الثلايا
12-16-2011, 01:27 AM
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcSkFP1xMouohb_43b9O4027t_KtHu9TM Sca_rWzzCJmyffCYjEg (http://www.monms.com/vb)
بلقيس ملكة اليمن
هناك فوق مشارف الأرض، وبين أفياء الثمر وخمائل الزهر وفسحات الأودية، ومَسَايل الماء قامت مدينة مَأْرِب عاصمة اليمن، وقبلة أقيالها، ومستقر عواهلها.
بين يدي هذه المدينة الغانية امتدَّ سدُّ مأْرب.
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcTzLhMz2FJzJj0ASsNBY_kokM3jPFSXo OArDRec3v9VybrQvfZMmQ (http://www.monms.com/vb)
مطلع الحضارة القديمة، وآيتها الناطقة. وأدنى ما يقال عنه أنه ثلاثون قنطرة ذراعها ثلاثة أميال في مثلها قد انبسط على جانبيه جنبتان، هما صُنع الله وآيته وحجته على تلك الأمة الوثَّابة الطَّموح. ومن حول هاتين الجنتين، وبين أفيائهما، انتثرت قصور مأرب، تلك التي جاذبت دور مصر دقة الوضع، وجلال الصنع، والنزوع إلى السماء، ونازعت قصور فارس حُسن النسق، وروعة المنظر، وجمال البناء.
تلك هي مأْرب دارةُ الملك اليمني في هد بلقيس ابنة الْيَشْرَح أنفذ ملوك اليمن رأيا، وأسناهم ذكرا، وأهداهم سبيلا.
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcR4gOxfS_siNkPOZyjMFzbXQfS-yyKCjbuTcO-Kxv4b8OFxJ0IM (http://www.monms.com/vb)
ورثت بلقيس عرش زوجها وأبيها، وما كان لها بهما من حاجة. اتخذت لنفسها عرشاً بلغ من إبداع صنعه. وجمال نسقه، أن وصفه الله جل ذكره بالعظمة فقال: (وأُوتِيَتْ مِنْ كُلَّ شَيءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).
https://encrypted-tbn1.google.com/images?q=tbn:ANd9GcRRsl40VulSQ_2u8zfbMot6U-PyWN9oWAU7JY2_nDhAd1_o3NiO (http://www.monms.com/vb)
وهو الذي يصفه تُبع بقوله:
عرشُها رافعُ ثمانين باعا ... كَلَّلَته بجوهر وفريد
وبدُرّ قد قَيَّدَته وياقو ... تٍ بالتَّبر أيَّمَا تقييد
أقامت بلقيس في ملكها خمس عشرة عاماً بلغت فيها من جلال الصولة وكمال القوّة أنها ركبت إلى سليمان صلوات الله عليه سار في ركابها مائة ألف من أمراء اليمن.
أما وفور عقلها، ومضاء عزمها، وسناء منزلتها، واستمكانها من نفوس رعيَّتها فقد بلغ من أمره: أن سليمان حين أرسل إليها يُؤذنُها بدينه، ويدعوها إلى سُنته كان كلُّ ما كتب إليها: (إنَّهُ مِن سُلْيمَانَ وإنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرحيم ألا تَعْلُوا عَلىَّ وأُتوني مُسْلِمِين).
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcRSOces-hKEz4barz7hnPaOmlufjFrjVCwiRdD_9_ygt1vgsguw9A (http://www.monms.com/vb)
فأما هي فلم تأخذ العزة بالإثم ولم يَنَلْ من نفسها أنّ الكتاب لم يحو تَكْرِمَةً وتبجيلاً، ولم يذهب برُشدها أن صاحب الكتاب ليس له في ذات نفسها من بسطة الملك وقوة السلطان ما لها. بل جمعت كل من يلوذون بطاعتها من الملوك - وكان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر أقيال اليمن - وبرغم كل ما أسلفناه من أمر الكتاب أحلته محلاً كريماً فقالت: (يا أَيُّها المَلأُ إنّي أُلْقِي إليَّ كِتَاب كريم) ثم انثنت إليهم ذلك فقالت: (يَا أيُّها المَلأُ أَفْتُوني في أمْرِي ما كُنْتُ قاطعةً أمْراً حَتَّى تَشْهَدون) أما هم فوقفوا دون رأيها، ونزلوا تحت أمرها، فقالوا: (نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأُسٍ شَدِيدٍ والأَمْرُ إلَيْكِ فاْنظُري ماذا تأُمُرين).
https://encrypted-tbn1.google.com/images?q=tbn:ANd9GcQsX-7b68IR-XHxxBSPxYnLzfi1hSJPjvovByFfxK1giTnxUQp7 (http://www.monms.com/vb)
هنالك بسطت لهم أمر الحرب، وأنها مدعاة دمار الديار، ومَتْلَفَةَ البلاد والعباد فقالت: (إنَّ الْمُلُوك إذا دَخَلُوا قَرْيةً أْفسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِهَا أذِلَّةً وكَذلِكَ يَفْعَلُون) ثم كشفت لهم عن وجه الرأي فقالت: (وإني مُرْسِلةٌ إلَيْهِمْ بهدِيَّةٍ) كفيلة بأن تصرف ذوي المطامع وتجتذب بُغَاةَ الدنيا فإن صرفته عن قصده فهو ملك ولنا من بأسنا وقوّتنا ما يَثُل عرشه ويَفل غربه وإن ردَّها وصُرف عنها فعسى أن يكون نبياً يُبصرنا الحجة، ويهدينا سواء السبيل.
فلما جاءت رُسُلها سليمان بهديتها التي جمعت من كل شيء أسناه وأتمة قال: (أُتمدٌّونني بما فما آتاني اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أْنتمْ بِهَديِتكُمْ تَفْرَحُون).
حتى إذا استبانت بلقيس وضح الهدى من سليمان تَبدّلت بدين آبائها دينَ الله وكان ذلك سبيلا إلى طمس آية المجوسية بين أرجاء اليمن.
تلك آيات من الذكر الحكيم قامت بفضل المرأة، ورجاحة عقلها، وسماحة رأيها، وأن قوة الشوكة وعزة الملك لم تصرفاها عن ابتغاء الحق أيّاً كان سبيله، ومن أّي كان مفيضه.
ولئن صح ما روى الفخر الرازي: أن بلقيس هي التي مدّت سدّ مأرب وجعلته
طبقات ثلاثا بعضها فوق بعض لتكوننَّ تلك المرأة مهبط وحي العظمة ومشرق نور الحضارة في العالم كله. فأما ما بُنى قبل ذلك فجبال تعترض سَرَوَات الطرق، وترهق مناسم الأرواح، نُشرت على هاماتها ألوية الظلم ونُزفت على أقطارها دماء الضعفاء.
تلك هي بلقيس ربة القوم الذين رضوا الزمان ومدّوا سدّ العَرم وشادوا قصر غمدان.
================================================== =
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِين}
{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين}
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين}
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم}
{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُون}
{أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُون}
{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم}
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِين}
{اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون}
{قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيم}
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}
{أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين}
{قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُون}
{قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِين}
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون}
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُون}
{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون}
{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون}
{قَالَ يَاأَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِين}
{قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِين}
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم}
{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُون}
{فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِين}
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِين}
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}
بلقيس ملكة اليمن
هناك فوق مشارف الأرض، وبين أفياء الثمر وخمائل الزهر وفسحات الأودية، ومَسَايل الماء قامت مدينة مَأْرِب عاصمة اليمن، وقبلة أقيالها، ومستقر عواهلها.
بين يدي هذه المدينة الغانية امتدَّ سدُّ مأْرب.
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcTzLhMz2FJzJj0ASsNBY_kokM3jPFSXo OArDRec3v9VybrQvfZMmQ (http://www.monms.com/vb)
مطلع الحضارة القديمة، وآيتها الناطقة. وأدنى ما يقال عنه أنه ثلاثون قنطرة ذراعها ثلاثة أميال في مثلها قد انبسط على جانبيه جنبتان، هما صُنع الله وآيته وحجته على تلك الأمة الوثَّابة الطَّموح. ومن حول هاتين الجنتين، وبين أفيائهما، انتثرت قصور مأرب، تلك التي جاذبت دور مصر دقة الوضع، وجلال الصنع، والنزوع إلى السماء، ونازعت قصور فارس حُسن النسق، وروعة المنظر، وجمال البناء.
تلك هي مأْرب دارةُ الملك اليمني في هد بلقيس ابنة الْيَشْرَح أنفذ ملوك اليمن رأيا، وأسناهم ذكرا، وأهداهم سبيلا.
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcR4gOxfS_siNkPOZyjMFzbXQfS-yyKCjbuTcO-Kxv4b8OFxJ0IM (http://www.monms.com/vb)
ورثت بلقيس عرش زوجها وأبيها، وما كان لها بهما من حاجة. اتخذت لنفسها عرشاً بلغ من إبداع صنعه. وجمال نسقه، أن وصفه الله جل ذكره بالعظمة فقال: (وأُوتِيَتْ مِنْ كُلَّ شَيءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).
https://encrypted-tbn1.google.com/images?q=tbn:ANd9GcRRsl40VulSQ_2u8zfbMot6U-PyWN9oWAU7JY2_nDhAd1_o3NiO (http://www.monms.com/vb)
وهو الذي يصفه تُبع بقوله:
عرشُها رافعُ ثمانين باعا ... كَلَّلَته بجوهر وفريد
وبدُرّ قد قَيَّدَته وياقو ... تٍ بالتَّبر أيَّمَا تقييد
أقامت بلقيس في ملكها خمس عشرة عاماً بلغت فيها من جلال الصولة وكمال القوّة أنها ركبت إلى سليمان صلوات الله عليه سار في ركابها مائة ألف من أمراء اليمن.
أما وفور عقلها، ومضاء عزمها، وسناء منزلتها، واستمكانها من نفوس رعيَّتها فقد بلغ من أمره: أن سليمان حين أرسل إليها يُؤذنُها بدينه، ويدعوها إلى سُنته كان كلُّ ما كتب إليها: (إنَّهُ مِن سُلْيمَانَ وإنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَّحمن الرحيم ألا تَعْلُوا عَلىَّ وأُتوني مُسْلِمِين).
https://encrypted-tbn3.google.com/images?q=tbn:ANd9GcRSOces-hKEz4barz7hnPaOmlufjFrjVCwiRdD_9_ygt1vgsguw9A (http://www.monms.com/vb)
فأما هي فلم تأخذ العزة بالإثم ولم يَنَلْ من نفسها أنّ الكتاب لم يحو تَكْرِمَةً وتبجيلاً، ولم يذهب برُشدها أن صاحب الكتاب ليس له في ذات نفسها من بسطة الملك وقوة السلطان ما لها. بل جمعت كل من يلوذون بطاعتها من الملوك - وكان أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر أقيال اليمن - وبرغم كل ما أسلفناه من أمر الكتاب أحلته محلاً كريماً فقالت: (يا أَيُّها المَلأُ إنّي أُلْقِي إليَّ كِتَاب كريم) ثم انثنت إليهم ذلك فقالت: (يَا أيُّها المَلأُ أَفْتُوني في أمْرِي ما كُنْتُ قاطعةً أمْراً حَتَّى تَشْهَدون) أما هم فوقفوا دون رأيها، ونزلوا تحت أمرها، فقالوا: (نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأُسٍ شَدِيدٍ والأَمْرُ إلَيْكِ فاْنظُري ماذا تأُمُرين).
https://encrypted-tbn1.google.com/images?q=tbn:ANd9GcQsX-7b68IR-XHxxBSPxYnLzfi1hSJPjvovByFfxK1giTnxUQp7 (http://www.monms.com/vb)
هنالك بسطت لهم أمر الحرب، وأنها مدعاة دمار الديار، ومَتْلَفَةَ البلاد والعباد فقالت: (إنَّ الْمُلُوك إذا دَخَلُوا قَرْيةً أْفسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِهَا أذِلَّةً وكَذلِكَ يَفْعَلُون) ثم كشفت لهم عن وجه الرأي فقالت: (وإني مُرْسِلةٌ إلَيْهِمْ بهدِيَّةٍ) كفيلة بأن تصرف ذوي المطامع وتجتذب بُغَاةَ الدنيا فإن صرفته عن قصده فهو ملك ولنا من بأسنا وقوّتنا ما يَثُل عرشه ويَفل غربه وإن ردَّها وصُرف عنها فعسى أن يكون نبياً يُبصرنا الحجة، ويهدينا سواء السبيل.
فلما جاءت رُسُلها سليمان بهديتها التي جمعت من كل شيء أسناه وأتمة قال: (أُتمدٌّونني بما فما آتاني اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أْنتمْ بِهَديِتكُمْ تَفْرَحُون).
حتى إذا استبانت بلقيس وضح الهدى من سليمان تَبدّلت بدين آبائها دينَ الله وكان ذلك سبيلا إلى طمس آية المجوسية بين أرجاء اليمن.
تلك آيات من الذكر الحكيم قامت بفضل المرأة، ورجاحة عقلها، وسماحة رأيها، وأن قوة الشوكة وعزة الملك لم تصرفاها عن ابتغاء الحق أيّاً كان سبيله، ومن أّي كان مفيضه.
ولئن صح ما روى الفخر الرازي: أن بلقيس هي التي مدّت سدّ مأرب وجعلته
طبقات ثلاثا بعضها فوق بعض لتكوننَّ تلك المرأة مهبط وحي العظمة ومشرق نور الحضارة في العالم كله. فأما ما بُنى قبل ذلك فجبال تعترض سَرَوَات الطرق، وترهق مناسم الأرواح، نُشرت على هاماتها ألوية الظلم ونُزفت على أقطارها دماء الضعفاء.
تلك هي بلقيس ربة القوم الذين رضوا الزمان ومدّوا سدّ العَرم وشادوا قصر غمدان.
================================================== =
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِين}
{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين}
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين}
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم}
{وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُون}
{أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُون}
{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم}
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِين}
{اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُون}
{قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيم}
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}
{أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِين}
{قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُون}
{قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِين}
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون}
{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُون}
{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُون}
{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون}
{قَالَ يَاأَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِين}
{قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِين}
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم}
{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُون}
{فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِين}
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِين}
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}