-قمر الليالي-
06-05-2012, 06:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
[/URL]http://nasaym.com/vb/imgcache/5046.imgcache.png (http://www.monms.com/vb)
بيان الإسلام والإيمان والإحسان
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ،
شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ،
حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ،
ووضح كفيه على فخذيه ، وقال :
" يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له :
( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ،
وتصوم رمضان ،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) ، قال : " صدقت " ،
فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال :
( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ،
قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ،
قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال :
" فأخبرني عن الساعة " ،
قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) ،
قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ،
وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان )
ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال :
( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت :
"الله ورسوله أعلم " ، قال :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
رواه مسلم .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
الشرح
هذا الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ،
بأبسط أسلوب ، وأوضح عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث
أفضل من قوله صلى الله عليه وسلم :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
وقد تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث :
الإسلام والإيمان والإحسان ،
وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى
علق عليها السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه
المراتب ارتباط وثيق ، فدائرة الإسلام أوسع هذه الدوائر ،
تليها دائرة الإيمان فالإحسان ، وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ،
وكل مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر العتاب الرباني
على أولئك الأعراب الذين ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، وهو لم يتمكّن في قلوبهم بعد ،
يقول الله في كتابه :{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }
، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من الإسلام .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وإذا أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام :
هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ،
والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ، وهو الدين الذي امتن الله به على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمته ، وجعله دين البشرية كلها إلى قيام الساعة ،
ولا يقبل من أحد سواه ، وللإسلام أركان خمسة كما جاء في الحديث ،
أولها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ،
وفي الجمع بينهما في ركن واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة
لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص لله تعالى ،
ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى :
{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
والملاحظ هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة ،
وذلك لأن الإسلام والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد ،
وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا ،
ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات
وأعمال القلوب .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
أما الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق
باللسان ، والعمل بالجوارح والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه
أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
من الشرع الحكيم ، ويسلّم به ويذعن له ، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم
بقوله :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا }
ويقابل ذلك النفاق ، فالمنافقون مسلمون في الظاهر ،
يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون الكفر والبغض للدين .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
والمقصود بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ،
ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود الله ، والإقرار بنبوة محمد
صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ بالشهادتين ،
بدليل أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ، كما قال عزوجل :
{ قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي
من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله } ،
ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة التوحيد ، واستكبروا :
{ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون }
وها هو أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقر بنبوة ابن أخيه ،
ويدافع عنه وينصره ،بل كان يقول:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فلم ينفعه ذلك ، ولم يخرجه من النار ؛ لأنه لم يقبل أن
يقول كلمة الإيمان ومفتاح الجنة ،
ولهذا كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ،
وتحقن دماءهم ، ففي الحديث الصحيح :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ،
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام ، وحسابهم على الله ) متفق عليه ،
وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق الشهادتين
بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
أما العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم القضايا
التي غفل الناس عن فهمها ، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق
إلا بالعمل ، والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة على
ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ، فقد قال تعالى :
{ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق
منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين }
ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وبهذا يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا نصحته بصلاة
أو زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق ذلك
أو يكذبه - كما قال
الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا
لأورث العمل ، وأثمر الفعل ، كما قيل :
والدعاوى مالم يقيموا عليها بينـات أصحابها أدعياء
وإذا كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد
وينقص ، وبيان ذلك : أن الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص
لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا شك أن يقين الصحابة
بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه
لحظات من قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار ،
وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه ،
كما قال حنظلة رضي الله عنه : " نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا
بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ،
إذاً فإقرار القلب متفاوت ، وكذلك الأقوال والأعمال ؛
فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره ، ومن اجتهد في العبادة ، وداوم على الطاعة ،
ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات.
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وأسباب زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد صفة الله " البصير "
ابتعد عن معصية الله تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة الله له ، وإذا قرأ في كتاب الله قوله :
{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك
ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنكعلى كل شيء قدير }
طمأن قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها :
كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ، وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى :
{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ،
ومن أسباب زيادة الإيمان : النظر في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى :
{ وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون }
ومنها : الاجتهاد في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
ثم تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي
أعلى مراتب الدين وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عزوجل :
{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ،
والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله :
( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ،
وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عزوجل .
ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها ،
فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مما اختص الله بعلمه ،
وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ، لكنه بين شيئا من أماراتها ،
فقال : ( أن تلد الأمة ربتها ) ،
يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء ،
وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد الإسلامي ،
أما العلامة الثانية :
( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ،
ومعناه أن ترى الفقراء ، الذين ليسوا بأهل للغنى
ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور الباهرة .
[URL="http://www.monms.com/vb"]http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ،
وعملا صالحا متقبلا ،
والحمد لله رب العالمين .
في أمان الله .
[/URL]http://nasaym.com/vb/imgcache/5046.imgcache.png (http://www.monms.com/vb)
بيان الإسلام والإيمان والإحسان
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ،
شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ،
حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ،
ووضح كفيه على فخذيه ، وقال :
" يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له :
( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ،
وتصوم رمضان ،وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) ، قال : " صدقت " ،
فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال :
( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ،
قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ،
قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال :
" فأخبرني عن الساعة " ،
قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) ،
قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ،
وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان )
ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال :
( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت :
"الله ورسوله أعلم " ، قال :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
رواه مسلم .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
الشرح
هذا الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ،
بأبسط أسلوب ، وأوضح عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث
أفضل من قوله صلى الله عليه وسلم :
( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
وقد تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث :
الإسلام والإيمان والإحسان ،
وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى
علق عليها السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه
المراتب ارتباط وثيق ، فدائرة الإسلام أوسع هذه الدوائر ،
تليها دائرة الإيمان فالإحسان ، وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ،
وكل مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر العتاب الرباني
على أولئك الأعراب الذين ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، وهو لم يتمكّن في قلوبهم بعد ،
يقول الله في كتابه :{ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }
، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من الإسلام .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وإذا أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام :
هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ،
والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ، وهو الدين الذي امتن الله به على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمته ، وجعله دين البشرية كلها إلى قيام الساعة ،
ولا يقبل من أحد سواه ، وللإسلام أركان خمسة كما جاء في الحديث ،
أولها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ،
وفي الجمع بينهما في ركن واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة
لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص لله تعالى ،
ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى :
{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
والملاحظ هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة ،
وذلك لأن الإسلام والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد ،
وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا ،
ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات
وأعمال القلوب .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
أما الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق
باللسان ، والعمل بالجوارح والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه
أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
من الشرع الحكيم ، ويسلّم به ويذعن له ، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم
بقوله :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا }
ويقابل ذلك النفاق ، فالمنافقون مسلمون في الظاهر ،
يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون الكفر والبغض للدين .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
والمقصود بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ،
ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود الله ، والإقرار بنبوة محمد
صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ بالشهادتين ،
بدليل أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ، كما قال عزوجل :
{ قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي
من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله } ،
ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة التوحيد ، واستكبروا :
{ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون }
وها هو أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقر بنبوة ابن أخيه ،
ويدافع عنه وينصره ،بل كان يقول:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فلم ينفعه ذلك ، ولم يخرجه من النار ؛ لأنه لم يقبل أن
يقول كلمة الإيمان ومفتاح الجنة ،
ولهذا كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ،
وتحقن دماءهم ، ففي الحديث الصحيح :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ،
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام ، وحسابهم على الله ) متفق عليه ،
وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق الشهادتين
بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
أما العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم القضايا
التي غفل الناس عن فهمها ، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق
إلا بالعمل ، والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة على
ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ، فقد قال تعالى :
{ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق
منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين }
ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وبهذا يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا نصحته بصلاة
أو زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق ذلك
أو يكذبه - كما قال
الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا
لأورث العمل ، وأثمر الفعل ، كما قيل :
والدعاوى مالم يقيموا عليها بينـات أصحابها أدعياء
وإذا كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد
وينقص ، وبيان ذلك : أن الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص
لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا شك أن يقين الصحابة
بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه
لحظات من قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار ،
وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه ،
كما قال حنظلة رضي الله عنه : " نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا
بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ،
إذاً فإقرار القلب متفاوت ، وكذلك الأقوال والأعمال ؛
فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره ، ومن اجتهد في العبادة ، وداوم على الطاعة ،
ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات.
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
وأسباب زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد صفة الله " البصير "
ابتعد عن معصية الله تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة الله له ، وإذا قرأ في كتاب الله قوله :
{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك
ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنكعلى كل شيء قدير }
طمأن قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها :
كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ، وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى :
{ ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ،
ومن أسباب زيادة الإيمان : النظر في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى :
{ وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون }
ومنها : الاجتهاد في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة .
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
ثم تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي
أعلى مراتب الدين وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عزوجل :
{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ،
والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله :
( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ،
وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عزوجل .
ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها ،
فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مما اختص الله بعلمه ،
وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ، لكنه بين شيئا من أماراتها ،
فقال : ( أن تلد الأمة ربتها ) ،
يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء ،
وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد الإسلامي ،
أما العلامة الثانية :
( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ،
ومعناه أن ترى الفقراء ، الذين ليسوا بأهل للغنى
ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور الباهرة .
[URL="http://www.monms.com/vb"]http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRZUeQvC3ds6uucKaFQr-gViZWGXB481DKr9kaPFgb5fwnbmDsmfw (http://www.monms.com/vb)
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ،
وعملا صالحا متقبلا ،
والحمد لله رب العالمين .
في أمان الله .