ابو عماد
02-05-2011, 05:23 AM
العشرة المبشرون بالجنة
روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو
بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح "
إذا العشرة المبشرون بالجنة هم :
أبوبكر الصديق رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عثمان بن عفان رضي الله عنه
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه
الزبير بن العوام رضي الله عنه
عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه
سعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) رضي الله عنه
سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه
أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه
ولقد تم ذكر السيرة العطرة للخلفاء الراشدين الاربعة
وسنواصل السيرة العطرة للستة الباقين المبشرين بالجنة
============
طلحة بن عبيد الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة "
نسبه
هو طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، وهو أحد العشرة
المبشرين بالجنة، و لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار
رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه
باتباعه وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي
يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن
يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول صلى الله عليه وسلم حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل
ايمانه
لقد كان طلحة رضي الله عنه من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ،
وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم الا غزوة بدر ،
فقد ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند
عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي صلى
الله عليه وسلم بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها
وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير ) وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ويوم حنين ( طلحة الجود )
بطولته يوم أحد
في أحدأبصر طلحة رضي الله عنه جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول صلى الله
عليه وسلم فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام
الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول صلى
الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر رضي
الله عنه عندما يذكر أحدا :( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح
رضي الله عنه : " دونكم أخاكم " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة
ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )
وقد نزل قوله تعالى :
(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر * وما بدلوا تبديلا ))
تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا :
" من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة "
ما أجملها من بشرى لطلحة رضي الله عنه ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب
وهكذا عاش طلحة رضي الله عنه وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ،
واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت
دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ،
تقول زوجته سعدى بنت عوف : دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟
فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني
فقلت له : ما عليك ، اقسمه
فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال :
ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله ، فدعا
بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما .
وكان رضي الله عنه من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ،
لقد قيل : كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ، وكان
يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم .
ويقول السائب بن زيد : صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت
أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة .
طلحة والفتنة
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه أيد طلحة حجة المعارضين
لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل
عثمان رضي الله عنه ، لا لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان
كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي رضي الله عنهم جميعا وخرجوا الى مكة معتمرين ،
ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة
والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي رضي الله عنه
عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)
ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟
فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )
فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )
الشهادة
وأقلع طلحـة و الزبيـر رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا
حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه
رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا :
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم :
(( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ))
ثم نظر الى قبريهما وقال : ( سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : " طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة " )
قبر طلحة
لما قتل طلحة دفن الى جانب الفرات ، فرآه حلما بعض أهله فقال :
ألاتريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت .. قالها ثلاثا .
فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر
كأنه السلق ، ولم يتغير منه إلا عقصته ، فاشتروا له دارا بعشرة آلاف ودفنوه
فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قتل ستين سنة وقيل أكثر من ذلك .
============
الزبيـر بن العوام
حواري رسول الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن لكل نبي حوارياً ، وحواريّ الزبير بن العوام "
نسبه
هو الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب
كما أن أمه صفية )رضي الله عنه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أسماء
بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة
وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا
الزبير وطلحة
يرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة
والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من
العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويجتمعان
بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا :( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ،
و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته .
أول سيف شهر في الإسلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا
بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام
الإسلام الأولى سرت شائعة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فما كان من الزبير
إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ، وفي أعلى مكة لقيه
الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله ماذا به ؟
فأخبره النبأ فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب
إيمانه وصبره
كان للزبير رضي الله عنه نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن
عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه : اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب فيجيب
الفتى الغض : ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )
وهاجر الزبيررضي الله عنه الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع
الرسول صلى الله عليه وسلم
غزوة أحد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول صلى الله عليه
وسلم الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير رضي الله
عنهما سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش
ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين
بنو قريظة
وفي يوم الخندق قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟ "
فقال الزبير : ( أنا ) فذهب
ثم قالها الثانية فقال الزبير : ( أنا ) فذهب
ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر : ( أنا ) فذهب
فقال النبـي صلى الله عليه وسلم : " لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي "
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول صلى الله عليه وسلم ، أرسل
الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان:
( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )
ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة
المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه
يوم حنين
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك
الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ،
وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة
حبه للشهادة
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول :
( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني
لأسمي بني بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )
وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش
وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو
وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو
وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب
وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب
وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر
وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد
وصيته
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى
ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا :
( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )
وسأله عبد الله : أي مولى تعني ؟
فأجابه : ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )
يقول عبدالله فيما بعد : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه
موقعة الجمل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي رضي الله عنهم جميعا
وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت وقعة
الجمل عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع
علي رضي الله عنه عندما رأى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)
ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟ فقلت : ألا أحب ابن خالي ،
وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )
فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )
وأقلع طلحة و الزبير رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما
ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه
عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .
الشهادة
لما كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل
الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن
عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا :
( بشر قاتل ابن صفية بالنار )
وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله وأمعن في البكاء وهو يقول :
( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا :
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم :
(( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ))
ثم نظر الى قبريهما وقال :
سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة "
عبدالرحمن بن عوف
نسبه
عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر
الإسلام فما غـم عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول صلى الله عليه وسلم
يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين .
ولد بعد الفيل بعشر سنين وأسلم قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم
دار الأرقم وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذي أسلموا
على يد أبي بكر، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع.
وكان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، الذين جعل
عمر بن الخطاب الخلافة فيهم، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي
وهو عنهم راضٍ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في سفرة، وجرح
يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله فكان يعرج منها، وسقطت ثنيتاه فكان أهتم.
التجارة
كان رضي الله عنه محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عجبه فقال :
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا ) وكانت التجارة عنده رضي
الله عنه عملا وسعيا لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما
نراه حين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين
عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ، قال سعد لعبد الرحمن رضي الله عنهما :
أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ،
فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها .
فقال عبد الرحمن رضي الله عنه : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على
السوق وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح .
حق الله
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون
حقا فيها ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوما :
" يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك "
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما
أرضا بأربعين ألف دينار فرقها جميعا على أهله من بني زهرة وأمهات المسلمين وفقراء
المسلمين ،وقدم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة .
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن
شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان رضي الله عنه نصيبا من الوصية فأخذها وقال :
( إن مال عبد الرحمن حلال صفو ، وإن الطعمة منه عافية وبركة )
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قيل :
أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثلث يقرضهم ، وثلث يقضي عنهم ديونهم ،
وثلث يصلهم ويعطيهم ) وخلف بعده ذهب كثير ، ضرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال .
قافلة الإيمان
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ،
لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجها رجا ، وسألت
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟ )
وأجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فعجِبت أم المؤمنين
رضي الله عنها :( قافلة تحدث كل هذه الرجة ؟ ) قالوا لها : أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة .
وهزت أم المؤمنين رضي الله عنها رأسها وتذكرت :
( أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا " ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن
بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ،
فحث خطاه الى السيدة عائشة رضي الله عنها وقال لها :
( لقد ذكرتني بحديث لم أنسه ) ثم قال :
( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها
الخوف
وثراء عبد الرحمن رضي الله عنه كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما
بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال :
( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكـفن في بردة إن غطت رأسه بدت رجلاه ،
وإن غطت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يكـفـن
فيه إلا بردة ، ثم بسـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني
لأخشى أن نكون قد عجلـت لنا حسناتنا )
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه : ما يبكيك يا أبا محمد ؟
قال : ( لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخرنا لما هو خير لنا )
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل : أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو
جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم .
الهروب من السلطة
كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من
بعده قائلا : ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض ) وأشار الجميع الى عبد الرحمن
في أنه الأحق بالخلافة فقال :
( والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي ، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إلي من ذلك )
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي
أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم
وقال له علي كرم الله وجهه :
( لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء ،
وأمين في أهل الأرض ) فاختار عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ( عثمان بن عفان )
رضي الله عنه للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره .
وفاته
في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه رضي الله عنه وأرادت أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها أن تخصه بشرف لم تخص به سواه ، فعرضت عليه أن يدفن
في حجرتها الى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله
عنهما ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن
مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه وكان يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع :
( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرهفت أذناه للسمع كما لو كان
هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول صلى الله عليه وسلم :
" عبد الرحمن بن عوف في الجنة "
============
سعد بن أبي وقاص
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يا سعد : ارم فداك أبي و امي "
نسبه
هو سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق فهو من بني زهرة أهل
آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الرسول صلى الله عليه
وسلم يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع نفر من
أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :
" هذا خالي فليرني أمرؤ خاله "
اسلامه
كان سعد قد رأى وهو ابن سبع عشرة سنة في منامه أنه يغرق في بحر الظلمات،
وبينما هو يتخبط فيها، إذ رأى قمرًا، فاتبعه، وقد سبقه إلى هذا القمر ثلاثة، هم:
زيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، ولما طلع الصباح سمع أن
رسول الله يدعو إلى دين جديد ، فعلم أن هذا هو القمر الذي رآه ، فذهب على الفور
ليلحق بركب السابقين إلى الإسلام ، فكان سعد رضي الله عنه من النفر الذين دخلوا
في الاسلام أول ما علموا به فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة قال سعد :
( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله
أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور فمضيت اليه مسرعا حتى
لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد رضي الله عنهم )
ثورة أمه
يقول سعد رضي الله عنه : ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى
بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول :
يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك ؟ والله لتدعن دينك الجديد
أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر
فقلت : ( لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )
الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها فلما رأها
سعد قال لها: ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك
ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )
فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها . ونزل قوله تعالى :
(( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي
ولوالديك الي المصيروأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما
وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ))
الدعوة المجابة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة
يردون ذلك لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له :" اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته "
ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له : ( إذن أدعو عليك )
فقال الرجل : أراك تتهددني كأنك نبي !
فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا :
( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )
فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادة لا يردها شيء ، حتى دخلت
في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات .
أول دم هريق في الإسلام
في بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب
فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب
من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم
ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد رضي الله عنه يومئذ رجلا من المشركين بلحي
بعير فشجه العظم الذي فيه الأسنان ، فكان أول دم هريق في الإسلام .
أول سهم رمي في الإسلام
بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه الى ماء
بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى
يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام
غزوة أحد
وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف سعد
يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي جعل يحرضه ويقول له :
" يا سعد ارم فداك أبي وأمي "
وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول :
( ما جمع الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أبويه إلا لي )
وذلك حين فداه بهما
إمرة الجيش
عندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن
رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف :
( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري ) وقد ولاه عمر رضي الله عنه امرة جيش
المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين
وزعيمهم رستم وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا
عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال :
( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده
ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )
وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة
الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر
ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم .
إمارة العراق
ولاه عمر رضي الله عنهما إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم
اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا : إن سعدا لا يحسن يصلي
ويضحك سعدا قائلا : ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )
واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا
قائلا : ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة )
ويؤثر البقاء في المدينة
الستة أصحاب الشورى
و عندما حضرت عمر رضي الله عنه الوفاة بعد أن طعنه المجوسي جعل الأمر من بعده الى
الستة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ،
وقال عمر : ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )
سعد والفتنة
اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له : يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس
بهذا الأمر ، فيجيبه سعد رضي الله عنه :
( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت بهالكافر قطع )
فتركه ابن أخيه بسلام وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا : مالك لم تقاتل معنا ؟
فأجابه : ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ أخ وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )
فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ولكن قال الله تعالى :
(( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ))
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية
فأجاب سعد رضي الله عنه قائلا :
( ما كنت لأقاتل رجلا يعني علي بن أبي طالب قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )
وفاته
وعمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كثيرا وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير لكنه
حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال :
( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدرواني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا )
وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له :
( ما يبكيك يا بني ؟ إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )
فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا وكانت وفاته سنة
خمس وخمسين بالعقيق، فحمل على الأعناق إلى المدينة، ودفن بها ليكون آخر من مات
من العشرة المبشرين بالجنة وآخر من مات من المهاجرين رضي الله عنهم ودفن في البقيع .
============
سعيد بن زيد عمرو
نسبه
هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل العدوي القرشي أبو الأعور ، من خيار الصحابة
وابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة )
وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ،
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو و زوجته
أم جميل فاطمة بنت الخطـاب رضي الله عنها
والده
وأبوه رضي الله عنه ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحـد اللـه تعالى
بغيـر واسطـة حنيفيـا ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :
( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بلغك ،
ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟ )
قال صلى الله عليه وسلم : " نعم "
واستغفر له وقال :
" إنه يجيءَ يوم القيامة أمة وحدهُ "
المبشرين بالجنة
روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) " ، وسعيد بن زيد بن عمرو
بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح " رضي الله عنهم أجمعين
الدعوة المجابة
كان رضي الله عنه مجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته
الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال :
( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها ) فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيتها
الولاية
كان سعيد بن زيد رضي الله عنه موصوفا بالزهد محترما عند الولاة ، ولما فتح
أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاه إياها ، ثم نهض مع من معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد رضي الله عنه :
( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني
من مرضاة ربي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملك من هو أرغب إليه مني ،
فإني قادم عليك وشيكا إن شاء الله والسلام )
وفاته
توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين .
============
أبوعبيدة بن الجراح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح "
نسبه
أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري يلتقي مع النبي صلى الله عليه
وسلم في أحد أجداده (فهر بن مالك) وأمه من بنات عم أبيه أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر .
كان رضي الله عنه طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية أسلم على يد
أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة
في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها.
غزوة بدر
في غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) رضي الله عنه يتصدى له، فجعل
أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر قصده فقتله ، فأنزل الله هذه الآية :
(( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يوادون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الأيمان ))
غزوة أحد
يقول أبوبكر الصديق رضي الله عنه :
( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته
حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانسان
قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت :
اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا هو
أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال :
( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على
الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ،
فكان أبوعبيدة في الناس أثرم .
غزوة الخبط
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة
عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل
أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم
حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر
راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ،
غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط .
مكانة .. أمين الأمة
قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا
فقال عليه الصلاة والسلام : " لأبعثن - يعني عليكم - أمينا حق امين ) فتشوف أصحابه
رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ولكن
لينطبق عليهم وصف النبي صلى الله عليه و سلم " أمينا حق امين " وكان عمر نفسه
رضي الله عليه من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك بل صار - كما قال يتراءى -
أي يري نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم حرصا منه رضي الله عنه أن يكون أمينا حق أمين.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز جميع الصحابة وقال : " قم يا أباعبيدة "
كما كان لأبي عبيدة رضي الله عنه مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وهو يجود بأنفاسه :
( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت :
استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )
معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد رضي الله عنه معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية
الرومانية توفي أبوبكر الصديق رضي الله عنه ، وتولى الخلافة بعده عمر رضي
الله عنه ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة
وعزل خالد وصل الخطاب الى أبي عبيدة رضي الله عنه فأخفاه حتى انتهت المعركة ،
ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد رضي الله عنه:
( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟ )
فأجاب أبوعبيدة رضي الله عنه
: ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )
وأصبح أبوعبيدة رضي الله عنه أمير الأمراء بالشام .
تواضعه
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا :
( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني
بتقوى الا وددت أني في اهابه )
وعندما زار أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له : من ؟
قال رضي الله عنه : ( أبوعبيدة بن الجراح )
وأتى أبوعبيدة رضي الله عنه وعانقه أمير المؤمنين رضي الله عنه ثم صحبه الى
داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم :
( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟ )
فأجاب أبوعبيدة رضي الله عنه :
( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )
طاعون عمواس
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد " طاعون عمواس " وكان أبوعبيدة رضي
الله عنه أمير الجند هناك فخشي عليه عمر رضي الله عنه من الطاعون فكتب اليه
يريد أن يخلصه منه قائلا :
( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي واذا
وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي فان لي حاجة اليك )
وفهم أبوعبيدة رضي الله عنه المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من
الطاعون فكتب الى عمر رضي الله عنه متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال :
( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من
المسلمين يصيبني ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين )
ولما وصل الخطاب الى عمررضي الله عنه بكى فسأله من حوله : هل مات أبوعبيدة ؟
فقال رضي الله عنه : ( كأن قد )
والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة ، اذ لا خلاص منه مع الطاعون .
كان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجند ، فلم يبق إلا ستـة
آلاف رجـل والآخرون ماتوا ومات أبوعبيـدة رضي الله عنه سنة ( 18 ) ثماني
عشرة للهجرة في طاعون عمواس وقبره في غور الأردن
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى
روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو
بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح "
إذا العشرة المبشرون بالجنة هم :
أبوبكر الصديق رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عثمان بن عفان رضي الله عنه
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه
الزبير بن العوام رضي الله عنه
عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه
سعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) رضي الله عنه
سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه
أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه
ولقد تم ذكر السيرة العطرة للخلفاء الراشدين الاربعة
وسنواصل السيرة العطرة للستة الباقين المبشرين بالجنة
============
طلحة بن عبيد الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة "
نسبه
هو طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، وهو أحد العشرة
المبشرين بالجنة، و لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار
رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه
باتباعه وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي
يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن
يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول صلى الله عليه وسلم حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل
ايمانه
لقد كان طلحة رضي الله عنه من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ،
وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم الا غزوة بدر ،
فقد ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند
عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي صلى
الله عليه وسلم بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها
وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير ) وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ويوم حنين ( طلحة الجود )
بطولته يوم أحد
في أحدأبصر طلحة رضي الله عنه جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول صلى الله
عليه وسلم فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام
الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول صلى
الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر رضي
الله عنه عندما يذكر أحدا :( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح
رضي الله عنه : " دونكم أخاكم " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة
ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )
وقد نزل قوله تعالى :
(( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر * وما بدلوا تبديلا ))
تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا :
" من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة "
ما أجملها من بشرى لطلحة رضي الله عنه ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب
وهكذا عاش طلحة رضي الله عنه وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ،
واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت
دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ،
تقول زوجته سعدى بنت عوف : دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟
فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني
فقلت له : ما عليك ، اقسمه
فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال :
ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله ، فدعا
بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما .
وكان رضي الله عنه من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ،
لقد قيل : كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ، وكان
يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم .
ويقول السائب بن زيد : صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت
أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة .
طلحة والفتنة
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه أيد طلحة حجة المعارضين
لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل
عثمان رضي الله عنه ، لا لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان
كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي رضي الله عنهم جميعا وخرجوا الى مكة معتمرين ،
ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة
والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي رضي الله عنه
عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)
ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟
فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )
فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )
الشهادة
وأقلع طلحـة و الزبيـر رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا
حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه
رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا :
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم :
(( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ))
ثم نظر الى قبريهما وقال : ( سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : " طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة " )
قبر طلحة
لما قتل طلحة دفن الى جانب الفرات ، فرآه حلما بعض أهله فقال :
ألاتريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت .. قالها ثلاثا .
فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر
كأنه السلق ، ولم يتغير منه إلا عقصته ، فاشتروا له دارا بعشرة آلاف ودفنوه
فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قتل ستين سنة وقيل أكثر من ذلك .
============
الزبيـر بن العوام
حواري رسول الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن لكل نبي حوارياً ، وحواريّ الزبير بن العوام "
نسبه
هو الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب
كما أن أمه صفية )رضي الله عنه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أسماء
بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة
وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا
الزبير وطلحة
يرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة
والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من
العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويجتمعان
بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا :( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ،
و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته .
أول سيف شهر في الإسلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا
بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام
الإسلام الأولى سرت شائعة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فما كان من الزبير
إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ، وفي أعلى مكة لقيه
الرسول صلى الله عليه وسلم فسأله ماذا به ؟
فأخبره النبأ فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب
إيمانه وصبره
كان للزبير رضي الله عنه نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن
عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه : اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب فيجيب
الفتى الغض : ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )
وهاجر الزبيررضي الله عنه الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع
الرسول صلى الله عليه وسلم
غزوة أحد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول صلى الله عليه
وسلم الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير رضي الله
عنهما سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش
ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين
بنو قريظة
وفي يوم الخندق قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟ "
فقال الزبير : ( أنا ) فذهب
ثم قالها الثانية فقال الزبير : ( أنا ) فذهب
ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر : ( أنا ) فذهب
فقال النبـي صلى الله عليه وسلم : " لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي "
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول صلى الله عليه وسلم ، أرسل
الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان:
( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )
ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة
المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه
يوم حنين
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك
الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ،
وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة
حبه للشهادة
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول :
( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني
لأسمي بني بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )
وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش
وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو
وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو
وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب
وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب
وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر
وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد
وصيته
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى
ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا :
( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )
وسأله عبد الله : أي مولى تعني ؟
فأجابه : ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )
يقول عبدالله فيما بعد : فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه
موقعة الجمل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي رضي الله عنهم جميعا
وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت وقعة
الجمل عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع
علي رضي الله عنه عندما رأى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)
ثم قال للزبير : ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟ فقلت : ألا أحب ابن خالي ،
وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )
فقال الزبير : ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )
وأقلع طلحة و الزبير رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما
ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه
عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .
الشهادة
لما كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل
الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن
عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا :
( بشر قاتل ابن صفية بالنار )
وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله وأمعن في البكاء وهو يقول :
( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )
وبعد أن انتهى علي رضي الله عنه من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا :
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم :
(( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ))
ثم نظر الى قبريهما وقال :
سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة "
عبدالرحمن بن عوف
نسبه
عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر
الإسلام فما غـم عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول صلى الله عليه وسلم
يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين .
ولد بعد الفيل بعشر سنين وأسلم قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم
دار الأرقم وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذي أسلموا
على يد أبي بكر، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع.
وكان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، الذين جعل
عمر بن الخطاب الخلافة فيهم، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي
وهو عنهم راضٍ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في سفرة، وجرح
يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، وجرح في رجله فكان يعرج منها، وسقطت ثنيتاه فكان أهتم.
التجارة
كان رضي الله عنه محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عجبه فقال :
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا ) وكانت التجارة عنده رضي
الله عنه عملا وسعيا لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما
نراه حين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين
عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ، قال سعد لعبد الرحمن رضي الله عنهما :
أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ،
فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها .
فقال عبد الرحمن رضي الله عنه : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على
السوق وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح .
حق الله
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون
حقا فيها ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوما :
" يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك "
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما
أرضا بأربعين ألف دينار فرقها جميعا على أهله من بني زهرة وأمهات المسلمين وفقراء
المسلمين ،وقدم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة .
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن
شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان رضي الله عنه نصيبا من الوصية فأخذها وقال :
( إن مال عبد الرحمن حلال صفو ، وإن الطعمة منه عافية وبركة )
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قيل :
أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثلث يقرضهم ، وثلث يقضي عنهم ديونهم ،
وثلث يصلهم ويعطيهم ) وخلف بعده ذهب كثير ، ضرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال .
قافلة الإيمان
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ،
لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجها رجا ، وسألت
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟ )
وأجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فعجِبت أم المؤمنين
رضي الله عنها :( قافلة تحدث كل هذه الرجة ؟ ) قالوا لها : أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة .
وهزت أم المؤمنين رضي الله عنها رأسها وتذكرت :
( أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا " ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن
بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ،
فحث خطاه الى السيدة عائشة رضي الله عنها وقال لها :
( لقد ذكرتني بحديث لم أنسه ) ثم قال :
( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )
ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها
الخوف
وثراء عبد الرحمن رضي الله عنه كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما
بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال :
( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكـفن في بردة إن غطت رأسه بدت رجلاه ،
وإن غطت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يكـفـن
فيه إلا بردة ، ثم بسـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني
لأخشى أن نكون قد عجلـت لنا حسناتنا )
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه : ما يبكيك يا أبا محمد ؟
قال : ( لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخرنا لما هو خير لنا )
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل : أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو
جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم .
الهروب من السلطة
كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من
بعده قائلا : ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض ) وأشار الجميع الى عبد الرحمن
في أنه الأحق بالخلافة فقال :
( والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي ، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إلي من ذلك )
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي
أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم
وقال له علي كرم الله وجهه :
( لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفك بأنك أمين في أهل السماء ،
وأمين في أهل الأرض ) فاختار عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ( عثمان بن عفان )
رضي الله عنه للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره .
وفاته
في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه رضي الله عنه وأرادت أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها أن تخصه بشرف لم تخص به سواه ، فعرضت عليه أن يدفن
في حجرتها الى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله
عنهما ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن
مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه وكان يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع :
( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرهفت أذناه للسمع كما لو كان
هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول صلى الله عليه وسلم :
" عبد الرحمن بن عوف في الجنة "
============
سعد بن أبي وقاص
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يا سعد : ارم فداك أبي و امي "
نسبه
هو سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق فهو من بني زهرة أهل
آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان الرسول صلى الله عليه
وسلم يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع نفر من
أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :
" هذا خالي فليرني أمرؤ خاله "
اسلامه
كان سعد قد رأى وهو ابن سبع عشرة سنة في منامه أنه يغرق في بحر الظلمات،
وبينما هو يتخبط فيها، إذ رأى قمرًا، فاتبعه، وقد سبقه إلى هذا القمر ثلاثة، هم:
زيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، ولما طلع الصباح سمع أن
رسول الله يدعو إلى دين جديد ، فعلم أن هذا هو القمر الذي رآه ، فذهب على الفور
ليلحق بركب السابقين إلى الإسلام ، فكان سعد رضي الله عنه من النفر الذين دخلوا
في الاسلام أول ما علموا به فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة قال سعد :
( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله
أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور فمضيت اليه مسرعا حتى
لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد رضي الله عنهم )
ثورة أمه
يقول سعد رضي الله عنه : ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى
بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول :
يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك ؟ والله لتدعن دينك الجديد
أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر
فقلت : ( لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )
الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها فلما رأها
سعد قال لها: ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك
ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )
فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها . ونزل قوله تعالى :
(( ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي
ولوالديك الي المصيروأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما
وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ))
الدعوة المجابة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة
يردون ذلك لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له :" اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته "
ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له : ( إذن أدعو عليك )
فقال الرجل : أراك تتهددني كأنك نبي !
فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا :
( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )
فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادة لا يردها شيء ، حتى دخلت
في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات .
أول دم هريق في الإسلام
في بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب
فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب
من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم
ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد رضي الله عنه يومئذ رجلا من المشركين بلحي
بعير فشجه العظم الذي فيه الأسنان ، فكان أول دم هريق في الإسلام .
أول سهم رمي في الإسلام
بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية عبيدة بن الحارث رضي الله عنه الى ماء
بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى
يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام
غزوة أحد
وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف سعد
يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يرمي جعل يحرضه ويقول له :
" يا سعد ارم فداك أبي وأمي "
وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول :
( ما جمع الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أبويه إلا لي )
وذلك حين فداه بهما
إمرة الجيش
عندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن
رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف :
( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري ) وقد ولاه عمر رضي الله عنه امرة جيش
المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين
وزعيمهم رستم وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا
عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال :
( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده
ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )
وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة
الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر
ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم .
إمارة العراق
ولاه عمر رضي الله عنهما إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم
اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا : إن سعدا لا يحسن يصلي
ويضحك سعدا قائلا : ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )
واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا
قائلا : ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة )
ويؤثر البقاء في المدينة
الستة أصحاب الشورى
و عندما حضرت عمر رضي الله عنه الوفاة بعد أن طعنه المجوسي جعل الأمر من بعده الى
الستة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ،
وقال عمر : ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )
سعد والفتنة
اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له : يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس
بهذا الأمر ، فيجيبه سعد رضي الله عنه :
( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت بهالكافر قطع )
فتركه ابن أخيه بسلام وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا : مالك لم تقاتل معنا ؟
فأجابه : ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ أخ وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )
فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ولكن قال الله تعالى :
(( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ))
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية
فأجاب سعد رضي الله عنه قائلا :
( ما كنت لأقاتل رجلا يعني علي بن أبي طالب قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )
وفاته
وعمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كثيرا وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير لكنه
حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال :
( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدرواني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا )
وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له :
( ما يبكيك يا بني ؟ إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )
فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا وكانت وفاته سنة
خمس وخمسين بالعقيق، فحمل على الأعناق إلى المدينة، ودفن بها ليكون آخر من مات
من العشرة المبشرين بالجنة وآخر من مات من المهاجرين رضي الله عنهم ودفن في البقيع .
============
سعيد بن زيد عمرو
نسبه
هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل العدوي القرشي أبو الأعور ، من خيار الصحابة
وابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة )
وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ،
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو و زوجته
أم جميل فاطمة بنت الخطـاب رضي الله عنها
والده
وأبوه رضي الله عنه ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحـد اللـه تعالى
بغيـر واسطـة حنيفيـا ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :
( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بلغك ،
ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟ )
قال صلى الله عليه وسلم : " نعم "
واستغفر له وقال :
" إنه يجيءَ يوم القيامة أمة وحدهُ "
المبشرين بالجنة
روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) " ، وسعيد بن زيد بن عمرو
بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح " رضي الله عنهم أجمعين
الدعوة المجابة
كان رضي الله عنه مجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته
الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال :
( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها ) فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيتها
الولاية
كان سعيد بن زيد رضي الله عنه موصوفا بالزهد محترما عند الولاة ، ولما فتح
أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاه إياها ، ثم نهض مع من معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد رضي الله عنه :
( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني
من مرضاة ربي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملك من هو أرغب إليه مني ،
فإني قادم عليك وشيكا إن شاء الله والسلام )
وفاته
توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين .
============
أبوعبيدة بن الجراح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح "
نسبه
أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري يلتقي مع النبي صلى الله عليه
وسلم في أحد أجداده (فهر بن مالك) وأمه من بنات عم أبيه أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر .
كان رضي الله عنه طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية أسلم على يد
أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة
في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها.
غزوة بدر
في غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) رضي الله عنه يتصدى له، فجعل
أبو عبيدة يحيد عنه ، فلما أكثر قصده فقتله ، فأنزل الله هذه الآية :
(( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يوادون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الأيمان ))
غزوة أحد
يقول أبوبكر الصديق رضي الله عنه :
( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته
حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانسان
قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت :
اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا هو
أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال :
( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم )
فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على
الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ،
فكان أبوعبيدة في الناس أثرم .
غزوة الخبط
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة
عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل
أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم
حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر
راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ،
غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط .
مكانة .. أمين الأمة
قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا
فقال عليه الصلاة والسلام : " لأبعثن - يعني عليكم - أمينا حق امين ) فتشوف أصحابه
رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ولكن
لينطبق عليهم وصف النبي صلى الله عليه و سلم " أمينا حق امين " وكان عمر نفسه
رضي الله عليه من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك بل صار - كما قال يتراءى -
أي يري نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم حرصا منه رضي الله عنه أن يكون أمينا حق أمين.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز جميع الصحابة وقال : " قم يا أباعبيدة "
كما كان لأبي عبيدة رضي الله عنه مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وهو يجود بأنفاسه :
( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت :
استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )
معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد رضي الله عنه معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية
الرومانية توفي أبوبكر الصديق رضي الله عنه ، وتولى الخلافة بعده عمر رضي
الله عنه ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة
وعزل خالد وصل الخطاب الى أبي عبيدة رضي الله عنه فأخفاه حتى انتهت المعركة ،
ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد رضي الله عنه:
( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟ )
فأجاب أبوعبيدة رضي الله عنه
: ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )
وأصبح أبوعبيدة رضي الله عنه أمير الأمراء بالشام .
تواضعه
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا :
( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني
بتقوى الا وددت أني في اهابه )
وعندما زار أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له : من ؟
قال رضي الله عنه : ( أبوعبيدة بن الجراح )
وأتى أبوعبيدة رضي الله عنه وعانقه أمير المؤمنين رضي الله عنه ثم صحبه الى
داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم :
( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟ )
فأجاب أبوعبيدة رضي الله عنه :
( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )
طاعون عمواس
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد " طاعون عمواس " وكان أبوعبيدة رضي
الله عنه أمير الجند هناك فخشي عليه عمر رضي الله عنه من الطاعون فكتب اليه
يريد أن يخلصه منه قائلا :
( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي واذا
وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي فان لي حاجة اليك )
وفهم أبوعبيدة رضي الله عنه المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من
الطاعون فكتب الى عمر رضي الله عنه متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال :
( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من
المسلمين يصيبني ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين )
ولما وصل الخطاب الى عمررضي الله عنه بكى فسأله من حوله : هل مات أبوعبيدة ؟
فقال رضي الله عنه : ( كأن قد )
والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة ، اذ لا خلاص منه مع الطاعون .
كان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجند ، فلم يبق إلا ستـة
آلاف رجـل والآخرون ماتوا ومات أبوعبيـدة رضي الله عنه سنة ( 18 ) ثماني
عشرة للهجرة في طاعون عمواس وقبره في غور الأردن
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى