.. لم أستطع أن أتحرك من مكاني.. شعر أنه أخطأ في مواجهتي.. مد يده.. وساعدني.. ألقيت بنفسي.. بدأت أتنفس بقوة لأتأكد من أنني على قيد الحياة.. فتح عيني.. وأطال النظر.. سمع دقات قلبي.. الأمر هين وبسيط.. نعيد التحاليل..!! أتيت بآمالٍ وأحلام.. وخرجت بهمومٍ وأحزان... كل ذلك في لحظات..!!!! هممت على حالي.. أوقفت سيارتي جانباً.. أغمضت عينيَّ.. في ماذا.. وأنا أنتظر الموت أفكر.. فكرت وفكرت.. نفسي.. أهلي.. وأخيراً..هي... هل أخبرها..؟ ماذا أقول..؟ لو أكدت التحاليل وجود المرض.. أسكت أم أخبرها.. لا وقت..أيام فقط..زواج أم..لا.. لم أعرف النوم تلك الليلة.. في الصباح تركت عملي واتجهت إلى المختبر.. والدم يؤخذ مني.. قلت له..خذ أكثر.. حتى نتأكد.. ولعله أخذ ما يرضيني.. وأكثر.. لم يبق في عروقي دم..بقي همٌّ وغم.. لم أتوقف عن التفكير.. لعل الأمر خطأ.. ولكن شيء في داخلي يقول.. إن الأمر حقيقة.. تركت منزلي.. إبريق الشاي منذ مساء البارحة تركته على أمل العودة.. كطائر أغلق عليه قفصٌ من حديد..!! يطير..ويطير.. يبحث عن مخرج....!!! يصطدم بكل جهة يتجه إليها ولا يبالي..!!! ولكن بدون نتيجة..... كل من قابلني.. وجهك متغير.. هذا وجه من يريد الزواج!!!.. كل هذا فرحٌ بالزواج..؟ بدأت تخاف من الآن..؟ حديثهم في وادٍ .. وأنا في وادٍ آخر.. ثلاثة أيام.. انتظارٌ طويل.. طويل.. قطعاً لحالة الشك.. ذهبت إلى عيادة أخرى.. وفي نفس اليوم.. اتصلت بالعيادة الأولى.. لم يأت شيء..لا..بعد غدٍ.. ما أطول غدٍ وبعد غدٍ.. أنتظر الموت..أو أمل الحياة.. ألغيتُ زياراتي مواعيدي.. حتى شراء ما بقي من الكماليات لمنزلي تركته.. لا أريد أن أرى أحداً.. أنظر إلى الدنيا نظرة مودع.. أخبىء وجهي عن أمي.. أستقبل الأيام وأرى دمعتها.. عندما أُنعى إليها...!! أما أبي.. فحزنٌ يقطع الكبد.. يمازحني في أمر الزواج..وأقول بصمت.. غداً.. في اليوم الثالث.. هدأتُ فكرت أن كان الأمر حقيقة..لن أتزوج.. ولكن حب الحياة ينازعني.. الكثير..عاشوا بأمراض مثل هذا وأكثر.. الأعمار بيد الله.. إذاً أخبرها.. في الساعة الرابعة والنصف..وقفت أمام العيادة مهموماً.. لعل الطبيب يحضر مبكراً..وجاء الطبيب..ولم يأت التقرير.. انتظرت ساعتين.. أطول عندي من سنتين.. وعندما أخبرني الطبيب بوصول النتيجة.. وقفت بسرعة..فتح التقرير...!! بدأت أرتجف..كأنني في شتــاء بارد...!! أما قلبي...نبضات سريعة..وضرباتٌ قوية..!!! ركبتي..لا أعرف لماذا لم تستطيعا حملي.. !! ورغم العرق الشديد..والنفسُ المتلاحق.. بشرني..الحمدلله .. ولم أدعه يكمل..رميت بنفسي عليــه..!! تراجعت..اقرأ مرةً أخرى..تأكد من كامل الأوراق.. خرجتُ لا تسعني الفرحة..أسلم على من أرى.. ذهبت مسرعاً إلى منزلي.. لا يزال الشتاء في داخلي..والعرق على جبيني.. استرخيت..ولكن لم أستطع البقاء.. ركبت سيارتي.. سلمت على والدتي.. لاحظت أنني مجهد..والفرحة تعلوني..وأي فرحة..؟ ما بك..؟! مظروف في يدي يحكي كل شيء..!! عقب أخي.. بعتاب.. ولا تُخبرنا بذلك..؟!! ابن آدم ضعيف..ولكنه جبارٌ مستكبر.. يُسقطه رغم غروره وكبريائه.. فيروسٌ صغير.. جرثومة لا تُرى.. يخاف الموت..ولا يعمل له.. يفرح بالصحة..والعافية..ولا يستفيد منهما..!!! تمـر الأحداث.. وتنزل النوازل.. وهو في أمرٍ آخر.. أما أنت.. فقد بعثت من جديد.. ولكن... فهن المنـايـا أي وادٍ حللته ........ عليها الـقــدوم أو عليك سَتقـدِمُ هناك متسعٌ الآن.. أعد حساباتك...
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:23 AM | رقم المشاركة : 25 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
خرجت إمرأه من منزلها فرأت ثلاثة شيوخ لهم لحى بيضاء طويلة وكانوا جالسين في فناء منزلها
لم تعرفهم وقالت لا أظنني اعرفكم ولكن لابد أنكم جوعى. ارجوكم تفضلوا بالدخول لتأكلوا. سألوها: هل رب البيت موجود؟ فأجابت :لا، إنه بالخارج. فردوا: إذن لا يمكننا الدخول. وفي المساء وعندما عاد زوجها أخبرته بما حدث قال لها :إذهبي اليهم واطلبي منهم أن يدخلوا فخرجت المرأة و طلبت إليهم أن يدخلوا. فردوا نحن لا ندخل المنزل مجتمعين. سألتهم ولماذا؟ فأوضح لها أحدهم قائلا هذا اسمه الثروة وهو يومئ نحو احد اصدقائه، وهذا النجاح وهو يومئ نحو الآخر وأناالمحبة وأكمل قائلا: والآن ادخلي وتناقشي مع زوجك من منا تريدان أن يدخل منزلكم. دخلت المرأة واخبرت زوجها ما قيل. فغمرت السعادة زوجها وقال: ياله من شئ حسن، وطالما كان الأمر على هذا النحو فلندعوا الثروة دعيه يدخل و يملأ منزلنا بالثراء! فخالفته زوجته قائلة: عزيزي، لم لا ندعو النجاح كل ذلك كان على مسمع من زوجة ابنهم وهي في احد زوايا المنزل فأسرعت باقتراحها قائلة: اليس من الأجدر ان ندعوا المحب فمنزلنا حينها سيمتلئ بالحب فقال الزوج: دعونا نأخذ بنصيحة زوجة ابننا إخرجي وادعي المحبة ليحل ضيفا علينا خرجت المرأة وسألت الشيوخ الثلاثة: أيكم المحبة ارجو ان يتفضل بالدخول ليكون ضيفنا. نهض المحبة وبدأ بالمشي نحو المنزل. فنهض الإثنان الآخران وتبعاه، وهي مندهشة سألت المرأة كلا من الثروة و النجاح قائلة لقد دعوت المحبة فقط ، فلماذا تدخلان معه؟ فرد الشيخان لو كنت دعوت الثروة أو النجاح لظل الإثنان الباقيان خارجا، ولكن كونك دعوت المحبة فأينما يذهب نذهب معه. أينما توجد المحبة، يوجد الثراء والنجاح.
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:24 AM | رقم المشاركة : 26 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
مـصـحـف أسـامـة
كتبه ابن الشهيد أفقتُ من قيلولتي ذاتَ يومٍ قبلَ أذان العصرِ ، فلم أجدْ أسامة .. سألتُ عنه فأجابتني أمهُ وعلى وجهها ابتسامةٌ مشرقةٌ : ـ لقد ذهبَ إلى المسجدِ .. ـ ولكنّ الوقتَ ما زالَ مبكراً . _ لقد اصبحَ ينافسكَ ، بل إنه يسبقكَ ..! _ هذا يسعدني والله .. وأضافتْ وعلى شفتيها ابتسامةٌ عذبةٌ : ـ لقدْ لاحظتُ إنه حريصٌ على اصطحابِ مصحفه الصغيرِ ، والقراءة فيه كثيراً ، وأحسبهُ يحتضنهُ في حنو الآن وهو في رحاب المسجد. . ابتسمتُ وأنا أشعرُ أن الدنيا لا تسع فرحتي بولدي المؤمن الصغير . ووثبتُ إلى الوضوءِ ، فلا أقل من أنْ ألحق به .. ** بعدَ أسبوعين تقريباً .. اقتربتْ أمُ أسامةَ مني وقالتْ بهمسٍ : ـ أبا أسامة .. ألم تلاحظْ ما اعترى تصرفات أسامة هذه الأيام ؟ ـ ماذا تعنين ؟ ـ لستُ أدري يقيناً ، لكني أتساءلُ : ما سر تشبثه بمصحفه كل هذا التشبث ، لقد طلبته البارحةَ منه فجاءني بمصحفِ أخته .. ولم يناولني مصحفه .. بل لاحظتُ أنه يحرصُ على أن يخفيه ، وهذا اليوم لاحظتُ أنه لم يحمله معه ، وأخذ مصحفاً آخر .. إنه لم يعتدْ هذه التصرفات من قبل ، لست أدري ما حدث له ؟؟ كنتُ أصغي إلى أم أسامة ملياً ، فهي أكثر ملاحظة مني ... وأحسستُ بالقلق ، وغرقتُ في تفكيرٍ عميقٍ ، قطعهُ صوتُ أسامة وهو يدخل مسلماً . رددت السلامَ وأنا أظهرُ له البشرَ ، وتفرستُ في وجهه ، وأنا أتذكر كلمات أمه ، فأثار انتباهي شيءٌ من الاحمرار في عينيه .. لعله اشتبك مع أحد أولاد الجيران الأشقياء .. ولكن ليس من عادته أن يتشاجرَ مع أحد .. ولا يدع مجالا لأحد أن يعتدي عليه ..بل هو سمح سهل يتجاوز ويعفو حتى عمن ظلمه .. كثيرا ما سمعته يقول عن من ظلمه: الله يسامحه .. أنا أريد أجري من الله ..أنا أغفر له حتى الله يغفر لي . ولهذا ازداد قلقي وسألت اللهَ ألا يخيب أملي في ولدي .. دعوته ليجلسَ بقربي ، وقبلته وأخذت أداعبهُ .. ** صرتُ أراقبه في المسجد .. في البيت .. في الطريق .. بل وأخذتُ أسأل عنه في المدرسة .. كل شيء على ما يُرام .. لا شيء أنكره عليه .. عدت من المسجد ذات يوم فسألتني أمه بلهفة : ـ هيييه .. ماذا وراءك ، طمئني ؟! ـ لا شيء .. لقد قرأ القرآنَ كعادته بعد الصلاة مع أترابه ، وأثنى إمام المسجد على قراءته المجودة المرتلة .. ولمحتُ شفتيه عن بعد تتمتمان .. وأدركت أنه يستغفر الله .. كدأبه كلما سمع ثناءً عليه أو مدحاً له .. وسألتُ عنه في المدرسة فوجدتُ الكل يثني عليه ، بل أكثر مدرسيه يقولون : ليت طلاب المدرسة في أخلاق أسامة ..إذن لكنا بخير .. تنهدت أمه بحرقة وهي تقول : ـ والهفى عليك يا ولدي .. ترى ماذا تخفي ؟ _ هل لا زلتِ تلاحظين عليه تلك الملاحظات ؟ _ نعم .. له مع مصحفهِ قصة ولابد .. اصبحَ يحذر مني أن أمدَ يدي إلى جيبه لأخذ المصحف .. وما كانت هذه عادته .. _ سبحان الله ... وعزمتُ على كشف هذا السر .. ** في أثناء ذهابِ أسامة إلى المدرسةِ ، قررتُ أن أفتشَ حجرته .. لأني كنتُ أعلمُ أنه لا يحملُ مصحفَه الصغيرَ إلى المدرسة .. بسهولةٍ وصلتُ إلى المصحفِ ، فقد كان يضعه في درجِ مكتبه قربَ سرير نومه .. كان من عادته أن ينظرَ في المصحف قبل أن ينامَ .. سألته عن ذلك يوماً فقال : حتى يكون آخر ما رأيت بعيني كلام الله .. ثم يقول وعيناه تلمعان : ويمكن أشوف رؤيا مفرحة .. أخذتُ أقلبُ أوراق المصحفَ بين يدي .. فهالني ما رأيتُ ..!! ـ يا إلهي .. ما هذا ؟؟! لقد وجدتُ بعضَ صفحاته قد ثُقِبَ أو كادَ ، وصار الورق في حال يُرثى له ..!! وأحسستُ بنيران الغضب تشتعلُ بين جنبيّ ..وفار دمي بشكل غير عادي .. أسامة يفعل هذا ؟؟! أسامة النقي الذي أصحو في جوف الليل البهيم على صوت بكائه فأذهب لأجده صاكاً بيديه وجهه وهو ينتحب فاسأله عما به ، فيجيب : ـ لا شيء ، لا شيء يا أبي .. تذكرتُ النار فخشيتُ أن تمسني ! فأقبّل رأسه الصغير ، وأضمه إلى صدري ، وأدعو له ، ثم أطمئنه ، و أعود إلى فراشي ، وأنا اسأل الله أن يذيق قلبي حلاوة التقوى والخشية التي ذاقها ولدي .. أيعقل أن أسامة لا يحفظ حرمةَ كتاب الله ، وهو خير تالٍ له ؟! سبحانك يا مقلب القلوب ..اللهم رحمتك نرجو .. اللهم لا تخيب ظني بولدي .. اللهم لطفك .. ** حملتُ المصحفَ معي ، ووضعته في جيبي .. وعندما عاد أسامة من مدرسته واجهته بمصحفه الصغير ..وكنت أحاول أن أتماسك فلا يظهر غضبي .. تراجع إلى الوراء خطوة ، وقد أحمر وجهه ، ومباشرة دمعت عيناه ، وتلعثم.. ومما زاد في غليان غضبي أنه لم يجب.. فصحتُ مهدداً : ـ أسامة .. هل لي أن أعرف ما هذا الذي أراه في مصحفك ؟! ومن بين شهقاته وعبراته جاء صوته المتهدج : ـ إنها دموعي يا أبي ..دموعي يا أبي ..! وأجهش بالبكاء .. فوثبت إليه أحتضنه بقوة ودموعي تسبقني ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:25 AM | رقم المشاركة : 27 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
من عجائب آخر الزمان !!
موسى محمد هجاد الزهراني يحيى شاب عاقل ! طيب القلب ؛ حسن الخلقة و الخلق ؛ رجل يتفجر رجولة وحيوية ؛ يعرفه كل من يعرفه بذلك ! هاديء الطباع ؛ لا صخَّاب في الأسواق ولا جعظري جواظ ؛ وليس بالأكول ؛ ولا الجموع المنوع ... لكنه جاء يوماً في حالة كئيبة ؛ تعلو مُحياه سحابة مظلمة ؛ وألفاظه تخرج من فمه متناثرة غير مرتبة فقلت له : - مالك ! أصابك سهمٌ أم بُليتَ بنظرةٍ ؟ فما هذه إلاَ سجية من رُمي ؟! - قال : مالي ؟ وقعتُ في أزمة في هذا الزمن الكذوب ! - قلت : لعلك راجعت إدارة الأحوال المدنية لإضافة مولودك الصغير ؛ وطلبوا منك شاهدي عدل واثنين يزكونهما ؛ وتصديقاً من عمدة البلد وتقسم لهم بالله العظيم على كتابه الكريم أن هذا المولود لك لا لأحدٍ غيرك ولدته أمه في المستشفى الفلاني في الساعة الفلانية بشهادة الشهود ! عجبي .. وأن تلك الشهادة التي تكرم بها المستشفى لإثبات واقعة الولادة ، صادقة ، حقيقية غير مزورة ؛ فلم يصدقوك ! لأنهم يحسبون أن الأطفال نأتي بهم من الشوارع لنتبنَّاهم لأننا نتمتع بفائض اقتصادي هائل لا ندري أين وكيف ولمن نصرفه !. أو لعلك طلبت تجديد بطاقتك الشخصية فطلبوا منك الانتظار قرابة ستة أشهر حتى يبعثوها إلى أصل الملف في مدينتك التي استخرجتها منها في سالف الأزمان ؟ ؛ فأصبحت اليوم تمشي بين الناس بلا هوية ولا بطاقة أحوال أي أنك (بدون ) كما في أختنا الكويت . - قال : لا .. لم أذهب إلى إدارة الأحوال فالحديث عنها ذو شجون ؛ وهناك أحوال وأهوال ! ولديهم جهاز مظلوم حقاً اسمه ( كمبيوتر ) يتقاضى راتباً شهرياً ولا يعمل !. - قلت : إذن .. لعلك ابتُليت بشخص في شركة الاتصالات يبعث لك كل شهر فاتورة على عنوانك لهاتفٍ لا تعرف متى استخرجته ؛ ولا تذكر له رقماً ؛ ولم تلمس أزرارَه يداك الناعمتان ولم تُدخله بيتك .. والغريب في الأمر أن صورةً من بطاقتك الشخصية وجدتَها تُزين ذلك الملف ؛ وتوقيعكم الكريم في أسفل استمارة الطلب . أو لعلك .. تتلقى كل شهر رسوماً لهاتفك الجوال الذي قضى نحبه منذ زمن بعيد؛ تُسمى رسوم الخدمة والتي لا تتوقف إلاَّ إذا توقفت عجلة الحياة وورث الله الأرض ومن عليها !. - قال : لا ... - قلت : اصدقني القول إذن :- هل راجعت إحدى مكاتب الاستقدام الأمينة ؛ وأتيت بخادمة ؛ فاكتشفت أنها مريضة وأثبتَّ ذلك بتقرير طبي من أكبر المستشفيات الحكومية المعترف بها عالمياً .. فأردت إرجاع الخادمة ؛ فلم يقبلها منك المكتب واتهمك بتزوير التقرير ؟ ورماها في الشارع ؛ فتكرمت دورية الشرطة بإيصال الخادمة إلى مكتب مكافحة التسول لسجنها هناك على ذمة التحقيق ؛ وتقدمت أنت بشكوى إلى مكتب العمل والعمال فلم ينصفوك ؛ وإلى (...........) مكتب الأحوال الشخصية فأحالوا أوراقك إلى المحكمة لتمكث هناك أحقاباً تحت رحمة المواعيد البعيدة الأمد حتى تنقضي الثلاثة الأشهر المقررة لتجربة الخادمات؛ فتعود إلى البيت بلا خُفيّ حُنين ؛ فتخسر الخادمة ومبلغاً قدره (5600) ريال ؛ ثم تقوم بترحيلها على كيسك الخاص ... فلجأت أخيراً إلى تملق المتنفذين في الشرطة وبدورهم أقنعوا فخامة مدير مكتب الاستقدام الموقر الذي تعاملت معه وراجعته شهراً ونصفاً دون فائدة بوجوب العودة إلى إنسانيته وآدميته والتنازل عن دعوى تزوير التقرير ؛ وتسفير الخادمة على حسابه الخاص لمرضها كما ينص عليه عقدهم المحترم الذي كل بنوده تصب في مصلحتهم فقط أما المواطن ففي ستين داهية ! ( والله يعوض عليك ) كفافاً لا لك ولا عليك ... - قال : يا أخي .. لم يقع لي هذا .. و لا شيء منه .. - قلت : عرفتُ الآن .. هل نجح ابنك من الثانوية بتقدير ( ممتاز) ومعدل 95,75% فوقف مثلما وقف حمار الشيخ في العقبة ؛ فلم يُقبل في جامعة ولا كلية ولا مطعم ولا بقالة ! لأنه لا يحمل بيده ورقة أخرى تسند تلك الشهادة .. بها توقيع يكاد يخرق الورقة من غلظته ؛ لا يراه أحد إلاَّ قال :... أصبحنا وأصبح الملك لله ! ، حتى تمنيت أن ابنك لم ينجح ولم يحصل على هذا التقدير ؟!... - قال : أنت اليوم في حالة مضحكة .. لم يحدث هذا ولا .... - قاطعته : قلت : إذن ... المسألة أنك تخرجت أنت من الجامعة ؛ جامعة (الإ..............) على قدر اسمها ! بتقدير( جيد ) لأنك أخفقت بسبب وفاة والدك في أول فصل جامعي ولم يعذروك فلزمك العار حتى تخرجت بهذا التقدير.. فعطشت في طريق عودتك إلى منزلك ؛ وجفَّ ريقك ؛ ولم تكن تحمل معك محفظتك وبها نقودك ؛ ومررت على بقالة وقدمت شهادتك للبائع .. تزخرفها كتابة بخط جميل يقول ( بكالوريوس ) فلم تسقك شربة ماء ... فأردت أن تتقدم لنيل درجة الماجستير؛ فأصبحت أضحوكة في أروقة الجامعة... ثم أردت أن تحفظ ماء وجهك ؛ وتقدمت لوزارة المعارف لتكون معلماً محترماً .. فظنوك من مواليد عام 800هـ ! وأتيت بمخطوطة في يدك تحتاج إلى من يفك رموزها .. ويحققها ويقابلها بأصلها .. ليعلم ما هي ! . فخرجت وأنت مهموم مغموم .. فخطر على بالك أن ترفعها لتعطى رتبة على الكتف شعارها نجمة أو اثنتان وظننتَ أنها لا تزال تحتفظ بقيمتها التي كنت تذكرها قبل عقد من الزمان.. فقبلوها منك .. على شرط أن تلبس بدلة عسكرية نظيفة من كل شيء إلاَّ من حزام يشد وسطك لا غنى عنه ! .. - قال : أمرك غريب .. مشكلتي .. إسمع بارك الله فيك سأقصها عليك ..!!!
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:27 AM | رقم المشاركة : 28 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
الورقة المطوية
وقفت في الصف مع الرجال .. أمام شباك التذاكر .. وكان الزحام شديدا في نهاية الصيف والطابور يتلوى لطوله ويبرز خارج المحطة .. وكان آخر قطار " ديزل " يتجه إلى القاهرة .. ومع أن معظم الواقفين في الطابور لم يكن عندهم أدنى أمل في الحصول على مقعد ولكنهم وقفوا .. وصبروا ليجربوا حظهم . وكان عامل التذاكر في محطة " سيدى جابر " بليدا ولئيما وحلا له تعذيب الواقفين أمامه في الطابور .. إذ كان يعمل في بطء شديد ، ويحادث موظفا في الداخل بين الحين والحين ويدير رأسه إلى الوراء دون سبب ظاهر ثم يعود في تكاسل إلى عمله .. وكان كل الذين يرون هذا المشهد المغيظ ، لايبدو منهم التذمر أو الاعتراض .. فقد الفوا مثل هذه الأشياء .. واعتادوا عليها .. وكانوا على يقين .. بعد التجربة المرة .. إن الشكوى والتذمر لا جدوى من ورائهما ..ولا يغيران الحال .. فلاذوا بالصمت . وصمتت السيدة مثلهم ولكنها كانت تشعر بالغيظ .. وصبرت حتى جاء دورها وأصبحت أمام الموظف على الشباك .. وفتحت حقيبتها لتخرج ثمن التذكرة .. وارتعشت يدها وتمتمت ثم أخضلت عيناها بالدمع .. وظهر عليها الاضطراب بوضوح .. وأخذت تتلفت زائغة البصر .. ثم خرجت من الصف وهى لاتستطيع حبس عبراتها .. وأدرك الرجل الذى كان وراءها في الصف حالها وما جرى لها .. وكان قد سمعها وهى تقول : ـ تذكرة لمصر .. ثم انشل لسانها .. فأخرج ورقة بخمسة جنيهات من جيبه وقطع تذكرتين بدلا من تذكرة واحدة .. وتناول الباقى من الموظف ثم خرج من الصف .. وظل يبحث عن السيدة حتى وجدها خارج المحطة .. فتقدم اليها وقال بلطف وهو يمد يده بالتذكرة .. ـ أدركت ما حدث .. فاسمحى لى بأن أقدم هذه التذكرة .. وعندما تعودين إلى بيتك .. ردى ثمنها في أى وقت .. فنظرت إلى الرجل مشدوهة .. لم تكن تقدر .. أو تنتظر مثل هذا من إنسان .. وتصورت أن الرجل يحتال عليها .. أو يفعل شيئا ليتقاضى ثمنه مضاعفا .. وظلت مترددة واجمة ولكن لما توضحته ونظرت إلى عينيه توسمت فيهما الطيبة المطلقة .. فتناولت منه التذكرة .. وهمست .. ـ متشكرة .. وبعد أن دخلت من باب المحطة .. تذكرت أنها لم تسأل الرجل عن عنوانه لترد له نقوده .. فمشت إليه في استحياء . ـ ولكن .. حضرتك .. لم تعطنى عنوانك .. ـ في القطار .. اننا جنب بعض .. جنب بعض .. وعاودتها الهواجس انه يستغل الموقف إذن .. واضطربت وعلا وجهها السهوم .. لقد كانت تتصور فيه الطيبة فإذا به كغيره من الرجال استغل موقفها ببراعة .. ترد له التذكرة ؟ ولكن أين تذهب في هذه المدينة الكبيرة وهى وحيدة مفلسة ؟ فبعد أن نشلت ليس في جيبها أى نقود على الاطلاق .. وليس لها قريب أو غريب في الإسكندرية تعتمد عليه .. وظلت حائرة مضطربة .. ثم شعرت بالقطار يدخل المحطة فأنقذها من حيرتها وركبت وهى تترك الأمر للمقادير .. *** وبحثت عن الرجل وراءها وقدامها وهى تدخل في جوف العربة فلم تجده .. وكان الزحام شديدا .. خلق كثير .. يتدافع بالمناكب .. في داخل العربة .. وتحركت ببطء وهى تقدر العثور عليه بعد أن تجلس على المقعد .. فهو بجوارها كما قال لها .. ولكنها وجدت رقم كرسيها بجوار سيدة فجلست متعجبة .. ولما تحرك القطار تطلعت فأبصرت بالرجل هناك في أقصى العربة .. يجلس بجوار الباب .. وظلت عيناها معلقتين به .. وهى تنتظر منه أن يتحرك من مكانه ويأتى إليها وعلى الأخص وهو يعرف رقم مقعدها .. ولكنه لم ينهض حتى بعد أن جاوز القطار محطة " دمنهور " .. وفي محطة " طنطا " حمل اليها لفة طعام ونظرت إليه .. وابتسمت .. وتناولت اللفة صامتة .. فقد خشيت إن رفضتها أن تثير فضول الركاب .. وخصوصا السيدة التى بجوارها فهى فضولية إلى أقصى مدى .. ولذلك تناولت منه الطعام وهى تشعر من حولها بأنها قريبة له أو حتى زوجته .. فهو في سن زوجها .. وأخذت تأكل .. ضامة شفتيها ما أمكن .. وعزمت على جارتها أكثر من مرة .. وبعد أن فرغت من الطعام وأحست بأنها تقترب من محطة القاهرة .. فكرت في الذى تفعله لتصل إلى بيتها في الدقى في هذا الليل ومعها حقيبة ثقيلة .. وخرجت من القطار .. تحمل حقيبتها بيدها .. وفي الصالة الخارجية لمحطة القاهرة كان الرجل بجانبها يعينها .. ودفع إلى يدها ورقة بخمسين قرشا .. وقال .. ـ هذا للتاكسى .. فقالت له بثبات هذه المرة .. ـ أبدا .. لابد من اسمك وعنوانك أولا .. فابتسم في لطف .. وأخرج من جيبه ورقة وقلما .. وانتحى جانبا ليكتب ثم طوى الورقة .. وقال لها .. ـ في هذه الورقة اسمى وعنوانى ورقم تليفونى أيضا .. وأركبها تاكسى .. واختار لها سائقه .. ولما دخلت البيت .. كان زوجها لايزال في الخارج .. وكانت الشغالة في انتظارها وسرت لقدومها .. ولما أخرجت " ثريا " ملابسها من حقيبتها واستراحت قليلا أخرجت من حقيبة يدها الورقة التى أعطاها لها الرجل " وكانت عدة طيات ففردتها ونظرت فيها .. فوجدتها بيضاء .. ليس فيها حرف واحد ". وابتسمت وصورة الرجل الغريب تتضخم أمامها وتعظم حتى ملأت جوانب البيت كله .. ولما جاء زوجها من الخارج وجدها في الفراش .. فاقترب منها في شوق ليحتضنها ولكنها دفعته عنها نافرة واعتذرت بأنها تعبة .. ولأول مرة في حياتها تشعر بكراهية شديدة له واحتقار من غير حدود .. كانت تقارن بين صفاته الخلقية وصفات الرجل الآخر .. فقد لمست لأول مرة في حياتها النبل والشجاعة في إنسان ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:28 AM | رقم المشاركة : 29 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
قصة الصياد
أبحر الزورق فى الخليج .. ومنذ اندلعت نيران الحرب "وشعبان" لايبـعد فى الليـل . كان يصطاد قريبـا من الساحل متحاشيا الموج ما أمكن ، وكانت الظلمة شـديدة ولكن الريح كانت رخـاء .. فأرسل الزورق على سننه . وأخذ يرمى الشبكة وهو جالس فى المؤخـرة .. وكان يمنى النفس بصيد كثير قبل أن ينتصف الليل .. فلم يكن منذ نشب القتـال يتأخر عن زوجته وابنائه الصـغار . كانت صورهم لا تبعد عن ذهنه أبدا وهو فى قلب البحر .. انهم امتداد له وحياة .. خلف مدينة السويس وراءه غارقة فى الظلام ولا يبدو من بيوتها البيضاء ومآذنها وأعمدة مصابيحها .. إلا ظلال فى العتمة الشاحبة . وبدا شاطئا القناة من بعيد فى سواد الأبنوس .. وغابت الأشجار التى على الشط الغربى من بور توفيق فى الظلمة وانطمست معالمها .. وأخذ شعبان يحرك الزورق بلين .. ولجة الماء دكناء ساكنة وغيـاهب الليـل تتساقط فى كل ساعة تنقضى وتصبح كريش الغراب . وفجأة أحس أن الشبكة أمسكت بشىء .. فقد اهتزت فى يده بعنف .. وخشى أن يمزق الصيد الشبكة لضـخامته وقوته .. فأرخى الحبـل حيث جرته السمكة واتجه إلى الشرق .. تسـحب فى لين وراء السمكة الكبيرة .. التى أحس بها تنتفض فى عنـف وخشى أن تكون من صنف القرش فيذهب كل تعبه هباء وتصبح الليلة لا نفع منها ولا جدوى فيها .. تصبح ليلة من ليالى النحس . واشتد الجذب فأرخى الحبل .. أرخى وهو يحس برجفان قلبه وظـل يطامن حتى وجـد نفسه يقترب من شط القناة الشرقى ويسير بحذائه فى هوادة ولين ، حابسا ما أمكن صوت المجاديف . كان يعرف أن المعركة فى هذا الساحل وأن القتال يدور على اشده هناك .. وأخـذ يسمع بوضوح صوت القنـابل التى تلقيها الطائرات وصوت المدافع . كان شعبان يعيش فى قلب المعركة بكل حسه ووجدانه .. لم تكن بعيدة عنه أبدا فقد بدأت يوم الإثنين .. واليوم هو الأربعاء ثالث أيام المعركة ، والقتال يدور فى عنف وكان يتبعها بحواسه وإذا سمع نبأ سيئا ثار وعض على نواجذه ولم تمنعه الحرب عن السعى وراء معاشه ولكنه كان يخرج فى الليل مسلحا ببندقية سريعة الطلقات يتقى بها الشر أينما كان .. وفى اللحظة التى أحس فيها بغريزته كصياد أن الشبكة صادت شيئا ضخما لم يحدث له فى حياته .. انتابته نشوة عارمة .. وكان لايود أن يفلت منه هذا الصيد أبدا .. فلما جذبته شرقا طاوعها واتجه بالزورق إلى الشاطىء الشرقى .. كان لايريد أن يضيع منه الصيد بعد هذه المشقة . وأخذ يسحب الشبكة بيد الصياد الماهر .. وقد خيم السكون فجأة وخيل إليه أن الحرب قد توقفت . خيم سكون ذهل له .. وخيل إليه فى قلب الظلام أن المدينة ستتلألأ فى هذه الليلة كما كانت قبل الأيام الثلاثة .. ستتلألأ كما كانت من قبل وتزهو وترقص قناديلها كلما مايلتها الريح .. *** وعندما اقتربت الشبكة من القارب ورأى بعينيه السمكة الكبيرة التى اصطادها شعر بفرحة .. إنها ليلة من ليالى الخير . وأخذ وهو نشوان يخـرج السمكة من الشبكة ويضـعها فى بطن القارب .. إنها ضخمة بشكل مهول ، ومن أكبر الأسماك التى اصطادها فى حياته كصياد . *** وفجأة سمع أزيزا عنيفا وحلقت طائرة فوق رأسه .. فاضطرب أولا ولكنه تماسك وحدق فى الظلام فبصر بأجسام طويلة تسقط من الطائرة فى مجرى القناة . ودوت المدافع المضادة وتكهرب الجو .. واستمر القصف مدة .. ثم سكن .. وظل الصياد يتحرك فى المياه الهادئة وهو قريب من الساحل ، وسمع فجأة اشتباكا على الأرض قريبا منه وطلقات رصاص . فلما اقترب بالقارب من الموقع والظلام يخيم على البحر واليـابسة .. بصر بجندى مصرى من جنود السواحل مشتبك مع دورية اسرائيلية فى قتال رهيب .. ومع أنهم أكثر منه عددا ولكنه ظل صامدا وقتل منهم واحدا وجرح آخر .. وكان منبطحا وراء كثيب من الرمل .. والرصاص يتطاير حوله . ودفع الصياد الزورق إلى الشاطىء ونزل منه سريعا واقترب من الموقع زاحفا ببندقيته حتى كمن بجانب الجندى المصرى وأخذ يشد أزره على القتال والصمود وكان الجندى قد جرح جرحا بليغا فى هذه اللحظة ولكنه ظل مع ذلك يطلق النار ثم سكتت بندقيته . وظل الصياد يقاتل وحده حتى سكتت كل بنادق العدو .. وخيم السكون وظل فى مكمنه قابعا بجوار رفيقه مدة ثم رأى أن يغير المكان .. فنهض وتلفت حواليه ليتخير الموقع الذى سينتقل إليه .. وهنا سمع انفجارا رهيبا فى البحر وطار زورقه وتمزقت شباكه ولم يحزن كثيرا . وتقدم حتى اقترب من جندى السواحل الجريح .. كان لايزال ينـزف دمه .. وغسل جراحه وحمله على ظهره وسار به فى الليل محاذرا متوقعـا فى كل خطوة أن يقـع فى أيدى الأعـداء الذين انتشروا فى الصحراء ، وكان الرصاص يتطاير حواليه وخلفه . سكن الليل بعد القذف واللهب المنبعث من الأرض والسماء .. سكن الليل .. سكون الموت .. وكلما سار الصياد بالجنـدى خطوات طلب منه هذا أن يضعه على الأرض ويمضى لسبيله وإلا سيقع الإثنان فى أيدى الاعداء .. ولكن الصياد كان يرفض بإصرار ويتصبب عرقا .. وهو يسير باذلا من الجهد فوق كل طاقات البشر . كان ينظر إلى الشاطىء الغربى والليل قارب على منتصفه والظلام يخيم ولا مغيث .. قد تمر عليهما دوريات الأعداء وتمزقهما بالرصاص .. وظل يسير وهو يحمل الجريح والريح تصفر فى الصحراء .. كان شعبان يحس بثقل الجسم على عاتقه وبتعبه الشديد وانقطاع انفاسه ولكنه كان لايريد أن يضع الجريح على الأرض أو أن يستريح خشـــية أن يعـطل ذلك إسـعافه وإنقــاذ حياته .. ولأول مرة يعرف قيمة النفس البشرية والحرص على بقائها وبذل كل سبيل لإحيائها . لكم خرج فى الليل يصطاد الحيتان ، ولكم قاسى فى الليالى الحالكة ، ولكم خاطر بحياته ليأتى بطعام أولاده .. ولكم شعر بالفرحة بعد الجهد والعرق .. ولكنه لم يحس بمثل السعادة التى يحس بها الآن .. وهو يحمل جنديا جريحا .. قاتل ببسالة .. ولم يكن وهو يحمله يفكر فى تعبه قدر تفكيره فى انقاذ روحه . ولأول مرة فى حياته يحس بأنه وحدة واحدة فى عالم كبير .. وأنه جزء من كل .. وأن التعاون عضد الحياة .. *** وطال السير فى الليل والظلام .. وبلغ المرحلة التى أحس بعدها الصياد بأنه لا يستطيع أن يتقدم خطوة أخرى .. وأنه آن له أن يلقى بالحمل على الرمال .. ويتخفف هو من ملابسه .. وقد يجد شيئا يستعين به على أن يعبر القناة إلى بور توفيق ، أما أن يربط حياته بهذا المخلوق الميت .. فذلك فناء وسيموتان معا .. أى سلسلة ربطتـه به ، لابد من فكها .. وتمهل جدا .. وفى ظل كومة من الرمال وسد الجريح بعناية كما يوسد الموتى تماما ، وجعل وجهه للقبلة وقرأ الفاتحة فى صوت خافت .. ثم القى عليه نظرة أخيرة وانطلق فى الرمال . وكان الظلام يلف كل شىء فى شملته .. والريح تسفى الرمال ومياه قناة السويس ساكنة على شماله .. وغياهب الظلام تزداد كثافة .. وسمع طلقات النار مرة أخرى ولكنه كان مطمئنا بأنه سينجو وسيعود إلى بيته كما خرج منه .. ولكن كيف يعود .. ويترك رجلا من وطنه ينزف دما .. ولا تزال فيه الروح .. كيف يتركه هناك وحده .. أحس بأن قدميه تغوصان فى الرمال ومسح عرقه .. ورجع الى الجريح فحمله مرة أخرى وسار به قرب الشاطىء . *** وفى وضح الفجر .. رآه صياد آخر عن بعد ولوح له شعبان بيده فحول الصياد الزورق إليهما والتقطهما .. وظل شعبان يحكى ما جرى له للصياد الآخر ويحكى ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
12-15-2011, 06:29 AM | رقم المشاركة : 30 |
شكراً: 6,547
تم شكره 8,044 مرة في 2,309 مشاركة
|
رد: فصص قصيرة .... جميلة طريفة ..... وغير مملة
الجبـــــــــــــار
فى ليلة مظلمة من ليالى الشتاء ، فكر بعض اللصوص الأذكياء فى مغامرة كبرى ليس لها ضريب فى التاريخ ، فكروا فى سرقة نجفة لاتقدر بثمن موضوعة فى مكان آمن . وهى تحفة كبيرة تتلألأ بالثريات والقناديل ، ومدلاة بعقود من الكريستال، ومزدانة بحبات من الزمرد والياقوت والعقيق والمرجان . وتتدلى شامخة فى زهو كل نادر فى الوجود ، تتدلى من قبة مسجد كبير من مساجد السلاطين . وعندما تضاء هذه التحفة بعد الغروب ويغمر المسجد الضياء ، ويهب نسيم الليل ، تتراقص ثرياتها ، وتتماوج قناديلها ، ويمتزج النور الأزرق ، بالأصفر والأحمر ، ولون العناب . ويسجد المصلون فى النور ، وهم يسبحون لله العلى القدير الذى خلق الإنسان .. فصنع بيده مثل هذا الجمال الفتان . وفى ساحة المسجد سمع صوت الشيخ رفعت يتردد فى جنباته من المذياع .. ورتل الشيخ عبد الباسط .. وشعيشع .. والمنشاوى القرآن فى صلاة الجمعة . كما أنشد الشيخ طه الفشنى التواشيح . وتحت هذه النجفة جلس الطلبة يراجعون دروسهم .. وقرأ المصلون القرآن واستراح أهل الحى يستنشقون الهواء النقى المصفى فى ليالى الصيف الجميلة . وكان المسجد على رحابة صحنه ، واتساع أرجائه قليل الرواد والمصلين فى الليل والنهار .. لأنه يرتفع عن الطريق بدرجات عالية .. ولأنه يقع فى منطقة تكثر فيها المساجد ، كما أنه يغلق أبوابه بعد صلاة العشاء بنصف ساعة . وبعدها يخيم السكون التام ، والهدوء المطلق على الحى بأجمعه . وفى الشتاء القارس يتحرك تيار الهواء بعنف تحت جدرانه العالية ، ويصبح كحد السيف يقطع الرقاب . ويقوم على خدمة المسجد ، وهو فى الوقت عينه حارسه فى الليل .. عجوز مشلول كان يرقد بعد صلاة العشاء فى قاعة منعزلة تقع فى الزاوية الغربية من المسجد .. وبابها على الباب الكبير ليسمع المشلول وهو راقد ويرى .. وقد ظل هذا العجوز المشلول يخدم فى هذا المسجد قرابة خمسين سنة .. خدمه فى صباه وشبابه .. ويافع رجولته .. فلما انشل فى شيخوخته أشفق عليه انسان طيب ممن بيدهم الأمر .. وأشر على أوراقه بأن يبقى خادما للمسجد ما دام حيا . وعاش العجوز يتنفس من هواء المسجد .. فأصبح قطعة منه . وكان يعرف كل شبر فى المسجد .. وكل حجر ، وكل عامود ، وكل سجادة وتحفة .. وقبل شلله كان يتحرك فى نشاط وقوة .. ويدور على زوايا المسجد ومحرابه .. ثم يغلق الباب . وبعد أن انشل عينوا له صبيا يأتيه بالطعام والشراب ، ويتحامل عليه إلى دورة المياه . ويبقى الصبى معه إلى ما بعد صلاة العشاء ، ثم يغلق الباب ويترك العجوز وحده إلى الصباح . دخل اللصوص الثلاثة المسجد فى أوقات الصلاة .. وشاهدوا بأعينهم كل ما هو فى حاجة إلى معرفته .. عرفوا فى أى شىء تتعلق النجفة .. ومكان السلم الطويل .. ومتى يغلق الباب الضخم ومتى يفتح .. وفى أى ساعة من ساعات الليل يبقى العجوز وحده .. ومتى يدخل حجرته لينام وهو آمن .. عرفوا كل شىء .. ورسموا الخطة الجهنمية بإحكام لاثغرة فيه . وكان من تدبيرهم الشيطانى أن يرفعوا النجفة المخطوفة ! بخطاف يوضع فى السقف ، ويضعوا فى مكانها فى نفس الليلة نجفة أخرى عادية يشترونها بجنيهات لاتزيد على المائة .. واشتروها فعلا وأعدوها للمغامرة . وكان لابد من وجود الكهربائى الفنى الذى يخلع هذه النجفة النادرة دون خدش ، ودون أن تسقط مرة واحدة .. ثم يضع فى مكانها النجفة الزائفة . ووجدوا المشقة فى الحصول على هذا الشخص ، فإن مجرد ذكر المكان ولو على سبيل التعمية والتضليل .. كان يرعش العامل ويرعبه . وأخيرا وبعد يأسهم ممن أغروه بالمال .. عثروا على من هددوه بالقتل إن لم يرضخ لمشيئتهم .. وأخذوه فعاين كل شىء فى الداخل على الطبيعة .. وبلغ منهم السرور مبلغه ، لما قال لهم أن العملية ستتم فى يسر ، وفى وقت أقل مما قدروه بحسابهم . وفى الليلة الظلماء .. تحرك أربعة فى سيارة ومعهم نجفة كبيرة وعدد وحبال وبكر .. وتحت جدار المسجد صعد اثنان منهم وصليا العشاء مع المصلين . وبقى اثنان مع النجفة الزائفة فى العربة .. حتى تأتيهما الإشارة . وبعد أن خرج المصلون من المسجد .. وأغلق الباب وخيم الظلام .. تحرك من فى العربة .. وصعدا السلالم .. وفتح لهما رفاقهما الباب ثم أغلقوه .. وعلى ضوء مصباح واحد .. رفع السلم وصعد العامل الفنى .. وأخذ يدور ببصره فى سقف المسجد ، وقد رأى كل الثريات تدور مع عينيه .. والسلم الواقف عليه يروح ويجىء ويتطوح .. وأحس بالعرق الغزير وبرعشة .. وبمثل الكلابة تدور على عنقه فسقط ما فى يده .. وصرخ .. وأخذ يهبط السلم كما صعد وهو يرتعش .. فمه يرغى ويزبد بمثل الحمم . ولكمه أحد الأذكياء ليجعله يفيق من غشيته ، ودفعه أمامه ليصعد السلم مرة أخرى .. فصعد العامل مستسلما صاغرا ، واللص وراءه وفى يده العدد .. وأحس خادم المسجد المشلول بهم وهو فى قاعته الصغيرة .. وسمع الصرخة .. ففتح عينيه وحدق .. وشاهد السلم ومن يصعد فوقه .. فأصابه الفزع من هول المنظر .. إن ما يجرى أمامه لم يخطر بباله ولابال أحد من البشر . وكان الاثنان اللذان فوق السلم قد صعدا إلى قمته .. وهناك دارت بهما الأرض ، وشعرا بالسلم يتطوح كالمرجيحة ، وهما جزء من أخشابه .. فلم يقويا على الحركة وتخشبا فيه . وأخذ المشلول ينظر إلى من على السلم ، ومن تحته فى فزع ، وهو عاجز عن الحركة ، وغاب عنه أنه لايستطيع أن يفعل شيئا .. وكلما رأى حركاتهم ، وأيديهم ترتفع إلى أعلى ، خيل إليه أن أحدهم قد اقترب من النجفة وتجاسر على لمسها وفكها ، فاحتدم غيظه وانفجر غضبه .. وألفى نفسه من هول المنظر الذى أمامه يقف على قدميه ويتحرك .. وروع اللصوص الأذكياء بالعجوز المشلول ينهض على قدميه ويصيح فيهم بصوت يرعد : ـ لم يبق إلا المسجد .. يا أوغاد .. وتضخم جسم المشلول فى نظرهم ، وأصبح ماردا جبارا فى طول السقف ، وعرض عشرة من الرجال .. وصاح أحدهم عندما رآه هكذا .. ـ المشلول .. الجبار .. وسقط الذى فوق أعلى درجات السلم مفزوعا بين الموت والحياة .. وحملوه سريعا وخرجوا فى الظلام .. وفى صلاة الفجر صعد الذى كان مشلولا إلى المئذنة وإذن .. وما عرف إنسان قصته فقد طواها الزمان ..
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نومـا على المشاركة المفيدة: |
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|