من أحكام التجمّلِ الذي وردَ فيهِ نصوصٌ عديدة ، سواءٌ من احاديثَ نبوية أو آثار سلفية ،
والأسئلة تتكرر وتكثر؛ولذا رأيت أن أجيب عن مجموعة من الأسئلة عن النمص بتأصيل وبعرض للموضوع من جميع جهاته.
كثيرٌ من الأخواتِ الحريصات - بارك الله فيهنّ - ونسأل الله أن يفقهنا وإياهنّ ، وأن يعصمنا من الزلل والخلل ، وأن يجعلنا ممن يفتخر بدينه ، وقّافاً عند مرضاة الله - جل في علاه -. كثيرمن الأخوات يسألنّ عن :
حكم النمص؟
وهل النمص خاص بالوجه؟
بل بعضهن يضيق السؤال فيقول هل هو خاص بالحواجب؟
وإذا نمصت وزوجي يقبل ويأذن وأنا لا أنمص للنساء وإنما أنمص لزوجي لأتزين له فهل هذا مشروع أم ممنوع ؟
وإذا كان النمص ممنوعاً فهل ما يسمى بالتشقير - وسيأتي بيانه - مأذونٌ فيه أم ممنوع منه؟
هذه الأسئلة وغيرها مما يندرج - إن شاء الله تعالى- تحت موضوع من مواضيع هذا الدرس ، أقول :
النمص في اللغة أصل يدل على رقة الشيء ونتفه ، فالنمص العمل على تدقيق الشعر ورقته ، وقد قال بعض أئمة اللغة كالفرّاء قال :" النامصةُ هي التي تنتف الشعر من الوجه" كما في اللسان وتاج العروس وغيرها من المعاجم ، وفي المعاجم تنمصّت المرأة ونَمُصَت ،أمرأةٌ نمصاء أي تأمر نامصة فتنمص شعروجهها أي تأخذه بخيط ، وليست العبرة بوسيلة الأخذ ، فلا فرق بين أن تأخذه بخيط أو أنتأخذه مثلاً بملقط ؛ أو أن تأخذه بشيء آخر،كأن تضع مثلاً مواد على وجهها لإزالة هذاالشعر .
والنمص والتزيّن به قديم ، ولذا جاء التحذير منه على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عدّة أحاديث ؛ من أشهرها ما أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما بسنديهما إلى علقمة* قال :سمعت عبدالله وهو ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه - يقول:- يقول علقمة -" لعن عبدالله - أي ابن مسعود - الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن"، ولنا كلمة عن الوشم وأحكام الوشم وعن التفلج تفليج الأسنان للحسن تأتي لاحقةً - إن شاء الله -.
يقول علقمة:" لعن عبدالله أي - ابن مسعود - الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، فقالت أمرأة تُكْنى أم يعقوب - وكانت تابعيّةً قارئةً ، القراءة في التابعين كانت أكثر منها في الصحابة ، وكانت القراءة في الرجال والنساء -، فقالت أمرأة لما سمعت ابن مسعوديقول :"لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ، قالت أم يعقوب : ما هذا !قال عبدالله بن مسعود: مالي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كتاب الله، فقد لعن رسول الله من لعنته، ووقع اللعن في كتاب الله،-
وكتاب الله عند السلف ، ليس هو القرءان فقط ؛ وإنما كتاب الله على ألسنة السلف كما قرر ابن القيّم في شرحه لكتاب عمر في القضاء الذي وجهه إلى أبي موسى الأشعري قال :" كتاب الله عند الصحابة إنما هو القرءان والسنّة "- قالت له أم يعقوب : ما هذا؟ تتكلم بكلام أنّ الله لعن النامصة ، فقال ابن مسعود: "مالي لا ألعن من لعن رسو ل الله وفي كتاب الله ،قالت والله لقد قرأت كتاب الله ما بين الدفتين فما وجدته "؛- أنا قارئة وقرأت القرءان هو قال كتاب الله ، قالت كتاب الله ، ظنت أن كتاب الله محصور في القرءان- قالت : والله لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدته فقال : والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)ثم قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم-"يلعن الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ".
بناءً على هذا الحديث وغيره ؛ وسيأتي بعض ما ورد في هذا الباب أجمع أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة المتبعون ،أجمعوا على أنّ النمص حرام ، على خلاف وقع بينهم في بعض المذاهب في بعض التفاصيل، لكنّ أهل العلم لم يحلل واحد منهم النمص ؛ بل جعلواالنمص كبيرة من الكبائر لأن الذنب الذي ورد فيه اللعن هو كبيرة؛ فكل ذنب ورد فيه لعن أو تهديد بالنار أو ترتب عليه حد من الحدود، فهو كبيرة من الكبائر.
بعض العلماء قال :"النمص ممنوع لغيرالزوج"؛ فجوّز للمرأة أن تنمص لزوجها وهذا كلام باطل ؛ فيه تقييد للإطلاق على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه إتكاء واعتماد على أثر لم يصح ولم يثبتعن عائشة - رضي الله عنها- من جوّز للمرأة أن تنمص لزوجها ، وحرّم النمص للأجانب اعتمدعلى ما أخرجه ابن جريرعن امرأة أبي اسحاق" أنها دخلت على عائشة -رضي الله عنها-وكانت شابه يعجبها الجمال فقالت : المرأة تحف جبينها لزوجها ، فقالت لها عائشة -رضي الله تعالى عنها - أميطي عنك الأذى ما استطعت" ،وهذا الأثر لم يثبت على قواعد أهل الصنعة الحديثية ؛ ولم يصح عن عائشة،إسناده مظلم ، والثابت في مسند أحمد في المجلد السادس صفحة سبعة وخمسين عن عائشة - رضي الله عنها- قالت : " كان النبي -صلىالله عليه وسلم -ينهى عن النامصة والمتنمصة"
فالذي صحّ عن عائشة أنها رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيه عن النامصة والمتنمصة والأصل في النهي الحرمة مالم تأتِ قرينةٌ تصرفه عن ذلك ، ويؤكد ذلك ما جرى من تفصيل في بعض الروايات عند أبي داوود والدارمي ما ورد من تفصيل جرى بين أم يعقوب وابن مسعود.