ابتسامة
09-14-2015, 09:49 PM
[/URL]http://up.monms.org/uploads/1442271739571.png (http://forums.monms.com/)
الســـلام عليــكم وحمـــة الله وبركـــــاتـهـ
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً، وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، والصلاة والسلام على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة،
وعلى آله وصحبه الطيبين أتباع الحق، وسادة الخلق، ثم أما بــعـــــــد:
قال الله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (سورة الحج:27)
__________________________________________________ ____________
فتآوى الحج/ للشيخ (محمد بن عثيمين رحمه الله)
__________________________________________________ _____________
[URL="http://forums.monms.com/"]http://files2.fatakat.com/2014/8/14094122481258.gif (http://forums.monms.com/)
النسك وأنواعه
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هو النسك وعلى ماذا يطلق؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
النسك: يُطلق ثلاثة إطلاقات، فتارة: يراد به العبادة عموماً، وتارة: يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله.
فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.
والثاني: كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]،
ويمكن أن يراد بالنسك هنا: التعبد، فيكون من المعنى الأول.
والثالث: كقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا} [البقرة: 200].
هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج.
أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها، من الأركان، والواجبات، والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر.
وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلي عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف، ويسعى،
ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن شاء الله تعالى تفصيلاً.
*********************
حكم الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هو حكم الحج؟
الجواب: الحج فرض بإجماع المسلمين، أي: بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض عليكم الحج فحجوا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام».
فمن أنكر فرضية الحج، فهو كافر مرتد عن الإسلام، إلا أن يكون جاهلا بذلك، وهو مما يمكن جهلة به، كحديث عهد بإسلام، وناشئ في بادية بعيدة، لا يعرف من أحكام الإسلام شيئا، فهذا يعذر بجهله، ويعرف، ويبين له الحكم، فإن أصر على إنكاره، حكم بردته.
وأما من تركه -أي: الحج- متهاونا مع اعترافه بشرعيته، فهذا لا يكفر، ولكنه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بكفره.
**********************
حكم العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم العمرة؟
الجواب: أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها: فمنهم من قال: إنها واجبة ومنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من فرق بين المكي وغيره فقال: واجبة على غير المكي، غير واجبة على المكي، والراجح عندي: أنها واجبة على المكي وغيره، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج، لأن وجوب الحج فرض مؤكد، لأن الحج أحد أركان الإسلام، بخلاف العمرة.
********************
وجوب الحج على الفور، أم على التراخي؟
السؤال: فضيلة الشيخ، وجوب الحج هل هو على الفور، أم على التراخي؟
الجواب: الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية،
إذا لم تقيد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور.
*************
شروط وجوب الحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي شروط وجوب الحج والعمرة؟
الجواب: شروط وجوب الحج والعمرة خمسة، مجموعة في قول الناظم:
الحج والعمرة واجبـان في العمر مرة بلا تواني
بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جليــة
فيشترط لوجوبه أولا: الإسلام، فغير المسلم لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه لو حج، بل ولا يجوز دخوله مكة، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة 28]، فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره، لا يحل له دخول حرم مكة. ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:39،47].
الشرط الثاني: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات، فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً.
الثالث: البلوغ، فمن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه، ولكن لو حج، فحجه صحيح، إلا أنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبياً وقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر»، لكنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام لأنه لم يوجه إليه الأمر بها حتى يجزئه عنها، إذا لا يتوجه الأمر إليه إلا بعد بلوغه.
وبهذه المناسبة أحب أن أقول: إنه في المواسم التي يكثر فيها الزحام، ويشق فيها الإحرام بالصغار، ومراعاة إتمام مناسكهم، فالأولى ألا يحرموا لا بحج ولا بعمرة، أعني هؤلاء الصغار، لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم، وربما شغلوهم عن إتمام نسكهم، أي: ربما شغل الأولاد آباءهم أو أمهاتهم عن إتمام نسكهم، فبقوا في حرج، وما دام الحج لا يجب عليهم، فإنهم في سعة من أمرهم.
الرابع: الحرية، فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج، لأنه مملوك مشغول بسيده، فهو معذور بترك الحج، لا يستطيع السبيل إليه.
الخامس: القدرة على الحج بالمال والبدن، فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخا كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم»، وذلك في حجة الوداع ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، أما إن كان قادراً ببدنه دون ماله، ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه، فإن الحج لا يجب عليه.
ومن القدرة: أن تجد المرأة محرما لها، فإن لم تجد محرما، فإن الحج لا يجب عليها، لكن اختلف العلماء: هل يجب عليها في هذه الحال أن تقيم من يحج عنها أو يعتمر، أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء، أو هو شرط للوجوب من أصله، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أن المحرم شرط للوجوب، وأن المرأة التي لا تجد محرما ليس عليها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها.
فهذه شروط خمسة لوجوب الحج، أعيدها فأقول: هي الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وهذه الشروط تشمل الحج والعمرة أيضا.
**************
شروط الإجزاء في أداء الحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما دمنا عرفنا شروط الوجوب للحج والعمرة، فما هي شروط الإجزاء؟
الجواب: شروط الإجزاء: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية عند بعض أهل العلم. والصواب: أن الحرية ليست شرطا للإجزاء، وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن له، لأن سقوط الوجوب عن العبد ليس لمعنى فيه، ولكن لوجود مانع، وهو انشغاله بخدمة سيده فإذا أذن له سيده بذلك، صار الحج واجبا عليه ومجزئا منه.
**************
آداب السفر للحج
السؤال: فضيلة الشيخ، حبذا لو أشرتم ولو بإشارات سريعة إلى أبرز آداب السفر إلى الحج؟
الجواب: آداب الحج تنقسم إلى قسمين: آداب واجبة، وآداب مستحبة:
فأما الآداب الواجبة: فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة، والمحظورات العامة، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام، لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
وأما الآداب المستحبة في سفر الحج: فأن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به، من الكرم بالنفس والمال والجاه، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم، والكف عن مساوئهم، والإحسان إليهم، سواء كان ذلك بعد تلبسه بالإحرام، أو قبل تلبسه بالإحرام، لأن هذه آداب عالية فاضلة تطب من كل مؤمن في كل زمان ومكان وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل، فيحرص على تكميله بفعل مستحباته القولية والفعلية، التي ربما يتسنى لنا الكلام عليها إن شاء الله تعالى في أسئلة أخرى.
**************
كيف يستعد المسلم للحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ماذا ينبغي أن يستعد به المسلم لحجه سواء كان قبل السفر أو في أثناء السفر؟
الجواب: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم في حجه وعمرته، أن يتزود بكل ما يمكن أن يحتاج إليه في سفره، من المال، والثياب، والعتاد، وغير ذلك، لأنه ربما يحتاج إليه في نفسه أو يحتاجه أحد من رفقائه، وأن يتزود كذلك بالتقوى وهي اتخاذ الوقاية من عذاب الله، بفعل أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، لقول الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]. وما أكثر ما نجد من الحاجة في الأسفار، حيث يحتاج الإنسان إلى أشياء يظنها بسيطة، أو يظنها هينة، فلا يستصحبها معه في سفره، فإذا به يحتاج إليها، أو يحتاج إليها أحد من رفقائه، فليكن الإنسان حازماً شهماً مستعداً لما يتوقع أن يكون وإن كان بعيدا.
**********************
الاستعداد بالتقوى
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن أليس هناك استعداد معنوي غير الاستعداد المادي؟
الجواب: الاستعداد المعنوي هو ما أشرت إليه من التقوى، فإن التقوى استعداد معنوي، يستعد بها الإنسان في قرارة نفسه للقاء الله تعالى ولليوم الآخر، فيحرص على أن يقوم بما أوجب الله عليه، ويدع ما حرم الله عليه.
*******************
بيان مواقيت الحج الزمانية
السؤال: فضيلة الشيخ، بالنسبة للمواقيت، ما هي مواقيت الحج الزمانية؟
الجواب: مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة، أي: بيوم العيد، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة، وهو القول الراجح، لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، وأشهر جمع، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته، ومعنى هذا الزمن: أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة، وليس يفعل في أي يوم منها، فإن الحج له أيام معلومة، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك، اللهم إلا لعذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذو الحجة، فهي إذا معذورة في تأخير طواف الإفاضة. هذه هي المواقيت الزمنية للحج.
أما العمرة: فليس لها ميقات زمني، تفعل في أي يوم من أيام السنة، لكنها في رمضان تعدل حجة، وفي أشهر الحج اعتمر النبي عليه الصلاة والسلام، كل عمره في أشهر الحج، فعمرة الحديبية: كانت في ذي القعدة، وعمرة القضاء كانت في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة: كانت في ذي القعدة، وعمرة الحج: كانت أيضا مع الحج في ذي القعدة، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل، لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها.
*****************
حكم الإحرام بالحج قبل دخول مواقيته الزمانية
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية؟
الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج:
فمن العلماء من قال: إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرما بالحج، إلا أنه يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره.
ومن العلماء من قال: إن من يحرم بالحج قبل أشهره، فإنه لا ينعقد، ويكون عمرة، أي يتحول إلى عمرة، لأن العمرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
" دخلت في الحج"، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم: الحج الأصغر، كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور، الذي تلقاه الناس بالقبول.
*************
بيان مواقيت الحج المكانية
السؤال: فضيلة الشيخ، عرفنا مواقيت الحج الزمانية، فما هي مواقيت الحج المكانية؟
الجواب: المواقيت المكانية خمسة: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عرق.
أما ذو الحليفة: فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي، وهي قريبة من المدينة، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل، وهي أبعد المواقيت عن مكة،
وهي لأهل المدينة، ولمن مر به من غير أهل المدينة.
وأما الجحفة: فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت القرية، وصار الناس يحرمون بدلا منها من رابغ.
وأما يلملم: فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى اليوم: السعدية، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما قرن المنازل: فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة، يسمى الآن: السيل الكبير، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما ذات عرق: فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضا.
فأما الأربعة الأولى: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذات عرق، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها، وصح عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقنا، فقال عمر رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم.
فعلى كل حال: فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر، وإن لم يثبت، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباعهم، والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل في عدة مواضع، ومنها هذا إذا صحَّ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقتها، وهو أيضا مقتضى القياس، فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه، فإذا حاذاه صار كالمار به.
وفي أثر عمر رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا، وهو أن الإنسان إذا كان قادما إلى مكة بالطائرة يريد الحج أو العمرة، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل جدة كما يفعله كثير من الناس، فإن المحاذاة لا فرق بين أن تكون في البر، أو في الجو، أو في البحر، ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم، أو رابغا، إذا حاذوا هذين الميقاتين.
*******************
حكم الإحرام بالحج قبل المواقيت المكانية
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإحرام بالحج قبل هذه المواقيت المكانية؟
الجواب: حكم الإحرام قبل هذه المواقيت المكانية: أنه مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، وكون الإنسان يحرم قبل أن يصل إليها فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام : «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه»،
وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها، فإن إحرامه ينعقد.
وهنا مسألة أيضا أحب أن أنبه عليها، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال:
«هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة».
فمن كان من أهل نجد فمر بالمدينة فإنه يحرم من "ذي الحليفة".
ومن كان من أهل الشام، ومر بالمدينة، فإنه يحرم من "ذي الحليفة"، ولا يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل الشام الأصلي على القول الراجح،
ومن قولي أهل العلم.
*************
حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام؟
الجواب: من تجاوز الميقات بدون إحرام، فلا يخلو من حالين:
إما ان يكون مريدا للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، الحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية، دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في منظوره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام، أي: أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات.
************
الفرق بين الإحرام كواجب والإحرام كركن
السؤال: فضيلة الشيخ، ما الفرق بين الإحرام كواجب، والإحرام كركن من أركان الحج؟
الجواب: الإحرام كواجب معناه: أن يقع الإحرام من الميقات، والإحرام كركن معناه أن ينوي النسك.
فمثلا إذا نوى النسك بعد مجاوزة الميقات، مع وجوب الإحرام منه، فهذا ترك واجبا، وأتي بالركن وهو الإحرام، وإذا أحرم من الميقات، فقد أتى بالواجب والركن، لأن الركن هو نية الدخول في النسك، وأما الواجب فهو أن يكون الإحرام من الميقات، هذا هو الفرق بينهما.
********************
حكم التلفظ بالنية عند الإحرام
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن نية الدخول في النسك هل هي التي يتلفظ بها في التلبية؟
الجواب: لا، التلبية أن يقول: لبيك عمرة إذا كان في عمرة، ولبيك حجا إذا كان في حج، أما النية: فلا يجوز التلفظ بها،
فلا يقول مثلا: اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
*******************
كيفية إحرام القادم إلى مكة جواً
السؤال: فضيلة الشيخ، نود أيضا أن تبينوا لنا كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا؟
الجواب: إحرام القادم إلى مكة جوا هو كما أسلفنا من قبل، يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم، وعلى هذا فيتأهب أولا بالاغتسال في بيته، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك، ولا يتأخر، لأن الطائرة مرها سريع، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كثيرة، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس، تجد بعض الناس لا يتأهب، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام، وهذا تقصير جدا، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدو بدءوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها، وهذا عمل يشكرون عليه، لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة، جعلوا لهم فرصة في تغير ثيابهم وتأهبهم، ولكن في هذه الحال، ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للساعة فإذا أعلن الموظف موظف الطائرة أنه قد بقى ربع ساعة، فلينظر إلى ساعته، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبلة بدقيقتين أو ثلاثة، لبى بما يريده من النسك.
********************
صفة الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان الحج؟
الجواب: نحن نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار فنقول: إذا أراد الإنسان الحج أو العمرة، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولا ليصير متمتعا، فيحرم من الميقات بالعمرة، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب في رأسه ولحيته، ويلبس ثياب الإحرام، ويحرم عقب صلاة فريضة، إن كان وقتها حاضرا، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء، لأنه ليس للإحرام نافلة معينة، إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلبي فيقول: (لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة.
فإذا شرع في الطواف، قطع التلبية، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر، وإلا أشار إليه، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يبتدئ بالحجر ويختتم به.
وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، بأن يسرع المشي ويقارب الخطا، وأن يضطبع في جميع الطواف، بأن يخرج كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، فإذا أتم الطواف صلى ركعتين خلف المقام وفي طوافه، وكلما حاذى الحجر الأسود، كبر ويقول بينه وبين الركن اليماني: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء.
وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص، فإن هذه بدعة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة».
ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام، فتجده يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة، وهذا خطأ، لأن الحجر أكثره من الكعبة فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني، لم يكن قد طاف بالبيت، فلا يصح طوافه.
وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد.
ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويكبر الله ويحمده، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بعد ذلك، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة.
ثم ينزل متجها إلى المروة، فيمشي إلى العلم الأخضر، أي: العمود الأخضر، ويسعى من العمود الأخضر إلى العمود الثاني سعيا شديدا، أي: يركض ركضا شديدا، إن تيسر له ولم يتأذ أو يؤذِ أحدا، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا، فإذا وصل المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.
ثم يرجع إلى الصفا من المروة، وهذا هو الشوط الثاني ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل.
فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا للمروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، إذا أتم سبعة أشواط، فإنه يقصر شعر رأسه، ويكون التقصير شاملا لجميع الرأس، بحيث يبدو التقصير واضحا في الرأس، والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة.
ثم يحل من إحرامه حلا كاملا، ويتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، أحرم بالحج، فاغتسل وتطيب، ولبس ثياب الإحرام وخرج إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، يصلى الرباعية ركعتين، وكل صلاة في وقتها، فلا جمع في منى، وإنما هو القصر فقط.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة، سار إلى عرفة، فنزل بنمرة إن تيسر له، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها، فإذا زالت الشمس، صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله ودعائه، وقراءة القرآن، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى، وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز وجل، فإنه حري بالإجابة.
فإذا غربت الشمس، انصرف إلى مزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، ثم يبقى هناك حتى يصلى الفجر، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس، أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثله.
فإذا وصل إلى منى، بادر فرمى جمرة العقبة الأولى قبل كل شيء بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير،
وإن قصره فلا حرج، والمرأة تقصر من أطرافه بقدر أنملة، وحينئذ يحل التحلل الأول، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء.
فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وهذا الطواف والسعي للحج، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة وبهذا يحل من كل شيء حتى من النساء.
ولنقف هنا ننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد؟ فالحاج يوم العيد: رمى جمرة العقبة، ثم نحر هديه، ثم حلق أو قصر، ثم طاف، ثم سعى، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم أو أخر يومئذ
إلا قال: «افعل ولا حرج»، فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم خرج ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر فلا حرج، ولو رمى ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج، المهم أن تقديم هذه الانساك الخمسة على بعض لا بأس به،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء، قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: «افعل ولا حرج». وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده.
ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك: المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203]، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويجزئ أن يبيت هاتين الليلتين معظم الليل.
فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر، رمى الجمرات الثلاث، يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلا، فيقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلا عن الزحام، ويقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ليلة الثاني عشر، يرمي الجمرات الثلاث كذلك، وفي اليوم الثالث عشر -إن تأخرـ يرمي الجمرات الثلاث كذلك.
ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وكان الصحابة يتحينون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بفعله، أو قوله أو إقراره، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي، وهو شدة الحر، دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس، علم أن الرمي أول النهار لا يجوز، لأنه لو كان من شرع الله عز وجل، لكان هو الذي يشرع لعباد الله، لأنه الأيسر، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما هو الأيسر. ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار، أن يؤخر الرمي إلى الليل فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره، والأصل فيما جاء مطلقا، أن يبقى على إطلاقه، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت.
ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات، فإن من الناس من يتهاون فيها، حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزئ، لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى في إبلهم لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحدا، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضا أو كبير لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو امرأة حاملا تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل.
ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إن العاجز يسقط عنه الرمي، لأنه واجب عجز عنه، فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان، فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابههم في تعذر الرمي من قبل نفسه.
المهم: أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله، وألا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا، لأنه عبادة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله».
وإذا أتم الحج، فإنه يخرج من مكة إلى بلده، حتى يطوف للوداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»، إلا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة، فإن طواف الوداع يسقط عنها، لحديث ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض»، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أن صفية قد طافت طواف الإفاضة، قال: «فلتنفر إذن»، وكانت حائضا.
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس، حيث ينزلون إلى مكة، فيطوفون طواف الوداع، ثم يرجعون إلى منى، فيرمون الجمرات، ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع، لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.
*******************
أركان العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان العمرة، حيث إنها في التمتع تسبق الحج؟
الجواب: يقول العلماء: أن أركان العمرة ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي، وإن واجباتها اثنان: أن يكون الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير.
وما عدا ذلك فهو سنن.
******************
أركان الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان الحج؟
الجواب: أركان الحج، يقول العلماء إنها أربعة: الإحرام والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي.
***************
حكم الإخلال بشيء من أركان الحج أو العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإخلال بشيء من هذه الأركان؟
الجواب: الإخلال بشيء من هذه الأركان لا يتم النسك إلا به، فمن لم يطف بالعمرة مثلا، فإنه يبقى على إحرامه حتى يطوف، ومن لم يسع، يبقى على إحرامه حتى يسعى، وكذلك نقول في الحج: من لم يأت بأركانه، فإنه لا يصح حجه، فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر، فقد فاته الحج فلا يصح حجه، لكنه يتحلل بعمرة، فيطوف، ويسعى، ويقصر أو يحلق، وينصرف إلى أهله فإذا كان العام القادم أتى بالحج.
وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج، فإنه يقضيه، لأنه لا آخر لوقته، لكن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا من عذر.
***********************
واجبات الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي واجبات الحج؟
الجواب: واجبات الحج: هي أن يكون الإحرام من الميقات، وأن يقف بعرفة إلى الغروب، وأن يبيت بمزدلفة، وأن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد،
وأن يرمي الجمرات، وأن يطوف للوداع.
**********************
حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة؟
الجواب: الإخلال بشيء منها إن كان الإنسان متعمدا، فعليه الإثم والفدية كما قال أهل العلم، شاة يذبحها ويفرقها في مكة، وإن كان غير متعمد، فلا إثم عليه، لكن عليه الفدية، يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجبا له بدل، فلما تعذر الأصل، تعين البدل، وهذا هو قول أهل العلم فيمن ترك واجبا، أن عليه فدية، يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء.
*****************
صفة القران
السؤال: فضيلة الشيخ، تحدثتم عن صفة التمتع في حديثكم عن صفة الحج، حبذا أيضا لو تحدثتم عن صفة القران؟
الجواب: التمتع كما ذكرنا: أن يأتي بالعمرة مستقلة، ويحل منها، ثم يحرم بالحج في عامه.
والقران له صورتان:
الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعا من الميقات، فيقول: لبيك عمرة وحجا.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وهناك صورة ثالثة: موضع خلاف بين العلماء، وهي أن يحرم بالحج وحده، ثم يدخل العمرة عليه، قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج، كالطواف والسعي مثلا.
والقارن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة يطوف للقدوم، ويسعى للحج والعمرة، ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد، ويلزمه هدي كهدي المتمتع.
وأما المفرد: فيحرم بالحج مفردا من الميقات، ويبقى على ذلك، فإذا قدم مكة طاف للقدوم، وسعى للحج، ولم يحل إلا يوم العيد.
فيكون القارن والفرد سواء في الأفعال، ولكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة وحج، ويلزمه هدي، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج، ولا يلزمه هدي.
*********************
حكم الاعتمار بعد الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، عرفنا صفة الحج، وعرفنا التمتع والقران والإفراد، وقلتم في الإفراد: إن المسلم يأتي بالحج وحده ولا يأتي بعمرة معه، لكننا نرى كثيرا من الناس إذا انتهى من الإفراد اعتمر، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه الذين هم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج، ليكون نسكها قرانا، وقال لها: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك»، فلما انتهى الحج، ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة، بدلا من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها، وأمر أخاها عبد الرحمن بن عوف أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرج بها إلى التنعيم، وأتت بعمرة، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لعائشة، وأرادت المرأة أن تأتى بعمرة، فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله صلى الله عليه وسلم عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدلك على أن هذا أمر ليس مشروع، أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة لا تفقها من عنده، ولا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الأمور المشروعة، لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة، لأن ذلك أمر سهل عليه حيث إنه قد خرج مع أخته.
والمهم: أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة.
نعم: لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد، فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة، ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم، أو إلى غيره من الحل، فيحرم منه، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
**********************
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه؟
الجواب: كما قلت لك يأتي بالعمرة بعد الحج، لأن هذا ضرورة.
**********************
السؤال: لكن أليس الأولى أن يأتي مثلا متمتعا أو قارنا ليسلم من المحظور؟
الجواب: نعم هذا هو الأولى، لكن نحن فرضنا أنه أتى مفردا فيه.
****************
حكم الانتقال من نسك لآخر
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الانتقال من نسك إلى نسك آخر؟
الجواب: الانتقال من نسك إلى نسك آخر تقدم في صفة القران، أنه من الممكن أن يحرم الإنسان أولا بعمرة، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينها وبين الحج، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران، إلى عمرة ليصير متمتعا، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، من لم يكن منهم ساق الهدي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وكان قد ساق الهدي، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم، فلما طاف وسعى، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعا، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة، ليتخلص من الإحرام ويرجع إلى أهله، فإن ذلك لا يجوز.
***************
حكم التحول من التمتع إلى الإفراد
السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟
الجواب: من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى أن يكون محرما بالحج مفردا، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة، ليصير متمتعا، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة، ليصير متمتعا، إلا من ساق الهدي في الصورتين: فإنه لا يجوز له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة، أن يجعلوه عمرة، ليصيروا متمتعين، إلا من ساق الهدي.
********************
أحكام وضوابط النيابة في الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، لو تحدثنا أيضا عن النيابة الكلية في الحج من حيث الأحكام والضوابط؟
الجواب: النيابة في الحج إن كان الإنسان قادرا، فإنها غير مشروعة، أما في الفريضة، فإنه لا يجوز أن يستنيب الإنسان أحدا عنه، يؤدي الحج أو العمرة فريضة، لأن الفريضة تطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه.
فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة:
فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، ثم يؤدي الفريضة بنفسه، مثل أن يكون في أشهر الحج مريضا مرضا طارئا يرجى زواله، وهو لم يؤد الفريضة، فإننا نقول له: انتظر حتى يعافيك الله وحج، إن أمكنك في هذه السنة فذاك، وإلا ففي السنوات القادمة.
أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضا لا يرجى زواله، فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه، ودليل ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم: فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: (نعم).
فهذا حكم النيابة في الفرض، أنه إن كان المستنيب قادرا، فإن ذلك لا يصح، وإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله، فإن ذلك يصح، وإن كان الإنسان عاجزا عجزا طارئا يرجى زواله، فإنه لا يصح أن يستنيب أحدا، ولينظر حتى يعافيه الله، ويؤدي ذلك بنفسه.
أما في النافلة: فإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله، فقد يقول قائل: إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة، قياسا على استنابة من عليه الفريضة، وقد يقول قائل: أنه لا يصح القياس هنا، لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة، فإن النافلة لا تلزم الإنسان، فيقال: إن قدر عليها، فعلها بنفسه، وإن لم يقدر عليها، فلا يستنيب أحدا فيها.
أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه، فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه، على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي عندي أقرب، لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه، فلا يليق أن يقول لأحد: اذهب فتعبد لله عني، بل نقول: أدها أنت بنفسك، لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك، هذه الاستنابة في الحج على وجه الكمال، يعني بمعنى: أنه يصير في كل حج.
******************
شروط النائب في الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي شروط النائب في الحج؟
الجواب: النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال: «من شبرمة؟» يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: أخ لي، أو قريب لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حججت عن نفسك؟» قال لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بنفسك»، ولأنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي الإنسان الحج عن غيره مع وجوبه عليه، قال أهل العلم: ولو حج عن غيره مع وجوب الحج عليه، فإن الحج يقع عن نفسه، أي: عن نفس النائب، ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة.
أما بقية الشروط فمعروفة، وقد تكلمنا عليها من قبل، مثل: الإسلام، والعقل، والتمييز، وهي شروط واجبة في كل عبادة.
*****************
يأخذ نقوداً ليحج بها وليس في نيته إلا جمع الدراهم
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم من أخذ نقودا ليحج عن غيره، وليس في نيته إلا جمع الدراهم؟
الجواب: يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم، فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوى بعمل الآخرة شيئا من الدنيا، لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ، فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ ليحج، أو ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا بأس به، ولا حرج عليه، وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يخشى ألا يقبل منه وألا يجزئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره، ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر، وعند بيت الله.
الســـلام عليــكم وحمـــة الله وبركـــــاتـهـ
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً، وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، والصلاة والسلام على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة،
وعلى آله وصحبه الطيبين أتباع الحق، وسادة الخلق، ثم أما بــعـــــــد:
قال الله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (سورة الحج:27)
__________________________________________________ ____________
فتآوى الحج/ للشيخ (محمد بن عثيمين رحمه الله)
__________________________________________________ _____________
[URL="http://forums.monms.com/"]http://files2.fatakat.com/2014/8/14094122481258.gif (http://forums.monms.com/)
النسك وأنواعه
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هو النسك وعلى ماذا يطلق؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
النسك: يُطلق ثلاثة إطلاقات، فتارة: يراد به العبادة عموماً، وتارة: يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله.
فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.
والثاني: كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]،
ويمكن أن يراد بالنسك هنا: التعبد، فيكون من المعنى الأول.
والثالث: كقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا} [البقرة: 200].
هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج.
أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها، من الأركان، والواجبات، والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر.
وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلي عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف، ويسعى،
ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن شاء الله تعالى تفصيلاً.
*********************
حكم الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هو حكم الحج؟
الجواب: الحج فرض بإجماع المسلمين، أي: بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض عليكم الحج فحجوا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام».
فمن أنكر فرضية الحج، فهو كافر مرتد عن الإسلام، إلا أن يكون جاهلا بذلك، وهو مما يمكن جهلة به، كحديث عهد بإسلام، وناشئ في بادية بعيدة، لا يعرف من أحكام الإسلام شيئا، فهذا يعذر بجهله، ويعرف، ويبين له الحكم، فإن أصر على إنكاره، حكم بردته.
وأما من تركه -أي: الحج- متهاونا مع اعترافه بشرعيته، فهذا لا يكفر، ولكنه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بكفره.
**********************
حكم العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم العمرة؟
الجواب: أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها: فمنهم من قال: إنها واجبة ومنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من فرق بين المكي وغيره فقال: واجبة على غير المكي، غير واجبة على المكي، والراجح عندي: أنها واجبة على المكي وغيره، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج، لأن وجوب الحج فرض مؤكد، لأن الحج أحد أركان الإسلام، بخلاف العمرة.
********************
وجوب الحج على الفور، أم على التراخي؟
السؤال: فضيلة الشيخ، وجوب الحج هل هو على الفور، أم على التراخي؟
الجواب: الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية،
إذا لم تقيد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور.
*************
شروط وجوب الحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي شروط وجوب الحج والعمرة؟
الجواب: شروط وجوب الحج والعمرة خمسة، مجموعة في قول الناظم:
الحج والعمرة واجبـان في العمر مرة بلا تواني
بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جليــة
فيشترط لوجوبه أولا: الإسلام، فغير المسلم لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه لو حج، بل ولا يجوز دخوله مكة، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة 28]، فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره، لا يحل له دخول حرم مكة. ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:39،47].
الشرط الثاني: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات، فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً.
الثالث: البلوغ، فمن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه، ولكن لو حج، فحجه صحيح، إلا أنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبياً وقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر»، لكنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام لأنه لم يوجه إليه الأمر بها حتى يجزئه عنها، إذا لا يتوجه الأمر إليه إلا بعد بلوغه.
وبهذه المناسبة أحب أن أقول: إنه في المواسم التي يكثر فيها الزحام، ويشق فيها الإحرام بالصغار، ومراعاة إتمام مناسكهم، فالأولى ألا يحرموا لا بحج ولا بعمرة، أعني هؤلاء الصغار، لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم، وربما شغلوهم عن إتمام نسكهم، أي: ربما شغل الأولاد آباءهم أو أمهاتهم عن إتمام نسكهم، فبقوا في حرج، وما دام الحج لا يجب عليهم، فإنهم في سعة من أمرهم.
الرابع: الحرية، فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج، لأنه مملوك مشغول بسيده، فهو معذور بترك الحج، لا يستطيع السبيل إليه.
الخامس: القدرة على الحج بالمال والبدن، فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخا كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم»، وذلك في حجة الوداع ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، أما إن كان قادراً ببدنه دون ماله، ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه، فإن الحج لا يجب عليه.
ومن القدرة: أن تجد المرأة محرما لها، فإن لم تجد محرما، فإن الحج لا يجب عليها، لكن اختلف العلماء: هل يجب عليها في هذه الحال أن تقيم من يحج عنها أو يعتمر، أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء، أو هو شرط للوجوب من أصله، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله: أن المحرم شرط للوجوب، وأن المرأة التي لا تجد محرما ليس عليها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها.
فهذه شروط خمسة لوجوب الحج، أعيدها فأقول: هي الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وهذه الشروط تشمل الحج والعمرة أيضا.
**************
شروط الإجزاء في أداء الحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما دمنا عرفنا شروط الوجوب للحج والعمرة، فما هي شروط الإجزاء؟
الجواب: شروط الإجزاء: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية عند بعض أهل العلم. والصواب: أن الحرية ليست شرطا للإجزاء، وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن له، لأن سقوط الوجوب عن العبد ليس لمعنى فيه، ولكن لوجود مانع، وهو انشغاله بخدمة سيده فإذا أذن له سيده بذلك، صار الحج واجبا عليه ومجزئا منه.
**************
آداب السفر للحج
السؤال: فضيلة الشيخ، حبذا لو أشرتم ولو بإشارات سريعة إلى أبرز آداب السفر إلى الحج؟
الجواب: آداب الحج تنقسم إلى قسمين: آداب واجبة، وآداب مستحبة:
فأما الآداب الواجبة: فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة، والمحظورات العامة، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام، لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
وأما الآداب المستحبة في سفر الحج: فأن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به، من الكرم بالنفس والمال والجاه، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم، والكف عن مساوئهم، والإحسان إليهم، سواء كان ذلك بعد تلبسه بالإحرام، أو قبل تلبسه بالإحرام، لأن هذه آداب عالية فاضلة تطب من كل مؤمن في كل زمان ومكان وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل، فيحرص على تكميله بفعل مستحباته القولية والفعلية، التي ربما يتسنى لنا الكلام عليها إن شاء الله تعالى في أسئلة أخرى.
**************
كيف يستعد المسلم للحج والعمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ماذا ينبغي أن يستعد به المسلم لحجه سواء كان قبل السفر أو في أثناء السفر؟
الجواب: الذي ينبغي أن يستعد به المسلم في حجه وعمرته، أن يتزود بكل ما يمكن أن يحتاج إليه في سفره، من المال، والثياب، والعتاد، وغير ذلك، لأنه ربما يحتاج إليه في نفسه أو يحتاجه أحد من رفقائه، وأن يتزود كذلك بالتقوى وهي اتخاذ الوقاية من عذاب الله، بفعل أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، لقول الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]. وما أكثر ما نجد من الحاجة في الأسفار، حيث يحتاج الإنسان إلى أشياء يظنها بسيطة، أو يظنها هينة، فلا يستصحبها معه في سفره، فإذا به يحتاج إليها، أو يحتاج إليها أحد من رفقائه، فليكن الإنسان حازماً شهماً مستعداً لما يتوقع أن يكون وإن كان بعيدا.
**********************
الاستعداد بالتقوى
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن أليس هناك استعداد معنوي غير الاستعداد المادي؟
الجواب: الاستعداد المعنوي هو ما أشرت إليه من التقوى، فإن التقوى استعداد معنوي، يستعد بها الإنسان في قرارة نفسه للقاء الله تعالى ولليوم الآخر، فيحرص على أن يقوم بما أوجب الله عليه، ويدع ما حرم الله عليه.
*******************
بيان مواقيت الحج الزمانية
السؤال: فضيلة الشيخ، بالنسبة للمواقيت، ما هي مواقيت الحج الزمانية؟
الجواب: مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة، أي: بيوم العيد، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة، وهو القول الراجح، لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، وأشهر جمع، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته، ومعنى هذا الزمن: أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة، وليس يفعل في أي يوم منها، فإن الحج له أيام معلومة، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك، اللهم إلا لعذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذو الحجة، فهي إذا معذورة في تأخير طواف الإفاضة. هذه هي المواقيت الزمنية للحج.
أما العمرة: فليس لها ميقات زمني، تفعل في أي يوم من أيام السنة، لكنها في رمضان تعدل حجة، وفي أشهر الحج اعتمر النبي عليه الصلاة والسلام، كل عمره في أشهر الحج، فعمرة الحديبية: كانت في ذي القعدة، وعمرة القضاء كانت في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة: كانت في ذي القعدة، وعمرة الحج: كانت أيضا مع الحج في ذي القعدة، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل، لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها.
*****************
حكم الإحرام بالحج قبل دخول مواقيته الزمانية
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية؟
الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج:
فمن العلماء من قال: إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرما بالحج، إلا أنه يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره.
ومن العلماء من قال: إن من يحرم بالحج قبل أشهره، فإنه لا ينعقد، ويكون عمرة، أي يتحول إلى عمرة، لأن العمرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
" دخلت في الحج"، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم: الحج الأصغر، كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور، الذي تلقاه الناس بالقبول.
*************
بيان مواقيت الحج المكانية
السؤال: فضيلة الشيخ، عرفنا مواقيت الحج الزمانية، فما هي مواقيت الحج المكانية؟
الجواب: المواقيت المكانية خمسة: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عرق.
أما ذو الحليفة: فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي، وهي قريبة من المدينة، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل، وهي أبعد المواقيت عن مكة،
وهي لأهل المدينة، ولمن مر به من غير أهل المدينة.
وأما الجحفة: فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت القرية، وصار الناس يحرمون بدلا منها من رابغ.
وأما يلملم: فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة، ويسمى اليوم: السعدية، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما قرن المنازل: فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة، يسمى الآن: السيل الكبير، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين.
وأما ذات عرق: فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضا.
فأما الأربعة الأولى: وهي ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذات عرق، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها، وصح عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقنا، فقال عمر رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم.
فعلى كل حال: فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر، وإن لم يثبت، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباعهم، والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل في عدة مواضع، ومنها هذا إذا صحَّ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقتها، وهو أيضا مقتضى القياس، فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه، فإذا حاذاه صار كالمار به.
وفي أثر عمر رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا، وهو أن الإنسان إذا كان قادما إلى مكة بالطائرة يريد الحج أو العمرة، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل جدة كما يفعله كثير من الناس، فإن المحاذاة لا فرق بين أن تكون في البر، أو في الجو، أو في البحر، ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم، أو رابغا، إذا حاذوا هذين الميقاتين.
*******************
حكم الإحرام بالحج قبل المواقيت المكانية
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإحرام بالحج قبل هذه المواقيت المكانية؟
الجواب: حكم الإحرام قبل هذه المواقيت المكانية: أنه مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، وكون الإنسان يحرم قبل أن يصل إليها فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام : «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه»،
وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها، فإن إحرامه ينعقد.
وهنا مسألة أيضا أحب أن أنبه عليها، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال:
«هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة».
فمن كان من أهل نجد فمر بالمدينة فإنه يحرم من "ذي الحليفة".
ومن كان من أهل الشام، ومر بالمدينة، فإنه يحرم من "ذي الحليفة"، ولا يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل الشام الأصلي على القول الراجح،
ومن قولي أهل العلم.
*************
حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام؟
الجواب: من تجاوز الميقات بدون إحرام، فلا يخلو من حالين:
إما ان يكون مريدا للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، الحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية، دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في منظوره هذا، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام، أي: أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات.
************
الفرق بين الإحرام كواجب والإحرام كركن
السؤال: فضيلة الشيخ، ما الفرق بين الإحرام كواجب، والإحرام كركن من أركان الحج؟
الجواب: الإحرام كواجب معناه: أن يقع الإحرام من الميقات، والإحرام كركن معناه أن ينوي النسك.
فمثلا إذا نوى النسك بعد مجاوزة الميقات، مع وجوب الإحرام منه، فهذا ترك واجبا، وأتي بالركن وهو الإحرام، وإذا أحرم من الميقات، فقد أتى بالواجب والركن، لأن الركن هو نية الدخول في النسك، وأما الواجب فهو أن يكون الإحرام من الميقات، هذا هو الفرق بينهما.
********************
حكم التلفظ بالنية عند الإحرام
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن نية الدخول في النسك هل هي التي يتلفظ بها في التلبية؟
الجواب: لا، التلبية أن يقول: لبيك عمرة إذا كان في عمرة، ولبيك حجا إذا كان في حج، أما النية: فلا يجوز التلفظ بها،
فلا يقول مثلا: اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
*******************
كيفية إحرام القادم إلى مكة جواً
السؤال: فضيلة الشيخ، نود أيضا أن تبينوا لنا كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا؟
الجواب: إحرام القادم إلى مكة جوا هو كما أسلفنا من قبل، يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم، وعلى هذا فيتأهب أولا بالاغتسال في بيته، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك، ولا يتأخر، لأن الطائرة مرها سريع، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كثيرة، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس، تجد بعض الناس لا يتأهب، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام، وهذا تقصير جدا، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدو بدءوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها، وهذا عمل يشكرون عليه، لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة، جعلوا لهم فرصة في تغير ثيابهم وتأهبهم، ولكن في هذه الحال، ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للساعة فإذا أعلن الموظف موظف الطائرة أنه قد بقى ربع ساعة، فلينظر إلى ساعته، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبلة بدقيقتين أو ثلاثة، لبى بما يريده من النسك.
********************
صفة الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان الحج؟
الجواب: نحن نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار فنقول: إذا أراد الإنسان الحج أو العمرة، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولا ليصير متمتعا، فيحرم من الميقات بالعمرة، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويتطيب في رأسه ولحيته، ويلبس ثياب الإحرام، ويحرم عقب صلاة فريضة، إن كان وقتها حاضرا، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء، لأنه ليس للإحرام نافلة معينة، إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يلبي فيقول: (لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة.
فإذا شرع في الطواف، قطع التلبية، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر، وإلا أشار إليه، ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، يبتدئ بالحجر ويختتم به.
وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، بأن يسرع المشي ويقارب الخطا، وأن يضطبع في جميع الطواف، بأن يخرج كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، فإذا أتم الطواف صلى ركعتين خلف المقام وفي طوافه، وكلما حاذى الحجر الأسود، كبر ويقول بينه وبين الركن اليماني: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء.
وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص، فإن هذه بدعة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة».
ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام، فتجده يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة، وهذا خطأ، لأن الحجر أكثره من الكعبة فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني، لم يكن قد طاف بالبيت، فلا يصح طوافه.
وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له، وإلا ففي أي مكان من المسجد.
ثم يخرج إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويكبر الله ويحمده، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بعد ذلك، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة.
ثم ينزل متجها إلى المروة، فيمشي إلى العلم الأخضر، أي: العمود الأخضر، ويسعى من العمود الأخضر إلى العمود الثاني سعيا شديدا، أي: يركض ركضا شديدا، إن تيسر له ولم يتأذ أو يؤذِ أحدا، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا، فإذا وصل المروة، صعد عليها، واستقبل القبلة، ورفع يديه، وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.
ثم يرجع إلى الصفا من المروة، وهذا هو الشوط الثاني ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل.
فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا للمروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، إذا أتم سبعة أشواط، فإنه يقصر شعر رأسه، ويكون التقصير شاملا لجميع الرأس، بحيث يبدو التقصير واضحا في الرأس، والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة.
ثم يحل من إحرامه حلا كاملا، ويتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، أحرم بالحج، فاغتسل وتطيب، ولبس ثياب الإحرام وخرج إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، يصلى الرباعية ركعتين، وكل صلاة في وقتها، فلا جمع في منى، وإنما هو القصر فقط.
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة، سار إلى عرفة، فنزل بنمرة إن تيسر له، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها، فإذا زالت الشمس، صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله ودعائه، وقراءة القرآن، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى، وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز وجل، فإنه حري بالإجابة.
فإذا غربت الشمس، انصرف إلى مزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، ثم يبقى هناك حتى يصلى الفجر، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس، أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثله.
فإذا وصل إلى منى، بادر فرمى جمرة العقبة الأولى قبل كل شيء بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، وهو أفضل من التقصير،
وإن قصره فلا حرج، والمرأة تقصر من أطرافه بقدر أنملة، وحينئذ يحل التحلل الأول، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء.
فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وهذا الطواف والسعي للحج، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة وبهذا يحل من كل شيء حتى من النساء.
ولنقف هنا ننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد؟ فالحاج يوم العيد: رمى جمرة العقبة، ثم نحر هديه، ثم حلق أو قصر، ثم طاف، ثم سعى، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم أو أخر يومئذ
إلا قال: «افعل ولا حرج»، فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم خرج ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر فلا حرج، ولو رمى ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج، المهم أن تقديم هذه الانساك الخمسة على بعض لا بأس به،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء، قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: «افعل ولا حرج». وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده.
ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك: المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن تأخر، لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203]، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويجزئ أن يبيت هاتين الليلتين معظم الليل.
فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر، رمى الجمرات الثلاث، يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام قليلا، فيقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلا عن الزحام، ويقف مستقبل القبلة، رافعا يديه، يدعو الله تعالى دعاء طويلا، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ليلة الثاني عشر، يرمي الجمرات الثلاث كذلك، وفي اليوم الثالث عشر -إن تأخرـ يرمي الجمرات الثلاث كذلك.
ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وكان الصحابة يتحينون الزوال، فإذا زالت الشمس رموا، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بفعله، أو قوله أو إقراره، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي، وهو شدة الحر، دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس، علم أن الرمي أول النهار لا يجوز، لأنه لو كان من شرع الله عز وجل، لكان هو الذي يشرع لعباد الله، لأنه الأيسر، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما هو الأيسر. ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار، أن يؤخر الرمي إلى الليل فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره، والأصل فيما جاء مطلقا، أن يبقى على إطلاقه، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت.
ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات، فإن من الناس من يتهاون فيها، حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي بنفسه، وهذا لا يجوز ولا يجزئ، لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، والرمي من أفعال الحج، فلا يجوز الإخلال به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى في إبلهم لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم، بل أذن لهم أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحدا، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل، كما لو كان الحاج مريضا أو كبير لا يمكنه الوصول إلى الجمرات، أو امرأة حاملا تخشى على نفسها أو ولدها، ففي هذه الحال يجوز التوكيل.
ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، لقلنا: إن العاجز يسقط عنه الرمي، لأنه واجب عجز عنه، فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان، فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابههم في تعذر الرمي من قبل نفسه.
المهم: أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله، وألا نتهاون بها، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا، لأنه عبادة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله».
وإذا أتم الحج، فإنه يخرج من مكة إلى بلده، حتى يطوف للوداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينفرون من كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»، إلا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء، وقد طافت طواف الإفاضة، فإن طواف الوداع يسقط عنها، لحديث ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض»، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أن صفية قد طافت طواف الإفاضة، قال: «فلتنفر إذن»، وكانت حائضا.
ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس، حيث ينزلون إلى مكة، فيطوفون طواف الوداع، ثم يرجعون إلى منى، فيرمون الجمرات، ويسافرون من هناك، فهذا خطأ، ولا يجزئهم طواف الوداع، لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات.
*******************
أركان العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان العمرة، حيث إنها في التمتع تسبق الحج؟
الجواب: يقول العلماء: أن أركان العمرة ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي، وإن واجباتها اثنان: أن يكون الإحرام من الميقات، والحلق أو التقصير.
وما عدا ذلك فهو سنن.
******************
أركان الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي أركان الحج؟
الجواب: أركان الحج، يقول العلماء إنها أربعة: الإحرام والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي.
***************
حكم الإخلال بشيء من أركان الحج أو العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإخلال بشيء من هذه الأركان؟
الجواب: الإخلال بشيء من هذه الأركان لا يتم النسك إلا به، فمن لم يطف بالعمرة مثلا، فإنه يبقى على إحرامه حتى يطوف، ومن لم يسع، يبقى على إحرامه حتى يسعى، وكذلك نقول في الحج: من لم يأت بأركانه، فإنه لا يصح حجه، فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر، فقد فاته الحج فلا يصح حجه، لكنه يتحلل بعمرة، فيطوف، ويسعى، ويقصر أو يحلق، وينصرف إلى أهله فإذا كان العام القادم أتى بالحج.
وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج، فإنه يقضيه، لأنه لا آخر لوقته، لكن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا من عذر.
***********************
واجبات الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي واجبات الحج؟
الجواب: واجبات الحج: هي أن يكون الإحرام من الميقات، وأن يقف بعرفة إلى الغروب، وأن يبيت بمزدلفة، وأن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد،
وأن يرمي الجمرات، وأن يطوف للوداع.
**********************
حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة؟
الجواب: الإخلال بشيء منها إن كان الإنسان متعمدا، فعليه الإثم والفدية كما قال أهل العلم، شاة يذبحها ويفرقها في مكة، وإن كان غير متعمد، فلا إثم عليه، لكن عليه الفدية، يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجبا له بدل، فلما تعذر الأصل، تعين البدل، وهذا هو قول أهل العلم فيمن ترك واجبا، أن عليه فدية، يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء.
*****************
صفة القران
السؤال: فضيلة الشيخ، تحدثتم عن صفة التمتع في حديثكم عن صفة الحج، حبذا أيضا لو تحدثتم عن صفة القران؟
الجواب: التمتع كما ذكرنا: أن يأتي بالعمرة مستقلة، ويحل منها، ثم يحرم بالحج في عامه.
والقران له صورتان:
الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعا من الميقات، فيقول: لبيك عمرة وحجا.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وهناك صورة ثالثة: موضع خلاف بين العلماء، وهي أن يحرم بالحج وحده، ثم يدخل العمرة عليه، قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج، كالطواف والسعي مثلا.
والقارن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة يطوف للقدوم، ويسعى للحج والعمرة، ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد، ويلزمه هدي كهدي المتمتع.
وأما المفرد: فيحرم بالحج مفردا من الميقات، ويبقى على ذلك، فإذا قدم مكة طاف للقدوم، وسعى للحج، ولم يحل إلا يوم العيد.
فيكون القارن والفرد سواء في الأفعال، ولكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة وحج، ويلزمه هدي، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج، ولا يلزمه هدي.
*********************
حكم الاعتمار بعد الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، عرفنا صفة الحج، وعرفنا التمتع والقران والإفراد، وقلتم في الإفراد: إن المسلم يأتي بالحج وحده ولا يأتي بعمرة معه، لكننا نرى كثيرا من الناس إذا انتهى من الإفراد اعتمر، فما حكم هذا العمل؟
الجواب: هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وأصحابه الذين هم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج، ليكون نسكها قرانا، وقال لها: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك»، فلما انتهى الحج، ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة، بدلا من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها، وأمر أخاها عبد الرحمن بن عوف أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرج بها إلى التنعيم، وأتت بعمرة، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لعائشة، وأرادت المرأة أن تأتى بعمرة، فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله صلى الله عليه وسلم عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدلك على أن هذا أمر ليس مشروع، أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة لا تفقها من عنده، ولا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا من الأمور المشروعة، لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة، لأن ذلك أمر سهل عليه حيث إنه قد خرج مع أخته.
والمهم: أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة.
نعم: لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد، فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة، ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم، أو إلى غيره من الحل، فيحرم منه، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
**********************
السؤال: فضيلة الشيخ، لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه؟
الجواب: كما قلت لك يأتي بالعمرة بعد الحج، لأن هذا ضرورة.
**********************
السؤال: لكن أليس الأولى أن يأتي مثلا متمتعا أو قارنا ليسلم من المحظور؟
الجواب: نعم هذا هو الأولى، لكن نحن فرضنا أنه أتى مفردا فيه.
****************
حكم الانتقال من نسك لآخر
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم الانتقال من نسك إلى نسك آخر؟
الجواب: الانتقال من نسك إلى نسك آخر تقدم في صفة القران، أنه من الممكن أن يحرم الإنسان أولا بعمرة، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينها وبين الحج، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران، إلى عمرة ليصير متمتعا، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، من لم يكن منهم ساق الهدي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وكان قد ساق الهدي، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم، فلما طاف وسعى، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعا، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة، ليتخلص من الإحرام ويرجع إلى أهله، فإن ذلك لا يجوز.
***************
حكم التحول من التمتع إلى الإفراد
السؤال: فضيلة الشيخ، هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟
الجواب: من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى أن يكون محرما بالحج مفردا، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة، ليصير متمتعا، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة، ليصير متمتعا، إلا من ساق الهدي في الصورتين: فإنه لا يجوز له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة، أن يجعلوه عمرة، ليصيروا متمتعين، إلا من ساق الهدي.
********************
أحكام وضوابط النيابة في الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، لو تحدثنا أيضا عن النيابة الكلية في الحج من حيث الأحكام والضوابط؟
الجواب: النيابة في الحج إن كان الإنسان قادرا، فإنها غير مشروعة، أما في الفريضة، فإنه لا يجوز أن يستنيب الإنسان أحدا عنه، يؤدي الحج أو العمرة فريضة، لأن الفريضة تطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه.
فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة:
فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه، ثم يؤدي الفريضة بنفسه، مثل أن يكون في أشهر الحج مريضا مرضا طارئا يرجى زواله، وهو لم يؤد الفريضة، فإننا نقول له: انتظر حتى يعافيك الله وحج، إن أمكنك في هذه السنة فذاك، وإلا ففي السنوات القادمة.
أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضا لا يرجى زواله، فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه، ودليل ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم: فقالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: (نعم).
فهذا حكم النيابة في الفرض، أنه إن كان المستنيب قادرا، فإن ذلك لا يصح، وإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله، فإن ذلك يصح، وإن كان الإنسان عاجزا عجزا طارئا يرجى زواله، فإنه لا يصح أن يستنيب أحدا، ولينظر حتى يعافيه الله، ويؤدي ذلك بنفسه.
أما في النافلة: فإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله، فقد يقول قائل: إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة، قياسا على استنابة من عليه الفريضة، وقد يقول قائل: أنه لا يصح القياس هنا، لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة، فإن النافلة لا تلزم الإنسان، فيقال: إن قدر عليها، فعلها بنفسه، وإن لم يقدر عليها، فلا يستنيب أحدا فيها.
أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه، فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه، على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي عندي أقرب، لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه، فلا يليق أن يقول لأحد: اذهب فتعبد لله عني، بل نقول: أدها أنت بنفسك، لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك، هذه الاستنابة في الحج على وجه الكمال، يعني بمعنى: أنه يصير في كل حج.
******************
شروط النائب في الحج
السؤال: فضيلة الشيخ، ما هي شروط النائب في الحج؟
الجواب: النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال: «من شبرمة؟» يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: أخ لي، أو قريب لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حججت عن نفسك؟» قال لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بنفسك»، ولأنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي الإنسان الحج عن غيره مع وجوبه عليه، قال أهل العلم: ولو حج عن غيره مع وجوب الحج عليه، فإن الحج يقع عن نفسه، أي: عن نفس النائب، ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة.
أما بقية الشروط فمعروفة، وقد تكلمنا عليها من قبل، مثل: الإسلام، والعقل، والتمييز، وهي شروط واجبة في كل عبادة.
*****************
يأخذ نقوداً ليحج بها وليس في نيته إلا جمع الدراهم
السؤال: فضيلة الشيخ، ما حكم من أخذ نقودا ليحج عن غيره، وليس في نيته إلا جمع الدراهم؟
الجواب: يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم، فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوى بعمل الآخرة شيئا من الدنيا، لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ، فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ ليحج، أو ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا بأس به، ولا حرج عليه، وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يخشى ألا يقبل منه وألا يجزئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره، ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر، وعند بيت الله.