Unbreakable Girl
02-18-2012, 04:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
حفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القران الكريم
تمهيد :
لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل، ولن تعرف كتاباً نال من البحث والدرس والتقدير والإكبار مثل القرآن الكريم، فقد حظي منذ اليوم الأول للوحي باهتمام بالغ، من البشر أجمعين، إما بقصد بيان إعجازه، والدعوة الى الإيمان به، كتاباً منزلاً من الله العزيز الحكيم، على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- وذلك هدف الموحدين المسلمين، أو بقصد النيل منه والإساءة إليه، وهيهات ان يتحقق ذلك، وهو ما يرمي اليه أعداء الإسلام من كل مشرب واتجاه.
ومن عجب أنه كلما مر الزمان، وتعددت الدراسات، وتنوعت حول القرأن الكريم، زاد إيمان المؤمنين بقداسته، وإعجازه، وبأنه آخر رسالات السماء الى الارض، وزاد كذالك اقتناع الكثير من غير المسلمين، بأنه لا يمكن ان يكون من قبل بشر، ولا بد ان قائله هو الله رب العالمين، وما منعهم من الإيمان به إلا الاستكبار واتباع الهوى والظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا.
وفي هذا الدرس وما يليه سوف نطوَّف بك حول الطرائق التي حفظ بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام - رضوان الله عنهم أجمعين - القران الكريم في الصدور وفي السطور
لكن قبل هذا الطواف يجدر بنا التحدث ولو قليلاً عن الوحي حتى يسهل تصور حفظ الكتاب العزيز.
نزول الوحي :
قال -تعالى- (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) صورة الحجر : أية (9)
تدل هذه الآية الكريمة على أن القرآن الكريم نزل من عند الله -تعالى- وأنه سبحانه لم يعهد بحفظه إلى أحد من خلقه، بل تعهد -جلّ وعلا- بذلك، وبالتالي امتنع أن يصيب القرآن الكريم ما أصاب الكتب السابقة عليه مو تنزيف او تحريف بالحذف او بالاضافة او بالتبديل.
أما الوحي فهو : إعلام الله -تعالى- من اصطفاه من عباده بما يريده له ولأمته، بطريقة خاصة خفية لا يدركها إلا النبي وحده*
وقد بدأ الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا الصالحة كما أخبرت بذلك ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت :
"*اولُ ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فلقِ الصبح، ثم حبب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنثُ فيه -وهو التعبد- الليالي ذواتِ العددِ قبل ان ينزعَ إلى أهله، ويتزودُ لذلك، ثم يرجعُ الى خديجةُ فيتزودُ لمثلها، حتى جاءهُ الحق وهو غارِ حِراء فجاءه الملكُ فقال: اقرأ قال: " ما أنا بقارئ " قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3))
سورة العلق: أية (1-3) فرجعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَرْجُفُ فُؤاده، فدخلَ على خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال " زمِّلوني زمِّلوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر " لقد خشيت على نفسي "، فقالت خديجة: " كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصلُ الرَّحم، وتحملُ الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعينُ على نوائب الحق ".
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى -ابن عم خديجة- وكان امرأً قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتبُ الكتابَ العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله ان يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمَّ اسمع من ابن اخيك.
فقال له ورقة: يا ابن اخي ماذا ترى؟ فأخبرهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموسُ الذي نزَّل الله على موسي، ياليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكونُ حياً اذ يخرجُك قومُك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " او مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يُدركني يومُكَ أنصرك نصراً مؤزراً "
ولم يلبث ورقة بن نوفل -بعد هذه القصه- إلا قليلا ثم مات، ولكن كلماته بعثت الطمأنينة في قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتأكد أن ما رآه لم يكن هاتفاً من الجن او مرضاً ألمَّ به، ومع ذلك فقد كان قلقاً أشد القلق لانقطاع الوحي عنه فترة من الزمن، وقد خشي أن يكون موقفه من الوحي تسبب في صرفه عنه، ولكن رحمة الله -تعالى- أدركته فعاد إليه الوحي مرة أخرى، وفي ذلك يقول -صلى اللع عليه وسلم-
" بنما أنا أمشي إذ سمعتُ صوتاً من السماءِ فرفعت بصري فإذا الملكُ الذي جاءني بحراء جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض، فرعبتُ منه، فرجعت فقلت: زمّلوني.
فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)) سورة المدثر: ايه (1-5)
بعض مظاهر الشدة والإرهاق عند نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
روى المحدثون والمفسرون والمؤرخون أن الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تصحبه بعض مظاهر الشدة والإرهاق منها أن:
1) يغط فكيك النائم ويتغير وجهه.
2) تبرد ثناياه ويعرق حتى في اليوم شديد البرد.
3) يثقل جسده الشريف حتى تبرك به ناقته.
4) يُسْمٓعُ عند وجهه مثل دوي النحل.
ولا شك أن هذه المظاهر ناجمة عن شدة الموقف ورهبته، مصداقا لقوله تعالى:
(لَوْ أَنزَلْنَا هَـذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)) سورة الحشر: إيه (21)
نزول القرآن الكريم منجماً:
ذهب بعض العلماء الى أن للقرآن الكريم تنزلين هما:
1) نزوله جمله واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والدليل على ذلك قول -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)) سورة القدر: أية (1)، وقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- " أُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر "*
2) نزوله من السماء الدنيا الى الأرض منجماً في ثلاث وعشرين سنة. والدليل على نزوله منجماً او مفرقاً قول الله -تعالى- في سورة الإسراء (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106)) الإسراء : إيه (106)
الحكمة من نزول القرآن الكريم منجماً «مفرقاً»
إن في نزول القرآن الكريم منجماً دليلاً على تعظيم شأنه وشأن من نزل عليه، وليس من شك في أن للتنجيم حكماً كثيرة يمكن أن يكون من بينها:
1) تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- بتجدد الوحي وتكرار النزول، لأن في التكرار إعلاماً له -صلى الله عليه وسلم- بأن الله متعهد ومؤيده (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3)) سورة الضحى: إيه (3)
2) التدرج في الدعوة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل التي كانت مألوفة قبل نزول القرآن الكريم.
3) تيسير حفظ سور القرآن الكريم وآياته وفهم أحكامه.
4) تبشير المؤمنين بالفوز والنصر في مواطن كثيرة، تثبيتاً لقلوبهم وإراحة لصدورهم.
5) مساير الحوادث والطوارئ والرد على أسئلة الكفار والمعاندين من جهة، وبيان الأحكام للمؤمنين الطائعين من جهة أخرى.
6) الكشف عن المنافقين وبيان ما يضمونه من عداوة للإسلام، حتى يأمن المسلمون شرهم، ويتقوا أذاهم، قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) سورة البقرة: آيه (8).
7) لفت أنظار المسلمين إلى تصحيح أخطائهم.
8) تربية الأمة على المنهج الصحيح للدعوة، وهو المبني على التأني والتروي لمعالجة النفوس بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد حرص الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على تلقي القرآن الكريم من فيّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكانوا يستمعون إليه، ويتلون كما يتلو، بل كان بعضهم يستأذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابة ما يسمعه من القرآن الكريم، فضلاً عن أن النبي -صلى الله علية وسلم- كلف بعضهم بالكتاب والتدوين، وهؤلاء هم الذين عرفوا بـ((كتَّاب)) الوحي ومن أبرزهم:
1) زيد بن ثابت
2) علي بن أبي طالب
3) عثمان بن عفان
4) عبدالله بي مسعود
5) أنس بن مالك
6) أُبيّ بن كعب
7) معاوية بن أبي سيفان
8) الزبير بن عوام
9) عبدالله بن الأرقم*
10) عبدالله بن رواحة
وغيرهم -رضي الله -تعالى- عنهم اجمعين-.
المرجعة والعرضة الأخيرة:
شاءت إرادة الله تعالى -أن ينزل جبريل -عليه السلام- في رمضان من كل سنة ليقرئ النبي -صلى الله عليه وسلم- مانزل من القرآن الكريم، وبعد ذلك يتلو الرسول -صلى الله علية وسلم- على أصحابه، فيسمعون منه ويحفظون عنه، ويسجله بعضهم، حيث كانوا -رضوان الله عليهم- يتسابقون ويتنافسون في استظهاره ومدارسته وتفهمه حتى كان الذي يمر ببيوتهم في غسق الدجى، يسمع دوياً كدوي النحل من فرط حرصهم على تلاوة كتاب الله -عو وجل- وكان الرسول-صلى الله عليه وسلم- وذكي فيهم هذه الروح، حتى إذا كان آخر رمضان شهده النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل فعرض عليه القران كله مرتين تأكيداً لترتيب سوره وآياته، فما انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم محفوظ في الصدور ومكتوب في الألواح والسطور.
القيم الستفادة:-
1) الله -تعالى- حفظ القرآن الكريم من التحريف والتنزييف.
2) القرآن الكريم له تنزلان، الاول كان جمله واحد إلى بيت العون في السماء الدنيا، والثاني منجماً على مدى 23 سنة على الرسول -صلة الله عليه وسلم-.
3) الوحي إلى الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تصاحبه بعض مظاهر الشدة والإرهاق.
4) لنزول القرآن الكريم منجماً حكماً كثيرة منها تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتيسير الحفظ والإجابة هن أسئلة السائلين*
5) القران الكريم كان محفوظاً في الصدور والسطور قبل ان يحلق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى.
6) من ابرز كتاب الوحي زيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأُبيّ بن كعب، ومعاوية بن أبي سيفان، والزبير بن العوام، وعبدالله بن الأرقم، وعبدالله بن واحة -رضي الله عنهم- أجمعين.
7) جبريل -عليه السلام- عرض القرآن الكريم مرتين على النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنه التي انتقل فيها الى الرفيق الأعلى.
بسم الله الرحمن الرحيم
حفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القران الكريم
تمهيد :
لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل، ولن تعرف كتاباً نال من البحث والدرس والتقدير والإكبار مثل القرآن الكريم، فقد حظي منذ اليوم الأول للوحي باهتمام بالغ، من البشر أجمعين، إما بقصد بيان إعجازه، والدعوة الى الإيمان به، كتاباً منزلاً من الله العزيز الحكيم، على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- وذلك هدف الموحدين المسلمين، أو بقصد النيل منه والإساءة إليه، وهيهات ان يتحقق ذلك، وهو ما يرمي اليه أعداء الإسلام من كل مشرب واتجاه.
ومن عجب أنه كلما مر الزمان، وتعددت الدراسات، وتنوعت حول القرأن الكريم، زاد إيمان المؤمنين بقداسته، وإعجازه، وبأنه آخر رسالات السماء الى الارض، وزاد كذالك اقتناع الكثير من غير المسلمين، بأنه لا يمكن ان يكون من قبل بشر، ولا بد ان قائله هو الله رب العالمين، وما منعهم من الإيمان به إلا الاستكبار واتباع الهوى والظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا.
وفي هذا الدرس وما يليه سوف نطوَّف بك حول الطرائق التي حفظ بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام - رضوان الله عنهم أجمعين - القران الكريم في الصدور وفي السطور
لكن قبل هذا الطواف يجدر بنا التحدث ولو قليلاً عن الوحي حتى يسهل تصور حفظ الكتاب العزيز.
نزول الوحي :
قال -تعالى- (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) صورة الحجر : أية (9)
تدل هذه الآية الكريمة على أن القرآن الكريم نزل من عند الله -تعالى- وأنه سبحانه لم يعهد بحفظه إلى أحد من خلقه، بل تعهد -جلّ وعلا- بذلك، وبالتالي امتنع أن يصيب القرآن الكريم ما أصاب الكتب السابقة عليه مو تنزيف او تحريف بالحذف او بالاضافة او بالتبديل.
أما الوحي فهو : إعلام الله -تعالى- من اصطفاه من عباده بما يريده له ولأمته، بطريقة خاصة خفية لا يدركها إلا النبي وحده*
وقد بدأ الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا الصالحة كما أخبرت بذلك ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت :
"*اولُ ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فلقِ الصبح، ثم حبب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنثُ فيه -وهو التعبد- الليالي ذواتِ العددِ قبل ان ينزعَ إلى أهله، ويتزودُ لذلك، ثم يرجعُ الى خديجةُ فيتزودُ لمثلها، حتى جاءهُ الحق وهو غارِ حِراء فجاءه الملكُ فقال: اقرأ قال: " ما أنا بقارئ " قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3))
سورة العلق: أية (1-3) فرجعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَرْجُفُ فُؤاده، فدخلَ على خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال " زمِّلوني زمِّلوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر " لقد خشيت على نفسي "، فقالت خديجة: " كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصلُ الرَّحم، وتحملُ الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعينُ على نوائب الحق ".
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى -ابن عم خديجة- وكان امرأً قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتبُ الكتابَ العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله ان يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمَّ اسمع من ابن اخيك.
فقال له ورقة: يا ابن اخي ماذا ترى؟ فأخبرهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموسُ الذي نزَّل الله على موسي، ياليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكونُ حياً اذ يخرجُك قومُك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " او مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يُدركني يومُكَ أنصرك نصراً مؤزراً "
ولم يلبث ورقة بن نوفل -بعد هذه القصه- إلا قليلا ثم مات، ولكن كلماته بعثت الطمأنينة في قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتأكد أن ما رآه لم يكن هاتفاً من الجن او مرضاً ألمَّ به، ومع ذلك فقد كان قلقاً أشد القلق لانقطاع الوحي عنه فترة من الزمن، وقد خشي أن يكون موقفه من الوحي تسبب في صرفه عنه، ولكن رحمة الله -تعالى- أدركته فعاد إليه الوحي مرة أخرى، وفي ذلك يقول -صلى اللع عليه وسلم-
" بنما أنا أمشي إذ سمعتُ صوتاً من السماءِ فرفعت بصري فإذا الملكُ الذي جاءني بحراء جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض، فرعبتُ منه، فرجعت فقلت: زمّلوني.
فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)) سورة المدثر: ايه (1-5)
بعض مظاهر الشدة والإرهاق عند نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
روى المحدثون والمفسرون والمؤرخون أن الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تصحبه بعض مظاهر الشدة والإرهاق منها أن:
1) يغط فكيك النائم ويتغير وجهه.
2) تبرد ثناياه ويعرق حتى في اليوم شديد البرد.
3) يثقل جسده الشريف حتى تبرك به ناقته.
4) يُسْمٓعُ عند وجهه مثل دوي النحل.
ولا شك أن هذه المظاهر ناجمة عن شدة الموقف ورهبته، مصداقا لقوله تعالى:
(لَوْ أَنزَلْنَا هَـذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)) سورة الحشر: إيه (21)
نزول القرآن الكريم منجماً:
ذهب بعض العلماء الى أن للقرآن الكريم تنزلين هما:
1) نزوله جمله واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والدليل على ذلك قول -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)) سورة القدر: أية (1)، وقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- " أُنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر "*
2) نزوله من السماء الدنيا الى الأرض منجماً في ثلاث وعشرين سنة. والدليل على نزوله منجماً او مفرقاً قول الله -تعالى- في سورة الإسراء (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106)) الإسراء : إيه (106)
الحكمة من نزول القرآن الكريم منجماً «مفرقاً»
إن في نزول القرآن الكريم منجماً دليلاً على تعظيم شأنه وشأن من نزل عليه، وليس من شك في أن للتنجيم حكماً كثيرة يمكن أن يكون من بينها:
1) تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- بتجدد الوحي وتكرار النزول، لأن في التكرار إعلاماً له -صلى الله عليه وسلم- بأن الله متعهد ومؤيده (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3)) سورة الضحى: إيه (3)
2) التدرج في الدعوة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل التي كانت مألوفة قبل نزول القرآن الكريم.
3) تيسير حفظ سور القرآن الكريم وآياته وفهم أحكامه.
4) تبشير المؤمنين بالفوز والنصر في مواطن كثيرة، تثبيتاً لقلوبهم وإراحة لصدورهم.
5) مساير الحوادث والطوارئ والرد على أسئلة الكفار والمعاندين من جهة، وبيان الأحكام للمؤمنين الطائعين من جهة أخرى.
6) الكشف عن المنافقين وبيان ما يضمونه من عداوة للإسلام، حتى يأمن المسلمون شرهم، ويتقوا أذاهم، قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) سورة البقرة: آيه (8).
7) لفت أنظار المسلمين إلى تصحيح أخطائهم.
8) تربية الأمة على المنهج الصحيح للدعوة، وهو المبني على التأني والتروي لمعالجة النفوس بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد حرص الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- على تلقي القرآن الكريم من فيّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكانوا يستمعون إليه، ويتلون كما يتلو، بل كان بعضهم يستأذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- في كتابة ما يسمعه من القرآن الكريم، فضلاً عن أن النبي -صلى الله علية وسلم- كلف بعضهم بالكتاب والتدوين، وهؤلاء هم الذين عرفوا بـ((كتَّاب)) الوحي ومن أبرزهم:
1) زيد بن ثابت
2) علي بن أبي طالب
3) عثمان بن عفان
4) عبدالله بي مسعود
5) أنس بن مالك
6) أُبيّ بن كعب
7) معاوية بن أبي سيفان
8) الزبير بن عوام
9) عبدالله بن الأرقم*
10) عبدالله بن رواحة
وغيرهم -رضي الله -تعالى- عنهم اجمعين-.
المرجعة والعرضة الأخيرة:
شاءت إرادة الله تعالى -أن ينزل جبريل -عليه السلام- في رمضان من كل سنة ليقرئ النبي -صلى الله عليه وسلم- مانزل من القرآن الكريم، وبعد ذلك يتلو الرسول -صلى الله علية وسلم- على أصحابه، فيسمعون منه ويحفظون عنه، ويسجله بعضهم، حيث كانوا -رضوان الله عليهم- يتسابقون ويتنافسون في استظهاره ومدارسته وتفهمه حتى كان الذي يمر ببيوتهم في غسق الدجى، يسمع دوياً كدوي النحل من فرط حرصهم على تلاوة كتاب الله -عو وجل- وكان الرسول-صلى الله عليه وسلم- وذكي فيهم هذه الروح، حتى إذا كان آخر رمضان شهده النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل فعرض عليه القران كله مرتين تأكيداً لترتيب سوره وآياته، فما انتقل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم محفوظ في الصدور ومكتوب في الألواح والسطور.
القيم الستفادة:-
1) الله -تعالى- حفظ القرآن الكريم من التحريف والتنزييف.
2) القرآن الكريم له تنزلان، الاول كان جمله واحد إلى بيت العون في السماء الدنيا، والثاني منجماً على مدى 23 سنة على الرسول -صلة الله عليه وسلم-.
3) الوحي إلى الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت تصاحبه بعض مظاهر الشدة والإرهاق.
4) لنزول القرآن الكريم منجماً حكماً كثيرة منها تثبيت قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتيسير الحفظ والإجابة هن أسئلة السائلين*
5) القران الكريم كان محفوظاً في الصدور والسطور قبل ان يحلق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى.
6) من ابرز كتاب الوحي زيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأُبيّ بن كعب، ومعاوية بن أبي سيفان، والزبير بن العوام، وعبدالله بن الأرقم، وعبدالله بن واحة -رضي الله عنهم- أجمعين.
7) جبريل -عليه السلام- عرض القرآن الكريم مرتين على النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنه التي انتقل فيها الى الرفيق الأعلى.