وردة الصفية
04-17-2013, 12:30 AM
http://upload.vb4egy.com/uploads/13639060821.png (http://www.monms.com/vb)
لم تكن المعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون بهدف التشفِّي
أو الانتقام من المشركين الذين مارسوا مع المسلمين شتى أنواع التعذيب، وحاولوا إبادتهم
في كثير من الأحايين، لكن المسلمين احتسبوا كل ذلك عند الله عز وجل،
ويؤكد هذا الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف كان يستطيع -
من دون شك- أن يقتل من يريد من المشركين، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بالحسنى والعفو والصفح، بل وينكر وبقوَّة على من يخالف هذا الأمر. لقد كان هذا العفو
من العلامات المميِّزة له صلى الله عليه وسلم، حتى ذكرها رب العالمين في صفته في
كتب الأولين، فقد قال زيد بن سعنة -رضي الله عنه- أنه قد جاء في التوراة أنه "يَسْبِقْ
حِلْمُهُ جَهْلُهُ، وَلَا يزِيده شِدَّةُ الجَهْلِ عَليِه إِلا حلمًا".
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)من نماذج هذا العفو ما رواه مسلم في صحيحه في صلح الحديبية عن
سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: ".. ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى
بعضنا في بعض واصطلحنا... قال: فلمَّا اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا
ببعض أتيت شجرة؛ فكسحت شوكها؛ فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من
المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأبغضتهم، فتحوَّلْتُ إلى شجرة أخرى، وعلَّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ
من أسفل الوادي: يا لَلْمُهاجرين..!! قُتِلَ ابنُ زُنَيْم، قال: فاخترطت سيفي، ثم شددت على
أولئك الأربعة وهم رُقُود؛ فأخذت سلاحهم؛ فجعلته ضِغثًا في يدي، قال: ثم قلت:
والذي كَرَّمَ وجهَ محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه (يعني: رأسه!!)،
قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمي عامر برجل
من العَبَلات يقال له: مِكْرَزٌ يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مُجفَّف
في سبعين من المشركين؛ فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال:
دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ» فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله:
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الفتح: 24]...
قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة..." الحديث.
هكذا ببساطة.. لم ينتقم، فيسفك الدماء، وينتهك الأعراض، وينهب الدُّور، بل العفو هو
شيمته صلى الله عليه وسلم في كل وقتٍ، وفي مواجهة كل عدو، وسيأتي بإذن الله
تفصيل لموضوع العفو عن الأسرى في باب قادم.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعفو عن الأفراد الذين لا يقدمون كثيرًا ولا يؤخرون
في سير الأحداث فقط، بل كان يعفو عن شعوب كاملة، وأمم بأسرها، وذلك خُلُق فريد في
القادة الحربيين؛ أن يعفوا عن شعوبٍ ناصبتهم وجيوشَهم العَدَاء، وحاربتهم طويلاً، وقتلت منهم الكثير، وسَامَتْهُم سوء العذاب عندما كانت تتحكم فيهم، ولكن لأنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ومن شِيَمه العظيمة العفوُ؛ فقد عفا كثيرًا، ومن أشهر مواقفه في هذا
الصدد عفوه عن أهل مكة.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)إن الكلمات الخالدة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة يوم فتح مكة ينبغي أن تُكتَب بماء من ذهبٍ، فهي إنما تُنبِيء عن معدن نفيسٍ نقيٍّ غاية النقاء..
قال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»، ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ثم قال صلى الله عليه وسلم:
«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.
قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطّلَقَاءُ».
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ولم يكن هذا العفو خاصًّا بأهل مكة فقط، حتى لا يقول أحدٌ أنهم -أي أهل مكة-
الأهل والعشيرة ولذلك عفا عنهم، بل كان هذا يحدث مع كثير من الشعوب والقبائل بصرف
النظر عن أصولهم وأجناسهم، وما أروع موقفه صلى الله عليه وسلم مع قبيلة هوازن،
وذلك بعد انتصار غزوة حنين المهيب، مع العلم أن جذور هوازن بعيدة جدًا عن قريش التي
ينتمي إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن التاريخ يُثْبِت خلافات عميقة بين القبيلتين.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ولكي نقدِّر عظمة أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد لنا من العودة إلى التاريخ بعض الشيء، لكي نتعرف على جذور هذه القبيلة وعلاقتها بقريش، فكما نعلم أن العرب
بصفة عامة ينقسمون إلى قسمين رئيسيين عدنانيين وقحطانيين، ثم ينقسم العدنانيون
بدورهم إلى ربيعة ومضر، ومضر تنقسم إلى إلياس وعيلان, وهما فرعان كبيران جدًا،
وتأتى قبيلة قريش من فرع إلياس بعد تفرعات كثيرة، وتأتي قبيلة هوازن من عيلان بعد
تفرعات كثيرة أيضًا، وكما هو معروف كلما بعدت الأنساب ازدادت الحساسيات بين القبائل،
وفقد الناس الشعور بالرحم التي ينتمون إليها، وقد كانت الصراعات والتنافسات تقوم
بين أولاد العمومة كبني هاشم وبني مخزوم، وكالأوس والخزرج،
فما بالكم بهذه الفروع البعيدة!
ولقد أكل الحقد والخوف قلوب أهل هوازن عندما شاهدوا التقدم الملموس للحركة الإسلامية، خاصَّة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرشي، ومن ثمَّ جمعت هوازن
مع أولاد عمومتهم ثقيف أكثر من خمسة وعشرين ألفًا من المقاتلين بهدف استئصال
المسلمين استئصالاً كاملاً من الوجود، فكانت غزوة حنين الخطيرة، ولكن الله عز وجل شاء
أن يكتب النصر للمسلمين بعد هِزَّةً سرعان ما تماسكوا بعدها، وبعد المعركة غَنِم
المسلمون غنائم كثيرة من الإبل والشياه، وأسروا عددًا مهولاً من المشركين بلغ في
بعض الروايات ستة آلاف، ووزَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنائم كلها على
الجيش المنتصر، وأعطى المؤلفة قلوبهم عطاءً سخيًا، ونفدت كل الغنائم ولم يحتفظ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه بأيِّ شيء!!
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)وبعد انتهاء توزيع الغنائم حدثت مفاجأة ضخمة لم تكن متوقعة..!!
لقد جاء وفدٌ من قبيلة هوازن إلى وادي الجعرانة، لإعلان الإسلام أمام النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان الوفد يُمَثِّل كلَّ بطون هوازن ما عدا ثقيف، وذلك بعد أقلِّ من شهرين من
حرب حُنَيْن الهائلة، وذلك بعد أن فقدوا كل شيء، فقد خسروا نساءهم وأبناءهم،
وأموالهم، وأنعامهم، وكانوا قد فَرُّوا إلى الطائف مع ثقيف، وما استطاعوا الخروج لحرب المسلمين،
وكان من الممكن أن يفقدوا ديارهم ويعيشوا عمرهم لاجئين عند ثقيف في
الطائف، ولكنهم فكَّروا في العودة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يقبل
منهم إسلامهم، ويعيد إليهم بعض الممتلكات.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)
المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.
http://upload.vb4egy.com/uploads/13639095223.png (http://www.monms.com/vb)
لم تكن المعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون بهدف التشفِّي
أو الانتقام من المشركين الذين مارسوا مع المسلمين شتى أنواع التعذيب، وحاولوا إبادتهم
في كثير من الأحايين، لكن المسلمين احتسبوا كل ذلك عند الله عز وجل،
ويؤكد هذا الأمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف كان يستطيع -
من دون شك- أن يقتل من يريد من المشركين، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بالحسنى والعفو والصفح، بل وينكر وبقوَّة على من يخالف هذا الأمر. لقد كان هذا العفو
من العلامات المميِّزة له صلى الله عليه وسلم، حتى ذكرها رب العالمين في صفته في
كتب الأولين، فقد قال زيد بن سعنة -رضي الله عنه- أنه قد جاء في التوراة أنه "يَسْبِقْ
حِلْمُهُ جَهْلُهُ، وَلَا يزِيده شِدَّةُ الجَهْلِ عَليِه إِلا حلمًا".
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)من نماذج هذا العفو ما رواه مسلم في صحيحه في صلح الحديبية عن
سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: ".. ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى
بعضنا في بعض واصطلحنا... قال: فلمَّا اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا
ببعض أتيت شجرة؛ فكسحت شوكها؛ فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من
المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأبغضتهم، فتحوَّلْتُ إلى شجرة أخرى، وعلَّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ
من أسفل الوادي: يا لَلْمُهاجرين..!! قُتِلَ ابنُ زُنَيْم، قال: فاخترطت سيفي، ثم شددت على
أولئك الأربعة وهم رُقُود؛ فأخذت سلاحهم؛ فجعلته ضِغثًا في يدي، قال: ثم قلت:
والذي كَرَّمَ وجهَ محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه (يعني: رأسه!!)،
قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمي عامر برجل
من العَبَلات يقال له: مِكْرَزٌ يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مُجفَّف
في سبعين من المشركين؛ فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال:
دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ» فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله:
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الفتح: 24]...
قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة..." الحديث.
هكذا ببساطة.. لم ينتقم، فيسفك الدماء، وينتهك الأعراض، وينهب الدُّور، بل العفو هو
شيمته صلى الله عليه وسلم في كل وقتٍ، وفي مواجهة كل عدو، وسيأتي بإذن الله
تفصيل لموضوع العفو عن الأسرى في باب قادم.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعفو عن الأفراد الذين لا يقدمون كثيرًا ولا يؤخرون
في سير الأحداث فقط، بل كان يعفو عن شعوب كاملة، وأمم بأسرها، وذلك خُلُق فريد في
القادة الحربيين؛ أن يعفوا عن شعوبٍ ناصبتهم وجيوشَهم العَدَاء، وحاربتهم طويلاً، وقتلت منهم الكثير، وسَامَتْهُم سوء العذاب عندما كانت تتحكم فيهم، ولكن لأنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ومن شِيَمه العظيمة العفوُ؛ فقد عفا كثيرًا، ومن أشهر مواقفه في هذا
الصدد عفوه عن أهل مكة.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)إن الكلمات الخالدة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة يوم فتح مكة ينبغي أن تُكتَب بماء من ذهبٍ، فهي إنما تُنبِيء عن معدن نفيسٍ نقيٍّ غاية النقاء..
قال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»، ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ثم قال صلى الله عليه وسلم:
«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ.
قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطّلَقَاءُ».
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ولم يكن هذا العفو خاصًّا بأهل مكة فقط، حتى لا يقول أحدٌ أنهم -أي أهل مكة-
الأهل والعشيرة ولذلك عفا عنهم، بل كان هذا يحدث مع كثير من الشعوب والقبائل بصرف
النظر عن أصولهم وأجناسهم، وما أروع موقفه صلى الله عليه وسلم مع قبيلة هوازن،
وذلك بعد انتصار غزوة حنين المهيب، مع العلم أن جذور هوازن بعيدة جدًا عن قريش التي
ينتمي إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن التاريخ يُثْبِت خلافات عميقة بين القبيلتين.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)ولكي نقدِّر عظمة أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد لنا من العودة إلى التاريخ بعض الشيء، لكي نتعرف على جذور هذه القبيلة وعلاقتها بقريش، فكما نعلم أن العرب
بصفة عامة ينقسمون إلى قسمين رئيسيين عدنانيين وقحطانيين، ثم ينقسم العدنانيون
بدورهم إلى ربيعة ومضر، ومضر تنقسم إلى إلياس وعيلان, وهما فرعان كبيران جدًا،
وتأتى قبيلة قريش من فرع إلياس بعد تفرعات كثيرة، وتأتي قبيلة هوازن من عيلان بعد
تفرعات كثيرة أيضًا، وكما هو معروف كلما بعدت الأنساب ازدادت الحساسيات بين القبائل،
وفقد الناس الشعور بالرحم التي ينتمون إليها، وقد كانت الصراعات والتنافسات تقوم
بين أولاد العمومة كبني هاشم وبني مخزوم، وكالأوس والخزرج،
فما بالكم بهذه الفروع البعيدة!
ولقد أكل الحقد والخوف قلوب أهل هوازن عندما شاهدوا التقدم الملموس للحركة الإسلامية، خاصَّة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرشي، ومن ثمَّ جمعت هوازن
مع أولاد عمومتهم ثقيف أكثر من خمسة وعشرين ألفًا من المقاتلين بهدف استئصال
المسلمين استئصالاً كاملاً من الوجود، فكانت غزوة حنين الخطيرة، ولكن الله عز وجل شاء
أن يكتب النصر للمسلمين بعد هِزَّةً سرعان ما تماسكوا بعدها، وبعد المعركة غَنِم
المسلمون غنائم كثيرة من الإبل والشياه، وأسروا عددًا مهولاً من المشركين بلغ في
بعض الروايات ستة آلاف، ووزَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغنائم كلها على
الجيش المنتصر، وأعطى المؤلفة قلوبهم عطاءً سخيًا، ونفدت كل الغنائم ولم يحتفظ
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه بأيِّ شيء!!
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)وبعد انتهاء توزيع الغنائم حدثت مفاجأة ضخمة لم تكن متوقعة..!!
لقد جاء وفدٌ من قبيلة هوازن إلى وادي الجعرانة، لإعلان الإسلام أمام النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان الوفد يُمَثِّل كلَّ بطون هوازن ما عدا ثقيف، وذلك بعد أقلِّ من شهرين من
حرب حُنَيْن الهائلة، وذلك بعد أن فقدوا كل شيء، فقد خسروا نساءهم وأبناءهم،
وأموالهم، وأنعامهم، وكانوا قد فَرُّوا إلى الطائف مع ثقيف، وما استطاعوا الخروج لحرب المسلمين،
وكان من الممكن أن يفقدوا ديارهم ويعيشوا عمرهم لاجئين عند ثقيف في
الطائف، ولكنهم فكَّروا في العودة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يقبل
منهم إسلامهم، ويعيد إليهم بعض الممتلكات.
http://dc01.arabsh.com/i/00194/qk3ip1vol460.gif (http://www.monms.com/vb)
المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.
http://upload.vb4egy.com/uploads/13639095223.png (http://www.monms.com/vb)