ملتقى مونمس ®

ملتقى مونمس ® (https://monms.com/)
-   المنتدى الإسلامي العام (https://monms.com/m4/)
-   -   ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~ (https://monms.com/t35073.html)

Arsalan 05-14-2012 11:09 PM

●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/70...A_44698597.png


https://www.iraqup.com/up/20120513/1h...m_71956316.png



.


.: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :.

أسعد الرحمن أيامكُم ولياليكُم بذكره وحسن أعماله [IMG]https://www.*********/images/smilies/smile.gif[/IMG] [IMG]https://www.*********/images/smilies/q1.gif[/IMG]

كـيـف حـالكُم , وأحـوالـكُم أيـها الأحــبـة فـي الله [IMG]https://www.*********/images/smilies/smile.gif[/IMG] [IMG]https://www.*********/images/smilies/q1.gif[/IMG]

عساكُم بخير وكُلُ الأمورِ بخير وصحتكُم طيبة [IMG]https://www.*********/images/smilies/w3.gif[/IMG]


.




https://www.iraqup.com/up/20120513/u3..._508287076.png




.


الحمدلله , بفضل الله نعودٌ مجدداً لنكمِلَ هذه السلسلة الكريمة سيرة سيدنا

عُمر بن الخطاب رضيَ الله عنه إذن الله , ولزيارة الأجزاء السابقة مِن السلسلة :- .. [IMG]https://www.*********/images/smilies/w2.gif[/IMG] ..

.. [IMG]https://www.*********/images/smilies/w2.gif[/IMG] ..


●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الأول || ~

●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~


.. [IMG]https://www.*********/images/smilies/w2.gif[/IMG] ..

وعسى تكون تكون مصدر فائدة وأستفادة وأن يتقبله الله منا خالصاً لوجه الكريم

ونبدأ على بركة الله :-

.


https://www.iraqup.com/up/20120513/bR..._853459919.png


.
الفصل الرابع

المؤسسة المالية والقضائية وتطويرها في عهد عمر رضي الله عنه




.


المبحث الأول: المؤسسة المالية:



أولاً: مصادر دخل الدولة في عهد عمر رضي الله عنه:


نظر المسلمون في العصر الراشدي إلى المال بكل أشكاله وأنواعه بأنه مال الله، وبأن الإنسان مستخلف فيه، يتصرف فيه بالشروط التي وضعها المولى عز وجل، والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة في كل أمر يتعلق بالمال وإنفاقه فيقول:} آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ { (الحديد،آية:7)، } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ { (البقرة،آية:254)، وقوله تعالى يتحدث عن البر وهو جماع الخير

} وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ { (البقرة،آية:137) وإيتاء المال اعتراف من المسلم -ابتداء- بأن المال الذي في يده هو رزق الله له:} وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ { لأنه خلقه هو، ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق انبثق البر بعباد الله([1])، وعلى هذا الأساس الإيماني نظر الفاروق إلى مال الدولة التي توسعت مواردها في عصره، حيث فتحت الدولة بلداناً واسعة، وخضعت لحكمها شعوب كثيرة، فنظم علاقة الدولة مع هذه الشعوب، فمنهم من دخل في حكم الدولة صلحاً، ومنهم من دخل في حكمها كرهاً، وتبعاً للفتح آلت إليها أرض غلبت عليها عنوة (بقوة السلاح)، وأراضٍ صالح أصحابها، وأرضٌ جلا عنها مالكوها أو كانت ملكاً لحكام البلاد السابقين ورجالهم، ومن شعوب هذه البلاد كتابيون (أهل كتاب كاليهود والنصارى) نظم الفاروق طريقة التعامل معهم وفق شرع الله المحكم، وقد قام عمر رضي الله عنه بتطوير النظام المالي في دولته سواء في الموارد أو الإنفاقات أو ترتيب حقوق الناس من خلال نظام الدواوين، وقد أخذت موارد الدولة تزداد في عصر عمر رضي الله عنه، وشرع في تطويرها، ورتب لها عمالاً للإشراف عليها فكانت أهم مصادر الثروة في عهده: الزكاة، والغنائم، والفيء، والجزية، والخراج، وعشور التجار، فعمل الفاروق على تطوير هذه المصادر واجتهد في قضايا وفق مقاصد الشريعة التي وضعت لمصالح العباد، فقد أخذت الدولة تستجد فيها ظروف لم تكن موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ([2])، وكان عمر رضي الله عنه منفذاً للكتاب والسنة تنفيذا عبقرياً، لا يستأثر بالأمر دون المسلمين، ولا يستبد بالرأي في شأن من الشئون، فإذا نزل به أمر جمع المسلمين يستشيرهم ويعمل بآرائهم([3])، وأما أهم مصادر الثروة في عهد الفاروق فهي الآتي:




.



1- الزكاة:


هي الركن الاجتماعي البارز في أركان الإسلام، وأول تشريع سماوي إسلامي، فرض في أموال أغنياء المسلمين، لتؤخذ منهم، وترد إلى الفقراء، بحسب أنصبتها المعروفة في الزروع والثمار، والذهب والفضة وعروض التجار والماشية، ليكون هناك نوع من التضامن والتكافل الاجتماعي، والمحبة والألفة بين الأغنياء والفقراء، فالزكاة تكليف يتصل بالمال، والمال كما يقولون عصب الحياة، فمن الناس سعيد بالمال ومنهم شقي به، وهذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ونظراً لما للمال من أثر في حياة الناس فقد عني الإسلام بأمره أشد العناية، واهتم بالزكاة غاية الاهتمام ووضع لها نظاماً دقيقاً حكيماً رحيماً، يؤلف بين القلوب([4])، ولذلك سار الفاروق على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقام بتنظيم مؤسسة الزكاة، وتطويرها، فأرسل المصدّقين لجمع الزكاة في أرجاء الدولة الإسلامية بعد أن أسلم الكثير من سكان البلاد المفتوحة، وكان العدل في جباية الأموال، صفة الخلافة الراشدة دون الإخلال بحقوق بيت المال، وقد أنكر الفاروق على عامل من عمال الزكاة أخذه لشاة كثيرة اللبن ذات ضرع عظيم قائلاً: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس([5])، وقد جاء ناس من أهل الشام إلى عمر، فقالوا: إنا قد أصبنا أموالاً وخيلاً ورقيقاً نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال عمر: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيهم عليُّ، فقال عليّ: هو حسن، إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك([6])، وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري: أن الصحابة اقترحوا على عمر فرض الزكاة على الرقيق والخيل بعد ما توسعت ملكية الرقيق والخيل في أيدي المسلمين، فعدّ عمر الرقيق والخيل من أموال التجارة وفرض على الرقيق الصبيان والكبار ديناراً (عشرة دراهم) وعلى الخيل العربية عشرة دراهم وعلى البراذين (الخيل غير العربية) خمسة دراهم، ويفهم أنه لم يفرض الزكاة في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لأنها ليست من عروض التجارة، بل إنه عوض من يدفع زكاتهما كل شهرين جربين (حوالي 209 كيلو غرام من القمح) وهو أكثر قيمة في الزكاة وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة([7])، وقد أخذ من الركاز (المال المدفون) -إذا عثر عليه- الخمس، وحرص على تداول الأموال وتشغيلها لئلا تذهب بها الزكاة مع تعاقب الأعوام([8])، فكان عنده مال ليتيم فأعطاه للحكم بن العاص الثقفي ليتجر به([9])، إذ لم يجد عمر وقتاً للتجارة لانشغاله بأمور الخلافة، وعندما صار الربح وفيراً من عشرة آلاف درهم إلى مائة ألف شك عمر في طريقة الكسب، ولما علم أن التاجر استغل صلة اليتيم بعمر رفض جميع الربح واسترد رأس المال حيث اعتبر الربح خبيثاً([10])، فهو يعمل بمبدأ فرضه على ولاته وهو رفض استغلال مواقع المسؤولية في الدولة، ومن هنا قاسم الولاة ثروتهم إذا نمت بالتجارة([11])، وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن الولاة بإذن الله تعالى، وقد أخذ عمر في زكاة الزروع العشر فيما سقته الأمطار والأنهار ونصف العشر فيما سقي بالآلة([12])، وهو الموافق للسنة، وكان يوصي بالرفق بأصحاب البساتين عند تقدير الحاصل من التمر([13])، وأخذ زكاة عشرية من العسل إذا حمت الدولة وادي النحل لمستثمره([14])، وقد كثرت الحنطة في خلافته، فسمح بإخراج زكاة الفطر من الحنطة بنصف وزن ما كانوا يؤدونه قبل خلافته من الشعير أو التمر أو الزبيب([15])، وهذا فيه تيسير على الناس، وقبول للمال الأنفس في الزكاة وإن تفاوت الجنس([16])، وأما بخصوص مقادير أموال الزكاة التي كانت تُجنى كل عام فأمر غير معروف، والإشارات التي تذكر بعض الأرقام إشارات جزئية وغير دقيقة، ولا تنفع في إعطاء تقدير كلي، وقد قيل إن عمر بن الخطاب حمى أرض الربذة لنعم الصدقة، وكان يحمل عليها في سبيل الله، وكان مقدار ما يحمل عليه كل عام في سبيل الله أربعين ألفاً من الظهر([17])، وأما الموظفون الذين أشرفوا على هذه المؤسسة فقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم في خلافة عمر رضي الله عنه وهم، أنس بن مالك، وسعيد بن أبي الذباب على السراة وحارث بن مضرب العبدي، وعبد الله بن الساعدي، وسهل بن أبي حثمة، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، ومعاذ بن جبل على بني كلاب، وسعد الأعرج، على اليمن، وسفيان بن عبد الله الثقفي كان والياً على الطائف فكان يجبي زكاتها([18]).

.



https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:11 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png


.
2- الجزية:

هي الضريبة التي تفرض على رؤوس من دخل ذمة المسلمين من أهل الكتاب([19])، وقيل هي الخراج المحمول على رؤوس الكفار إذلالاً لهم (وصغاراً) ([20]) لقوله تعالى: } قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(29) { (التوبة،آية:29).


.

وتؤخذ الجزية من أهل الكتاب: وهم اليهود والنصارى وهو إجماع لا خلاف فيه ومن لهم شبهة كتاب: وهم المجوس، وقد حار عمر رضي الله عنه في أمرهم في أول الأمر، أيأخذ منهم الجزية؟ أو لا يأخذها؟ حتى قطع عبد الرحمن بن عوف حيرته حين حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر([21])، فقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر كان بين القبر والمنبر فقال: ما أدري ما أصنع بالمجوس، وليسوا بأهل كتاب، فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سُنوا بهم سُنة أهل الكتاب([22])، وفي حديث آخر أن عمر لم يرد أن يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر([23])، وقد علل العلماء أخذها من المجوس بأنهم كانوا في الأصل أهل كتاب، وإنما طرأت عليهم عبادة النار بعد ذلك، وعندئذ أخذها من أهل السواد([24]) وأخذها من مجوس فارس وكتب لجزء بن معاوية: انظر مجوس من قِبَلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله أخذها من مجوس هجر([25])، وهي تجب على الرجال الأحرار العقلاء، ولا تجب على امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا عبد لأنهم أتباع وذراري، كما أن الجزية لا تؤخذ من المسكين الذي يتصدق عليه ولا من مقعد، والمقعد والزَّمِن إذا كان لهما يسار أخذت منهما وكذلك الأعمى وكذلك المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم يسار أخذ منهم، وإن كانوا مساكين يتصدّق عليهم أهل اليسار لم يؤخذ منهم([26])، وتسقط الجزية، بالموت، فإذا مات من تجب عليه الجزية سقطت الجزية، لأن الجزية واجبة على الرؤوس، فإذا فاتت الرؤوس بالموت سقطت، وبالإسلام، فإذا أسلم من فرضت عليه الجزية، سقطت عنه بإسلامه، فقد أسلم رجلان من أهل أليس، فرفع عنهما جزيتهما([27])، وأسلم الرقيل دهقان النهرين ففرض له عمر في ألفين ووضع عن رأسه الجزية([28])، ومن الجدير بالذكر أن الجزية تسقط عن العام الذي أسلم فيه الذمي، سواء كان إسلامه في أوله أو في وسطه أو في آخره، قال عمر: إن أخذ الجزية الجابي بكفه ثم أسلم صاحبها ردها عليه([29])، وتسقط بالافتقار، فإذا افتقر الذمي بعد غنى وأصبح غير قادر على دفع الجزية سقطت عنه الجزية وقد أسقطها عمر عن الشيخ الكبير الضرير البصر عندما رآه يسأل الناس([30]) وفرض له ما يعوله من بيت المال، وتسقط عند عجز الدولة عن حماية الذميين، لأن الجزية ما هي إلا ضريبة على الأشخاص القاطنين في أقاليم الدولة الإسلامية، وتدفع هذه الضريبة في مقابل انتفاعهم بالخدمات العامة للدولة، علاوة على أنها نظير حمايتهم والمحافظة عليهم وبدل عدم قيامهم بواجب الدفاع عن الدولة ومواطنيها([31])، ومن الأدلة على أن الجزية في مقابل الحماية، ما قام به أبو عبيدة بن الجراح، حينما حشد الروم جموعهم على حدود البلاد الإسلامية الشمالية، فكتب أبو عبيدة إلى كل وال ممن خلفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جبي منهم من الجزية والخراج، وكتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا
ما جمع لنا من الجموع وأنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم، فلما قالوا ذلك لهم وردوا عليهم أموالهم التي جبيت منهم، قالوا: ردكم الله علينا ونصركم عليهم (أي الروم) فلو كانوا هم ما ردوا علينا شيئاً وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئاً([32])، كما تسقط إذا قاموا هم بعبء الدفاع بتكليف من الدولة كما حدث في العهد الذي وقعه سراقة بن عمرو مع أهل طبرستان بعد أن وافقه عمر على ذلك([33]).

وأما قيمتها فقد كانت غير محددة واختلفت من إقليم لآخر بحسب قدرة الناس، وظروف الإقليم، فقد وضع على أهل السواد، ثمانية وأربعين درهماً، وأربعة وعشرين درهماً، بحسب حال كل واحد من اليسار، يؤخذ ذلك منهم كل سنة، وإن جاءوا بعرض قبل منهم مثل الدواب والمتاع وغير ذلك ويؤخذ منهم بالقيمة([34])، وجعل على أهل الشام أربعة دنانير وأرزاق المسلمين من الحنطة مدين وثلاثة أقساط من زيت لكل فرد، وعلى أهل الفضة أربعين درهماً وخمسة عشر صاعاً لكل إنسان وعلى أهل مصر دينارين لكل حالم إلا أن يكون فقيراً([35])، وأما أهل اليمن فقد خضعت للإسلام في عهد النبوة، وفرضت الجزية على كل رجل دينار أو عدله معافر، وتشير روايات ضعيفة إلى بقاء هذه الجزية على أهل اليمن دون تغير في خلافة عمر ورغم ضعفها فإنها تتفق مع سياسة عمر في مراعاة أحوال الرعية، وعدم تغيير الإجراءات النبوية([36])، فالجزية كانت تختلف بحسب يسار الناس وبحسب غنى الإقليم كذلك، وكانت تخضع للاجتهاد بما يكون من طاقة أهل الذمة بلا حمل عليهم ولا إضرار([37])، وكان عمر يأمر جباة الجزية بأن يرفقوا بالناس في جبايتها، وعندما أتي عمر بمال كثير فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس، قالوا: لا والله، ما أخذنا إلا عفواً صفواً، قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني([38])، ومن أشهر الموظفين في هذه المؤسسة عثمان بن حنيف، وسعيد بن حذيم، وولاة الأمصار كعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم.

وقد نظمت الجزية بمجموعة من الأحكام والقوانين استمدها الفقهاء والمشرعون من نصوص القرآن والسنة وعمل الخلفاء الراشدين ودلت تلك الأحكام على أن مؤسسة الجزية من مصادر الدولة الإسلامية، كما أن لها صفة سياسية، فدفع أهل الذمة للدولة دليل على إخلاصهم لها وخضوعهم لأحكامها وقوانينها والوفاء بما عاهدوا عليه([39])، ويذهب الأستاذ حسن الممّي بأن مؤسسة الجزية لها صبغة سياسية أكثر منها صبغة مالية([40])، والحقيقة أن هذه المؤسسة جمعت بين الصبغتين وهي من مصادر الثروة في الدولة الإسلامية.


.

- أخذ عمر الصدقة مضاعفة من نصارى تغلب:

كان بعض عرب الجزيرة من النصارى قد رفضوا دفع الجزية لكونهم يرونها منقصة ومذمة، فبعث الوليد برؤساء النصارى وعلمائهم إلى أمير المؤمنين فقال لهم: أدُّوا الجزية. فقالوا لعمر: أبلغنا مأمننا، والله لئن وضعت علينا الجزاء لندخلن أرض الروم والله لتفضحُنَّا من بين العرب، فقال لهم: أنتم فضحتم أنفسكم، وخالفتم أمتكم فيمن خالف وافتضح من عرب الضاحية، والله لتؤدنَّه وأنتم صَغَرة قَمأَة (يعني حقيرين) ولئن هربتم إلى الروم لأكتبن فيكم، ثم لأسبينكم قالوا: فخذ منا شيئاً ولا تسمه جزاء، فقال: أما نحن فنسميه جزاء وسموه أنتم ما شئتم، فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين ألم يُضْعِف عليهم سعد بن مالك الصدقة؟ قال: بلى، وأصغى إليه فرضي به منهم جزاء، فرجعوا على ذلك([41])، ومن هذا الخبر نأخذ درساً في معاملة المتكبرين من الأعداء الذين يخاطبون المسلمين بعزة وأنفة ويهددون باللجوء إلى دول الكفر، فنجد أمير المؤمنين خاطبهم بعنف وحقّرهم وهددهم إذا لجأوا إلى الكفار بالسعي في إحضارهم ومعاملتهم كمعاملة الحربيين من سبي ذراريهم ونسائهم، وهذا أشد عليهم كثيراً من دفع الجزية، فهذا الجواب القوي أزال ما في رؤوسهم من الكبرياء والتعاظم فرجعوا متواضعين يطلبون من أمير المؤمنين أن يوافق على أخذ ما يريد من غير أن يُسمِّي ذلك جزية، وهنا تدخل علي رضي الله عنه وكان لرأيه مكانة عند عمر لفقهه في الدين، فأشار عليه بأن يُضعِف الصدقة كما فعل سعد بن أبي وقاص بأمثالهم، فقبل ذلك أمير المؤمنين تألفاً لهم ومنعاً من محاولة اللجوء إلى دول الكفر، وقد أصبح هذا الرأي مقبولاً حينما وقع موقعه، وذلك بعد ما أزال أمير المؤمنين ما في نفوسهم من العزة والكبرياء، فأما لو قبل ذلك منهم في بداية العرض فإنهم سيعودون بكبريائهم ولا يؤمن منهم بعد ذلك أن ينقضوا العهد ويسيئوا إلى المسلمين([42]).

وقد جاء في رواية عن قصة بني تغلب، بأنهم دعوا إلى الإسلام فأبوا، ثم إلى الجزية فلم يطمئنوا إليها، وولوا هاربين يريدون اللحاق بأرض الروم، فقال النعمان بن زرعة لعمر: يا أمير المؤمنين، إن بني تغلب قوم عرب، يأنفون من الجزية، وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواشي، ولهم نكاية في العدو فلا تعن عدوك عليك بهم قال: فصالحهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على أن ضاعف عليهم الصدقة([43]).. وقال: هي جزية وسموها ما شئتم([44])، فقال بنوا تغلب: أما إذا لم تكن جزية كجزية الأعلج فإنا نرضى ونحفظ ديننا([45])، والسر في قبول الخليفة عمر رضي الله عنه، الصدقة من بني تغلب وهل تعد صدقة أم جزية؟ يرجع إلى أن الاختلاف في التسمية أمر قد تسوهل فيه ورضي الخليفة به مادام في ذلك المصلحة العامة، والذي دفعه إلى ذلك خشية انضمام بني تغلب إلى الروم وما كان يرجوه من إسلامهم ليكونوا عوناً للمسلمين على أعدائهم ولأن هؤلاء قوم من العرب لهم من العزة والأنفة ما يبرر حفظ كرامتهم وأن ما يرد إلى بيت المال من أموالهم خير للمسلمين وأجدى على خزانة الدولة من هربهم وانضمامهم إلى صفوف الروم([46])، أما من ناحية هل هي صدقة أم جزية؟ فهي جزية لأنها تصرف في مصارف الخراج ولأن الصدقة لا تجب على غير المسلمين، ولأن الجزية في نظير الحماية وكان بنو تغلب في حماية المسلمين، وفي الوقت نفسه يمكننا أن نقول إنّها ليست بجزية عملياً، لأن ما فرض على نصارى بني تغلب كان على الأموال التي تفرض عليها الزكاة، فكل شيء على المسلمين فيه زكاة كالزروع والثمار والماشية والنقدين.. فهو عليهم مضاعف يؤخذ من النساء كما يؤخذ من الرجال ولم يكن على الأشخاص وهذا ينافي معنى الجزية عرفاً([47])، والمهم في كلتا الحالتين باعتبارها صدقة أو جزية فهي ضريبة بينت مدى خضوعهم لسلطة الإسلام([48])، هذا وقد كانت هنالك حقوق والتزامات كثيرة للعرب على البلاد المفتوحة عدا الجزية، وقد تنوعت هذه الحقوق وتطورت أيام الخليفة عمر رضي الله عنه، فمن ذلك ضيافة الحاكم إذا وفد والرسل والسفراء ومن نزل من المسلمين بأهل البلاد وقد حددت مدة الضيافة في خلافة عمر رضي الله عنه بثلاثة أيام مما يأكلون ولا يكلفون بذبح شاة ولا دجاجة ولا مما لا طاقة لهم به([49])، وقد مرّ معنا عند حديثنا عن التطوير العمراني في عهد عمر أن بعض الاتفاقيات في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه اشتملت على إصلاح الطرق، وإنشاء الجسور وبناء القناطر وقد تطور نظام الجزية في عهد عمر رضي الله عنه، فأحصى السكان وميز بين الغني والفقير ومتوسط الحال، واستحدث كثيراً من الشروط والالتزامات في نصوص المعاهدات مما لم يعرف من قبل وذلك لاتساع العمران وبسط السلطان على مصر والشام والعراق ومخالطة المسلمين لأهل البلاد واتصالهم الدائم بحضارتها مما مكنهم من سياسة الدولة وشئون العمران وما تتطلبه طبيعة التدرج والنمو فأوجدوا ما لم يكن موجوداً من إصلاح الطرق والعمران وبناء القناطر والجسور التي هي عون الأمم المتحضرة، ومن هنا انتظمت الأمور، واتسعت البلاد ورسخت قواعد النظم المالية وغيرها([50]).


.

- شروط عقد الجزية ووقت أدائها:

وقد استنبط الفقهاء من خلال عصر الخلفاء الراشدين مجموعة من الشروط:

· أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له.

· أن لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب ولا إزدراء.

· أن لا يذكروا دين ا لإسلام بذم له ولا قدح فيه.

· أن لا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح.

· أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، ولا يتعرضوا لماله ولا دينه.

· وأن لا يعينوا أهل الحرب ولا يودّوا أغنياءهم([51]).


.

وأما وقت أدائها فقد حدد الخليفة عمر رضي الله عنه وقت أداء الجزية في آخر الحول ومرادنا به آخر العام الزراعي، ويرجع هذا التغيير في وقت أداء الجزية في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه إلى حالة الاستقرار والاستقرار يدعو إلى التنظيم وتعيين الأوقات المناسبة للدولة والمكلفين بدفع الجزية، كما أن تحصيلها وقت إتيان الغلات - وهو ما يعبر عنه المؤرخون بآخر العام - فيه دفع للمشقة، وتسهيل على المكلفين وراحة للدافعين([52]).


.

1- الخراج:

الخراج له معنيان: عام وهو كل إيراد وصل إلى بيت مال المسلمين من غير الصدقات، فهو يدخل في المعنى العام للفيء ويدخل فيه إيراد الجزية وإيراد العشور وغير ذلك، وله معنى خاص: وهو إيراد الأراضي التي افتتحها المسلمون عنوة وأوقفها الإمام لمصالح المسلمين على الدوام كما فعل عمر بأرض السواد من العراق والشام([53])، والخراج كما قال ابن رجب الحنبلي لا يقاس بإجارة ولا ثمن، بل هو أصل ثابت بنفسه لا يقاس بغيره([54]).

عندما قويت شوكة الإسلام بالفتوحات العظيمة وبالذات بعد القضاء على القوتين العظيمتين الفرس والروم، تعددت موارد المال في الدولة الإسلامية وكثرت مصارفه، وللمحافظة على كيان هذه الدولة المترامية الأطراف وصون عزها وسلطانها، وضمان مصالح العامة، والخاصة كان لابد من سياسة مالية حكيمة ورشيدة، فكر لها عمر رضي الله عنه، ألا وهي إيجاد مورد مالي ثابت ودائم للقيام بهذه المهام، وهذا المورد هو:الخراج فقد أراد الفاتحون أن تقسم عليهم الغنائم من أموال وأراضٍ وفقاً لما جاء في القرآن الكريم خاصاً بالغنائم } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(41) { (الأنفال،آية:41).

وقد أراد عمر رضي الله عنه في بداية الأمر تقسيم الأرض بعد الفاتحين، لكن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه رأى عدم التقسيم، وشاركه الرأي معاذ بن جبل، وحذر عمر من ذلك([55])، وقد روى أبو عبيد قائلاً: قدم عمر الجابية فأراد قسم الأراضي بين المسلمين فقال معاذ: والله إذاً ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يَسُدون من الإسلام مَسَداً، وهم لا يجدون شيئاً فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم([56])، لقد نبه معاذ بن جبل رضي الله عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى أمر عظيم، جعل عمر يتتبع آيات القرآن الكريم، ويتأملها مفكراً في معنى كل كلمة يقرأها حتى توقف عند آيات تقسيم الفيء في سورة الحشر، فتبين له أنها تشير إلى الفيء للمسلمين في الوقت الحاضر، ولمن يأتي بعدهم، فعزم على تنفيذ رأي معاذ رضي الله عنه، فانتشر خبر ذلك بين الناس ووقع خلاف بينه وبين بعض الصحابة رضوان الله عليهم، فكان عمر ومؤيدوه لا يرون تقسيم الأراضي التي فتحت، وكان بعض الصحابة ومنهم بلال بن رباح، والزبير بن العوام يرون تقسيمها، كما تقسم غنيمة العسكر، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، فأبى عمر رضي الله عنه التقسيم وتلا عليهم الآيات الخمس من سورة الحشر من قوله تعالى: } وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6) { (الحشر،آية:6) حتى فرغ من شأن بني النضير ثم قال:} مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7) { (الحشر،آية:7) فهذه عامة في القرى كلها، ثم قال: } لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ(8) { (الحشر،آية:8) ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال:} وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإْيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(9) { (الحشر،آية:9) فهذا في الأنصار خاصة ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم، فقال: } وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإْيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(10) { (الحشر،آية:10)، فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم، فما من أحد من المسلمين إلا له في هذا الفيء حق، قال عمر: فلئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه([57])، وفي رواية أخرى جاء فيها. قال عمر: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي، فقال له: عبد الرحمن ابن عوف فما الرأي؟ ما الأرض والعلوج إلا مما أفاء الله عليهم، فقال عمر ما هو إلا كما تقول ولست أرى ذلك، والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى أن يكون كلا على المسلمين، فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشام بعلوجها، فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية والأرامل لهذا البلد وبغيره من أراضي الشام والعراق؟ فأكثروا على عمر وقالوا: تقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم وأبناء أبنائهم ولم يحضروا، فكان عمر رضي الله عنه، لا يزيد على أن يقول: هذا رأي، قالوا: فاستشر، فأرسل إلى عشرة من الأنصار من كبراء الأوس والخزرج وأشرافهم فخطبهم، وكان مما قال لهم: إني واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي ثم قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها واضعاً عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئاً للمسلمين، المقاتلة والذرية، ولمن يأتي من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور
لا بد لها من رجال يلزمونها أرأيتم هذه المدن العظام لا بد لها من أن تشحن بالجيوش، وإدرار العطاء عليهم فمن أين يُعطى هؤلاء إذا قسمت الأرض والعلوج؟ فقالوا جميعاً: الرأي رأيك فنعم ما قلت ورأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما يَتَقَوّوْن به رجع أهل الكفر إلى مدنهم([58])، وقد قال عمر فيما قاله: لو قسمتها بينهم لصارت دولة بين الأغنياء منكم، ولم يكن لمن جاء بعدهم من المسلمين شيء، وقد جعل الله لهم فيها الحق بقوله تعالى: }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ{ ثم قال: فاستوعبت الآية الناس إلى يوم القيامة، وبعد ذلك استقر رأي عمر وكبار الصحابة رضي الله عنهم على عدم قسمة الأرض([59]).

وفي حواره مع الصحابة يظهر أسلوب الفاروق في الجدل، وكيف جمع فيه قوة الدليل، وروعة الصورة، واستمالة الخصم، في مقالته التي قال للأنصار، عند المناقشة في أمر أرض السواد، ولو أن رئيساً ناشئاً في السياسة، متمرساً بأساليب الخطب البرلمانية أراد أن يخطب النواب (لينال موافقتهم) على مشروع من المشروعات لم يجيء بأرقّ من هذا المدخل، أو أعجب من هذا الأسلوب؟ وامتاز عمر فوق ذلك بأنه كان صادقاً فيما يقول، ولم يكن فيه سياسياً مخادعاً وأنه جاء به في نمط من البيان يسمو على الأشباه والأمثال([60]).


.

- هل كان الفاروق مخالفاً للنبي صلى الله عليه وسلم في حكم أرض الخراج:

من قال: إن الفاروق خالف الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله في عدم تقسيم أرض الخراج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر، وقال: إن الإمام إذا حبس الأرض المفتوحة عنوة نقض حكمه لأجل مخالفة السنة، فهذا القول خطأ وجرأة على الخلفاء الراشدين – إذا فعلوا هذا الفعل – فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر إنما يدل على جواز ما فعله ولا يدل على وجوبه فلو لم يكن معنا دليل على عدم وجوب ذلك، لكان فعل الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم دليلاً على عدم الوجوب، فكيف وقد ثبت أنه فتح مكة عنوة كما استفاضت به الأحاديث الصحيحة، بل تواتر ذلك عند أهل المغازي والسير؟ فإنه قدم حين نقضوا العهد ونزل بمر الظهران، ولم يأت أحد منهم يصالحه ولا أرسل إليهم أحداً يصالحهم، بل خرج أبو سفيان يتجسس الأخبار فأخذه العباس وقدم به كالأسير وغايته، أن يكون العباس أمنه فصار مستأمناً، ثم أسلم فصار من المسلمين، فكيف يتصور أن يعقد صلح الكفار – بعد إسلامه بغير إذن منهم؟ مما يبين ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمان بأسباب، كقوله: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن([61])، فأمن من لم يقاتله، فلو كانوا معاهدين لم يحتاجوا إلى ذلك، وأيضاً، فسماهم النبي صلى الله عليه وسلم طلقاء؛ لأنه أطلقهم من الأسر كثمامة بن أثال وغيره، وأيضاً فإنه أذن في قتل جماعة منهم من الرجال والنساء، وأيضاً فقد ثبت عنه في الصحاح أنه قال في خطبته: إن مكة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة([62]).

ودخل مكة وعلى رأسه المغفر ولم يدخلها بإحرام، فلو كانوا صالحوه لم يكن قد أحل له شيء، كما لو صالح مدينة من مدائن الحل لم تكن قد أحلت فكيف يحل له البلد الحرام وأهله مسالمون له صلح معه؟! وأيضاً فقد قاتلوا خالداً وقتل طائفةً من المسلمين طائفةً من الكفار، وفي الجملة، فإن من تدبر الآثار المنقولة علم بالاضطرار أن مكة فتحت عنوة، ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم أرضها كما لم يسترق رجالها، ففتح خيبر عنوة وقسمها، وفتح مكة عنوة ولم يقسمها، فعلم جواز الأمرين([63])، وبذلك لم يكن الفاروق مخالفاً للهدي النبوي في عدم تقسيمه للأراضي المفتوحة، وقد كان سنده فيما فعل أموراً منها:


.

1- آية الفيء في سورة الحشر.

2- عمل النبي يصلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة عنوة فتركها لأهلها ولم يضع عليها خراجاً.

3- قرار مجلس الشورى الذي عقده عمر لهذه المسألة بعد الحوار والمجادلة وقد أصبح سنة متبعة في أرض يظهر عليها المسلمون ويقرون أهلها عليها وبهذا يظهر أن عمر حينما ميز بين الغنائم المنقولة وبين الأراضي كان متمسكاً بدلائل النصوص، وجمع بينها وأنزل كلا منها منزلته التي يرشد إليها النظر الجامع السديد يضاف إلى ذلك أن عمر كان يقصد أن تبقى لأهل البلاد ثرواتهم وأن يعصم الجند الإسلامي من فتن النزاع على الأرض والعقار، ومن فتن الدعة والانشغال بالثراء والحطام([64]).

إن الفاروق رضي الله عنه كان يلجأ إلى القرآن الكريم يلتمس منه الحلول ويطوف بين مختلف آياته، ويتعمق في فهم منطوقها ومفهومها، ويجمع بينها ويخصص بعضها ببعض حتى يصل إلى نتائج تحقق المصالح المرجوة منها مستلهماً روح الشريعة غير واقف مع ظواهر النصوص وقد أسعفه في قطع هذه المراحل إدراكه الدقيق لمقاصد الشريعة بتلكم النصوص، وهي عملية مركبة ومعقدة لا يحسن الخوض فيها إلا من تمرس على الاجتهاد وأعطي فهماً سديداً وجرأة على الإقدام حيث يحسن الإقدام حتى خيل للبعض أن عمر كان يضرب بالنصوص عرض الحائط في بعض الأحيان، وحاشا أن يفعل عمر ذلك لكنه كان مجتهداً ممتازاً اكتسب حاسة تشريعية تضاهى حتى كان يرى الرأي فينزل القرآن على وفقه والنتيجة التي نخرج بها من هذه القضية هي أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، ومثله في السنة، فعلى المجتهد وهو يبحث عن الحكم الشرعي أن يستعرض جميع النصوص التي تساعد على الحل دون الاقتصار على بعضها، وإلا عد مقصِّراً في اجتهاده، ويكون ما توصل إليه لاغياً([65]).



.

- كيف تمّ تنفيذ مشروع الخراج في عهد الفاروق؟

لما انتهى كبار الصحابة ورجال الحل والعقد إلى إقرار رأي الخليفة عمر رضي الله عنه بتحبيس الأرض على أهلها، وتقسيم الأموال المنقولة على الفاتحين انتدب شخصيتين كبيرتين هما: عثمان بن حُنيف، وحذيفة بن اليمان وذلك لمسح أرض سواد العراق، وحين بعثهما لهذه المهمة زوّدهما الخليفة بنصائحه وتوجيهاته الثاقبة وأمرهما بأن يلاحظا ثروة الأفراد، وخصوبة الأرض وجدبها، ونوع النباتات والشجر، والرفق بالرعية، فلا تحمل الأرض ما يتحمله المكلفون، بل يترك لهم
ما يجبرون به النوائب والحوائج ولكي ينطلق قرار عمر رضي الله عنه على أساس عادل، رغب أن يعرف الحالة التي كان عليها أهل العراق قبل الفتح، وطلب من الصحابيين عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان أن يرسلا إليه وفداً من كبار رجال السواد، فبعثا إليه وفداً من دهاقنة السواد، فسألهم عمر رضي الله عنه، كم كنتم تؤدون إلى الأعاجم في أرضهم؟ قالوا: سبعة وعشرين درهماً، فقال عمر رضي الله عنه لا أرضى بهذا منكم([66])، وهذا يدل على أن الفتح الإسلامي كان عدلاً على الناس الذين فتحت بلادهم، وكان عمر يرى أن فرض خراج على مساحة الأرض أصلح لأهل الخراج، وأحسن رداً، وزيادة في الفيء من غير أن يحملهم مالا يطيقون فقام عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان بما وكل إليهما خير قيام فبلغت مساحة السواد (36000.000) ستة وثلاثين ألف ألف([67])، ووضعا على جريب العنب عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين([68])، وكتبا إلى عمر بن الخطاب بذلك فأمضاه وقد حرص عمر (رضي الله عنه) على العناية بأهل تلك الأرض والبلاد، وما يوفر العدل ويحققه خوفاً أن يكون عثمان وحذيفة رضي الله عنهما حملا الناس والأرض ما لا يطيقون أداءه من خراج فسألهما: كيف وضعتما على الأرض لعلكما كلفتما أهل عملكما ما لا يطيقون؟ فقال حذيفة: لقد تركت فضلاً، وقال عثمان: لقد تركت الضعف، ولو شئت لأخذته فقال عمر رضي الله عنه عند ذلك: أما والله لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعنهم لا يفتقرون إلى أمير بعدي([69]).


.

وهذه الطريقة التي نفذت في سواد العراق هي ذاتها التي نفذت في الأراضي المصرية، لكن الذي تولاها هو عمرو بن العاص وكانت وحدة المساحة التي ربط على أساسها الخراج الفدان([70])، وكذلك فعل عمر (رضي الله عنه) بأرض الشام كما فعل بأرض السواد، ولم يذكر المؤرخون معلومات صريحة واضحة عن المساحة ونوع الزروع والثمار التي فرض عليها الخراج، ولا من قام بعملية مسح أراضي الشام([71])، وكان الخليفة عمر رضي الله عنه بهذا الصدد عمل إحصاءً دقيقاً لثروة الولاية قبل الولاية عليها، ثم إلزام الولاة عند اعتزالهم أعمالهم بمصادرة بعض الأموال التي جمعوها لأنفسهم في أثناء ولايتهم، إذا تبين له أن أعطياتهم لا تسمح لهم بادخار هذه الأموال كلها([72]) وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله عند حديثنا عن الولاة وقد كثرت الممتلكات الخاصة للدولة التي اصطفاها عمر رضي الله عنه لبيت المال في العراق والشام ومصر، فكانت هذه الأملاك تدرّ دخلاً عظيماً ووفيراً على خزانة الدولة، خاصة في مصر لاتساع الأراضي الزراعية التي يملكها التاج في العصور القديمة([73]).
.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:14 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png


.
- ما هي القيم والمصالح الأمنية في عدم تقسيم أراضي الخراج؟

هناك جملة من المصالح الأمنية التي استند إليها الخليفة –والذين وافقوه على رأيه- في اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها إلى صنفين، أولهما المصالح الداخلية وأهمها سد الطريق على الخلاف والقتال بين المسلمين، وضمان توافر مصادر ثابتة لمعايش البلاد والعباد، وتوفير الحاجات المادية اللازمة للأجيال اللاحقة من المسلمين، وثانيهما المصالح الخارجية والتي يتمثل أهمها في توفير ما يسد ثغور المسلمين، ويسدّ حاجتها من الرجال والمؤن، والقدرة على تجهيز الجيوش، بما يستلزمه ذلك من كفالة الرواتب وإدرار العطاء وتمويل الإنفاق على العتاد والسلاح وترك بعض الأطراف لتتولى مهام الدفاع عن حدود الدولة وأراضيها اعتماداً على ما لديها من خراج، والذي يجب ملاحظته في هذه المصالح أن الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة لأمن المجتمع السياسي ليس في عصره فقط، بل وفيما يليه من عصور بعده وعباراته من مثل (فكيف بمن يأتي من المسلمين)، و(كرهت أن يترك المسلمون) التي توحي بنظرته المستقبلية لهذا الأمن الشامل تشهد على ذلك، وقد أثبت تطور الأحداث السياسية في عصر الخليفة الثاني صواب وصدق ما قرره.


.

- أن تعدد أطوار اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي قد أكد أمرين أولهما أن بعض القرارات المهمة التي تمس المصالح الجوهرية للمسلمين قد تأخذ من الجهد والوقت الكثير، كما أنها قد تتطلب قدراً من الأناة في تبادل الحجج والبراهين، دون أن يتيح ذلك مجالاً للخلاف وتعميق هوة الانقسام أحياناً أو يفوت باباً من أبواب تحقيق بعض المصالح الخاصة بأمن الأمة في حاضرها ومستقبلها، والأمر الثاني أن بعض القرارات المهمة التي قد تخرج بعد عسر النقاش والحوار، والبداية المتعثرة لها، يفرض على الحاكم الشرعي أن يكون أول المسلمين وآخرهم جهداً في السعي إلى تضييق هوة الخلاف، والتقريب بين وجهات النظر المتعارضة لكي يصل بالمسلمين إلى الحكم الشرعي فيما هو متنازع بشأنه([74]).


.

- أن تبادل الرأي والاجتهاد بين الخليفة والصحابة الذين لم يوافقوه على رأيه واستناد الكل في ذلك إلى النصوص المنزلة في الاجتهاد يثبت أن الفيصل في إبداء الآراء في القرارات السياسية عامة والتي تمس مصالح المسلمين بصفة مباشرة خاصة، هو أن تجيء هذه الآراء مستندة إلى النصوص المنزلة، أو ما ينبغي أن يتفرع عنها من مصادر أخرى لا تخرج عن أحكامها في محتواها ومبرراتها.


.

- أن لجوء الخليفة إلى استشارة أهل السابقة من كبار الصحابة العلماء في فقه الأحكام ومصادر الشرع، واستجابتهم بإخلاص النصح له، يؤكد أن أهل الشورى لهم مواصفات خاصة تميزهم، فالذين يستشارون هم أهل الفقه والفهم والورع والدراية، الواعون لدورهم، إنهم بعبارة أدق الذين لا إمعية في آرائهم، ومن دأبهم توطين أنفسهم على قول الحق وفعله، غير خائفين في ذلك لومة لائم من حاكم أو غيره.


.

- ثم يبقى القول أن ما حدث بصدور قرار عدم تقسيم الأراضي، يظل نموذجاً عالياً سار عليه الصحابة في كيفية التعامل وفق آداب الحوار وأخلاقيات مناقشة القضايا، وتقليب أوجهها المختلفة ابتداء بمرحلة التفكير في اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي -بصفة مباشرة، أو غير مباشرة- وعلى رأسهم الخليفة الذي لم يخرج عن هذه الآداب رغم اختلاف اجتهاداتهم بشأنه([75])، بل إن الفاروق رضي الله عنه بين بأن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى، وأعلن الثقة في مجلس شورى الأمة، خالفته، أو وافقته والرد إلى كتاب الله، فقد قال رضي الله عنه: إني واحد منكم، كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ومعكم من الله كتابٌ ينطق بالحق([76]).


.

- أهم الآثار الدعوية في هذا القرار:

من أهم هذه الآثار: القضاء نهائياً على نظام الإقطاع، فقد ألغى عمر رضي الله عنه كل الأوضاع الإقطاعية الظالمة التي احتكرت كل الأرض لصالحها واستعبدت الفلاحين لزراعتها مجاناً، فقد ترك عمر رضي الله عنه أرض السواد في أيدي فلاحيها يزرعونها مقابل خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام، وقد اغتبط الفلاحون بقرار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتمليكهم الأرض الزراعية يزرعونها مقابل دفع الخراج الذي يستطيعونه مما جعلهم يشعرون لأول مرة في حياتهم أنهم أصحاب الأرض الزراعية لا ملكاً للإقطاعيين من الطبقة الحاكمة، وكان الفلاحون مجرد أجراء يزرعونها بدون مقابل، وكان تعبهم وكدهم يذهب إلى جيوب الطبقة الإقطاعية طبقة ملاك الأرض ولا يتركون لهم إلا الفتات([77]).


.

- قطع الطريق على دعوة جيوش الروم والفرس بعد طردهم:

لقد أدت سياسة عمر رضي الله عنه في تمليك الأرض لفلاحي الأمصار المفتوحة عنوة إلى شعورهم بالرضا التام كما تقدم وهذا مما جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم ولا يقدمون لهم أية مساعدات بل كانوا على العكس من ذلك يقدمون المساعدات للمسلمين ضدهم، حتى إن رستم القائد الفارسي دعا أهل الحيرة فقال: يا أعداء الله فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا وكنتم عيوناً لهم علينا وقويتموهم بالأموال([78]):


.

- مسارعة أهل الأمصار المفتوحة إلى الدخول في الإسلام:

فقد ترتب على ما تقدم من تمليك الأرض للفلاحين أن سارعوا إلى الدخول في الإسلام، الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها مثيل، فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق، وأحسوا بكرامتهم الإنسانية من معاملة المسلمين لهم([79]).


.

- تدبير الأموال لحماية الثغور:

فقد امتدت الدولة الإسلامية صوب جهاتها الأربع وانتقلت أسماء الثغور إلى
ما وراء حدود الدولة في عصورها الأولى ومن أهم هذه الثغور، ما كان يعرف بالثغور الفراتية والتي كانت تمتد على طول خط استراتيجي يفصل ما بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية وغيرها من الثغور، وقد اتخذ عمر في كل مصر على قدره خيولاً، وقد وصلت قوات الفرسان المرابطين في الأمصار إلى أكثر من ثلاثين ألف فارس، وهذا بخلاف قوات المشاة وأي قوات أخرى كالجمالة وخلافه وهذه خصصها عمر كجيش منظم لحماية ثغور المسلمين وكفل أرزاقهم وصرفهم عن الاشتغال بأي شيء إلا بالجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فكان الخراج من الأسباب التي ساقها المولى عز وجل لتجهيز هذه القوات وكفالة أرزاق أجنادها([80]).

إن الفاروق رضي الله عنه وضع قواعد نظام الخراج باعتباره مورداً من الموارد المالية الهامة لخزينة الدولة وكان يهدف من ورائه إلى أن يكون بيت المال قائماً بما يجب عليه من تحقيق المصالح العامة للأمة وحفظ ثغورها وتأمين طرقها ولا يتأتى ذلك إلا بإبقاء أصحاب الأرض التي تملكها المسلمون عنوة لقاء نسبة معينة مما تنتجه الأرض وهذا أمرٌ من شأنه أن يزيدهم حماساً في العمل ورغبة في الاستغلال والاستثمار ومقارنة ذلك بما كانوا يرهقون به من الضرائب من طرف أولياء أمورهم قبل وصول المسلمين([81]).


.

4- العشور:

هي الأموال التي يتم تحصيلها على التجارة التي تمر عبر حدود الدولة الإسلامية سواء داخلة أو خارجة من أراضي الدولة وهي أشبه ما تكون بالرسوم الجمركية في العصر الحاضر، ويقوم بتحصيلها موظف يقال له (العاشر) أي الذي يأخذ العشور([82])، ولم يكن لهذه الضريبة وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وخليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأن تلك الفترة كانت فترة دعوة إلى الإسلام، والجهاد في سبيل نشره، وبناء الدولة الإسلامية، فلما اتسعت الدولة في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه، وامتدت حدودها شرقاً وغرباً وصار التبادل التجاري مع الدول المجاورة، ضرورة تمليها المصلحة العامة، رأى الخليفة عمر رضي الله عنه أن يفرض تلك الضريبة على الواردين إلى دار الإسلام، كما كان أهل الحرب يأخذونها من تجار المسلمين القادمين إلى بلادهم، معاملة بالمثل وقد أجمع المؤرخون([83])، أن أول من وضع العشر في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك عندما كتب إليه أهل منبج ومن وراء بحر عدن يعرضون عليه أن يدخلوا بتجارتهم أرض العرب وله منها العشر فشاور عمر في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأجمعوا على ذلك، فهو أول من أخذ منهم العشور، ولكن عمر أراد أن يتأكد من مقدار ما تأخذه الدول الأخرى من تجار المسلمين إذا اجتازوا حدودهم، فسأل المسلمين كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم أرضهم؟ قالوا: يأخذون عشر
ما معنا، قال: فخذوا منهم مثل ما يأخذون منكم([84])، وسأل أيضاً عثمان بن حنيف كم يأخذ منكم أهل الحرب إذا أتيتم دارهم؟ قال: العشر، قال عمر: فكذلك فخذوا منهم([85])، وروي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه: إن تجاراً من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه الخليفة عمر رضي الله عنه: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين، وخذ من أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من كل أربعين درهماً درهماً، وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم،
وما زاد فبحسابه([86])، وقد ساهم هذا التشريع الجديد في تنظيم العلاقات التجارية بين الدول، وقد حققت التجارة الإسلامية مكاسب كبيرة في عالم التجارة حيث فتحت أبواب الدولة الإسلامية للتجارة وجلبت البضائع والسلع إلى الدولة الإسلامية من كل أنحاء العالم وهذا بطبيعة الحال شجع التاجر المسلم والأجنبي على زيادة نشاطهم في التصدير، والاستيراد من كافة أنحاء العالم، وبذلك نشطت المراكز التجارية داخل بلاد الدولة الإسلامية بما فيها الجزيرة وزادت حركة القوافل التجارية القادمة والذاهبة من أقاليم الجزيرة إلى الأقاليم الإسلامية الأخرى، كما استقبلت موانئ بلاد الإسلام السفن الكبيرة التي تصل إليها من الهند والصين وشرقي أفريقية محملة بأغلى وأنفس البضائع وظهر ذلك جلياً في العصر الراشدي والدولة الأموية([87])، وقد كان في عهد عمر عشارون يأخذون زكاة ما يمر بهم من أموال التجار ويعتبرون النصاب والحول، قال أنس بن مالك، بعثني عمر بن الخطاب على جباية العراق، وقال: إذا بلغ مال المسلم مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم، وما زاد على المائتين، ففي كل أربعين درهماً، درهم([88]) وذكر الشيباني أنّ عمر بن الخطاب بعث زياد بن جرير وقيل زياد بن حدير مصدّقا إلى عين التمر، وأمره بأن يأخذ من أموالهم ربع العشر، ومن أهل الذمة إذا اختلفوا بها للتجارة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العشر، وجعل عمر بن الخطاب نفقة العاشر أي المصدّق من المال الذي يأخذه([89]).

إن من يفكر في ذلك التحديد الذي رسمه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد يصل إلى أنه فرض العشر على الحربيين لمعاملتهم المسلمين كذلك، فهذا مبدأ المعاملة بالمثل، وأنه فرض نصف العشر على أهل الذمة تمييزاً لهم عن المسلمين، وتطبيقاً لما سبق أن فرضه على نصارى بني تغلب. الذين قبلوا أن تؤخذ منهم الجزية ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الصدقة، وأن ما قرره على المسلمين هو بمثابة زكاة، ومعروف نصاب الزكاة لعروض التجارة، وهو الذي جعله حداً أدنى لأخذها ومنع من تكرار أخذها من المسلمين وأهل الذمة، ما دام رأس المال ثابتاً والبضاعة الواردة لم تزد قيمتها عنه، ولو تكرر مرات دخولها، إلا بعد الحول، وتمشياً لمبدأ المعاملة بالمثل، فإنه حينما يرفع أهل الحرب ما يأخذونه من المسلمين من ضريبة، فيحق للمسلمين رفع الضريبة على ما يرد منهم إلى دار الإسلام بنفس النسبة، وكذلك الحال عند إسقاطهم لها، فعلى المسلمين إسقاطها عنهم. وهذا
ما تسير عليه الدول حديثاً، ويسمى برفع الحواجز الجمركية([90])، وعندما يكون المسلمون في حاجة إلى بعض البضائع والمنتجات الواردة إليهم فإنهم يخفضون أو يعفون التجار من ضريبتها تشجيعاً لتوريدها، والإكثار منها، وقد فعل الخليفة عمر رضي الله عنه ذلك، حين أمر عماله أن يأخذوا نصف العشر من الحربيين حين دخولهم الحجاز بالزيت والحبوب، كما أمر بإعفائهم أحياناً أخرى، فعن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه، أنه كان يأخذ من النَبَط من القطنية العشر، ومن الحنطة والزبيب نصف العشر، ليكثر الحمل إلى المدينة([91])، وقد كان لهذه التنظيمات المالية التي وجدت أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، النفع الكبير في سهولة التبادل التجاري بين المسلمين وجيرانهم، وورود أصناف متعددة من متطلبات الناس واحتياجاتهم فهو لم يقتصر اهتمامه على تنظيم المواد الآتية إلى بيت المال، بل نظم الطرق التي بواسطتها وبسببها يزداد دخل بيت المال، وتنعم البلاد بالرخاء ورغد العيش، ومن ذلك اهتمامه بالتجارة الخارجية، وحسن معاملته لأهلها، وتتبعه العمال والأمراء، والكتابة إليهم بذلك وحرصه على استيفاء حقوق الدولة من غير تعسف في جبايتها([92]).



.


5- الفيء والغنائم:

أما الفيء، فهو كل مال وصل المسلمين من المشركين من غير قتال، ولا بإيجاف خيل ولا ركاب، ويوزع خمس الفيء على أهل الخمس([93]) الذين بينهم الله سبحانه في كتابه الكريم: } مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ { (الحشر،آية:7).

وأما الغنائم: فهي ما غلب عليه المسلمون من مال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة([94])، قال تعالى: } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ(41) { (الأنفال،آية:41).

ففي خلافة عمر رضي الله عنه زادت الغنائم زيادة كبيرة لاتساع المناطق المفتوحة ولما كانت تتمتع به من ازدهار اقتصادي كبير، وكان القادة الفرس والروم يخرجون إلى الميدان بكامل أبهتهم، فيقع سلبهم للمسلم، وأحياناً يبلغ 15.000 درهم، و 30.000 درهم([95])، وقد فتحت المدن العظيمة كالمدائن وجلولاء وهمذان والري واصطخر وغيرها، فحاز المسلمون أموالاً عظيمة، مثل بساط كسرى، وهو 3600 ذراع مربعة أرضه مفروشة بالذهب وموشى بالفصوص وفيه رسوم ثمار بالجواهر، وورقها بالحرير، وفيه رسوم للماء الجاري بالذهب، وقد بيعت بعشرين ألف درهم (20.000 درهم) وحاز المسلمون الذهب والفضة والمجوهرات العظيمة من غنائم جلولاء ونهاوند، حيث بلغ خمس جلولاء ستة ملايين درهم([96])، وأعظم الغنائم هي أرض السواد التي وقفها عمر رضي الله عنه للدولة، وأراضي الصوافي التي قتل أصحابها أو فروا عنها، وأملاك كسرى وأهله، حيث جعلت غلتها للدولة، فكانت بإدارتها لصالح بيت المال، ويقال إن
غلتها – فيما بعد – بلغت سبعة ملايين درهم، فقد كانت الغنائم عظيمة القدر، وأنها أغنت المسلمين أفراداً ودولة وارتفعت بمستوى المعيشة وظهرت آثارها أكثر جلاء في خلافة عثمان رضي الله عنه([97]).

هذه هي أهم مصادر الدولة في عهد الفاروق رضي الله عنه.



.

ثانياً: بيت مال المسلمين وتدوين الدواوين:

بيت المال: هو المكان الذي ترد إليه جميع موارد الدولة، وهو كذلك المكان الذي تصرف منه جميع مصروفاتها من أعطيات الخلفاء والجيش والقضاة والعمال والمرافق العامة والخاصة للدولة وهكذا([98])، وأما الدواوين: فهي السجلات والدفاتر التي تسجل فيها أمور الدولة وقد أطلقت كلمة ديوان على المكان الذي يجتمع فيه الكتاب والموظفون العاملون بتلك السجلات عند الفرس([99])، وفي بداية الدولة الإسلامية لم يكن هناك بيت مال بالمعنى الذي عرف به فيما بعد فقد كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم تقوم على أن لا يؤخر تقسيم الأموال أو إنفاقها، وقد سار أبو بكر على نهج النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهج الفاروق طريق صاحبيه في أول خلافته، حتى اتسع سلطان الدولة شرقاً وغرباً، فبدأ بالتفكير في طريقة يدبر فيها ما تجمع لدى الخليفة من أموال الفتوحات وغنائمها، وإيرادات الجزية والخراج والصدقات فكثرت الجيوش واحتاجت إلى ضبط احتياجاتها وأسماء رجالها خوفاً من ترك أحدهم دون عطاء، أو تكرار العطاء للآخرين وتوالت حملات الفتح وانتصاراتها، فكثرت الأموال بشكل لم يكن معروفاً لدى المسلمين من قبل، فرأى أمير المؤمنين عمر أن لا طاقة للخليفة وأمرائه بضبطها، وأنه ليس من الحكمة الاقتصادية أن يترك زمام الأمور المالية بيد العمال والولاة دون أن يضبطها عداً أو يحصيها حساباً، فكان نتيجة ذلك التفكير ملياً في وضع قواعد ثابتة لهذه الأموال، ومن هنا نشأ الديوان، وكان عمر رضي الله عنه هو أول من وضع الديوان في الدولة الإسلامية([100]) وقصة ذلك كما تناقلها المؤرخون: أن أبا هريرة قال: قدمت من البحرين بخمسمائة ألف درهم فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألني عن الناس، فأخبرته، ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قال: قلت: جئت بخمسمائة ألف، قال: ويحك. هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف، ومائة ألف. قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك، فنم، فإذا أصبحت فائتني، فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت جئت بخمسمائة ألف، قال: ويحك! هل تدري
ما تقول؟! قلت: نعم، مائة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس قال أطيب؟ قلت: لا أعلم إلا ذلك. قال: فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديواناً لهم([101])، فاشتهى عمر ذلك([102])، وقد استشار عمر المسلمين في تدوين الدواوين، فأشار بعضهم بما يراه إلا أن الوليد بن هشام بن المغيرة، قال: جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً وجندوا جنداً، فدون ديواناً وجند جنداً وفي بعض الروايات أن الذي قال ذلك هو خالد بن الوليد([103])، وذكر بعض المؤرخين أنه كان بالمدينة بعض مرازبة الفرس، فلما رأى حيرة عمر قال له: يا أمير المؤمنين: إن للأكاسرة شيئاً يسمونه ديواناً جميع دخلهم وخرجهم مضبوطة فيه لا يشذ منه شيء، وأهل العطاء مرتبون فيه مراتب لا يتطرق عليها خلل، فتنبه عمر وقال: صفه لي، فوصفه المرزبان فدون الدواوين وفرض العطاء([104])، وقد حبذ عثمان التدوين فأشار برأيه: أرى مالاً كثيراً يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يُعرف من أخذ ممن لم يأخذ، خشية أن ينتشر الأمر([105]) هذه بعض الروايات التي حدثت بناء على استشارة عمر رضي الله عنه في مرات متعددة لمن يحضرون عنده، وهناك اختلاف بين المؤرخين في السنة التي تم فيها التدوين، فمن قائل إن ذلك في السنة الخامسة عشرة للهجرة كالطبري وعنه أخذ ابن الأثير وغيرهم وقال آخرون إن ذلك كان في شهر محرم من سنة عشرين هجرية كالبلاذري، والواقدي، والماوردي وابن خلدون([106]) وغيرهم والأرجح أن يكون تمّ في سنة عشرين هجرية، لأنه في سنة خمس عشرة كانت القادسية، ولم يستكمل فتح العراق والشام ومصر إلا بعدها([107]) وقد سار عمر في تقسيم الأموال على خلاف ما سار عليه أبو بكر حيث كان الصديق يقسم الأموال بين الناس بالسوية، في حين قسم عمر أعطياتهم على حسب السابقة في الإسلام والفضل في الجهاد ونصرة رسول الله r([108])، وقد كان رأي الفاروق هذا من زمن الصديق وقال لأبي بكر لما رآه سوّى بين الناس قال له: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف؟ فقال له أبو بكر: إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا دار بلاغ للراكب، فقال له عمر: لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه([109])، ولذلك قسم الفاروق الناس في العطاء إلى:

- ذوو السوابق الذين بسابقتهم حصل المال.

- من يغني المسلمين في جلب المنافع لهم كولاة الأمور والعلماء الذين يجلبون لهم منافع الدين والدنيا.

- من يبلي بلاء حسناً في دفع الضرر عنهم كالمجاهدين في سبيل الله من الجنود والعيون والناصحين نحوهم.

- ذوو الحاجات([110]).



.

هذه سياسته في التقسيم تضمنها قوله: ليس أحد أحق بهذا المال من أحد إنما هو الرجل وسابقته والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته([111])، وقد دعا الفاروق عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من شبان قريش وقال: اكتبوا للناس على منازلهم، فبدأوا ببني هاشم فكتبوهم ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه، وكتبوا القبائل ووضعوها على الخلافة ثم رفعوه إلى عمر، فلما نظر فيه قال: لا، ما وددت أنه كان هكذا، ولكن ابدأوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله، فجاءت بنو عدي إلى الخليفة عمر رضي الله عنه وقالوا: إنك خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبي بكر رضي الله عنه وأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا فقال: بخ بخ يا بني عدي، أردتم الأكل على ظهري، وأن أهب حسناتي لكم لا، ولكنكم حتى تأتيكم الدعوة وأن ينطبق عليكم الدفتر - يعني ولو تكتبون آخر الناس - إن لي صاحبين سلكا طريقاً فإن خالفتهما خولف بي، ولكنه والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا نرجو الثواب عند الله تعالى على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهو شرفنا وقومه أشراف العرب ثم الأقرب فالأقرب، ووالله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد صلى الله عليه وسلم منا يوم القيامة، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه([112])، وبدأ عمر رضي الله عنه تسجيله بديوان سجل فيه أصحاب الأعطيات ومقدار أعطياتهم، وسمَّى ديوان الجند على أساس أن جميع العرب المسلمين جنود للجهاد في سبيل الله، فبدأ سجله للجيش ببني هاشم الأقرب فالأقرب من رسول الله ثم بمن بعدهم طبقة بعد طبقة، وجعل لكل واحد من المسلمين مبلغاً محدداً، وفرض لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسراريه، وسائر المسلمين من الرجال والنساء والأطفال منذ الولادة والعبيد بمقادير مختلفة([113])، وبإخراج هذا الديوان أظهر عمر اهتمامه بأمر الجهاد في سبيل الله، واعتنى بأمر المجاهدين حفظاً لحقوقهم، وعمل سجل الجند باللغة العربية بالمدينة المنورة على يد نفر من نوابغ قريش وعلماء الأنساب منهم، ثم أمر بعمل الدواوين في أقاليم الدولة الإسلامية، فدونت بلغة البلاد المفتوحة، ولم يتم تعريبها إلا في خلافة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وبعد تدوين الدواوين صار عمر يجمع المال مدة سنة ثم يقسمه بين الناس، لأنه يرى أن جمعه أعظم للبركة، فكان جمع المال يستلزم أن يكون له أمناء فكان زيد بن أرقم على بيت المال في عهد عمر([114])، وروى أبو عبيد بسنده عن
عبد القاري من قبيلة القارة قال: كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([115]).


.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:16 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png


.
ثالثاً: مصارف الدولة في عهد عمر:

تنقسم مصارف بيت المال إلى ثلاثة أقسام هي: مصارف الزكاة وما يتصل بها، ومصارف الجزية والخراج والعشور وما يتصل بها، ومصارف الغنائم وما يتصل بها، وقد بين القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم مصارف هذه الأبواب([116]).


.

1- مصارف الزكاة:

ذكر المولى عز وجل ثمانية أصناف ممن تجب لهم الزكاة قال تعالى:} إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ(60) { (التوبة،آية:60).

وقد كان الفقراء والمساكين في عهد عمر رضي الله عنه يعطون من هذه الأموال
ما يبعدهم عن المسكنة والفقر، ويخرجهم من الفاقة والعوز، ويقربهم إلى أدنى مراتب الغنى واليسار([117])، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: إذا أعطيتم فأغنوا([118])، وهذه هي السياسة العمرية الراشدة وهي إعطاء ما يكفي وزيادة النسبة للعجز المؤقت، أما العجز المزمن من مرضى ونحوه، فإن الزكاة بالنسبة لهذا الصنف من والبطالة بالكسب، وتتعدى هذه السياسة العمرية المسلمين فتشمل مساكين أهل الكتاب بعد إسقاط الجزية عنهم([119])، كما أن من نفقات الزكاة العاملين عليها فهم لهم وظائف شتى، وأعمال متشعبة، كلها تتصل بتنظيم الزكاة، وبإحصاء من تجب عليه؟ وفيم تجب؟ ومقدار ما يجب؟ ومعرفة من تجب له؟ وكم عددهم؟ ومبلغ حاجتهم، وقدر كفايتهم، إلى غير ذلك من الشؤون التي تحتاج إلى جهاز كامل من الخبراء وأهل الاختصاص ومن يعاونهم([120])، وأما المؤلفة قلوبهم، فقد أسقط عمر سهمهم، وذلك لأن الإسلام كان قوي الجانب في خلافته فلا حاجة للانفاق من أموال الزكاة على هذا الصنف من الأصناف الثمانية التي نصت عليها الآية([121])، وأما في عصرنا الحاضر فلا يزال التأليف موجوداً بصورة أو أخرى، ويوجد من تنطبق عليهم شروط المؤلفة قلوبهم([122])، وقد استغل بعض خصوم الإسلام ودعاة الجمود من المسلمين إسقاط نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة في عهد عمر فكتبوا عن هذه القصة، وادعوا أن عمر رضي الله عنه، بهذا أوقف نصاً من نصوص القرآن الكريم، وهذا الادعاء ليس بصحيح، كما أنه لا يتفق مع الحقيقة فالواقع أن الخليفة عمر رضي الله عنه أوقف نصيب المؤلفة قلوبهم لسبب وحكمة، وهي أن الإسلام أصبح عزيزاً قوياً بعد أن كان ضعيفاً في عهده الأول، ورأى رضي الله عنه أنه لا داعي لتأليف هؤلاء وهؤلاء بعد العزّة والنصر والقوة([123]).

وقد وافق الصحابة على قرار الفاروق، ولم تأت هذه الموافقة اعتباطاً وإنما نتيجة الاقتناع بالمبررات التي دفع بها لإيقاف إعطاء المؤلفة قلوبهم من حيث إن الإسلام قد غدا في قوة ومكنة تجعلانه في غنى عن عدد قليل لا وزن له، بعد دخول أمم كثيرة في الإسلام، كما أنه ليس ثمة خوف من هؤلاء الذين يطلبون التأليف، بل كان الخوف عليهم أن يظلوا على نزعتهم التواكلية، ثم إن حق هؤلاء ليس حقاً موروثاً يتوارثونه جيلاً بعد جيل([124])،إن عمر لم يقف جامداً أمام هذا النص فيما يتصل بسهم المؤلفة قلوبهم، فهو قد فهم أن المقصود من النص هو إعزاز الإسلام بدخول أشراف العرب فيه، وتثبيت من أسلم منهم على الإسلام، فقد نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره، وحيث أعز الله الإسلام وكثر أهله فقد أصبح الإعطاء حينئذ –في نظر عمر- ذلة وخنوعاً، وزالت العلة التي من أجلها جعل الله للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة وبناء على ذلك أوقف عمر هذا السهم ولم يعطه لهم، وبناء على هذا الفهم الصحيح لا يجوز أن نقول إن عمر ألغى العمل بالنص القرآني المتعلق بإعطاء المؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة لأن ذلك من قبيل النسخ، ولا نسخ إلا من طرف صاحب الشرع نفسه وعليه فلا نسخ بعد وفاة الرسول r([125])، لقد كان عمر رضي الله عنه يراعي تغير الظروف والعلل التي بنيت عليها نصوص الأحكام، ولم يكن يقف مع ظواهرها كما سبق القول([126])، كما كان الإنفاق في الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل، وقد اعتنى القرآن الكريم بابن السبيل أيّما اعتناء، فقد جعل له سهماً من الزكاة ونصيباً من الفيء ومن خمس الغنائم، وعناية الإسلام بالمسافرين الغرباء والمنقطعين عناية فذة لم يعرف لها نظير في نظام من الأنظمة أو شريعة من الشرائع، ويؤكد هذه العناية هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصديق، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله اتخذ في عهده داراً خاصة أطلق عليها (دار الدقيق)، وذلك أنه جعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب
وما يحتاج إليه، يعين به المنقطع به، والضيف ومن ينزل بعمر، ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به، ويحمل من ماء إلى ماء([127]).

إن هذا التحديد للأصناف الثمانية يوجب على الدولة حصرهم وتتبع حالتهم وأن يكون هناك سجلات في كل بلد، ثم في المقر الرئيسي للدولة، وقد كان للصدقة ديوان خاص بها في دار الخلافة، له فروع في سائر الولايات وقد كان ذلك في عهد الخليفة عمر (رضي الله عنه) بعد تدوين الدواوين([128])، إن نظرة إلى تلك الأصناف الثمانية الذين ذكرتهم الآية نلاحظ أنها قد شملت المصالح الدينية والسياسية والاجتماعية من دعوة للجهاد في سبيل الله، وتكوين الجيوش، والعمل على القضاء على الفقر، وسداد الدين، ودفع الحاجة عن ذوي الحاجة، أي أنها تشمل كل متطلبات المجتمع وإيجاد الأمن والمحبة والتآلف بين أفراده([129]).


.

2- مصارف الجزية والخراج والعشور:

تصرف في أعطيات الخلفاء، والعمال والجند، وآل البيت، وزوجات المجاهدين وغيرها من أوجه الخير.

- أعطيات الخليفة: وقد فرض للخليفة عمر رضي الله عنه من الأعطيات خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم على رواية أخرى.
أعطيات العمال:

أي ولاة الأقاليم، ففي عهد الخليفة عمر (رضي الله عنه)، عين الفاروق في كل ولاية، واليا حازماً عادلاً لحكمها وإدارتها، وزوده بعدد من الأعوان والمساعدين والجباة والقضاة والكتّاب وعمال الخراج، والصدقات وغيرهم، فكان للصلاة والحرب عامل –وهو الأمير- ولتحصيل الأموال عامل آخر، ولمساحة الأراضي وتقدير الضرائب وإحصاء الناس عمّال لهم خبرة ودراية، وقد أجرى لهم الأعطيات بما يتناسب مع منصب كل منهم وما تتطلبه أعماله، مراعياً في ذلك حالة الإقليم من قرب وبعد، وتوفر خيرات، ورخص وغلاء، ولم يجعل لصرفها موعداً ثابتاً لا يتخلف([130]) وسيأتي الحديث عن العمال بالتفصيل بإذن الله عند حديثنا عن مؤسسة العمال.


.

- أعطيات الجند:

اهتم عمر رضي الله عنه بأمر الجند فنظم ديوان الجيش، وسار في تقسيم الأرزاق فيه على أساس القربى من النسب النبوي الشريف، والسابقة للإسلام([131])، وبذلك أصبح في مقدمة أصحاب المعاشات آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وكان العباس يتسلمها ويوزعها عليهم، ثم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وتختص كل واحدة بمعاش مستقل عن آل البيت أما بقية المسلمين فقد قسموا إلى طبقات حسب ترتيب اشتراكهم في الجهاد في سبيل الله، فبدأ بأهل بدر، ثم من حاربوا بعد بدر إلى الحديبية، ثم من حاربوا من الحديبية إلى آخر حروب الردة ثم من تلاهم من شهد القادسية واليرموك وهكذا، كما أنه جعل مخصصات لزوجات المحاربين وأطفالهم منذ الولادة ولم يغفل أمر الغلمان، واللقطاء، بل خصص لهم أعطيات سنوية، أدناها مائة درهم، تتزايد عند بلوغهم([132])، كما فرض للموالي من ألفين إلى ألف([133])، وقد وردت روايات كثيرة تتفق فيما بينها في كثير من أرقام المقررات التي قررها الخليفة عمر (رضي الله عنه) أعطيات للجند، وتختلف بعض الاختلافات في تلك المقادير([134])، وأما ما صح من مقادير العطاء، فإن عطاء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كان عشرة آلاف درهم (10000 درهم) كل سنة إلا جويرية وصفية وميمونة فقد فرض لهن أقل من ذلك ثم زاد عطاءهن إلى اثني عشر ألف درهم
(12000 درهم) إلا صفية وجويرية كان عطاؤهن ستة آلاف درهم (6000 درهم)، وقد طالبت عائشة بالمساواة بين أمهات المؤمنين، فوافق عمر على مساواتهن، وكان عطاء المهاجرين والأنصار أربعة آلاف درهم (4000 درهم) لكل واحد سنوياً سوى عبد الله بن عمر بن الخطاب فإنه فرض له ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم (3500 درهم) معللاً ذلك بأنه هاجر به أبوه أي ليس كمن هاجر بنفسه([135])، وكان عبد الله صبياً حين الهجرة، ثم زاد المهاجرين ألفاً فصار عطاؤهم خمسة آلاف درهم (5000 درهم) كل سنة([136])، ويبدو أن هذا العطاء للبدريين فقط من المهاجرين والأنصار([137])، وأما من شهد صلح الحديبية فكان عطاؤه ثلاثة آلاف درهم (3000 درهم) كل سنة([138])، وفرض لكل مولود مائة درهم (100 درهم) وكان يفرض للفطيم ثم فرض للمولود حين ولادته خوفاً من تعجيل فطامه، وأما الموالي فقد فرض لأشرافهم كالهرمزان حينما أسلم ألفي درهم (2000 درهم) وغير ذلك من الأعطيات، وإضافة إلى العطاء السنوي فإن عمر رضي الله عنه كان يوزع عطايا متفرقة([139])، وإلى جانب ما خصص لكل فرد ممن سبق ذكرهم وزيادة على عطائه السابق طعام من الحنطة كل شهر([140])، وقد قال الخليفة عمر رضي الله عنه في آخر عهده: لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم، ألف لسفره، وألف لسلاحه، وألف يخلفها لأهله، وألف لفرسه وبغله([141])، وقد رأى الخليفة عمر رضي الله عنه أن لكل مسلم حقاً في بيت المال، منذ أن يولد حتى يموت، ولقد أعلن هذا المبدأ بقوله: والله الذي لا إله إلا هو
-ثلاثاً- ما من أحد إلا له في هذا المال حق أُعطيَه أو مُنِعَه، وما أحد بأحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه قبل أن يُخمَّرَ وجهه([142])، ومن المهم أن نتبين وجهة نظر عمر رضي الله عنه في عدم المساواة بين المسلمين في العطاء، ودعمه الواضح لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار واعتباره للسابقة في الإسلام والبلاء في الجهاد، فلا شك أن الفئة التي حازت الأموال الوفيرة في خلافته هي التي أقامت على أكتافها صرح الدولة الإسلامية، كما أنها أكثر فقهاً والتزاماً بالشرع ومقاصده، وأكثر ورعاً وصلاحاً في التعامل مع المال، وتذليله لتحقيق المقاصد الاجتماعية عن طريق الانفاق، ودعم هذه الفئة اقتصادياً يقوي نفوذها في المجتمع، ويجعلها أقدر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلاحظ أن عمر رضي الله عنه عزم على تبديل سياسة التفضيل في العطاء إلى المساواة، وقد صرّح بذلك في آخر خلافته قائلاً: لئن بقيت إلى قابل، لألحقن آخر الناس بأولهم ولأجعلنهم بياناً واحداً([143]) –أي سواء- وأما عن نظرة عمر إلى الأموال العامّة فقد عبّر عنها بقوله: إن الله جعلني خازناً لهذا المال، وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه([144])، وقد بكى عندما رأى عظمة الأموال التي جلبت إلى بيت المال في فتوح فارس، فلما ذكره عبد الرحمن بن عوف بأنه يوم شكر وسرور وفرح وقال عمر: كلا إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء([145])، ونظر إلى أموال فتح جلولاء فقرأ الآية } زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ { (آل عمران،آية:14) وقال: اللهم لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم فاجعلني أنفقه في حقه وأعوذ بك من شره([146]).


.

3- مصارف الغنائم:

أما توزيع الغنائم فقد قسمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الآية الكريمة، قال تعالى: } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... { (الأنفال،آية:41)، وأما أربعة أخماس الغنيمة الباقية فكانت توزع بين الغانمين للفارس ثلاثة أسهم -سهمان لفرسه وسهم له
وللراجل سهم([147])، وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم سهم في حياته ينفقه على نفسه، وأزواجه، وما بقي من هذه الأسهم كان يجعله في المصالح العامة أو ينفقه على أهل الفاقة والاحتياج، وكان لذوي قربى الرسول صلى الله عليه وسلم - السهم الثاني، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب الذين خضعوا للإسلام وشملتهم دعوته (عليه الصلاة والسلام) وقد اختلف الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين، سهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى، فقال قوم: سهم الرسول للخليفة من بعده، وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة من بعده، فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح([148])، وبذلك أصبحت مخصصات السهمين تصرف في مصالح المسلمين العامة، كتجهيز الجيوش، وسد الثغور، والعمل على تقوية الدولة وتمكينها، في عهد الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما مخصصات الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، فقد بقيت كما كانت على أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يطرأ عليها أي تغيير أو تعديل في أيام الخليفة الثاني رضي الله عنه([149]).

هذه بعض المعالم الواضحة على المؤسسة المالية في زمن الفاروق وكيف عمل على تطويرها، وقد كان رضي الله عنه شديد الورع في المال العام ويظهر ذلك في قوله: أنا أخبركم بما أستحل من مال الله، حلة الشتاء والقيظ وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم([150])، وكان يقول: اللهم إنك تعلم أني لا آكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي، ولا آخذ إلا حقي([151]) وكان يقول: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم، من كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف([152]).



.


4- أمور متعلقة بالتطوير الاقتصادي في الدولة:

- إصدار النقود الإسلامية:

تعتبر النقود من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وهي وسيلة ضرورية للحياة الاجتماعية الخاصة والعامة، لا سيما في التعامل بين الأمم والدول، وما يعنينا من هذا الموضوع - وقد أصبح للإسلام دولة فيها مسلمون وغيرهم من الناس، ويجاورها أمم ودول ذات نظم وحضارات، ظلت تتعامل مع الدولة الإسلامية في عهد عمر وغيره من خلفاء وأمراء المسلمين - هو الناحية التنظيمية والإدارية التي سلكها عمر بشأن النقود، سواء أكان في داخل الدولة الإسلامية أم في دور الحرب الأخرى([153])، فالمعلومات التاريخية تشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد أبقى على تداول النقود والعملة التي كانت متداولة قبل الإسلام وفي عهد الرسولصلى الله عليه وسلم وأبي بكر بما كان عليها من نقوش هرقلية عليها نقوش مسيحية أو كسروية رُسم فيها بيت النار، بيد أنه أقرها على معيارها الرسمي المعروف على عهد النبيصلى الله عليه وسلم
وأبي بكر، مضيفاً إليها كلمة جائز، لتمييزها من البهارج الزائفات([154])، فالذي ضرب النقود المسكوكة في الخارج وأقر التعامل بها وقرر الدرهم الشرعي في الإسلام هو الفاروق رضي الله عنه يقول الماوردي: إن عمر بن الخطاب هو الذي حدد مقدار الدرهم الشرعي([155])، ويقول المقريزي: وأول من ضرب النقود في الإسلام عمر بن الخطاب سنة ثماني عشر من الهجرة على نقش الكسروية وزاد فيها: الحمد لله. وفي بعضها: لا إله إلا الله، وعلى جزء منها اسم الخليفة عمر([156])، وعليه فإن الفاروق رضي الله عنه قد وضع تنظيماً خاصاً لوسيلة من وسائل الحياة الضرورية للمسلمين وغيرهم أثناء حكمه وقد تبعه الخلفاء الراشدون وغيرهم ممن طوروا هذا الأمر مع تطور وتقدم المدنية والحضارة([157]).


.

- الإقطاع:

مضى أبو بكر رضي الله عنه في تطبيق السياسة النبوية في إقطاع الأراضي للناس طلباً لاستصلاحها فقد أقطع الزبير بن العوام أرضاً مواتاً ما بين الجرف وقناة([158])، وأقطع مجاعة بن مرارة الحنفي الخضرمة (قرية كانت باليمامة) وأراد إقطاع عيينة بن حصن الفزاري والأقراع بن حابس التميمي أرضاً سبخة – ليس فيها كلأ
ولا منفعة – أرادا استصلاحها ثم عدل عن ذلك أخذاً برأي عمر رضي الله عنه في عدم الحاجة لتأليفهما على الإسلام فقد قال لهما عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فأجهدا جهدكما([159])، ومن الواضح أن اعتراض عمر ليس على مبدأ الإقطاع لاستصلاح الأراضي بل على أشخاص بعينهم لا يرى تأليفهم على الإسلام، وقد توسع عمر رضي الله عنه في إقطاع الأراضي لغرض استصلاحها جرياً على السياسة النبوية، فقد أعلن: يا أيها الناس من أحيا أرضاً ميتة فهي له([160])، وتعتضد آثار ضعيفة لتؤكد انتزاع عمر رضي الله عنه ملكية الأرض المقتطعة إذا لم يتم استصلاحها، وتحدد رواية ضعيفة لذلك ثلاث سنوات من تأريخ الإقطاع وقد ثبت إقطاع عمر رضي الله عنه لخوات بن جبير أرضاً مواتاً([161]) وللزبير بن العوام أرض العقيق جميعها، ولعلي بن أبي طالب أرض ينبع، فتدفق فيها الماء الغزير، فأوقفها علي رضي الله عنه صدقة على الفقراء، وتوجد آثار ضعيفة لإقطاعه عدداً من الصحابة الآخرين([162]).


.

المبحث الثاني: المؤسسة القضائية:

عندما انتشر الإسلام، واتسعت رقعة الدولة في عهد عمر، وارتبط المسلمون بغيرهم من الأمم، دعت حالة المدنية الجديدة إلى تطوير مؤسسة القضاء، فقد كثرت مشاغل الخليفة، وتشعبت أعمال الولاة في الأمصار، وزاد النزاع والتشاجر، فرأى عمر رضي الله عنه أن يفصل الولايات بعضها عن بعض وأن يجعل سلطة القضاء مستقلون، حتى يتفرغ الوالي لإدارة شؤون ولايته، فأصبح للمؤسسة القضائية قضاة مستقلين، عن الولايات الأخرى، كولاية الحكم والإدارة فكان عمر بهذا أول من جعل للقضاء ولاية خاصة، فعين القضاة في الأمصار الإسلامية، في الكوفة والبصرة والشام، ومصر، وجعل القضاء سلطة تابعة له مباشرة، سواء كان التعيين من الخليفة، أو كان بتفويض أحد ولاته بذلك نيابة عنه، وهذا يدل على أن القيادة الإسلامية متمثلة في شخصية الفاروق، لم تكن عاجزة عن وضع قواعد أصلية، في تنظيم الدولة وترتيب شؤونها، وتحديد سلطاتها وإذا كانت أوربا قد اكتشفت هذه القاعدة بصورة نظرية في القرن الثامن عشر، واعتبرتها فتحاً جديداً في تنظيم الدولة، وفي رعاية حقوق المواطنين، يوم تحدث عنها (مونتسكو) في كتابة روح الشرائع، ولكن لم يكتب لهذه القاعدة التطبيق العملي إلا في أوائل القرن التاسع عشر، أي بعد الثورة الفرنسية، فإن الإسلام قد أقرّها قبل أربعة عشر قرناً، واعتبرها أصلاً من أصول نظامه وقد كان هذا الأصل من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذاً إلى اليمن وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تقضي يا معاذ؟ فبين معاذ أنه يقضي بكتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله، فإن لم يجد يجتهد رأيه
ولا يألو، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك([163]) وأما الفاروق، فقد قام بتطوير المؤسسة القضائية وما يتعلق بها من أمور، وأصبح في عهده مبدأ فصل القضاء عن غيره من السلطات واضحاً في حياة الناس ولم يكن استقلال ولاية القضاء مانعاً لعمر رضي الله عنه من أن يفصل في بعض القضايا، وربما ترك بعض ولاته يمارسون القضاء مع السلطة التنفيذية، ويراسلهم في الشؤون القضائية، فقد راسل المغيرة بن شعبة في أمر القضاء وكان واليه على البصرة ثم الكوفة، وراسل معاوية واليه على الشام في النزاع القضائي، وراسل أبا موسى الأشعري في شأن بعض القضايا، وكان القاضي يعين للولاية كلها، سواء أكان تعيينه من قبل الخليفة أم كان من قبل الوالي بأمر الخليفة، وكان مقر القاضي حاضرة الولاية وإليه ترجع السلطة القضائية في ولايته([164])، وقد تم فصل السلطة القضائية في الولايات الكبيرة على الغالب، مثل الكوفة، ومصر، وقد جمع لبعض ولاته بين الولاية والقضاء إذا كان القضاء لا يشغلهم عن شؤون الولاية، وراسلهم بهذا الوصف في شؤون القضاء، وأنه كان يقوم بالقضاء في بعض الأحيان مع وجود قضاة له بالمدينة([165])، ومن القضاة الذين قصرهم الفاروق في خلافته على القضاء وحده:

- عبد الله بن مسعود: ولاه عمر قضاء الكوفة، فقد روى قتادة عن مجلز أن عمر بن الخطاب بعث عمار بن ياسر على صلاة أهل الكوفة، وبعث عبد الله بن مسعود على بيت المال والقضاء([166]).

- سلمان بن ربيعة: ولاه عمر القضاء على البصرة ثم القادسية.

- قيس بن أبي العاص القرشي تولى قضاء مصر.

وأما الذين جمعوا بين الولاية والقضاء فمنهم:

- نافع الخزاعي والي مكة، ذكر ابن عبد البر أن عمر بن الخطاب استعمله على مكة وفيهم سادة قريش، ثم عزله وولى خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي([167]).

- يعلى بن أمية والي صنعاء.

- سفيان بن عبد الله الثقفي والي الطائف.

- المغير بن شعبة والي الكوفة.

- معاوية بن أبي سفيان والي الشام.

- عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين وعمان.

- أبو موسى الأشعري والي البصرة.

- عمير بن سعد والي حمص.



ومن هؤلاء من أبقاه الفاروق على القضاء مع الولاية، كما فعل مع معاوية، ومنهم من فصل القضاء عن سلطته وقصره على الولاية كما فعل مع المغيرة، وأبي موسى الأشعري، ومن قضاة الفاروق بالمدينة:

- علي بن أبي طالب.

- زيد بن ثابت رضي الله عنه فقد روي عن نافع: أن عمر استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً([168]).

- السائب بن أبي يزيد([169]).



.

أولاً: من أهم رسائل عمر إلى القضاة:

إن الفاروق رضي الله عنه وضع دستوراً قويماً في نظام القضاء والتقاضي، وقد اهتم كثير من أعلام الفقه الإسلامي بشرح هذا الدستور والتعليق عليه، ونجد الدستور العمري في القضاء في رسالته لأبي موسى الأشعري وهذا نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن لخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس([170])، سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ([171]) بين الناس في وجهك وعَدْلِكَ ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك([172])، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه عَقْلَكَ، وهُدِيتَ فيه لرشدك: أن ترجع إلى الحقِّ، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التّمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعْرِف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك واعْمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحقِّ واجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بيِّنته أخذت له بحقه وإلا استحْللت([173])،عليه القضيّة، فإنه أنفى للشك، وأجْلى للعَمَى، المسلمون عدول([174])، بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حدِّ، أو مُجرّباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السَّرائر، ودرأ([175]) بالبينات والأيمان، وإياك والغلق([176])، والضجر والتأذي للخصوم، والتنكر عند الخصومات فإن القضاء في مواطن الحق يعظم الله به الأجر، ويحسن به الذُّخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلَّق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه: شانه الله فما ظنك بثواب الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام([177])، وقد جمعت هذه الرسالة العجيبة آداب القاضي، وأصول المحاكمة، وقد شغلت العلماء بشرحها والتعليق عليها هذه القرون الطويلة ولا تزال موضع دهشة وإكبار لكل من يطلع عليها، ولو لم يكن لعمر من الآثار غيرها، لعد بها من كبار المفكرين والمشرعين ولو كتبها رئيس دولة في هذه الأيام التي انتشرت فيها قوانين أصول المحاكمات، وصار البحث فيها مما يقرؤه الأولاد في المدارس، لكانت كبيرة منه، فكيف وقد كتبها عمر منذ نحو أربعة عشر قرناً، ولم ينقلها من كتاب ولا استمدها من أحد، بل جاء بها في ذهنه، ثمرة واحدة من آلاف الثمرات، للغرسة المباركة التي غرسها في قلبه محمد صلى الله عليه وسلم ، حين دخل عليه في دار الأرقم، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله([178])، ومن الرسائل المهمة في هذا الباب رسالة الفاروق إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: أما بعد فإني كتبت إليك بكتاب لم آلك ونفسي خيراً، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ بأفضل حظَّيك: إذا حضر الخصمان فعليك بالبينات العدول، والأيمان القاطعة، ثم ادن الضعيف حتى تبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعهّد الغريب فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته وانصرف إلى أهله، وإنّ الذي أبطل من لم يرفع به رأساً. واحرص على الصلح ما لم يستبن لك القضاء. والسلام([179]) وكتب رضي الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في القضاء: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب في القضاء لم آلك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ فيه بأفضل حظك: إذا تقدم إليك خصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة، وأدْن الضعيف حتى يشتدّ قلبه وينبسط لسانه، وتعهد الغريب، فإنك إن لم تتعهده ترك حقه، ورجع إلى أهله، وإنما ضيع حقه من لم يرفق به، وآسِ بينهم في لحظك وطرفك، وعليك بالصلح بين الناس، مالم يستبن لك فصل القضاء([180])، وكتب إلى القاضي شريح عن الاجتهاد: إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في كتاب الله فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سنَّ فيه رسول الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسنّه رسول الله ولم يتكلم فيه أحد فأيّ الأمرين شئت فخذ به وفي رواية أخرى: فإن شئت أن تجتهد رأيك فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، وما أرى التأخر إلا خيراً لك([181])، ويمكن للباحث من خلال رسائل الفاروق وحياته في زمن خلافته أن يستخرج ما يتعلق بالمؤسسة القضائية في الأرزاق والعزل، وأنواع القضاة وصفاتهم وما يجب عليهم ومصادر أحكامهم وخضوع الخليفة نفسه للقضاء وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه المؤسسة.



.


ثانياً: تعيين القضاة ورزقهم واختصاصهم القضائي:

1- تعيين القضاة:

يصدر تعيين القضاة من الخليفة رأساً فقد عين عمر بن الخطاب شريحاً بالكوفة، أو يكون التعيين من الوالي بتفويض من الخليفة، كما عيّن عمرو بن العاص والي مصر عثمان بن قيس بن أبي العاص قاضياً بها فحق تعيين القاضي إلى الخليفة، إن شاء عينه بنفسه، وإن شاء فوّضه إلى واليه ولم يكن تعيين القضاة مانعاً من أن يتولى الخليفة القضاء بنفسه، لأن القضاء من سلطاته، وهو الذي يتعهد بالقضاء إلى غيره، فالحق الأول في القضاء إليه ولا يكتسب القاضي الصفة القضائية إلا إذا عيّنه الخليفة بنفسه، أو بواسطة واليه([182])، ويجوز للخليفة أن يعزل القاضي لسبب من الأسباب الداعية إلى ذلك، كما إذا زالت أهلية القاضي وصلاحيته للحكم، أو ثبت عليه ما يخل بواجب القضاء، وإن لم يجد سبباً للعزل فالأولى أن لا يعزله، لأن القاضي معيّن لمصلحة المسلمين فيبقى ما دامت المصلحة محققة([183])، وقد عزل عمر رضي الله عنه بعض القضاة وولى غيرهم([184])، مثلما عزل أبي مريم الحنفي، فقد وجد فيه ضعفاً فعزله.


.

2- رزق القضاة:

كان عمر رضي الله عنه يوصي الولاة باختيار الصالحين للقضاء، وبإعطائهم المرتبات التي تكفيهم([185])، فقد كتب إلى أبي عبيدة ومعاذ: انظروا رجالاً صالحين فاستعملوهم على القضاء وارزقوهم([186])، وقد ذكر الدكتور العمري مرتبات بعض القضاة في عهد عمر رضي الله عنه وهي كالآتي، سلمان بن ربيعة الباهلي (الكوفة) 500 درهم كل شهر، شريح القاضي، الكوفة 100 درهم كل شهر، عبد الله بن مسعود الهذلي (الكوفة) 100 درهم كل شهر وربع شاة كل يوم،
وعثمان بن قيس بن أبي العاص (مصر) 200 دينار، وقيس بن أبي العاص السهمي (مصر) 200 دينار لضيافته([187]).


.

3- الاختصاص القضائي:

كان القاضي في عصر الخلافة الراشدة يقضي في الخصومات كلها، أيّا كان نوعها، في المعارضات المالية، وفي شؤون الأسرة، وفي الحدود والقصاص، وسائر ما يكون فيه الشجار، وليس هناك ما يشير إلى ما يعرف اليوم بالاختصاص القضائي سوى ما جاء في تولية السائب بن يزيد بن أخت النمر من قول عمر بن الخطاب له: رُدّ عني الناس في الدرهم والدرهمين([188])، ويجوز أن يعهد الخليفة إلى القاضي أن يقضي في قضية بعينها وينتهي اختصاصه بالنظر فيها، وكان القضاة يقضون في الحقوق المدنية والأحوال الشخصية، أما القصاص والحدود فكان الحكم فيها للخلفاء، وأمراء الأمصار، فلا بد من موافقتهم على الحكم، ثم انحصرت الموافقة على تنفيذ حد القتل بالخليفة وحده، وبقي للولاة حق المصادقة على أحكام القصاص دون القتل، ولم يكن للقضاء مكان مخصص، بل يقضي القاضي في البيت والمسجد، والشائع جلوسهم في المسجد([189])، ولم تكن الأقضية تسجل لقلتها وسهولة حفظها، وكان بإمكان القاضي حبس المتهم للتأنيب واستيفاء الحقوق، وقد فعل ذلك عمر وعثمان وعلي، فكانت الدولة تهيء السجون في مراكز المدن، وكان القصاص ينفذ خارج المساجد([190]).

.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:17 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png


.
ثالثاً: صفات القاضي وما يجب عليه:

- صفات القاضي: من خلال سيرة عمر رضي الله عنه استنبط العلماء أهم صفات القاضي المراد تعيينه:

1- العلم بالأحكام الشرعية: لأنه سيطبقها على الحوادث، ويستحيل عليه تطبيقها مع الجهل بها.

2- التقوى: فقد كتب عمر إلى معاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح أن انظرا رجالاً من صالحي من قبلكم فاستعملوهم على القضاء([191]).

3- الترفع عما في أيدي الناس: فقد قال عمر رضي الله عنه: لا يقيم أمر الله إلا من لا يصانع، ولا يضارع([192])، ولا يتبع المطامع([193]).

4- الفطنة والذكاء: ويشترط في القاضي أن يكوناً فطناً ذكياً ينتبه إلى دقائق الأمور، فعن الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر فجاءته امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائماً، ويظل نهاره صائماً في اليوم الحر ما يفطر، فاستغفر لها وأثنى عليها وقال: مثلُك أثنى بالخير، قال: فاستحيت المرأة فقامت راجعة، فقال كعب: يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها. قال: وما شكَت؟ قال: شكت زوجها أشد الشكاية، قال: أَوَ ذاك أرادت؟ قال: نعم، قال: ردُّوا عليَّ المرأة فقال: لا بأس بالحق أن تقوليه، إن هذا زعم أنك تشكين زوجك إنه يَجْنَبُ فراشك، قالت: أجل، إني امرأة شابة وإني لأبتغي ما تبغي النساء، فأرسل إلى زوجها فجاء، فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أمير المؤمنين أحق أن يقضي بينهما، قال: عزمت عليك لتقضين بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهمه، قال: إني أرى كأنها عليها ثلاثة نسوة هي رابعتهم فأقضي له بثلاثة أيام بلياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة فقال عمر: والله ما رأيك الأول أعجب إليّ من الآخر، إذهب فأنت قاض على البصرة([194]).


.


5- الشدة في غير عنف واللين من غير ضعف: قال عمر: لا ينبغي أن يلي هذا الأمر إلا رجل فيه أربع خصال: اللين في غير ضعف، والشدة في غير عنف، والإمساك في غير بخل، والسماحة في غير سرف([195])، وقال: لا يقيم أمر الله إلا رجل يتكلم بلسانه كلمة لا يُنقصُ غرْبُه، ولا يطمع في الحق على حدته([196]).

6- قوة الشخصية: قال عمر: لأعزلن أبا مريم وأولين رجلاً إذا رآه الفاجر فرِقَه، فعزله عن قضاء البصرة وولّى كعب بن سور مكانه([197]).

7- أن يكون ذا مال وحسب: فقد كتب عمر إلى بعض عماله لا تستقضين إلا ذا مال وذا حسب؛ فإن ذا المال لا يرغب في أموال الناس، وإن ذا الحسب لا يخشى العواقب بين الناس([198]).


.


- ما يجب على القاضي:

هناك أمور بينها الفاروق لابد للقاضي من مراعاتها لإقامة صرح العدالة منها:

1- الإخلاص لله في العمل: فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: إن القضاء في مواطن الحق يوجب الله له الأجر ويحسن به الذخر، فمن خلصت نيته في الحق ولو كان على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس في قلبه شانه الله، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصاً وما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته([199]).

2- فهم القضية فهماً دقيقاً: ودراستها دراسة واعية قبل النطق بالحكم ولا يجوز له النطق بالحكم قبل أن يتبين له الحق، فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: افهم إذا أدلى إليك، وقال أبو موسى مرة: لا ينبغي لقاضٍ أن يقضي حتى يتبين له الحق كما يتبين له الليل والنهار، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: صدق
أبو موسى([200]).

3- الحكم بالشريعة الإسلامية: سواء كان الخُصوم من المسلمين أم من غير المسلمين، فعن زيد بن أسلم أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: إن ابني هلك، فزعمت اليهود أنه لا حق لي في ميراثه فدعاهم، عمر فقال: ألا تعطون هذه حقها، فقالوا: لا نجد لها حقاً في كتابنا، فقال: أفي التوراة؟ قالوا بل في المشناة، قال: وما المشناة؟ قالوا: كتاب كتبه أقوام علماء وحكماء، فسبهم عمر وقال: اذهبوا فأعطوها حقها([201]).

4- الاستشارة فيما أشكل عليه من الأمور: فقد كتب عمر إلى أحد القضاة: واستشر في دينك الذين يخشون الله عز وجل([202])، وكتب إلى شريح: وإن شئت أن تآمرني ولا أرى مآمرتك إياي إلا أسلم لك([203])، وكان عمر كثير الاستشارة حتى قال الشعبي: من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير([204]).

5- المساواة بين المتخاصمين: وقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: سوِّ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، وكتب أيضاً اجعلوا الناس عندكم في الحق سواء قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، وعندما ادّعى أبيّ بن كعب على عمر دعوى -في حائط- فلم يعرفها عمر فجعلا بينهما زيداً بن ثابت فأتياه في منزله فلما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا -وفي بيته يُؤتى الحَكَم- قال: فتنحى له عن صدر فراشه -وفي رواية فأخرج له زيد وسادة فألقاها إليه- وقال: هاهنا
يا أمير المؤمنين، فقال عمر: جُرْتَ يا زيد في أول قضائك، ولكن أجلسني مع خصْمي، فجلسا بين يديه([205]).


.

6- تشجيع الضعيف: حتى يذهب عنه الخوف ويجترئ على الكلام، فقد كتب عمر إلى معاوية: أدنِ الضعيف حتى يجترئ قلبه وينبسط لسانه([206]).

7- سرعة البت في دعوى الغريب أو تعهده بالرعاية والنفقة: وقد كتب عمر إلى
أبي عبيدة: تعاهد الغريب فإنه إن طال حبسه -أي طالت إقامته وبعده عن أهله من أجل هذه الدعوى- ترك حقه وانطلق إلى أهله، وإنما أبطل حقّه من لم يرفع به رأساً([207]).

8- سعة الصدر: فقد كتب عمر إلى أبي موسى: إياك والضجر، والغضب والقلق والتأذي بالناس عند الخصومة، فإذا رأى القاضي من نفسه شيئاً من هذا، فلا يجوز له النطق بالحكم حتى يذهب عنه ذلك، لئلا يكون الدافع إلى الحكم حالة نفسية معينة، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: ولا تحكم وأنت غضبان([208]) وعن شريح قال: شرط عليّ عمر حين ولاني القضاء أن لا أقضي وأنا غضبان([209])، ومما يؤدي إلى ضيق الصدر ويدفع أحياناً إلى الاستعجال المخل في البت في بعض القضايا الجوع والعطش ونحو ذلك، ولذلك قال عمر: لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريّان([210]).

9- تجنب كل ما من شأنه التأثير على القاضي: كالرشوة، وتساهل التجار معه في البيع والشراء والهدايا ونحو ذلك، ولذلك منع عمر القضاة من العمل بالتجارة، والصفق بالأسواق، وقبول الهدايا والرشاوي، فكتب إلى أبي موسى الأشعري:
لا تبيعن ولا تبتاعن ولا تضاربن ولا ترتش في الحكم، وقال شريح: شرط علي عمر حين ولاّني القضاء أن لا أبيع ولا أبتاع ولا أرشي وقال عمر: إياكم والرشا، والحكم بالهوى([211]).

10- الأخذ بالأدلة الظاهرة: دون البحث عن النوايا، فقد خطب عمر بالناس فكان مما قال: إنا كنا نعرفكم ورسول الله فينا، والوحي ينزل وينبئنا بأخباركم، وأما اليوم فإننا نعرفكم بأقوالكم، فمن أعلن لنا خيراً ظننا به خيراً وأحببناه عليه ومن أعلن لنا شراً ظننا به شراً وأبغضناه عليه وسرائركم فيما بينكم وبين الله([212]).


.

11- الحرص على الصلح بين المتخاصمين: قال عمر: ردّوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس، فإن عادوا بصلح يتفق مع شرع الله أمضاه القاضي وإن كان صلحهم لا يتفق مع أحكام الشريعة نقضه القاضي: قال عمر: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً([213])، وعلى القاضي أن يحرص على الصلح خاصة بين المتخاصمين إذا لم يتبين له الحق، فقد كتب عمر إلى معاوية: احرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء، أو كانت بينهم قرابة، فإن فصل القضاء يورث الشنآن([214]).

12- العودة إلى الحق: إذا أصدر القاضي حكماً في قضية من القضايا ثم تغير اجتهاده في الحكم فيها، فلا يجوز له أن يجعل للاجتهاد الجديد أثراً رجعياً، فينقض به الحكم الذي أصدره قبل تغير اجتهاده، كما لا يجوز لقاضٍ بعده أن ينقض الحكم الصادر، فعن سالم بن أبي الجعد قال: لو كان علي طاعناً على عمر يوماً من الدهر لطعن عليه يوم أتاه أهل نجران، وكان علي كتب الكتاب بين أهل نجران وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، فكثروا على عهد عمر حتى خافهم على الناس، فوقع بينهم الاختلاف، فأتوا عمر فسألوه البدل، فأبدلهم، ثم ندموا، ووقع بينهم شيء فأتوه فاستقالوه، فأبى أن يقيلهم، فلما ولي عليّ أتوه فقالوا: يا أمير المؤمنين شفاعتك بلسانك وخطك بيمينك، فقال علي: ويحكم إن عمر كان رشيد الأمر([215])، فعمر رضي الله عنه رفض نقض القضاء الأول الذي قضاه فيهم، ورفض علي – من بعد عمر – نقض القضاء الذي قضاه عمر فيهم([216])، وقد حدث كثير من التغير في اجتهاد عمر في قضايا كثيرة، منها الحكم في الجد مع الإخوة، وإشتراك الإخوة لأب وأم مع الاخوة لأم في الثلث عندما لم يبق للإخوة لأب وأم من الميراث شيء، ولم ينقل أنه عاد إلى قضائه الأول فنقضه، ولكنه يعمل باجتهاده الجديد في القضايا المستقبلة، ولا يمنعه حكمه القديم من اتباع الحق إذا لاح له، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: ولا يمنعك قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، ولا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل([217])، وبناء على ذلك فقد قضى عمر بن الخطاب في الجد بقضايا مختلفة، وقضى في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأخويها لأبيها وأخويها لأمها، فأشرك عمر بين الأخوة للأم والأب والأخوة لأم في الثلث فقال له رجل: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا. قال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم([218]).

13- تقرير البراءة للمتهم حتى تثبت إدانته: فعن عبد الله بن عامر قال: انطلقت في ركب حتى إذا جئنا ذا المروة سُرقت عيبة لي، ومعنا رجل منهم، فقال له أصحابي: يا فلان اردد عليه عيبته، فقال: ما أخذتها، فرجعت إلى
عمر بن الخطاب فأخبرته. فقال: من أنتم؟ فعددتهم، فقال: أظنه صاحبها
– للذي اتُّهم – فقلت: لقد أردت يا أمير المؤمنين أتي به مصفوداً، قال عمر: أتأتي به مصفوداً بغير بينة([219]).

14- لا اجتهاد في مورد النص: قال عمر: ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور([220])، هذا أهم ما يجب على القاضي أن يلتزم به.

15- إخضاع القضاة أنفسهم لأحكام القضاة:


.

16- كان عمر رضي الله عنه أول من يخضع للقضاة وهو في ذروة الخلافة خضوعاً يزينه الرضى القلبي بالحكم، ويتوجه بالإعجاب الواضح إذا ما أصاب، والثناء الصادق على القاضي حتى ولو صدر الحكم ضده([221])، وهذا مثال على ذلك، فقد ساوم عمر أعرابياً على فرس، فركبه ليجربه، فعطب الفرس، فقال عمر: خذ فرسك. قال الرجل: لا. قال عمر: فاجعل بيني وبينك حكماً، قال الرجل: شريح. فتحاكما إليه، فلما سمع قال: يا أمير المؤمنين خذ ما اشتريت، أو رد كما أخذت. فقال عمر: وهل القضاء إلا هكذا؟ فبعثه إلى الكوفة قاضياً([222]).



.

رابعاً: مصادر الأحكام القضائية:

اعتمد القضاة في العهد الراشدي على نفس المصادر التي اعتمدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاته، وهي الكتاب والسنة والاجتهاد ولكن ظهر في العهد الراشدي أمران:

- تطور معنى الاجتهاد والعمل به، وما نتج عنه من مقدمات ووسائل وغايات، فظهرت المشاورة والشورى، والإجماع، والرأي والقياس.

- ظهور مصادر جديدة لم تكن في العهد النبوي، وهي السوابق القضائية التي صدرت عن الصحابة من عهد خليفة إلى خليفة آخر، فصارت مصادر القضاء في العهد الراشدي هي؛ الكتاب، والسنة، والاجتهاد والإجماع، والقياس، والسوابق القضائية ويظلل ذلك كله الشورى والمشاورة في المسائل والقضايا والأحكام وقد وردت نصوص كثيرة، وروايات عديدة تؤكد هذه المصادر السابقة ونقتطف جانباً منها([223]):


.

1- قال الشعبي عن شريح: قال لي عمر: اقض بما استبان لك من كتاب الله، فإن لم تعلم كل كتاب الله، فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضى به أئمة المهتدين، فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح([224]).

2- وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، وهو على المنبر، يا أيها الناس، إنّ الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً، أن الله كان يُريه، وإنما هو منا الظن والتكلف([225])، وروي عنه أنه قال: هذا رأي عمر فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر([226]).

3- قال ابن القيم: فلما استخلف عمر قال: إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً قاله
أبو بكر([227])، وأكد ذلك عمر أيضاً في كتاب آخر إلى شريح قال فيه: أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله، فإن لم يكن في سنة رسول الله فاقض بما قضى به الصالحون([228]).


.

4- وأما الإجماع: فإن لم يجد القاضي نصاً في القرآن والسنة، رجع إلى العلماء واستشار الصحابة والفقهاء، وعرض عليهم المسألة، وبحثوا فيها، واجتهدوا، فإن وصل اجتهادهم إلى رأي واحد، فهو الإجماع، وهو اتفاق مجتهدي عصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر شرعي، وهو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي باتفاق العلماء وظهر لأول مرة في العهد الراشدي، ووردت فيه نصوص كثيرة، وبحوث طويلة في كتب الفقه، وأصول الفقه، وتاريخ التشريع، ولكن القضايا والمسائل التي حصل فيها الإجماع قليلة، وإن إمكانيته محصورة في المدينة المنورة عاصمة الخلافة، ومجمع الصحابة والعلماء والفقهاء، وهذا يندر في الأمصار الأخرى([229])، فمن ذلك ما روي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنهم: الأخوان في لسان قومك ليسا إخوة، فلم تحجب بهما الأم؟؟ من الثلث إلى السدس في قوله تعالى:} فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ { (النساء،آية:11) فقال: لا أستطيع أن أنقض ما كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث به الناس، وهذا معناه أنه إجماع تم قبل مخالفة ابن عباس، ولا يعتد بمخالفته، والإجماع يتضمن ثلاثة عناصر رئيسة: المشاورة، والاجتهاد، والاتفاق فإن فقد عنصر منها لجأ القاضي إلى المصدر التالي.

5- السوابق القضائية: التي قضى بها السابقون من الخلفاء والصالحين وكبار الصحابة رضي الله عنهم، وهذا ما عبر عنه صراحة عمر رضي الله عنه في سوابق أبي بكر، وما أمر به قضاته وولاته كما سبق([230])، وهذا ما بينه صراحة ابن القيم تحت عنوان (رأي الصحابة خير من رأينا لأنفسنا) وقال: وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيراً من رأينا لأنفسنا وكيف لا؟ وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نوراً وإيماناً، وعلماً، ومعرفة وفهماً عن الله ورسوله، ونصيحة للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم، ولا واسطة بينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غضَّاً طرياً، لم يَشُبه إشكال، ولم يشُبه خلاف، ولم تدنسه معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس([231]).

6- القياس: لكن السوابق القضائية قليلة أيضاً، فإن لم يجد القاضي نصاً ولا إجماعاً، ولا سابقة قضائية اعتمد على الاجتهاد، كما جاء في حديث معاذ، ويأتي في أوليات الاجتهاد قياس مسألة لم يرد فيها نص بمسألة ورد فيها نص، وهو المصدر الرابع للتشريع والفقه والأحكام، وهذا ما جاء في رسالة عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري، قال: ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق([232]).


.

8- الرأي: فإن لم يكن للمسألة والقضية أصل من النصوص لتقاس عليها، اعتمد القاضي على الاجتهاد بالرأي فيما هو أقرب إلى الحق والعدل والصواب وقواعد الشرع ومقاصد الشريعة وهو ما تكرر في النقول السابقة، في رسائل عمر لشريح وغيره([233]) وكانت المشاورة والشورى من أهم الوسائل التي يستعين بها القضاة، كما ورد في الروايات والكتب والرسائل السابقة، وهو ما أكده عمر رضي الله عنه قولاً وفعلاً، لكثرة محبته للشورى مع فقهه، وقلما يقدم على أمر إلا بعد استشارة كبار الصحابة وفقهائهم([234])، وعن الشعبي قال: كانت القضية ترفع إلى عمر رضي الله عنه، فربما يتأمل في ذلك شهراً، ويستشير أصحابه([235]).


.

خامساً: الأدلة التي يعتمد عليها القاضي:


.

إن الأدلة التي يعتمد عليها القاضي في إصدار الحكم هي:

1- الإقرار وتعتبر الكتابة نوعاً من الإقرار.

2- الشهادة: وعلى القاضي أن يتحقق من صلاحية الشهود لأداء الشهادة، فإن لم يعرفهم هو، طلب منهم أن يأتوا بمن يعرفهم، فقد شهد رجل عند عمر بشهادة فقال له: لست أعرفك، ولا يضرك أن لا أعرفك، إئت بمن يعرفك فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، فقال: بأي شيء تعرفه؟ قال بالعدالة والفضل، قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فهل عاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: لست تعرفه([236])، والشهادة مقدمة على اليمين سواء أقامها صاحبها قبل أن يحلف خصمه اليمين أو بعد أن يحلف اليمين، فإذا استحلف المدعي المدعى عليه على دعواه، فحلفه القاضي على ذلك، ثم أتى المدعي بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى، قبلت بينته، وردت اليمين، قال عمر: اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة([237])،والمطالب بالشهادة هو المدعي، فقد كتب عمر إلى أبي موسى فيما كتب: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر([238])، فإن لم يتوفر عند المدعي إلا شاهد واحد اعتبر بشهادته وحلف معها المدعي اليمين، فقد كان عمر يقضي في المال باليمين مع الشاهد الواحد([239]).

3- اليمين: ولا يلجأ القاضي إلى تحليف اليمين إلا عند عجز المدعي عن إقامة البينة ومطالبة المدعي باليمين، فإن حلف قضى بيمينه وقد قضى عمر على وادعة بالقسامة فحلفوا، فأبرأهم من الدم، وقد تحاكم عمر وأبي بن كعب إلى زيد بن ثابت في نخل ادّعاه أبيّ، فتوجهت اليمين على عمر فقال زيد: اعف أمير المؤمنين، قال عمر: ولم يعف أمير المؤمنين؟ إن عرفت شيئاً استحققته بيميني، وإلا تركته، والذي لا إله إلا هو إن النخل لنخلي وما لأبيّ فيه حق فلما خرجا وهب النخل لأبيّ، فقيل له: يا أمير المؤمنين هلا كان هذا قبل اليمين؟ فقال: خفت أن لا أحلف فلا يحلف الناس على حقوقهم بعدي فتكون سنة([240])،
ولا يجوز لمن استحقت عليه اليمين أن يمتنع عنها ورعاً، وقد رأينا فيما تقدم كيف أن عمر حلف فلما استحق الحق تنازل عنه.

وكان عمر رضي الله عنه يغلظ الأيمان على بعض المتخاصمين بتحليفهم إياها في مكان يوقع الرهبة في نفوسهم فلا يجرأون على الكذب فيها، فقد حلّف جماعة مرة في الحجر، واستحلف آخر بين الركن والمقام([241]).

4- القيافة في قضايا إثبات النسب: وهي من القرائن القوية التي يُحكم بمقتضاها، دلّ على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين والصحابة، وقد أثبت الحكم بالقيافة عمر بن الخطاب، وابن عباس وغيرهم([242]).


.

5- القرائن: والقرائن باب واسع يتفنن القضاة في استنباطها ويعتبر من القرائن القوية قرينة الحبل للمرأة التي لم يسبق لها زواج فهو يعتبر دليلاً على الزنا، ومثله الولادة لمدة أقل من مدة الحمل، ومنها وجود ميتين أحدهما فوق الآخر، فإن هذا الوضع قرينة قوية على أن الذي مات أولاً هو الأسفل، وأن الذي مات آخراً هو الأعلى، ولذلك فقد كان عمر في طاعون عمواس إن كانت يد أحد الميتين أو رجله على الآخر ورَّث الأعلى من الأسفل ولم يورث الأسفل من الأعلى، ومن القرائن القوية على شرب الخمر وجودها في القيء، وقد أقام عمر حد الشرب على من وجدها في قيئه([243]).

6- علم القاضي: لا يعتبر علم القاضي في الحدود دليلاً يخوّل له إصدارَ الحكمِ على المتهم، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن لا يأخذ الإمامُ بعلمه ولا ظنه ولا بشبهته([244])، وقال لعبد الرحمن بن عوف أرأيتَ لو رأيتُ رجلاً قتل أو سرق أو زنى، قال: أرى شهادتك شهادة رجل من المسلمين قال عمر: أصبت([245])، وأما في غير الحدود؛ فقد اختلفت الرواية عن عمر في اعتبار علم القاضي حجة تخول القاضي الاعتماد عليها في الحكم إن لم يتوفر من الأدلة غيرها([246]) هذا وقد كان عمر رضي الله عنه حريصاً على عدم تشجيع الناس على الاعتراف بخطاياهم، بل يريد لهم الستر والتوبة فيما بينهم وبين الله تعالى، فلما خطب شرحبيل بن السمط الكندي وكان يتولى مسلحة([247]) دون المدائن، فقال: أيها الناس، إنكم في أرض الشراب فيها فاشٍ، والنساء فيها كثير، فمن أصاب منكم حداً، فليأتنا فلنقم عليه الحد، فإنه طهوره، فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: (( لا أحل لك أن تأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم ))([248])، ولكن إذا رفع الناس الأمر إلى القضاء، فإن الدولة كانت تقيم الحدود دون هوادة([249])، وكان رضي الله عنه عندما يريد أن يحكم بين خصمين يدعو بهذا الدعاء: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان علي من كان الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين([250]).


.

سادساً: من أحكام الفاروق وعقوباته في بعض الجرائم والجنايات:

1- تزوير الخاتم الرسمي للدولة:

حدث في عهد الفاروق رضي الله عنه أمر خطير لم يحدث من قبل، ذلك أن معن بن زائدة استطاع أن يزور خاتم الدولة بنقشه مثله وأخذ به مالاً من بيت مال المسلمين ورفع أمره إلى عمر رضي الله عنه، فضربه عمر مائة وحبسه، فكلم فيه فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد فضربه مائة ونفاه([251]).



2- رجل سرق من بيت المال بالكوفة:

لم يقطع عمر من سرق من بيت المال، فقد سأل ابن مسعود عمر عمن سرق من بيت المال فقال: أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق([252])، وجلده تعزيراً([253]).



3- السرقة في عام الرمادة:

سرق غلمان حاطب بن أبي بلتعة في عام الرمادة ناقة لرجل مزني فنحروها وأكلوها ورفع الأمر إلى الفاروق، فطلب الغلمان فاعترفوا أنهم سرقوها من حرز والذين سرقوا عقلاء مكلفون ولم يدعوا ضرورة ملجئة للسرقة، فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم – ولكنه – وهو يعيش عام الرمادة ويرى حال الناس التمس لهم عذراً فقال لمولاهم: إني أراك تجيعهم؟ واكتفى بذلك وأوقف القطع وأمر للمزني بثمن ناقته مضاعفة([254]) (800 درهم)، فقد درء الحد عنهم للضرورة([255]).

.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:18 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png


.

4- مجنونة زنت:

أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار الناس فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: أما علمت أن القلم قد رفع، فذكر الحديث وفي آخره قال: بلى قال فما بال هذه ترجم؟ فأرسلها([256])، وجعل عمر يكبر([257]).


5- ذمي استكره مسلمة على الزنا:

حدث ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، فصلبه لأنه خالف شروط العهد([258]).


6- إكراه نساء على الزنا:

أتي عمر بإماء من إماء الإمارة استكرههنّ غلمان من غلمان الإمارة فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء([259])، وأتي عمر بامرأة زنت فقال: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها([260])، فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل، فقد حدث في عهد عمر: أن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها.

7- حكم من جهل تحريم الزنا:

عن سعيد بن المسيب: أن عاملاً لعمر بن الخطاب كتب إلى عمر يخبره: أن رجلاً اعترف عنده بالزنى؟ فكتب إليه عمر، أن سله: هل كان يعلم أنه حرام، فإن قال: نعم، فأقم عليه الحد، وإن قال: لا، فأعلمه أنه حرام، فإن عاد فاحدده([261]).


.

8- تزوجت في عدتها وهي وزوجها لا يعلمان التحريم:

تزوجت امرأة في عدتها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربها دون الحد وفرق بينهما([262])، وجلد الزوج تعزيراً([263]).


9- امرأة تزوجت ولها زوج كتمته:

رجمها عمر، وجلد الزوج مائة سوط، ولم يُرْجم للجهالة([264]).


10- اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا:

فشهد عليه ثلاثة وتراجع الرابع فقال عمر: الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد r([265])، وأقام حد القذف على الشهود الثلاثة لأن الشهادة لم تكتمل بالثلاثة([266]).


.

11- حكم من تسرت بغلامها:

تزوجت امرأة عبدها، فقيل لها، فقالت: أليس الله يقول} وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ { فهذا ملك يمين ورفع الأمر إلى عمر رضي الله عنه فقال لها: لا يحل لك ملك يمينك([267]) وفي رواية وفرق بينهما وجلدها مئة تعزيراً لا حداً، وقد أسقط عمر عنها الحد لجهلها بالتحريم([268]).


12- امرأة اتهمت زوجها بجاريتها:

اتهمت امرأة زوجها بجاريتها ثم اعترفت بأنها وهبتها له، فحكم عمر رضي الله عنه؛ بإقامة حد القذف على المرأة ثمانين جلدة([269]).


13- إقامة حد القذف بالتعريض:

حدث في عهد الفاروق أن عرّض أحد الأشخاص بآخر فقال له: ما أبي بزان
ولا أمي بزانية، فاستشار عمر في ذلك فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال آخرون: كان لأبيه وأمه مكان غير هذا، نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين جلدة([270])، فعمر رضي الله عنه قد جلد الحد بالتعريض لأن القرينة كانت واضحة، فقد كان الرجل يعرّض بصاحبه لأن الحال تبين لك فهو ما قال إلا بعد سب ومخاصمة، وفعل عمر رضي الله عنه يعتبر سياسة أراد بها تأديب السفهاء وحفظ أعراض الأبرياء وهي سياسة حكيمة لا تخالف نصاً من كتاب ولا سنة، بل إنها عمل بروح الشريعة الغرّاء([271]).

14- إهدار دم اليهودي المعتدي على العرض:

كان شابان صالحان متآخيان في عهد عمر رضي الله عنه، فأغزى أحدهما فأوصى أخاه بأهله، فأنطلق ذات ليلة إلى أهل أخيه يتعهدهم فإذا سراج في البيت يزهر، وإذا يهودي في البيت مع أهل أخيه وهو يقول:

وأشعت غره الإسلام مني
أبيت على ترائبها ويمسي
كأن مجامع الربلات([272]) منها


خلوت بعرسه ليل التمام([273])
على جرداء لاحقه الحزام([274])
فئام ينهضون إلى فئام([275])


.

فرجع الشاب إلى أهله فاشتمل على السيف حتى دخل على أهل أخيه، فقتل اليهودي ثم جرده فألقاه في الطريق، فأصبح اليهود وصاحبهم قتيل لا يدرون من قتله، فأتوا عمر بن الخطاب، فدخلوا عليه، وذكروا ذلك له، فنادى عمر في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله رجلاً علم من هذا القتيل علماً إلا أخبرني به فقام الشاب، فأنشد عمر الشعر وأخبره فقال عمر: لا يقطع الله يديك، وأهدر دمه([276]).



15- قتيل الله لا يودى أبداً:

روى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في سننه: أن رجلاً استضاف ناساً من هذيل، فأرسلوا جارية تحتطب لهم، فأعجبت المضيف فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنعت، فعاركها ساعة، فانفلتت منه، انفلاتة فرمته بحجر، ففضت كبده فمات، ثم جاءت إلى أهلها فأخبرتهم، فذهب أهلها إلى عمر فأخبروه، فأرسل عمر، فوجد آثارهما فقال: قتيل الله لا يودى أبداً فهو رضي الله عنه قد أهدر دم ذلك المعتدي فلا قصاص ولا دية ولا كفارة.



16- لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم:

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن غلاماً قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم وفي رواية: إن أربعة قتلوا صبياً فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم([277])، وهذا الحكم لم يوجد فيه نص من كتاب ولا سنة ولم يوجد أثر عن الصديق أنه قضى بمثله، وإنما بنى حكمه على فهمه لمقاصد الشريعة والتي جاءت لحفظ أمن المجتمع واستقراره، إذ أن الدماء ليست أمراً هيناً، ولذلك يقتضي العدل، ومصلحة الأمة، ومقاصد الشريعة القصاص إذا ثبت أن الجميع تواطئوا على قتله وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وسعيد بن المسيب والحسن وأبي سلمة وعطاء وقتادة والثوري، والأوزاعي وغيرهم([278])، وهذا الرأي هو الأرجح والأَولى بالاتباع وذلك لقوة الدليل في فعل عمر وإجماع الصحابة ولما فيه من حكمة في ردع وزجر الناس وحفظ النفوس في المجتمع([279]).


.

17- عقوبة الساحر القتل:

كتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة([280])، ونفذ ذلك وكان إجماعاً من الصحابة([281]).

18- من قتل ولده متعمداً؟ وما حكم المسلم الذي يقتل ذمياً؟

حكم عمر رضي الله في من قتل ولده بدفع الدية([282])، وأما المسلم الذي يقتل ذمياً فحكمه القتل قصاصاً وهذا حدث في عهد عمر حيث قتل مسلم ذمياً بالشام، فقتل قصاصاً([283]).


19- الجمع بين الدية والقسامة:

القسامة: هي الأيمان المكررة في دعوى القتل من أولياء القتيل أو المدعى عليهم([284])، وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الشعبي: أن قتيلاً وجد بين وادعة وشاكر([285])، فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب فأحلفهم خمسين يميناً، كل رجل: ما قتلته ولا علمت قاتله، ثم أغرمهم الدية، فقالوا: يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت عن أموالنا ولا أموالنا دفعت عن أيماننا فقال عمر: كذلك الحق([286]).

20- اللهم لم أشهد ولم آمر، ولم أرضَ ولم أسر إذ بلغني:

لما أُتي عمر بفتح (تستر) قال: هل كان شيء؟ قالوا: نعم رجل ارتد عن الإسلام. قال: فما صنعتم به قالوا: قتلناه. قال: فهلا أدخلتموه بيتاً وأغلقتم عليه وأطعمتموه كل يوم رغيفاً فاستتبتموه فإن تاب وإلا قتلتموه، ثم قال: اللهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرضَ، ولم أُسر إذ بلغني([287]).


21- جعل حد الخمر ثمانين جلدة:

لما تولى الفاروق الخلافة وكثرت الفتوحات الإسلامية وتحسنت أحوال الناس، وتباعدت الديار ودخل كثير من الناس الإسلام ولم يأخذوا التربية الإسلامية الكافية والتفقه في الدين كمن سبقهم من المسلمين، فكثر في الناس شرب الخمر وكانت مشكلة أمام عمر، فجمع كبار الصحابة وشاورهم في الأمر، فاتفقوا على أن يبلغ هذا الحد ثمانين وهو أدنى الحدود، فعمل به ولم يخالفه أحد من الصحابة في عهده([288])، فقد ذكر ابن القيم: أن خالد بن الوليد بعث وبرة الصليتي من الشام إلى عمر قال فأتيته وعنده طلحة والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف متكئون في المسجد فقلت له إن خالد بن الوليد يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الناس قد انبسطوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فما ترى. فقال عمر: هم هؤلاء عندك. قال: فقال عليّ: أراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأجمعوا على ذلك فقال عمر: بلغ صاحبك ما قالوا، فضرب خالد ثمانين وضرب عمر ثمانين([289]).

22- إحراق حانوت الخمر:

عن يحيى بن سعيد بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجد عمر في بيت رجل من ثقيف شراباً فأمر به فأحرق، وكان يقال له رويشد فقال: أنت فويسق([290])، وقال ابن الجوزي: وأحرق يعني عمر بيت رويشد الثقفي، وكان حانوتاً يعني نباذاً([291])، وقال ابن القيم: وحرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حانوت الخمر بما فيه، وحرق قرية تباع فيها الخمر([292]).


23- أنكحها نكاح العفيفة المسلمة:

أتى عمر رضي الله عنه رجل فقال: إن ابنة لي كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركت معنى الإسلام فأسلمت، ثم أصابها حد من حدود الله، فأخذت الشُّفرة لتذبح نفسها، وأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها([293])، فداويتها حتى برأت، ثم أقبلت بعد توبة حسنة، وهي تخطب إلى قوم، فأخبرهم بالذي كان؟ فقال عمر: رضي الله عنه: أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه، والله لئن أخبرت بشأنها أحداً لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة([294]).


24- من طلق زوجته يمنعها من الميراث:

عن سالم عن أبيه أن غيلان الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال النبيصلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعاً، فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل إليه عمر فقدم عليه، فقال له: إني أظهر أن الشيطان فيما يسترق السمع سمع بموتك فقذف في قلبك أنك تموت، فحملك مبادرة ذلك على ما صنعت، وإني والله لأظنك لا تلبث بعد أن تقوم عن حضري هذا حتى تموت، وايم الله لئن مت قبل أن تراجع نساءك وترجع مالك لأورثن نساءك من مالك، ثم لأرجمن قبرك حتى أجعل عليه مثل ما على قبر
أبي رغال، فراجع نساءه – ولم يكن بت طلاقهن – وارتجع ماله الذي قسم بين بنيه، ثم ما لبث أن مات([295]).


.

25- أقل مدة الحمل وأكثره:

رفعت إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجاءت أختها إلى عليّ فقالت: إن عمر همّ برجم أختي، فأنشدك الله إن كنت تعلم لها عذراً لما أخبرتي به، فقال علي: إن لها عذراً، فكبرت تكبيرة سمعها عمر ومن عنده، فانطلقت إلى عمر فقالت: إن علياً زعم أن لأختي عذراً، فأرسل عمر إلى علي: ما عذرها؟ فقال إن الله يقول: ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) وقال: (( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)) فالحمل ستة أشهر والفصال أربعة وعشرون شهراً فخلى عمر سبيلها، وقد يبقى الحمل في بطن أمه أكثر من تسعة أشهر، فقد رفعت لعمر امرأة غاب عنها زوجها سنتين، فجاء وهي حبلى، فهم عمر برجمها فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين إن يك لك السبيل عليها، فليس لك السبيل على ما في بطنها، فتركها عمر حتى ولدت غلاماً قد نبتت ثناياه، فعرف زوجها شبهه به، قال عمر: عجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر([296])، ويظهر أن عمر كان يرى أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، لأنه قضى في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة قال ابن قدامة حاكياً مذهب عمر في ذلك: المفقود تتربص زوجته أربع سنين أكثر مدة الحمل، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج([297]).


.

سابعاً: فرض القيود على الملكية حتى لا يقع تعسّف في استعمالها:

ومن اجتهادات عمر التي سبق بها زمانه والتي تدل على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتفرض قيوداً على الملكية حتى لا يقع تعسف في استعمالها ما رواه مالك في الموطأ: عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك، لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك، فقال محمد لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعلَ الضحاك([298])، وكان هذا قياساً من عمر على حديث
أبي هريرة الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) ثم قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم([299]).

ويظهر لنا أن ما فعله عمر هو قياس أولى، لأن نهي النبي الجار أن يمنع جاره غرز خشبة في جداره، هذه العملية وإن كانت لا تضر الجار فإنها في ذات الوقت لا تنفع هذا الجار، في حين أن مرور الماء اجتمع فيه الأمران معاً، نفع الجار، وعدم إلحاق الضرر به، فهو قياس أولى، وإذا كان أحمد إبراهيم يرى أن عمر قضى في هذه النازلة بما يعرف اليوم بقواعد العدالة([300])، فإن عبد السلام السليماني يرى أنها تدخل فيما يعرف اليوم في الفقه الغربي بنظرية التعسف في استعمال الحق هذه النظرية التي سبق إليها المسلمون الفقه الغربي بعدة قرون، وقد استمدت من حديث أبي هريرة سالف الذكر، الذي عممه عمر في كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز ذلك إلا بإذن جاره([301]).

ويلاحظ على هذه النازلة عدة أمور وهي:

1- أن هذه النازلة تدخل في الاجتهاد القضائي لعمر، لأنه قضى فيها بناء على شكوى تقدم بها الضحاك إلى عمر بعد أن امتنع محمد بن مسلمة من الاستجابة لما طلب منه بصفة ودية، وبعد أن دعي هذا الأخير للحضور في مجلس عمر رضي الله عنه.

2- أن عمر لم يحكم في هذه النازلة جزافاً بل إنه تثبت في الأمر واطلع على ملابسات القضية وتأكد من إصرار الخصم على موقفه الرافض لمرور الماء في أرضه، وهو موقف لا مبرر له، لأن مرور الماء لم يكن يشكل أي ضرر على المدعى عليه بل على العكس من ذلك كان سيعود عليه بالنفع المحض ويحقق المصلحة المشتركة للطرفين معاً، وما دام الأمر كذلك فإن الامتناع عنه يشكل حائلاً أمام تحقيق مصلحة عامة ويدخل في نطاق التعسف في استعمال الحق، ولم يكن عمر ليتهاون في تحقيق الصالح العام لكل أفراد الأمة.

3- لاين سيدنا عمر محمد بن مسلمة، وهو يخاطبه مذكراً إياه بأخوة الإسلام محاولاً إقناعه بالرجوع إلى جادة الصواب ولما قابل هذا اللين بالرفض البات المشفوع بالقسم، وهو موقف أبان عن تحد لأمر الخليفة وامتناع عن الانصياع لحكمه، فجاء رد فعل عمر عنيفاً وفي مستوى مسؤوليته صونا لهيبة الخلافة التي لم يكن يستعملها إلا لتحقيق الصالح العام لجماعة المسلمين وصيانة الحقوق([302]).


.

ثامناً: إمضاؤه الطلاق الثلاث بلفظ واحد:

عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم([303])، وعن أبي الصهباء قال
لابن عباس: أتعلم أنّما كانت الثلاث تُجعلُ واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس نعم([304]).

في هذين الأثرين قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإيقاع الطلاق الثلاث ثلاثاً، على خلاف ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الصديق، حيث كان الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد أو مجلس واحد يوقع طلقة واحدة. ووجهة عمر في إيقاع هذه العقوبة والتعزير أن الناس أكثروا من إحداث طلاق الثلاث، فأراد أن يردهم إلى الطلاق السُّنِّي الذي شرعه الله، وهو إيقاع طلقة واحدة ثم يتركها حتى تنتهي عدتها، فإن كان له رغبة في عودة وشائج الزوجية راجعها قبل انتهاء العدة، وهكذا حتى تنتهي عدد الطلاق الثلاث([305])، وهذا التصرف من عمر بن الخطاب اعتبره بعض الناس مخالفة للنصوص ومنهم الدكتور عطية مصطفى مشرفة حيث قال: وكان عمر جريئاً في العمل بالرأي ولو خالف ذلك بعض النصوص والقواعد التي كانت معروفة ومعمولاً بها من قبل، ليكون الحكم ملائماً لأحوال المجتمع الإسلامي الجديد([306])، وذكر من الأمثال التي ضربها إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث ثلاثاً([307]) والحق أن عمر بهذا التصرف لم يخالف النصوص القطعية، وإنما اجتهد في فهم النصوص، إذ له سند منها:

1- روى مالك عن أشهب عن القاسم بن عبد الله أن يحيى بن سعيد حدّثه أن
ابن شهاب حدثه، أن ابن المسيب حدَّثه، أن رجلاً من أسلم طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات، فقال له بعض الصحابة: إن لك عليها رجعة، فانطلقت امرأته حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي طَلَّقَني ثلاث تطليقات في كلمة واحدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد بنت منه ولا ميراث بينكما([308]). ففي هذا الحديث أمضى رسول اللهصلى الله عليه وسلم الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثاً.

2- روى النسائي بسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجُلٌ وقال: يا رسول الله ألا أقتله([309])، ففي هذا الحديث غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من طلق امرأته ثلاثاً بلفظ واحد وأنكر عليه، مما يدل على وقوعها، إذ لو لم تقع الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً لبيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن تأخير البيان عن وقت
الحاجة مع إمكانه غير جائز([310]).

3- وعن نافع بن عمير بن عبد يزيد بن ركانة، أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سُهيمة ألبتَّة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان([311]).

ففي هذا الحديث لما طلق ركانة زوجته البتة، وادعى أنه لم يرد إلا طلقة واحدة، استحلفه الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه ما يريد إلا طلقة واحدة، فحلف فردها إليه، مما يدل على أنه لو قصد بطلاقه البتة الطلاق الثلاث لوقعن، وإلا فلم يكن لتحليفه معنى، وبعد سياق ما تقدم نجد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استند إلى دليل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه بإمضائه الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً لم يكن بدعا من عند نفسه، كما أن كثيراً من الصحابة رضوان الله عليهم وافقه فيما ذهب إليه، كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود ولهم أكثر من رواية، وعمران بن حصين وعلى هذا فقضية إيقاع الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة، أو كلمات مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق وطالق وطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو يقول: أنت طالق ثم ثلاثاً أو عشر طلقات، أو مائة طلقة، أو ألف طلقة، أو نحو ذلك من العبارات مسألة اجتهادية للحاكم بحسب ما يرى من المصلحة في الزمان والمكان أن يوقعها ثلاثاً أو طلقة واحدة رجعية([312])، وقال ابن القيم رحمه الله: لم يخالف عمر إجماع من تقدمه، بل رأى إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم، لما علموا أنه حرام وتتابعوا فيه، ولا ريب أن هذا سائغ للأئمَّة أن يلزموا الناس بما ضيقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصة الله عزوجل وتسهيله([313]).


.

تاسعاً تحريم نكاح المتعة:

رويت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه آثار في تحريم نكاح المتعة والتشديد في ذلك، واعتباره زنا يعاقب عليه بالرجم بالحجارة لمن أحصن وقد ظن بعض الناس أن المحرِّم لنكاح المتعة هو عمر بن الخطاب دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي نضرة قال: كان
ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن
عبد الله فقال: على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء الله بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتُّوا نكاح هذه النِّساء فلن أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة([314])، فهذا الأثر يفيد أن المتعة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذي حرّمها عمر بن الخطاب والآثار التي تفيد أن المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحرمها وكذلك عهد أبي بكر وإنما الذي حرم المتعة بعد أن كانت حلالاً، هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب ذُكرت عند مسلم، ومصنف
عبد الرزاق وفي الحقيقية أن الذي حرّم المتعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذين نقل عنهم من الصحابة الذين كانوا يرون جواز نكاح المتعة، ولم يبلغهم النهي القاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك من نسب تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب دون أن يكون له سند من النصوص الشرعية من المتأخرين، أمثال أبي هلال العسكري([315])، ورفيق العظم([316]) فقد جهل أدلة ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت سنداً للفاروق في تحريمه للمتعة وإليك بعض الأحاديث التي وردت عن رسول الله والتي تفيد أنه حرم نكاح المتعة والتي منها:

1- روى مسلم بسنده عن سلمة قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس([317]) في المتعة ثلاثاً، ثم نهى عنها([318]).

2- وروى مسلم بسنده عن سبرة أنه قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء([319])، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطى؟ فقالت ردائي وقال صاحبي ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه([320])، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إليَّ أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثاً ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يَتَمتَّعُ، فليُخل سبيلها([321]).

3- وروى مسلم بسنده عن سبرة الجهني، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إنِّي قد كنت أَذِنْتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء فليُخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً([322]).

4- ورورى مسلم بسنده عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُليِّنُ في متعة النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية([323]).

إن الفاروق رضي الله عنه لم يبتدع تحريم نكاح المتعة من عند نفسه، بل كان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حرمها صلى الله عليه وسلم عام الفتح في السنة الثامنة من الهجرة تحريماً مؤبداً، بعد أن حرمها في خيبر سنة ست من الهجرة، ثم أحلها عام الفتح فمكث الناس خمسة عشرة يوماً وهم يستمتعون، ثم حرمها صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة([324]).


.

عاشراً: من اختيارات عمر رضي الله عنه الفقهية:

أثّر عمر رضي الله عنه في المؤسسة القضائية باجتهاداته في مجال القصاص والحدود والجنايات والتعزير، كما أنه رضي الله عنه ساهم في تطوير المدارس الفقهية الإسلامية باجتهاداته الدالة على سعة اطلاعه وغزارة علمه وعمق فقهه وفهمه واستيعابه لمقاصد الشريعة الغرّاء وله مسائل كثيرة في الفقه الإسلامي اختارها ومال إليها وإليك بعضها:

1- اختار عمر رضي الله عنه أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إذا كانت طاهرة في حال الحياة.

2- اختار عمر رضي الله عنه كراهة الصلاة في جلود الثعالب.

3- اختيار عمر رضي الله عنه لا يكره السواك للصائم بعد الزوال بل يستحب.

4- اختيار عمر رضي الله عنه أن المسح على الخفين وما أشبهها موقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر.

5- اختيار عمر رضي الله عنه ابتداء مدة المسح على المسح بعد الحدث.

6- أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

7- اختيار عمر أن مس الذكر ينقض الوضوء.

8- اختيار عمر أن التكبير في العيد من الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.

9- اختيار أبي بكر وعمر المشي أمام الجنازة أفضل.

10- اختياره تجب الزكاة على الصبي والمجنون.

11- اختيار عمر القول بإثبات خيار الفسخ، وإن لكل واحد الخيار ما دام في المجلس.

12- اختيار لا يصح السلم في الحيوان.

13- اختياره أنه إذا شرط أنه متى حل الحق ولم يوف فالرهن بالدين، فهو مبيع بالدين، الذي عليك، فهو شرط فاسد.

14- اختيار عمر إذا وجد الغريم عين ماله عند المفلس فهو أحق بها.

15- اختيار عمر أن الجارية لا يدفع إليها مالها بعد بلوغها حتى تتزوج أو تلد أو تمضي عليها سنة في بيت الزوج.

16- اختيار عمر أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها.

17- اختيار عمر أن الشفعة لا تكون إلا في المشاع غير المقسوم، فأما الجار فلا شفعة له.

18- اختياره تجوز المساقاة في جميع الشجر.

19- اختيار أبي بكر وعمر جواز استئجار الأجير بكسوته.

20- اختياره لا تلزم الهبة إلا بالقبض.

21- اختياره من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يُثب عليها، ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع.

22- اختياره أن مدة تعريف اللقطة سنة.

23- اختياره يجوز أخذ اليسير من اللقطة، والانتفاع به من غير تعريف.

24- اختيار عمر أن اللقطة إذا عرفها المدة المعتبرة، فلم يعرف مالكها، صارت كسائر أمواله غنياً كان أو فقيراً.

25*- اختيار عمر أن لقطة الحل والحرم سواء.

26- اختياره اللقيط يقر بيد من وجده إن كان أميناً.

27- اختياره: جواز الرجوع في الوصية وقال: يغير الرجل ما شاء من وصيته.

28- اختيار عمر أن الكلالة اسم للميت الذي لا ولد له ولا والد.

29- اختياره أن الأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل.

30- إذا كان زوج وأم، وإخوة من أم وإخوة من أب وأم فهذه المسألة في علم المواريث اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، فيروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين، ويروى أن عمر كان أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة، فشرك بينهم وهذه المسألة تسمى المشرَّكة وتسمّى الحمارية لما تقدم.

31- اختياره أن للجدات وإن كثرت السدس وهو قول أبي بكر.

32- اختيار عمر في أم وأخت وجد؛ للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد.

33- اختيار عمر إذا كان زوج وأبوان؛ أعطي الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب وإذا كانت زوجة وأبوان أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب وهاتان المسألتان تسميان بالعمريتين، لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا.

34- اختيار توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ذوا فرض ولا عصبة([325]).

.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:19 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 

([1]) دراسات في الحضارة الإسلامية أحمد إبراهيم الشريف ص253.
([2]) نفس المصدر ص254.
([3]) مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي د.سعاد إبراهيم صالح ص213.
([4]) سياسة المال في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب، عبد الله جمعان السعدي ص8.
([5]) الموطأ (1/256)، عصر الخلافة الراشدة ص194.
([6]) الموسوعة الحديثة مسند أحمد رقم 82، إسناده صحيح.
([7]) صحيح الترمذي (1/196) وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.
([8]) عصر الخلافة الراشدة ص194،195.
([9]) عصر الخلافة الراشدة ص195، الأموال لابن زنجويه (3/990) الأثر صحيح.
([10]) الأموال أبو عبيد ص455 والأثر صحيح نقلاً عن عصر الخلافة الراشدة ص195.
([11]) عصر الخلافة الراشدة ص195.
([12]) المصنف (4/134، 135) والأثر صحيح نقلاً عن عصر الخلافة الراشدة ص195.
([13]) عصر الخلافة الراشدة ص195 والأثر صحيح.
([14]) نفس المصدر ص195 والأثر صحيح.
([15]) نفس المصدر ص196 والأثر صحيح.
([16]) فتح الباري (3/313) نقلاً عن عصر الخلافة الراشدة ص196.
([17]) الحياة الاقتصادية في العصور الإسلامية الأولى د. محمد بطابنة ص104.
([18]) عصر الخلافة الراشدة ص196، 197.
([19]) السياسة الشرعية لابن تيمية ص113، 114، المعاهدات في الشريعة د. الديك ص313.
([20]) أهل الذمة في الحضارة الإسلامية حسن المِمّي ص39.
([21]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص235.
([22]) نفس المصدر ص235 نقلاً عن مصنف ابن أبي شيبة (1/141).
([23]) البخاري، ك الجزية والموادعة رقم 3156.
([24]) سواد العراق.
([25]) البخاري، رقم 3156.
([26]) أهل الذمة في الحضارة الإسلامية ص42.
([27]) موسوعة فقه عمر ص238.
([28]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص238 نقلاً عن المحلى (7/345).
([29]) نفس المصدر ص239 نقلاً عن المغني (8/511).
([30]) موسوعة فقه عمر ص239.
([31]) المعاهدات في الشريعة الإسلامية د. الديك ص314.
([32]) فتوح البلدان ص143، الموارد المالية د. يوسف عبد المقصود ص228.
([33]) تاريخ الدعوة الإسلامية د. جميل المصري ص327.
([34]) دور الحجاز في الحياة السياسية ص230.
([35]) دور الحجاز في الحياة السياسية ص230.
([36]) عصر الخلافة الراشدة ص173.
([37]) نفس المصدر ص231، عصر الخلافة الراشدة ص167.
([38]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص243.
([39]) أهل الذمة في الحضارة الإسلامية ص43.
([40]) نفس المصدر ص43.
([41]) تاريخ الطبري (5/30) وقد ضعف الدكتور العمري هذه الرواية، انظر عصر الخلافة الراشدة ص167.
([42]) التاريخ الإسلامي (11/141، 142).
([43]) الأموال (1/37) نقلاً عن سياسة المال في الإسلام عبد الله جمعان ص72.
([44]) فتح القدير (1/514)، سياسة المال في الإسلام ص72.
([45]) فتوح البلدان ص186، سياسة المال في الإسلام ص72، يعتبر كتاب سياسة المال في عهد عمر بن الخطاب للأستاذ عبد الله جمعان السعدي هو العمدة في مبحث المؤسسة المالية فقد قمت بتلخيصه وإضافة عض الأشياء.
([46]) سياسة المال في الإسلام ص72.
([47]) نفس المصدر ص73، النظام الإسلامي المقارن ص39.
([48]) نفس المصدر ص73.
([49]) الأحكام السلطانية والولايات الدينية ص164.
([50]) سياسة المال في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب ص174.
([51]) سياسة المال في الإسلام في عهد عمر ص76.
([52]) نفس المصدر ص67.
([53]) الخراج لأبي يوسف ص24،25، اقتصاديات الحرب ص215.
([54]) الاستخراج لأحكام الخراج ص40، اقتصاديات الحرب ص215.
([55]) سياسة المال في الإسلام ص103.
([56]) الأموال لأبي عبيد ص75، سياسة المال ص103.
([57]) الخراج لأبي يوسف ص67، اقتصاديات الحرب ص217.
([58]) الخراج لأبي يوسف ص67، اقتصاديات الحرب ص217.
([59]) سياسة المال في الإسلام في عهد عمر ص105.
([60]) أخبار عمر ص210.
([61]) مسلم رقم 1780.
([62]) النسائي في الكبرى في الحج (2/ 38) الفتاوى (20/ 313).
([63]) الفتاوى (20/ 312، 313).
([64]) الاجتهاد في الفقه الإسلامي ص131.
([65]) المصدر نفسه ص131، 132.
([66]) الخراج لأبي يوسف ص40، 41.
([67]) الخراج لأبي يوسف ص38.
([68]) الخراج لأبي يوسف 39، سياسة المال في الإسلام ص108.
([69]) الخراج لأبي يوسف ص40، سياسة المال في الإسلام ص108.
([70]) الدولة العباسية للخضري ص144، سياسة المال ص109.
([71]) سياسة المال في الإسلام ص111.
([72]) نفس المصدر ص114.
([73]) نفس المصدر ص118.
([74]) الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام، مصطفى منجود ص317، 318.
([75]) الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام، مصطفى منجود ص317، 318.
([76]) الدور السياسي للصفوة ص185.
([77]) الدعوة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب حسني غيطاس ص130.
([78]) الدعوة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر ص131 .
([79]) نفس المصدر ص132 .
([80]) نفس المصدر ص135 .
([81]) أهل الذمة في الحضارة الإسلامية ص63 .
([82]) الخراج لأبي يوسف ص271، اقتصاديات الحرب ص223 .
([83]) سياسة المال في الإسلام ص128 .
([84]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص651 .
([85]) نفس المصدر ص651 .
([86]) الخرج لأبي يوسف ص145،146 سياسة المال ص128 .
([87]) التجارة وطرقها في الجزيرة العربية د. محمد العمادي ص332 .
([88]) الحياة الإقتصادية في العصور الإسلامية الأولى ص101 .
([89]) شرح السير الكبير (5/2133،2134) الحياة الاقتصادية ص101 .
([90]) سياسة المال في الإسلام ص132 .
([91]) سياسة المال في الإسلام ص133 .
([92]) نفس المصدر ص133 .
([93]) تاريخ الدعوة الإسلامية د. جميل عبد الله المصري ص322 .
([94]) الخراج لأبي يوسف ص19 نقلاً عن عصر الخلافة الراشدة ص183 .
([95]) عصر الخلافة الراشدة ص188 .
([96]) عصر الخلافة الراشدة ص189 .
([97]) نفس المصدر ص189 .
([98]) سياسة المال في الإسلام ص155 .
([99]) مقدمة ابن خلدون 243 ، سياسة المال في الإسلام ص155 .
([100]) سياسة المال في الإسلام ص157 .
([101]) الطبقات لابن سعد (3/300،301) خبر صحيح.
([102]) مقدمة ابن خلدون ص244 ، الخراج لأبي يوسف ص48،49 .
([103]) الأحكام السلطانية ص226،227 فتوح البلدان ص436 .
([104]) الأحكام السلطانية ص226 ، تاريخ الإسلام السياسي (1/456).
([105]) الأحكام السلطانية ص226 ، سياسة المال ص158 .
([106]) مقدمة ابن خلدون ص244 ، سياسة المال ص159 .
([107]) سياسة المال في الإسلام ص159 .
([108]) نفس المصدر ص159 .
([109]) الأحكام السطانية للماوردي ص201 .
([110]) السياسة الشرعية لابن تيمية ص48 ، أولويات الفاروق ص358 .
([111]) جامع الأصول (2/71) ، أخبار عمر ص94 .
([112]) فتوح البلدان ص436 ، الأحكام السلطانية ص227 .
([113]) سياسة المال في الإسلام ص160 .
([114]) صبح الأعشى في قوانين الإنشاء للقلقشندي (1/89).
([115]) فقه الزكاة (1/318) هذا المصدر والذي فوقه من سياسة المال ص160 .
([116]) سياسة المال في الإسلام ص169 .
([117]) النظام الإسلامي المقارن ص112 ، سياسة المال ص171 .
([118]) الأموال لأبي عبيد (4/676)، سياسة المال ص171 .
([119]) سياسة المال في الإسلام ص172 .
([120]) نفس المصدر ص173 .
([121]) عصر الخلافة الراشدة ص202 .
([122]) سياسة المال في الإسلام ص175 .
([123]) سياسة المال في الإسلام ص177،178 .
([124]) الأبعاد السياسية لمفهوم الأمن في الإسلام ص306 .
([125]) الاجتهاد في الفقه الإسلامي ص132، 133.
([126]) المصدر نفسه ص134.
([127]) الطبقات (3/283).
([128]) سياسة المال في الإسلام ص184.
([129]) سياسة المال في الإسلام ص184.
([130]) سياسة المال في الإسلام ص198.
([131]) الأحكام السلطانية ص227، سياسة المال ص119.
([132]) الطبقات (3/301).
([133]) تاريخ اليعقوبي (2/153،154).
([134]) سياسة المال في الإسلام ص200.
([135]) عصر الخلافة الراشدة ص214.
([136]) نفس المصدر ص214.
([137]) نفس المصدر ص214.
([138]) نفس المصدر ص215.
([139]) نفس المصدر ص215.
([140]) سياسة المال في الإسلام ص202.
([141]) سياسة المال في الإسلام ص203، الطبقات الكبرى (3/298).
([142]) الطبقات الكبرى (3/299) كتاب الخراج لأبي يوسف ص50.
([143]) عصر الخلافة الراشدة ص216، الأموال ابن زنجويه (2/576).
([144]) الأثر صحيح، عصر الخلافة الراشدة ص216.
([145]) عصر الخلافة الراشدة، ص217 الأثر صحيح.
([146]) عصر الخلافة الراشدة ص217 الأثر حسن.
([147]) الخراج لأبي يوسف ص22.
([148]) الخراج لأبي يوسف ص22.
([149]) سياسة المال في الإسلام ص205، 206.
([150]) تاريخ المدينة لابن شبة (2/698) الأثر صحيح.
([151]) نفس المصدر (2/698)، عصر الخلافة الراشدة ص218.
([152]) الطبقات (3/313)، عصر الخلافة الراشدة ص218.
([153]) الإدارة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ص364 .
([154]) نفس المصدر ص366 .
([155]) الأحكام السلطانية ص147 .
([156]) شذور العقود في ذكر النقود ص31-33 .
([157]) الإدارة العسكرية في عهد عمر ص367 .
([158]) الطبقات الكبرى (3/104) الأثر صحيح، عصر الخلافة الراشدة ص220 .
([159]) البخاري، التاريخ الصغير (1/81)، عصر الخلافة الراشدة ص221 .
([160]) عصر الخلافة الراشدة ص221 الأثر صحيح.
([161]) نفس المصدر ص221 .
([162]) نفس المصدر ص222 .
([163]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (2/53).
([164]) القضاء في الإسلام، عطية مصطفى ص77 .
([165]) النظام القضائي في العهد النبوي والخلافة الراشدة، القطان ص47 .
([166]) أخبار القضاء لوكيع (2/188).
([167]) النظام القضائي في العهد النبوي ص49 .
([168]) أخبار القضاء لوكيع (1/108).
([169]) وقائع ندوة النظم الإسلامية في أبي ظبي (1/375).
([170]) عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعري.
([171]) أسى بينهم: سوُى
([172]) حيفك: ظلمك.
([173]) استحللت: سأله أن يُحِله له.
([174]) عُدول: هو المستقيم في أمره.
([175]) درأ الشيء: دفعه.
([176]) الغلق: ضاق صدره وقلّ صبره.
([177]) أعلام الموقعين لابن القيم (1/85).
([178]) أخبار عمر ص174 .
([179]) مجموعة الوثائق السياسية ص438 .
([180]) البيان والتبيين (2/150).
([181]) جامع بيان العلم وفضله (2/70).
([182]) النظام القضائي، مناع القطان ص72،73 .
([183]) مغني المحتاج (4/382)، النظام القضائي ص77 .
([184]) النظام القضائي ص77 .
([185]) عصر الخلافة الراشدة ص143 .
([186]) النظام القضائي ص76 .
([187]) عصر الخلافة الراشدة ص159 .
([188]) النظام القضائي ص74 ، عصر الخلافة الراشدة ص144 .
([189]) عصر الخلافة الراشدة ص145 .
([190]) نفس المصدر ص145 .
([191]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص723 ، المغني (9/37).
([192]) يضارع: يرائي.
([193]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (2/102).
([194]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص723 .
([195]) نفس المصدر ص724 .
([196]) نفس المصدر ص724 .
([197]) نفس المصدر ص724 .
([198]) نفس المصدر ص724 .
([199]) أعلام الموقعين لابن القيم (1/85).
([200]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص725.
([201]) نفس المصدر ص725.
([202]) نفس المصدر ص725، سنن البيهقي (10/112).
([203]) نفس المصدر ص725، سنن البيهقي (10/110).
([204]) نفس المصدر ص725، سنن البيهقي (10/109).
([205]) صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص259.
([206]) مجموعة الوثائق السياسية ص438.
([207]) نفس المصدر ص438.
([208]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص726.
([209]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص726، المغني (9/79).
([210]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص726، سنن البيهقي (10/106).
([211]) نفس المصدر ص727.
([212]) البخاري رقم 2641، سنن البيهقي (10/ 125، 150).
([213]) تاريخ المدينة (2/ 769) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص727.
([214]) أعلام الموقعين (1/ 108).
([215]) سنن البيهقي (10/ 120) موسوعة فقه عمر ص728.
([216]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص728.
([217]) أعلام الوقعين (1/ 85).
([218]) أعلام الموقعين (1/ 111) موسوعة فقه عمر ص729.
([219]) موسوعة فقه عمر ص729، المحلى (11/ 132).
([220]) أعلام الموقعين (1/ 85)، مجلة البحوث العلمية (7/ 287).
([221]) شهيد المحراب ص211.
([222]) عصر الخلافة الراشدة ص147، شهيد المحراب ص211.
([223]) تاريخ القضاء في الإسلام، د. محمد الزحيلي ص118.
([224]) أعلام الموقعين (1/224)، تاريخ القضاء في الإسلام ص119 .
([225]) تاريخ القضاء في الإسلام ص120 ، إعلام الموقعين (1/57).
([226]) أعلام الموقعين (1/58) ، تاريخ القضاء في الإسلام ص120 .
([227]) أعلام الموقعين (1/224).
([228]) تاريخ القضاة في الإسلام ص120 .
([229]) نفس المصدر ص122 .
([230]) نفس المصدر ص122 ، 123 .
([231]) أعلام الموقعين (1/87) تاريخ القضاء في الإسلام ص123 .
([232]) تاريخ القضاء في الإسلام ص124 .
([233]) أعلام الموقعين (1/70) فما بعدها.
([234]) تاريخ القضاة ص125 .
([235]) نفس المصدر ص125 .
([236]) سنن البيهقي (10/125) موسوعة فقه عمر ص731 .
([237]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص731 .
([238]) سنن البيهقي (10/153،150).
([239]) المغني (9/151) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص732 .
([240]) تاريخ المدينة المنورة (2/755) موسوعة فقه عمر ص732 .
([241]) موسوعة عمر بن الخطاب ص733 .
([242]) النظام القضائي مناع القطان ص81،82 .
([243]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص735 .
([244]) نفس المصدر ص735 ، مصنف عبد الرزاق (8/342).
([245]) سنن البيهقي (10/144)، موسوعة فقه عمر ص735).
([246]) موسوعة فقه عمر ص735 .
([247]) مقاتلون يراقبون العدو في الثغر الذي يسكنونه لئلا يباغتهم.
([248]) القضاء في خلافة عمر، ناصر الطريفي (2/862).
([249]) عصر الخلافة الراشدة ص146 .
([250]) الحلية (6/140) ، الطبقات (3/290) إسناده صحيح.
([251]) أولويات الفاروق ص453 .
([252]) المغني (12/386) في الإرواء (2422) إسناده ضعيف.
([253]) عصر الخلافة الراشدة ص148 .
([254]) المنتقى شرح الموطأ للباجي (6/63).
([255]) عصر الخلافة الراشدة ص148 .
([256]) الخلافة الراشدة د. يحيى اليحيى ص351 ، عصر الخلافة الراشدة ص148 .
([257]) عصر الخلافة ص148 .
([258]) الموطأ (2/827) ، المغني (12/217) ، البخاري رقم 2548 .
([259]) السنن الكبرى للبيهقي (8/35) ، المغني (12/217).
([260]) السنن الكبرى (8/236) ، المغني (12/218).
([261]) المحلى (12/107) رقم 2198 .
([262]) المحلى (12/192) رقم 2215 .
([263]) عصر الخلافة الراشدة ص149 .
([264]) نفس المصدر ص149 .
([265]) المغني (12/245).
([266]) عصر الخلافة الراشدة ص149 .
([267]) المحلى (12/194) رقم 2216 .
([268]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص203 .
([269]) عصر الخلافة الراشدة ص150 .
([270]) السنن الكبرى لليهقي (8/ 252).
([271]) أوليات الفاروق ص439، 440.
([272]) الربلات: جمع ربلة وهي باطن الفخذ وما حول الضرع.
([273]) ليل التمام: الليل الطويل.
([274]) الحزام: ضيقة غليظة.
([275]) الفئام: هي الجماعات من الناس.
([276]) أوليّات الفاروق ص414 .
([277]) البخاري، ك الديات رقم 6896.
([278]) المغني لابن قدامة (11/ 387).
([279]) انظر: أولويات الفاروق السياسية ص409.
([280]) أولويات الفاروق السياسية ص447.
([281]) نفس المرجع ص447.
([282]) عصر الخلافة الراشدة ص153، المغني (11، 405).
([283]) عصر الخلافة الراشدة ص153.
([284]) أوليات الفاروق ص264.
([285]) أوليات الفاروق ص266، قبيلتان باليمن.
([286]) السنن الكبرى للبيهقي (8/ 123 – 124) أوليات الفاروق ص466.
([287]) محض الصواب (1/ 372).
([288]) أعلام الموقعين (1/ 211).
([289]) أعلام الموقعين (1/ 211).
([290]) الأموال لأبي عبيد ص125، رقم 267، أوّليات الفاروق ص435.
([291]) نباذاً: صانع النبيذ.
([292]) الطرق الحكيمة: ص15، 16.
([293]) الودج: عرق في العنق.
([294]) محض الصواب (2/ 709) إسناده صحيح إلى الشعبي ولكنه منقطع بين الشعبي وعمر .
([295]) موسوعة فقه عمر ص47 .
([296]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص371.
([297]) نفس المصدر ص371.
([298]) راجع الموطأ وكتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ ص638 – 639 ، الموطأ (2/746)
([299]) سبل السلام شرح بلوغ المرام (3/ 60).
([300]) علم أصول الفقه وتاريخ التشريع ص39.
([301]) الاجتهاد في الفقه الإسلامي ص140، 141.
([302]) الاجتهاد في الفقه الإسلامي ص141، 142.
([303]) مسلم، ك الطلاق رقم 1472 .
([304]) مسلم، ك الطلاق رقم 1472 .
([305]) القضاء في عهد عمر بن الخطاب د. ناصر الطريفي (2/733).
([306]) القضاء في الإسلام ص98 .
([307]) المصدر نفسه ص99 .
([308]) المدونة الكبرى، ك الطلاق، باب طلاق السنة (2/62) وهو مرسل، ولكن مراسيل سعيد بن المسيب كلها صحاح.
([309]) سنن النسائي، ك الطلاق الثلاث المجموعة (6/142) قال ابن حجر عن هذا الحديث: أخرجه النسائي ورجاله ثقات فتح الباري (9/362) وقال ابن القيم: وإسناده على شرط مسلم زاد المعاد (5/241).
([310]) القضاء في عهد عمر بن الخطاب(2/736).
([311]) سنن أبي داود، ك الطلاق، باب في البتة (1/511) قال أبو داود وهذا أصح من حديث جريج إن ركانة طلق امرأته ثلاثاً لأنهم أهل بيته وهم أعلم به وقال النووي: وأما الرواية التي رواها المخالفون أن ركانة طلق ثلاثاً فجعلها واحدة فرواية ضعيفة عن قوم مجهولين وإنما الصحيح منها ما قدمناه أنه طلقها ألبتة ولفظ البتة محتمل للواحدة والثلاثة شرح النووي (10/71).
([312]) الفقهاء في عهد عمر بن الخطاب (2/736-739).
([313]) زاد المعاد (5/270).
([314]) مسلم، ك الحج، رقم 1217 .
([315]) الأوائل (1/238-239).
([316]) أشهر مشاهير الإسلام (2/432)، القضاء في عهد عمر بن الخطاب (2/756).
([317]) أوطاس: وادٍ في الطائف ويوم أوطاس ويوم فتح مكة في عام واحد، وهو سنة ثمان من الهجرة شرح النووي لصحيح مسلم (9/184).
([318]) مسلم، ك النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة (2/1033).
([319]) البكرة: هي الفتية من الإبل، أي الشابة القوية، وأما العيطاء فهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام شرح النووي لمسلم (9/184-185).
([320]) وفي رواية ثانية لمسلم. وهو قريب من الدمامة.
([321]) أي يتمتع بها، فحذف بها لدلالة الكلام عليه، أو أوقع يتمتع موقع يباشر أي يباشرها وحذف المفعول.
([322]) مسلم ك النكاح رقم 1406 .
([323]) مسلم ك النكاح _2/1027) رقم 1407 .
([324]) القضاء في عهد عمر بن الخطاب (2/756).
([325]) انظر محض الصواب (3/754-774).


.


https://www.iraqup.com/up/20120513/4U..._630801726.png

Arsalan 05-14-2012 11:20 PM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
https://www.iraqup.com/up/20120514/Oj..._963088032.png



.

بفضل الله تعالى تُم طرح هذا الجزء مِن السيرة الكريمة بسلام الحمدلله

ومقدماً أحيطكم بعلم قد أتأخرُ في طرح الجزء الرابع بسبب أختباراتي .

نسأل الله أن يوفق جميع الطلاب وينالُ أبهر النجاح , دعواتكُم للطلاب

وصلى الله وسلم على حبيبنا إمام المرسلين وآله وصحبه أجمعين

.: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته :.


.



https://www.iraqup.com/up/20120514/Kf...1_29448730.png

Θ_ģĥÕśŢ 05-15-2012 12:00 AM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
حجز

Saito _ san 05-15-2012 12:33 AM

رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~
 
راااااائع جدا

انها من اروع السيرات التي قرأتها

شكرا جزيلا لك اخي على طرحك المفيد

سدد الله خطاك واتمنى ان تكون لك في ميزان حسناتك


الساعة الآن 04:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لموقع مونمس / " يمنع منعاً باتا المواضيع السيئة المخالفة للشريعة الإسلامية" التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما رأي الكاتب نفسه


Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.0