البدع وأخطارها
البدع وأخطارها البدعة : البدعة مأخوذة من البدع و هو الاختراع على غير مثال سابق ، و في الدين هي : ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب ، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب ، وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية ، فهو من الدين الذي شرعه الله ، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك [1] . والابتداع على قسمين : - ابتداع في العادات : كالمخترعات الحديثة ، وهذا أمر مباح . - وابتداع في الدين [2] : وهو نوعان : أ- بدعة قولية اعتقادية : كمقالات الجهمية و المعتزلة و الرافضة ، والمعتقدات المنحرفة للفرق الضالة كلها . ب- بدعة في العبادات : كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها ، وهي أنواع : - ما يكون في أصل العبادة : مثل ما يسمي بـ ( أعياد المولد ) ونحوها ، أو إحداث صلاة غير مشروعة ، أو صيام غير مشروع ، أو أعياد غير مشروعة . - ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة : كما لو زاد أحدهم ركعة خامسة في صلاة الظهر والعصر مثلاً . - ما يكون في صفة أداء العبادة : كالأذكار بأصوات جماعية مطربة . - تخصيص وقت للعبادة المشروعة : مثل ليلة النصف من شعبان للصلاة والقيام فيها أو صيام يومها ، فأصل الصلاة والصيام مشروع ، ولكن تخصيصه بوقت يحتاج إلى دليل [3] . ومن أبرز الأسباب المؤدية إلى البدع : - الجهل بأحكام الدين . - اتباع الهوى والخضوع لسيطرة العادات . - التعصب لآراء الرجال ، مما يحول بين المرء واتباع الدليل . - التشبه بالكفار في عاداتهم وأساليب حياتهم وتفكيرهم [4] . هذا ومن المعلوم أنه لا حرج في أخذ العلوم الدنيوية عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل الطب والحساب والفلاحة . حكم البدعة في الدين : كل بدعة في الدين محرمة وضلالة لقوله صلى الله عليه وسلم : " إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " [5] . وقوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [6] . فدلت الأحاديث على أن كل محدث في الدين بدعة ، وكل بدعة ضلالة مردودة ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقاد محرمة ولكن التحريم يتفاوت حسب نوع البدعة . * فمنها ما هو كفر صريح كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها ، وتقديم الذبائح والنذور لها ، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم ، وكذلك مقالات غلاة الجهمية . * ومنها ما هو من وسائل الشرك : كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها . * ومنها ما هو فسق اعتقادي : كبدعة الخوارج والقدرية ، و المرجئة فيما خالفوا فيه الشرع . * ومنها ما هو معصية : كبدعة الصيام قائماً في الشمس ، وكبدعة التبتل [7] . وقد حذر السلف من البدع وبينوا خطورتها ، حتى قال بعضهم : " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية قد يتوب صاحبها ، أما البدعة ، فنادراً ما يرجع عنها " ، ونهوا عن توقير أصحاب البدع ، بل دعوا إلى هجر أصحابها لأن توقيرهم مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم : إحداهما : التفات العامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته ، دون اتباع أهل السنة على سنتهم . الثانية : أنه إذا وقره من أجل بدعته ، صار ذلك كالمحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء ، فتحيا البدع ، وتموت السنن ، وهو هدم الإسلام بعينه [8] . ويكفي المبتدع إثماً أن عليه وزر من يعمل ببدعته ، ففي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزرهم شيئاً " [9] وقد غزت البدع المتخلفة المجتمعات المعاصرة حتى كادت أن تطغى على كثير من طوائف المسلمين . لأن أهل البدع استسلموا لأهوائهم ، وحكموا عقولهم وآراءهم مما أدى إلى الانحراف والضلال . وقد وقف علماء هذه الأمة قديماً وحديثاً - يردون على المبتدعة ، ويبينون لهم الطريق الأقوم مع العلم بأن العقل الصحيح لا يتعارض مع النقل الصريح . والأصل عند المسلمين في التلقي هو القرآن والسنة ، وهما معيار على العقل قال ابن عبد البر : " من عارض السنن برأيه ورام أن يردها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل " [10] . ومازالت الحرب دائرة يشنها أصحاب البدع في هذه الأيام ، من زنادقة وعقلانيين ، ناهيك عن غلاة المتصوفة الذين تجاوزوا حدود الشريعة إلى الذوق والوجد ، أما المستشرقون فقد أشعلوها حرباً شرسة لا تخبوا نيران أحقادها . منهج أهل البدع في الاستدلال : إن منهج أهل البدع يعتمد على مناقضة منهج أهل السنة والجماعة ، خلال القرون الثلاثة المفضلة . وأساس منهج هؤلاء هو تأليه العقل ، ومن ثم تأويل السنة أو رفضها ، ورد مقاصد الشرع . ( والمبتدع إنما يكون محصول قوله بلسان حاله أو أفعاله : أن الشريعة لم تتم ، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه ، لم يبتدع ، ولا استدرك عليها ، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم ) [11] . ( فهذا الذي ابتدع في دين الله ، قد صير نفسه نظيراً أو مضاهياً حيث شرع مع الشارع ، وفتح للاختلاف باباً ، ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفي بذلك ) [12] . أبرز مظاهر الانحراف عند المبتدعة : 1- ومن أبرز انحرافاتهم أنهم يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم ، وما تأولوا من اللغة ، ولهذا لا نجدهم يعتمدون على أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولا الصحابة و التابعين وأئمة المسلمين ، فلا يعتمدون على السنة ، ولا يعتمدون على العقل واللغة ، ولا على كتب التفسير المأثور وإنما يعتمدون على كتب الأدب ، وكتب علم الكلام التي وضعها رؤوسهم ) [13] . لقد وضح ابن تيمية رحمه الله هنا حقيقة مناهج المبتدعة في تفسير القرآن ، وردهم لكل المأثور : من السنة وآثار السلف ، وبين الأدوات التي يعتمدونها ، من كتب الأدب وعلم الكلام ، وهذا هو شأن أتباعهم من مبتدعة اليوم ، أصحاب المدرسة العصرانية - العقلية الحديثة في تناولهم للتفسير أو الفقه - ، أو أمور الدين يحاولون تطويعها حسب متطلبات الحضارة الغربية ، وآراء أساتذتهم من المستشرقين . 2- تأليه العقل وذلك من أبرز انحرافاتهم ، ولا شك أن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع يعترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر ، لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة ، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه [14] . 3- ومن شأنهم دائما الجدل والخصومة ورفضهم الاحتكام للكتاب والسنة ( وإذا رأيت الرجل يخاصم في دين الله ، ويجادل في كتاب الله ، فإذا قيل له ، قال رسول الله قال : حسبنا كتاب الله ، فاعلم أنه صاحب بدعة ، وإذا رأيت الرجل إن قيل له : لم لا تكبت الحديث ؟ قال العقل أولى ، فاعلم أنه صاحب بدعة . قال علماء السنة : ليس في الدنيا مبتدع إلا وقد نزع حلاوة الحديث من قلبه ) [15] . 4- ومن أبرز ضلالا المبتدعة : ( ردهم للأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ، ويدعون أنها مخالفة للمعقول ، وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها ) [16] . 5- ومن طرائق المبتدعة : أنهم يزعمون ، أن ما جاء به الرسول هو الحق ، وأنهم يلتزمون شريعته ، ولكنهم ربما ضلوا الطريق ( وكل فريق من المبتدعة ، إنما يدعي أن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم ملتزمون في الظاهر بشعائر الإسلام إلا أنهم طلبوا الدين لا بطريقة من الكتاب والسنة ، بل رجعوا إلى عقولهم وخواطرهم وآرائهم فطلبوا الدين من قبلها ، فإذا سمعوا شيئاً من الكتاب والسنة عرض على معيار عقولهم ، فإذا استقام قبلوه ، وإن لم يستقم ردوه ، فإن اضطورا إلى قبوله حرفوه بالتأويلات البعيدة ، والمعاني المستكرهة ، فحادوا عن الحق وزاغوا عنه ، ونبذوا الدين وراء ظهورهم ) [17] . ومن الأسباب التي أدت إلى زيادة الانحراف : ( أن أي انحراف عن السنة ولو كان قليلاً ، وبالمعنى الشمولي للسنة ، لابد أن يزداد هذا الانحراف ، ثم يأتي الوافد من هنا وهناك باجتهادات خاطئة ، أو تصورات باطلة ، فتتسع رقعة الباطل ، ومن العسير عندئذ عودة أصحابه إلى الجادة المستقيمة إلا أن يشاء الله ) [18] . * والمبتدعة عادة يقابلون البدعة بالبدعة : ( فعندما غلا بعضهم في على بن أبي طالب رضي الله عنه ، كفره آخرون وعندما غلا بعضهم في الوعيد - الخوارج - غلا آخرون في الوعد ، حتى نفوا بعض الوعيد - يعني المرجئة - وعندما غلا المعتزلة في التنزية حتى نفوا الصفات ، غلا آخرون في الإثبات حتى وقعوا في التشبيه ) [19] . * وإن جميع هذه الطوائف من المبتدعة تنزل القرآن على مذاهبها وبدعها وآرائها فالقرآن عند الجهمية جهمي وعند المعتزلة معتزلي وعند الرافضة رافضي ، وما كانوا أولياءه ] إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ [ (الأنفال : 34) [20] . توبة بعض الخارجين على منهاج السلف : ومن نعمة الله أن عامة الخارجين على منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة اعترفوا عند الموت ، أو قبل الموت بالرجوع عما كانوا عليه من بدع ، لما لمسوه من الحيرة والاضطراب ، والعدول عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كلام الرجال . ( ومن هؤلاء المتكلمين الذين رجعوا عن طريقهم : أبو الحسن الأشعري ، فقدت تبحر في علم الكلام والاعتزال ، ثم سأل الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم فتاب من الاعتزال ، حيث خرج إلى الناس في المسجد الجامع في البصرة ، وصعد المنبر بعد صلاة الجمعة وانخلع ( كما قال ) من جميع ما كان يعتقده ، كما انخلع من ثوبه ) [21] . وروى مثل هذا عن أبي حامد الغزالي عندما ترك كتب الفلسفة والكلام في التصوف ، ورجع إلى كتب السنة والحديث [22] . وممن رجع كذلك إمام الحرمين أبو المعالي الجويني إذ قال : ( لقد خضت البحر الخضم ، وتركت أهل الإسلام وعلومهم ، وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته ، فالويل لفلان ، وها أنا أموت على عقيدة أمي ) [23] . و قال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ، في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات : ( لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ) [24] . * ثم أنشد شعراً : نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفيد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا اللهم جنبنا والمسلمين الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وألهمنا التمسك بالكتاب والسنة وردنا إلى دينك رداً جميلاً ، إنك سميع الدعاء ، والحمد الله رب العالمين . ________________________ |
رد: البدع وأخطارها
المراجع (1) الفتاوى لابن تيمية : ج 4/108 .(2) وهو محرم لأن الأصل فيه التوقيف ، قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري وسلم . (3) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد : الشيخ صالح الفوزان / ص 292 وما بعدها . (4) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد : الشيخ صالح الفوزان / ص 292 وما بعدها . (5) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . (6) رواه البخاري ومسلم . (7) الاعتصام : للإمام الشاطبي ، 2/37 . (8) الإبداع في مضار الابتداع : على بن محفوظ توزيع دار الإصلاح في الدمام ص 108 - 110 . (9) رواه الإمام مسلم في صحيحه . (10) جامع بيان العلم وفضله : ج 2/173 . (11) الاعتصام : للإمام الشاطبي ، ( ص 49 ) . (12) الاعتصام : للإمام الشاطبي ، ( 51 ) . (13) الإيمان : لابن تيمية ، ص 114 ، طبع المكتب الإسلامي . (14) الرد على الزنادقة والجهمية : الإمام أحمد بن حنبل ص 186 . (15) الحجة في بيان المحجة : ج 2 ص 433 ، أبو القاسم الأصبهاني جامعة أم القرى / رسالة دكتوراة ، إعداد محمد محمود أبو دحيم . (16) الاعتصام : ص 231 للشاطبي . (17) لوامع الأنوار : البهية : ج2 / 225 ، السفاريني ، ط 2/1405 هـ . (18) الاعتصام : ص 220 . (19) شرح الطحاوية : ج 2 / 799 ، ومؤسسة الرسالة / ط 1 . (20) السابق : ج 1 /244 . (21) ينظر كتابه الإبانة في أصول الديانة ، وفيه بيان رجوعه إلى عقيدة السلف ، وهو من آخر كتبه ، والمنتقى من منهج الاعتدال للذهبي ، ص 41 . (22) انظر كتابة تهافت الفلاسفة ، وتهافت التهافت . (23) الفتوى الحموية الكبرى : ابن تيمية ص 7 . (24) الفخر الرازي في كتابة أقسام اللذات صنفه آخر عمره عن الفتاوى لابن تيمية : 4/72- 73 . |
رد: البدع وأخطارها
جازاك الله خيرا اخي مشكوور ع مجهودك
|
رد: البدع وأخطارها
يسلمووو
مشكوووووووور |
رد: البدع وأخطارها
يعيطك العافيه اخوي ع المجهوود ..~
|
رد: البدع وأخطارها
مشكوووووووووووووووووووور أخي
على الموضوع الهام ربنا يحفظنا من البدع أكمل تميزك أخي |
رد: البدع وأخطارها
مشكووووووووووووور
|
رد: البدع وأخطارها
سلمت يداك
|
رد: البدع وأخطارها
مشكووووووووور اخى
موضوووووووع رائع يسلمممممممو انتظر جديدك تقبل مروووووووورى |
رد: البدع وأخطارها
جازاك الله خيرا اخي مشكوور ع مجهودك
|
رد: البدع وأخطارها
مشكورةاختى
|
رد: البدع وأخطارها
جزاك الله الجنه
|
رد: البدع وأخطارها
احسنت اخي الكريم سلمت يداك لكن الا ترى ان بعض البدع التي عانى منها المسلمون قديما و حديثا كانت من صنع ايادي خفية تهدف الى تشتيت المسلمين بهدف اضعافهم .......و الوصول الى غايات ربما تكون سياسية او مادية بحتة ......... و اغلب المسلمون غافلون عن ذلك ......... |
رد: البدع وأخطارها
جزاك الله الف خيرا
واجعله فى ميزان حسناتك وفقك البارى شكرا لمجهودك وطرحك المميز دوما تقبل مرورى |
رد: البدع وأخطارها
مكور
|
رد: البدع وأخطارها
جزاك الله خيرا
اللهم مجنبنا الفتن وارزقنا الاخلاص فى القول والعمل |
رد: البدع وأخطارها
مشكوووووووووور على الموضوع الرائع
|
رد: البدع وأخطارها
جزاك الله الف خير وعافية
وفقك الله دائما لما يحبة شكر + تقييم شخصي |
الساعة الآن 03:06 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لموقع مونمس / " يمنع منعاً باتا المواضيع السيئة المخالفة للشريعة الإسلامية" التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما رأي الكاتب نفسه