omarhessouka
02-03-2012, 09:03 PM
قضية التعليم بمنظور عصري " عبدالله يحيى بخاري"
من الواضح أن هناك أزمة في التعليم تشترك فيها جميع المجتمعات، لكن أزمة التعليم في الدول النامية، ونحن منها، تحولت إلى كابوس مؤلم. من واجبي كأستاذ جامعي وأكاديمي سابق أن أبدي بعض ما اكتسبته من خبرة وتجربة في مجال التعليم.
هناك فرق كبير بين ما نقصده بكلمة «التعليم» وكلمة «التعلم». فأي نظام تعليمي جيد يقوم أساسا وقبل كل شيء على فكرة «التعلم»، وليس فكرة التعليم. والنظام التعليمي العصري هو الذي يتمكن من تعليم الطالب كيف «يعلم» نفسه ويستمر في التعلم حتى بعد مغادرته مدرسته أو جامعته.
التعليم كان هو ما يحدث في الكتاتيب «جمع كتاب». يجلس الشيخ أو المعلم ماسكا بعصاه أمام التلميذ الصغير ليلقنه ويعلمه الدرس، غالبا دون أن يفهم التلميذ الصغير ما يحفظه أو يتلقاه وهذا ما يحدث تقريبا في مدارسنا اليوم. أما التعلم فهو ما يجب أن يحدث الآن في المدارس العصرية. هنا يتحاور التلميذ مع أستاذه في مضمون ومحتويات الدرس أو المادة، وقيمتها وهدفها، ومدى الاستفادة منها في مستقبل حياته. عملية ديناميكية يترك للطالب فيها حرية النقد والتفكير.
وقد اتضح من التجربة أن الإصلاح الجزئي (بالتفاريق) في نظام التعليم لا ولن يجدي، إنما المطلوب تغيير جذري. مانحتاج إليه هو حملة على النظام المدرسي الحالي، حتى يمكننا إحلال نمط تعليمي جديد مناسب لهذا العصر محل الفكر التعليمي الحالي الذي يعتمد غالبا على علاقة مبهمة بين الطالب وأستاذه ومدرسته، وعلى مبادئ سلوكية عتيقة.
معلوم أن نقد نظام التعليم هو أسهل بكثير من إصلاحه. ولكن الشيء الذي قد يغيب عن بالنا هو أنه لا يمكن تحسين نظام التعليم بإصلاح بعض نواقصه كل على حدة وبالتدريج. فعملية (الترقيع) لا يمكن أن تحل المشكلة، إذ إن نظام التعليم يحتاج في الحقيقة إلى إعادة «تصميم» شاملة.
فطرق ومناهج التعليم المدرسي الحالي تهتم بأن يتقبل الطالب الفكر الحاضر فقط وأن يحترم الماضي ويقدره، بينما هي في الوقت نفسه لا تعير أهمية كافية لتعبئة الشباب وإعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل. فالتعليم العام بنمطه الحالي يترفع عن دراسة المشاكل الملحة في عالم اليوم والغد.
بهذا أصبح التعليم في الغالب معادلا للحفظ وتلقي المعلومات. وبذلك تحولت المدرسة بالنسبة للكثير من الطلبة إلى مجرد متاهة يجب عليهم المرور من خلالها لكي يحصلوا على حريتهم، بما في ذلك حريتهم في الدراسة وطلب المعرفة. لهذا السبب نجد أن المتفوقين في هذا النظام التعليمي هم في العادة المتفوقون في جميع الأحوال، بالرغم من هذا النظام العتيق ودون الحاجة إليه أساسا.
فغالبية مدارسنا ـــ كما في الدول النامية ـــ لاتهتم إلا بتلقين وبث المعلومات (والتعليمات)، حيـث يعامل فيها عقول الطلاب مثل معاملة الصناديق السوداء، أي ما يخرج منها يجب أن يساوي تماما ما كدس بداخلها. والواقع هو أن ما يحاول نظام التعليم جاهدا تدريسه للطالب، يستطيع الآن الحاسب الآلي وبعض المعدات الحديثة القيام به بصورة أفضل وأدق. فالحاسب الآلـي يستطيع أن يتذكر أكثر من عقل الطالب، ويستطيع أن يقوم بعمليات المقارنة والعمليات الحسابية بشكل أسرع وأدق من عقل الإنسان. ولكن يبدو أن مدرسينا قد نسوا أن «نسيان» الأمور غير المهمة أو غير الجوهرية هي إحدى أهم قدرات الإنسان وخصائصه.
لا شك في أن طلاب اليوم ـــ بخلاف طلاب العقود الماضية ـــ يأتون إلى مدارسهم ولديهم أفكارهم ونظرتهم وتوقعاتهم الخاصة بعالمهم، واهتماماتهم بأمور لها علاقة بواقعهم المحلي والعالمي، وهي أفكار واهتمامات لا تهتم بها للأسف مدارسهم ومناهجهم المدرسية.
فالمدرسة تنهكهم بأمور يستطيعون تعلمها بصورة أفضل بالاعتماد على أنفسهم لو تركت لهم الفرصة، بينما في نفس الوقت لا تهتم (المدرسة) بالأمور التي يصعب عليهم القيام بها دون مساعدة، مثل أن يوظفوا ما تعلموه لفهم عالمهم ودورهم فيه. فالمدرسة تعطيهم الإجابات عن أسئلة لا يسألونها، وتحجب عنهم الإجابة عن الأسئلة التي تؤرقهم. طالب اليوم يتعلم جيدا كيف يجيب على الأسئلة، ولكنه لا يتعلم أن يسأل، على الرغم من الحقيقة المعروفة أن المعرفة والتطور يعتمدان غالبا على نوعية الأسئلة التي نسألها أكثر من الإجابات التي نتلقاها.
فوق كل ذلك نجد أن أستاذ المدرسة لا يكلف نفسه كثيرا في ربط المعلومات ببعضها البعض. فعادة ما نجد أن المقرر في مادة ما قليلا أو نادرا ما يهتم بمادة أخرى أو حتى يشير إليهـا. فمثلا لا تقاس مقدرة الطالب في الإملاء إلا في مادة اللغة العربية، بينما لاتعطى لها أي أهميــة في مادة التاريخ. كذلك، نادرا ما يطلب مدرس الإنشاء من الطالب أن يكتب موضوعا (بحثا) في الجغرافيا أو التاريخ أو الفيزياء أو المواد الأخرى على سبيل المثال.
وللأسف لا يلاحظ أستاذ المدرسة أن مثل هذه التجزئة والفصل بين المواد الدراسية، إنما يرسخ في عقل الطالب الصغير الفكرة الخاطئة في أن المعرفة تتكون أساسا من الكثير من أجزاء غير مترابطة أو متصلة. لكن الواقع أنه من المهم للطالب إدراك الرابطة القوية بين هذه الأجزاء لكي تتحول المعلومات إلى معرفة، والمعرفة إلى استيعاب، والاستيعاب إلى حكمة.
وللموضوع بقية.
منقول للإفاده
و السلام عليكم
من الواضح أن هناك أزمة في التعليم تشترك فيها جميع المجتمعات، لكن أزمة التعليم في الدول النامية، ونحن منها، تحولت إلى كابوس مؤلم. من واجبي كأستاذ جامعي وأكاديمي سابق أن أبدي بعض ما اكتسبته من خبرة وتجربة في مجال التعليم.
هناك فرق كبير بين ما نقصده بكلمة «التعليم» وكلمة «التعلم». فأي نظام تعليمي جيد يقوم أساسا وقبل كل شيء على فكرة «التعلم»، وليس فكرة التعليم. والنظام التعليمي العصري هو الذي يتمكن من تعليم الطالب كيف «يعلم» نفسه ويستمر في التعلم حتى بعد مغادرته مدرسته أو جامعته.
التعليم كان هو ما يحدث في الكتاتيب «جمع كتاب». يجلس الشيخ أو المعلم ماسكا بعصاه أمام التلميذ الصغير ليلقنه ويعلمه الدرس، غالبا دون أن يفهم التلميذ الصغير ما يحفظه أو يتلقاه وهذا ما يحدث تقريبا في مدارسنا اليوم. أما التعلم فهو ما يجب أن يحدث الآن في المدارس العصرية. هنا يتحاور التلميذ مع أستاذه في مضمون ومحتويات الدرس أو المادة، وقيمتها وهدفها، ومدى الاستفادة منها في مستقبل حياته. عملية ديناميكية يترك للطالب فيها حرية النقد والتفكير.
وقد اتضح من التجربة أن الإصلاح الجزئي (بالتفاريق) في نظام التعليم لا ولن يجدي، إنما المطلوب تغيير جذري. مانحتاج إليه هو حملة على النظام المدرسي الحالي، حتى يمكننا إحلال نمط تعليمي جديد مناسب لهذا العصر محل الفكر التعليمي الحالي الذي يعتمد غالبا على علاقة مبهمة بين الطالب وأستاذه ومدرسته، وعلى مبادئ سلوكية عتيقة.
معلوم أن نقد نظام التعليم هو أسهل بكثير من إصلاحه. ولكن الشيء الذي قد يغيب عن بالنا هو أنه لا يمكن تحسين نظام التعليم بإصلاح بعض نواقصه كل على حدة وبالتدريج. فعملية (الترقيع) لا يمكن أن تحل المشكلة، إذ إن نظام التعليم يحتاج في الحقيقة إلى إعادة «تصميم» شاملة.
فطرق ومناهج التعليم المدرسي الحالي تهتم بأن يتقبل الطالب الفكر الحاضر فقط وأن يحترم الماضي ويقدره، بينما هي في الوقت نفسه لا تعير أهمية كافية لتعبئة الشباب وإعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل. فالتعليم العام بنمطه الحالي يترفع عن دراسة المشاكل الملحة في عالم اليوم والغد.
بهذا أصبح التعليم في الغالب معادلا للحفظ وتلقي المعلومات. وبذلك تحولت المدرسة بالنسبة للكثير من الطلبة إلى مجرد متاهة يجب عليهم المرور من خلالها لكي يحصلوا على حريتهم، بما في ذلك حريتهم في الدراسة وطلب المعرفة. لهذا السبب نجد أن المتفوقين في هذا النظام التعليمي هم في العادة المتفوقون في جميع الأحوال، بالرغم من هذا النظام العتيق ودون الحاجة إليه أساسا.
فغالبية مدارسنا ـــ كما في الدول النامية ـــ لاتهتم إلا بتلقين وبث المعلومات (والتعليمات)، حيـث يعامل فيها عقول الطلاب مثل معاملة الصناديق السوداء، أي ما يخرج منها يجب أن يساوي تماما ما كدس بداخلها. والواقع هو أن ما يحاول نظام التعليم جاهدا تدريسه للطالب، يستطيع الآن الحاسب الآلي وبعض المعدات الحديثة القيام به بصورة أفضل وأدق. فالحاسب الآلـي يستطيع أن يتذكر أكثر من عقل الطالب، ويستطيع أن يقوم بعمليات المقارنة والعمليات الحسابية بشكل أسرع وأدق من عقل الإنسان. ولكن يبدو أن مدرسينا قد نسوا أن «نسيان» الأمور غير المهمة أو غير الجوهرية هي إحدى أهم قدرات الإنسان وخصائصه.
لا شك في أن طلاب اليوم ـــ بخلاف طلاب العقود الماضية ـــ يأتون إلى مدارسهم ولديهم أفكارهم ونظرتهم وتوقعاتهم الخاصة بعالمهم، واهتماماتهم بأمور لها علاقة بواقعهم المحلي والعالمي، وهي أفكار واهتمامات لا تهتم بها للأسف مدارسهم ومناهجهم المدرسية.
فالمدرسة تنهكهم بأمور يستطيعون تعلمها بصورة أفضل بالاعتماد على أنفسهم لو تركت لهم الفرصة، بينما في نفس الوقت لا تهتم (المدرسة) بالأمور التي يصعب عليهم القيام بها دون مساعدة، مثل أن يوظفوا ما تعلموه لفهم عالمهم ودورهم فيه. فالمدرسة تعطيهم الإجابات عن أسئلة لا يسألونها، وتحجب عنهم الإجابة عن الأسئلة التي تؤرقهم. طالب اليوم يتعلم جيدا كيف يجيب على الأسئلة، ولكنه لا يتعلم أن يسأل، على الرغم من الحقيقة المعروفة أن المعرفة والتطور يعتمدان غالبا على نوعية الأسئلة التي نسألها أكثر من الإجابات التي نتلقاها.
فوق كل ذلك نجد أن أستاذ المدرسة لا يكلف نفسه كثيرا في ربط المعلومات ببعضها البعض. فعادة ما نجد أن المقرر في مادة ما قليلا أو نادرا ما يهتم بمادة أخرى أو حتى يشير إليهـا. فمثلا لا تقاس مقدرة الطالب في الإملاء إلا في مادة اللغة العربية، بينما لاتعطى لها أي أهميــة في مادة التاريخ. كذلك، نادرا ما يطلب مدرس الإنشاء من الطالب أن يكتب موضوعا (بحثا) في الجغرافيا أو التاريخ أو الفيزياء أو المواد الأخرى على سبيل المثال.
وللأسف لا يلاحظ أستاذ المدرسة أن مثل هذه التجزئة والفصل بين المواد الدراسية، إنما يرسخ في عقل الطالب الصغير الفكرة الخاطئة في أن المعرفة تتكون أساسا من الكثير من أجزاء غير مترابطة أو متصلة. لكن الواقع أنه من المهم للطالب إدراك الرابطة القوية بين هذه الأجزاء لكي تتحول المعلومات إلى معرفة، والمعرفة إلى استيعاب، والاستيعاب إلى حكمة.
وللموضوع بقية.
منقول للإفاده
و السلام عليكم