ناشر الخير
07-29-2010, 01:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاالْمُطَهَّرُونَ )
لقداختلف اهل العلم في تفسير هذه الآية على قولين :
1 -أن المقصود الكتاب الذي في السماء لايمسه إلا الملائكة .
2 -أن المقصود القرآن لا يمسه إلا الطاهر أما المحدث حدثا أكبرأو أصغر على خلاف بين أهل العلم فإنه لا يمسه .
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية في " شرح العمدة (1/384) القول الأول ، فقال :
والصحيح اللوح المحفوظ الذي في السماءمراد من هذه الآية وكذلك الملائكة مرادون من قوله المهطرون لوجوه :
أحدهما : إن هذا تفسير جماهير السلف من الصحابة ومن بعدهم حتى الفقهاء الذين قالوا : لا يمس القرآن إلا طاهر من أئمة المذاهب صرحوا بذلك وشبهوا هذه الآية بقوله : " كَلَّا إِنَّهَا . تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ " [ عبس : 11 - 16] .
وثانيها :أنه أخبر أن القرآن جميعه في كتاب ، وحين نزلت هذه الآية لم يكن نزل إلا بعض المكي منه ، ولم يجمع جميعه في المصحف إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
وثالثها :أنه قال : " فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ " [ الواقعة : 78] ،والمكنون : المصون المحرر الذي لا تناله أيدي المضلين ؛ فهذه صفة اللوح المحفوظ .
ورابعها :أن قوله : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] ، صفةللكتاب ، ولو كان معناها الأمر ، لم يصح الوصف بها ، وإنما يوصف بالجملة الخبرية .
وخامسها :أنه لو كان معنى الكلام الأمر لقيل : فلا يمسه لتوسط الأمر بما قبله .
وسادسها :أنه لو قال : " الْمُطَهَّرُونَ " وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم ،ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل : المتطهرون ، كما قال تعالى : " فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " [التوبة :108] ، وقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222] .
وسابعها :أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه .
وقال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (2/417) :
قلت : مثاله قوله تعالى : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] قال - يقصدالإمام ابن القيم شيخَ الإسلام - : والصحيح في الآية أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة :
- منها :أنه وصفه بأنه مكنون والمكنون المستور عن العيون وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة .
- ومنها : أنه قال : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] ، وهم الملائكة ، ولو أرادالمتوضئين لقال : لا يمسه إلا المتطهرون ، كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222] . فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون .
- ومنها :أن هذا إخبار ، ولو كان نهيا لقال : لا يمسه بالجزم ، والأصل في الخبر أن يكون خبرا صورة ومعنى .
- ومنها :أن هذا رد على من قال : إن الشيطان جاء بهذا القرآن ؛ فأخبر تعالى : أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين ، ولا وصول لها إليه كما قال تعالى في آية الشعراء : " وَمَا تَنَزَّلَتْبهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [ عراء : 210 - 211] وإنما تناله الأرواح المطهرة وهم الملائكة .
- ومنها :أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس : " فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍمُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ " [ عبس : 12 - 16] ، قال مالك في موطئه : أحسن ما سمعت في تفسير : " لَا يَمَسُّهُ إالْمُطَهَّرُونَ " أنهامثل هذه الآية التي في سورة عبس :
- ومنها :أن الآية مكية من سورة مكية تتضمن تقريرالتوحيد والنبوة والمعاد ، وإثبات الصانع ، والرد على الكفار ، وهذا المعني أليق بالمقصود من فرع عملي وهو حكم مس المحدث المصحف .
- ومنها :أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة إذ من المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب حقا أو باطلا بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله لا يصل إليه شيطان ، ولا ينال منه ، ولايمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية ؛ فهذا المعنى أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلاشك .ا.هـ.
والله أعلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاالْمُطَهَّرُونَ )
لقداختلف اهل العلم في تفسير هذه الآية على قولين :
1 -أن المقصود الكتاب الذي في السماء لايمسه إلا الملائكة .
2 -أن المقصود القرآن لا يمسه إلا الطاهر أما المحدث حدثا أكبرأو أصغر على خلاف بين أهل العلم فإنه لا يمسه .
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية في " شرح العمدة (1/384) القول الأول ، فقال :
والصحيح اللوح المحفوظ الذي في السماءمراد من هذه الآية وكذلك الملائكة مرادون من قوله المهطرون لوجوه :
أحدهما : إن هذا تفسير جماهير السلف من الصحابة ومن بعدهم حتى الفقهاء الذين قالوا : لا يمس القرآن إلا طاهر من أئمة المذاهب صرحوا بذلك وشبهوا هذه الآية بقوله : " كَلَّا إِنَّهَا . تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ " [ عبس : 11 - 16] .
وثانيها :أنه أخبر أن القرآن جميعه في كتاب ، وحين نزلت هذه الآية لم يكن نزل إلا بعض المكي منه ، ولم يجمع جميعه في المصحف إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
وثالثها :أنه قال : " فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ " [ الواقعة : 78] ،والمكنون : المصون المحرر الذي لا تناله أيدي المضلين ؛ فهذه صفة اللوح المحفوظ .
ورابعها :أن قوله : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] ، صفةللكتاب ، ولو كان معناها الأمر ، لم يصح الوصف بها ، وإنما يوصف بالجملة الخبرية .
وخامسها :أنه لو كان معنى الكلام الأمر لقيل : فلا يمسه لتوسط الأمر بما قبله .
وسادسها :أنه لو قال : " الْمُطَهَّرُونَ " وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم ،ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل : المتطهرون ، كما قال تعالى : " فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " [التوبة :108] ، وقال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222] .
وسابعها :أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه .
وقال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (2/417) :
قلت : مثاله قوله تعالى : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] قال - يقصدالإمام ابن القيم شيخَ الإسلام - : والصحيح في الآية أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة :
- منها :أنه وصفه بأنه مكنون والمكنون المستور عن العيون وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة .
- ومنها : أنه قال : " لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة :79] ، وهم الملائكة ، ولو أرادالمتوضئين لقال : لا يمسه إلا المتطهرون ، كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222] . فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون .
- ومنها :أن هذا إخبار ، ولو كان نهيا لقال : لا يمسه بالجزم ، والأصل في الخبر أن يكون خبرا صورة ومعنى .
- ومنها :أن هذا رد على من قال : إن الشيطان جاء بهذا القرآن ؛ فأخبر تعالى : أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين ، ولا وصول لها إليه كما قال تعالى في آية الشعراء : " وَمَا تَنَزَّلَتْبهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [ عراء : 210 - 211] وإنما تناله الأرواح المطهرة وهم الملائكة .
- ومنها :أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس : " فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍمُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ " [ عبس : 12 - 16] ، قال مالك في موطئه : أحسن ما سمعت في تفسير : " لَا يَمَسُّهُ إالْمُطَهَّرُونَ " أنهامثل هذه الآية التي في سورة عبس :
- ومنها :أن الآية مكية من سورة مكية تتضمن تقريرالتوحيد والنبوة والمعاد ، وإثبات الصانع ، والرد على الكفار ، وهذا المعني أليق بالمقصود من فرع عملي وهو حكم مس المحدث المصحف .
- ومنها :أنه لو أريد به الكتاب الذي بأيدي الناس لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة إذ من المعلوم أن كل كلام فهو قابل لأن يكون في كتاب حقا أو باطلا بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله لا يصل إليه شيطان ، ولا ينال منه ، ولايمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية ؛ فهذا المعنى أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلاشك .ا.هـ.
والله أعلم